المقالات الأخيرة

“لقاء مارس 02: تواشجات” دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

“لقاء مارس 02: تواشجات”

دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

فيما يشبه الالتزام الأخلاقي والجمالي، تبنى لقاء مارس السنوي، الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، في دورته الجديدة التي انتهت أنشطتها قبل أيام، طيفًا واسعًا من القضايا والموضوعات والنقاشات وعروض الأداء، التي لئن اختلفت وتعددت وتنوعت، إلا أنها تذهب كلها إلى منطقة واحدة،...

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

جمالية العطور… كيف تصبح العطور أعمالًا فنية؟

بواسطة | يوليو 1, 2023 | فضاءات

إن الموضوع يتطلب حوارًا حتى بين «الأنوف» أنفسهم. فهل هم فنانون في أوج التفتّح؟ أيمكن لنشاطهم أن يرتقي إلى مرتبة الفنون الجميلة؟ بحث عن وسط غريب، اقتربنا فيه بحماسة من قانون الفنان مع نسج علاقات حافزة بالفن الحديث والمعاصر… لقد احتقر الفيلسوف دائمًا صانع العطور. وقد سبق لأرسطو أن أخرج العطر من دائرة الجمال. أما كانط فحكم عليه بأنه غير نافع وكريه، وأرجعه إلى صف جمالية الممتع l,agréable وليس إلى الجميل le beau بحجة أن حاسة الشمّ، الحاسة المألوفة، لن تكون قادرة على إثارة التأمّل أو أحلام اليقظة (يشاطر هيغل كانط هذا الرأي). «سيكون من الصعب ذكر مؤلَّف فلسفي واحد يدور حول قدرة الشم هذه. ويبدو أن ثيو فراست الذي كتب بحثًا عن العطور في العصور الوسطى، حالة استثنائية. ولكن من يقول هذا اليوم؟»، تتساءل شانتال جاكي في كتابها «فلسفة الشمّ» (المنشورات الجامعية الفرنسية، 2010م). ومع ذلك فقد عمل العطر كل ما في وسعه ليظهر شيئًا آخر غير فن بسيط للمتعة.

لقد كان لصانع العطور، ولزمن طويل، نوع من القرابة مع الصيدلي وعالِم النبات: لم يكن سوى مجمِّع، يخلط المكوّنات، يطبق بحكمة وصفات موروثة عن القدماء. ولكن في عام 1810م، صدر مرسوم نابليون الإمبراطوري الذي أفضى إلى استقلالية صناعة العطور مُرْغِمًا صانع العطور على التخلي عن التوصية العلاجية الوحيدة لتركيبته. لم يعد العطر مادة للعلاج بل أصبح بإمكانه أن يفرض نفسه موضوعًا جماليًّا.

المرحلة الثانية، والحاسمة على الأقل، في هذا التحوّل تتمثل في اكتشاف ذرات تركيب أواسط القرن التاسع عشر. إن الطاقة التعبيرية لعطورية تتصف بالهذيان، ترفض حدود الخيال وذلك بتحرير العطور من الرجوع إلى الطبيعة. وبفضل هذه الذرات الكيميائية، لم يعد صانع العطور مقلِّدًا ماهرًا فحسب، بل أصبح بإمكانه أن يصير مكتشفًا عالمًا، وفنّانًا ذا مكانة عالية… «لقد سمح التركيب لصانع العطور بالتفكير في العطور بطريقة مختلفة» كما يؤكد ذلك جون كلود إللينا، الأنف المشهور الذي عمل لمدة طويلة ضمن دار Hermès. لقد بدأ النظر إلى هذا الفنّ يتغير بدقّة. «مع Jaky (1889)، استُقبِل عطر Guerlain، مع «التشويه» الذي أحدثته مواد التركيب وكأنه عمل فنّي»، تتابع Annick Le Guerere، مؤرخة العطور.

وكأن العطر يطمح فجأة إلى أن يصبح شيئًا عظيمًا. وعلى منوال خيال أدبي أو شعري، فإنه تخلى حتى عن وصف (ماء الألف زهرة) ليفضل أوصافًا شاعرية أو داعية إلى السفر. إن شيئًا ما قد تغير في النظر إلى صانع العطور، كما يشهد على ذلك أدب العصر. «لقد كان صانع العطور، مع بداية القرن التاسع عشر، بطل رواية بلزاك، سيزار بيروتو (1837م): بائع، لا يهتم بالجمال، كما تقول المؤرخة أوجيني بريوت. ومع نهاية القرن، بدأت صورة صانع العطور تتجسّد في صورة جان دي سينتس، الشخصية العُصابية لرواية «À rebours» لـHuysmans، الذي يضاعف تجاربه الشمية. لقد تأكّد أن صانع العطور، في الخيال، باعتباره فنانًا».

وسيغيّر شخص النظرة إلى صناعة العطور نهائيًّا. Edmond Roudnitska (1905– 1996م) صانع العطور الجمالي الأول، مركّب رائحة Femme لـ Rochas، أو عطر Diorissimo وعطر Eau sauvage لـ Dior، وسيطالب بقوة بصفة فنّان. إنه لا «يفكر» في العطر ويتخيّل شبكة للقراءة للحكم على أصالته أو جودته (البساطة التي تبهر معيار من معاييره)، ولكنه يرفعه أيضًا إلى أعلى مستوى الجمالية. وعندما اخترع عطر Diorissimo بخطة مفهومية ورزينة، أورد قصة تتجاوز صناعة العطور، قصة زنبق الوادي من ولادته إلى مماته. ففي كتابه « l’Esthetique en question» (1977م) يبيّن كيف أن «حظوة العطور الشهيرة، مثل حظوة الموسيقا الجميلة، حظوة كونية»، وأن المعطيات الجوهرية للشم تسمح بتأسيس جمالية شمية. ويحاول صانع العطور فيها إعطاء تعريف للعطر الشهير: «تركيب تكون فيه النِّسب فرحة والشكل أصيلًا». وإجمالًا، هندسة رائعة.

إبراز عطر جمالي

ما دام أن حاسّة الشم لا بدّ أن تُهذَّب وتثقَّف، فبإمكانها أن تقدِّم حكمًا ذوقيًّا أصيلًا- نشر Roudnitska بعض المؤلفات العالمة وفي أغلب الأحيان الصعبة، ولكنه نشر أيضًا كتابًا في سلسلة «ما أعرف Que sais-je,» بعنوان «العطر»- وتقدِّم نقدًا حقيقيًّا، مثلما تنتقد جميع أشكال الفنّ. وعلى خطى المعلِّم، الذي تُوفّي سنة 1996م، حرّرت جماعة كوليزي، وهي تجمُّع شهير لصانعي العطور يقوده بيير بوردون، موريس روسيل، وألبيرتو مورياس، عام 1988م، بيانًا قصيرًا: قضايا صناعة العطور– دراسات في فنّ الإبداع العِطري. كان طموحهم هو التعريف بإبداع الروائح وكأنها عمل فني أصيل.

وكان الموقعون على البيان يهدفون إلى إبراز صناعة عطور فنية، ويبجِّلون تركيبًا مخترعًا، عادِّين أن «الصورة الشمية المجرَّدة أو الخيالية تسجِّل بلا شك المستوى الأعلى للفكر الخلّاق». إنهم متطوعون وحالمون، يشجعون صانع العطور على الخروج من الظل ويقوم بدوره كاملًا. وسيحصل هذا، عام 2000م عندما ستشغّل الدور الكبرى مركبي العطور من جديد (كارتيي، ديور، هيرميس) لتجسيد الحاجة إلى الإبداع.

بعد أن أُبعِد صانع العطور إلى مرتبة الحِرَفي الماهر، فهل يستطيع اليوم إذن أن يطمح إلى أن تكون له صفة فنان؟ ما زال الشك قائمًا لدى المركِّبين أنفسهم. تتذكّر Daniela Andrier، مخترعة عطر infusion d’iris، وصولها وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، إلى مكاتب Roure، الدار الشهيرة التي أسست في القرن 19: «قال لي جون أميك المدير: صناعة العطور ليست هي هنري ماتيس! أراد أن يقول لي: لا تحلمي كثيرًا! هناك واقع الحرفة، ما هو عاجل، العوارض التجارية». محاولة غريبة لقص جناحي صانع العطور ولجعله في وضعية أقل من وضعية عامل وصانع جيّد. حتى إن أقرّت دانييلا أندرييه بأن بعض الإبداعات مثل عطر l’Heure bleue تأثرت باللطافة، فإنها تجد صعوبة في عدّ صانع العطور فنانًا. أما الآخرون، وعلى العكس من ذلك، فإنهم يطالبون دائمًا بهذه الوضعية.

إنها حالة ماتيلدا لوران من دار كارتيي. إنها تحب أن تتحدث عن «العطور العالية» عندما يتعلق الأمر بإبداعاتها، عبارة أخذها آخرون ليصفوا تركيباتهم الاستثنائية بأنها غير مخصّصة للبيع، في مجموعات البريستيج في طبعة محدودة (عطر Hermès و les Exclusifs). «في عملي، أتبع بحثي الإبداعي، أخترع دائمًا، أكتشف الطرق الجديدة، وأقابل بين صناعة العطور والفن في كل أشكاله. أنا شغوفة بالإبداع وكلّ ما يمكن أن يقدّمه للروح!».

تحب ماتيلدا لوران أن تذكّر دائمًا أن وراء العطر فكرة وتساؤل عن تاريخه. إنها تندرج في هذه النقطة ضمن منهج فنّي واختارت ألا تعلن أبدًا عن المكوّنات التي تحتوي عليها إنجازاتها. في أي فنّ آخر نصف العمل الفنّي بمكوِّناته؟ «إن الفنان يعلن: «زيت على قُماش»، وإذن أنا أقبل أن أكتب «عطر مركَّز على كحول». وهذا كل شيء». تقول مازحة.

إن صانع عطر لدى Givaudin ،Quentin Bisch آتٍ من عالم المسرح، حالة وآلات منفصلة تمامًا عن عالم تسيطر عليه الكيمياء. «كان لدي شك، كانت لدي صورة عن صانع العطور، صارم بلا إحساس، مرتديًا وِزْرَة. ثم بعد ذلك لاحظت أن هذا العمل مرتبط بالحدس تمامًا. أشعر بأني فنان تمامًا: أخلق شيئًا جميلًا وإحساسًا». وحسب جون- كلود إللينا، فالأمر يتعلّق بالتزام شخصي: لصانع العطور القدرة على أن يكون فنانًا إذا هو قرّر أن يكون كذلك. «حتى إن كنت أول من يقول بأني أركِّب بعقلي، فإن فكرتي تتطوّر باستمرار وأجهل إلى أين ستقودني». ولنوضِّح تعريفه: «إن الفنّان هو من يبحث عن إدراك الروائح فيما وراء مظاهرها». فإذا كان صانع العطور يتصوّر نفسه فنانًا، فعلى الماركة التي يعمل لديها أيضًا أن تشاطره هذه النظرة وهذا الطموح. ومن السهل جدًّا لصانع عطور أن يتصرف كأنه فنان، يشجعه ويؤازره تراث وتاريخ رائع وجرأة دار فاخرة، سبب وجودها هو الإبداع الفني.

لقد كانت كرستين ناجيل، عن دار هيرمس، تتباهى دائمًا بقدرات جرمين سيليي، المصممة لعطر «الريح الخضراء» Vent vert (1945م)؛ لأنه كان يستعمل جرعات زائدة من المواد الأولية. إنها تقارن طواعية هذه الجرأة في الإفراط بعدم تناسب الأيدي والأرجل في منحوتات Rodin. ويبقى عطر Vent vert في نظرها منارة ومَعلَمًا. «هذا العمل الفني الذي يستحق أن يُعرَض في متحف يحفزني ويمنحني الرغبة في أن أتجاوز نفسي».

عطر Air de Paris لـ Marcel Duchamp

لا يمرّ شهر من دون أن يهتم رواق أو متحف بعطر ما بصورة أو بأخرى. من يستطيع أن يستغني عنه؟ ومع ذلك، فالأمر يتعلق بفن الشمّ وليس بعطر بوصفه فنًّا. إن الفارق مهم. فعندما يُفرِغ مارسيل دوشان أنبوبة صيدلية ليملأها بعطر Air de Paris (1919م)، فإنه بكل تأكيد، يعطي قيمة لحضور الروائح في الفن. ومنذ عهد قريب، شكّلت Sissel Tolaas، وهي فنّانة كيميائية نورويجية، مقيمة في برلين، من جديد رائحة الحرب العالمية الأولى، استجابة لطلب المتحف التاريخي العسكري في Dresde. ولكنها عرضت روائح من الواقع، ولم تعرض العطر.

إدمون رودنيتسكا

الشيء نفسه، يقال عن الفنان التشكيلي Antoine Renard الذي جمع بين النحت والروائح وأقام معرضًا برواق نتالي أوباديا في باريس، 27 راقصة باليه من السيراميك مستوحاة من «الراقصة الصغيرة ذات الأربع عشرة سنة» لـ Degas، وكلها معطّرة بعنايته (نسجل هنا أننا أمام تطوّر ما دمنا أمام عطور مرَكَّبَة). ولكن أين يُعرض عطر Femme؟ لم يعرض في أي مكان أو تقريبًا.

ومع ذلك، فتجربة العطر هي التي ستوصل في يوم ما صناعة العطر، الفن سريع الزوال والمنشِّط لحاسّة أخرى غير العين، إلى مرتبة الموسيقا، إلى مرتبة الفنون الرائدة في التقليد الأكاديمي الغربي. ولهذا، فلا بدّ من اختراع خطة لعرض العطور. «إن جسمًا مضمَّخًا يمكنه أن يسير بين الزائرين للمتحف». كما تقترح ذلك ساندرا بارّي مندوبة عرض Odore- الفن، الرائحة والمقدَّس، في رواق بولين باسفيك بباريس، شهر يناير الماضي. نهج لا بد من تقليده.

عندما يصبح للفنانين أنوف

منذ التسعينيات والفنانون التشكيليون يتّخذون من كلّ أنواع الروائح مادة لأعمالهم، ويتخيّلون علاقات جديدة بين أعمالهم والجمهور. فهل سيصبح الفن شمّيًّا؟ لا يمكن لعطور دخيلة ومرتبطة بالحسّ الذي يعدّ الأقل نُبْلًا وبالحدوس الأولية للبشرية، إلا أن تفتن الفنانين الطلائعيين، مثل مارسيل دوشان، والسورياليين الذين اتخذوا منها مادة أساسية لخيالاتهم في موضوعاتهم الشعرية وفي إخراجهم المسرحي الهاذي. وستستمرّ المغامرة في شريان راديكالي مع نشأة الأعمال المسرحية happenings والأداء، حيث استعاد الجسد حقوقه، والعمل الفني والروائح ميدانًا للتجارب القصوى. ولكن لا بد من انتظار 1990م ليقرّر الفنانون اتخاذ الروائح وسيطًا حقيقيًّا، في إطار التركيب أو في الأعمال المستقلّة، مثل Sophie Calle التي تصورت عام 2003م ما سيكون عليه عطر الفضة
مع أنف Francis Kurdjian.

وبعضها متعدّد الحواسّ (أعمال فنية منظورة مرتبطة بحاسّة الشم أو السمع)، مثل سلسلة المنحوتات من السيراميك لأنطوان رونار، المستوحاة من تمثال «الراقصة الصغيرة ذات الأربع عشرة سنة» لـDegas، التي تركت أثرًا عميقًا في قصر طوكيو عام 2019م، في علاقة بأبحاث الفنان عن الأعشاب الطبية بأمازون البيرو. وبعض آخر شمّي خالص، على غرار لوحة La chasse (2014) لـ Julie C Fortier، حائط مغطّى بمسحات عطرية وهي تنشر روائح حشائش مقطَّعَة وفرو حيوان أو دم. مَرْج واسع، فرو مُغَطٍّ أو شكل عُضوي: إن إدراك العمل الفنّي يتغيّر حسب الرائحة التي تصل إلى أنف مشاهدها. «إن الفهم الجديد للشمّ يسمح للفنانين بطرح أسئلة غير مسبوقة»، كما توضح ذلك ساندرا بارّي مؤلفة كتاب «رائحة الفنّ– بانوراما فنّ الشم» l’Odeur de l’art– un panorama de l’art olfactif. وباستعمال الفنانين الرائحة في إبداعاتهم، فإنهم يسائلون المادة التي يتصورها كل واحد منهم ويشعر بحياته اليومية. إن الإحساس بمحيطنا يرجع إلى كوننا نعيشه ونختبره بداخلنا؛ لأن الجزئيات المتعلقة بالشم تخترق اللحم وتأتي لتعشّش في قاع الجلود.

لقد تدخلت العطور المثيرة والفاتنة في المجال الثقافي كله. ولقد طلب رواق بيروتان من دار Givaudan صنع عطر خاص لفضاءاته المختلفة، مثل توقيع شمي، قابل لتحقيق هويته في الحال سواء كنا في باريس، نيويورك، هونغ كونغ أو طوكيو. ثم إن «السفر إلى نانت»، التظاهرة الفنية الصيفية، طلبت من المخترع Bertrand Duchaufour أن يتخيّل عطرًا يجسّد طاقة المدينة المرفئية. وأخيرًا، وداخل دار البيع فليبس، استطعنا أن نكتشف Profile by، المجموعة الأولى للأعمال الفنية الشمية، التي تجمع بين فنان تشكيلي وأنف، من أجل منحوتات تكشف عن عطر غير مسبوق…

أما المتاحف التي قبضت أنوفها طويلًا، فإنها بدأت تهتم بالأمر. ففي عام 2020م، دشن متحف الفنون والديزاين بنيويورك مديرية للفنون الشمية، وفي عام 2015م، لم يتردّد متحف Bâle في تخصيص 1200 متر مربع من فضاءاته لعرض أطلق عليه «نَفَسٌ جيّد– رائحة الفنBelle Haleine – L’odeur de l’art». وهذه ليست سوى بداية: لقد أطلق الاتحاد الأوربي هذه السنة تكوين موسوعة عطور الماضي ترجع إلى القرن 16، تحت اسم «عطر أوربا»، ولمدة ثلاث سنوات، استطاعت هذه المجموعة أن تقيم معارض عدة في مختلف المدن الأوربية. إن فن الشم، الذي يتعذر إدراكه، والذي هو بلا حدود أو تخوم، يعد بفتح آفاق جديدة في العلاقات التي يبحث المخترعون عن نسجها بين الجمهور ما دام أن «الرائحة تغيّر العلاقة بالفضاء وخصوصًا تلك التي تربط المشاهد بالعمل الفني؛ لأن الرائحة كلما فاحت، اختفى الفراغ»، كما تؤكد ذلك ساندرا بارّي.

منحوتات لزجاجات العطر

لقد تطلب العطر وبروح هشّة وغالبًا غير ثابتة، منذ بداياته الأولى، تجهيزًا مكوَّنًا من مواد باردة، جافة وطبيعية؛ مرمر، عقيق يمني، خزف مزخرف، خزف صيني، عاج، نحاس مرصّع متعدِّد الألوان طين مطبوخ وكل المعادن النفيسة، حتى الذهب المُطَرَّق أو الحجر الصلب المسمى «حجر النيل». هذا حتى ظهور الزجاج المتأخر الذي افتتن به الرومان للحفاظ على عطورهم المفضلة. وبعد زجاج البندقية لـ Murano، جاء الزجاج البوهيمي ثم البلّور المنحوت طبيعيًّا. ومع مرور الوقت، سيثَبَّت العطر ويُعرض في الهواء بجلود إسبانيا المُشرَبة، القُفّازات والمِرْوَحات، وسيتطلب نقله إيجاد ما هو ضروري من خشب الورد، الجلد، جلد السمك، أو البرنيق الصيني ذي الزخارف المجَنَّحَة.

أما مبدأ القارورة الزجاجية المُقَوْلَبَة التي تحمل علامة فيعود إلى عام 1820م. وستتحوّل صيدليات صانعي العطور بجرار الماء المركَّب والمصَنَّع، ومرورًا من الخيمياء إلى الكيمياء، إلى مؤسسات حقيقية مزدهرة. وابتداء من عام 1825م ستُعْقَدُ اتفاقيات بين صانعي العطور الباريسيين مثل Lubin، Bourgeois أو Guerlain، ومصانع الزجاج وتشجعها على المدى البعيد المعارض العالمية والأشكال التي ابتكرتها مواهب من حجم هيكتور غيمار. إن مصنع البلّور لـ Baccarat، لم يراهن على القارورة، المتشابهة في الغالب، ولكنه راهن على السدادة. وبأكثر من 130 زبونًا، سيعرف بكارا ازدهارًا غريبًا ما بين 1900م و 1930م. الزجاج أو البلّور: القارورة بشفافيتها مَعْلَم بين المظهر الخارجي والعالم الشمي الذي يحتوي عليه. فكلما كان بسيطًا، كان بليغًا.

ولهذا يبقى عطر N5 لشانيل الذي ابتكره صانع العطور Ernest Beaux عام 1921م طبيعيًّا بقارورته البسيطة والأكثر ذكورية، التي أنجزها مصنع البلّور سانت لويس. ولكن الفضل في اختراع قارورة ممهورة، يعود إلى فرانسوا كوتي. وفعلًا، ابتداءً من عام 1910م، سيقيم صانع العطور مع روني لاليك جمعية إبداعية فريدة كان رسمها الأوّلي قارورة Effleurt. إن Coty الذي يعدّ «مبدع صناعة العطور المعاصرة»، هو أوّل من ربط بين الروائح الطبيعية والعطور الاصطناعية. ويأتي بعده Caron و Lancôme.

نجاح باهر: لقد أكد جمهور النساء هذا الاقتران الشفاف الذي ارتقى إلى صفّ الثورة الجمالية والتجارية، التي ما زالت صالحة حتى أيامنا هاته. إن فن الخياطة الباريسي لا يتصوّر أبدًا أن يتقدم من غير عطره الموقّع. كما أن صانعي العطور يضمون الخيال إلى الآثار الشمية ويعتقدون أن العطر لا يمكن أن يكون إلا باريسيًّا ومنتجًا فاخرًا، مع Joy لـ Patou كقاطرة. أما عن ضمانة التصميم المثالي، فإنهم يركزون اهتمامهم بالطبع على السدادة، ولكل دار عطر معيّن تختصّ به.


المصدر: مجلة Beaux Arts Magazine عدد ديسمبر 2021م
إعداد: Daphné Bétard ،Pierre Léonforte ،Lionel Paillès

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *