المقالات الأخيرة

“لقاء مارس 02: تواشجات” دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

“لقاء مارس 02: تواشجات”

دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

فيما يشبه الالتزام الأخلاقي والجمالي، تبنى لقاء مارس السنوي، الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، في دورته الجديدة التي انتهت أنشطتها قبل أيام، طيفًا واسعًا من القضايا والموضوعات والنقاشات وعروض الأداء، التي لئن اختلفت وتعددت وتنوعت، إلا أنها تذهب كلها إلى منطقة واحدة،...

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

ابتسامة اللوز

بواسطة | مايو 1, 2022 | نصوص

(1)

صباحٌ مشرقٌ، لكنه بليدٌ ككل الصباحات التي انقضت في سالف أيامه، وربما أيضًا ككل الصباحات التي ستأتي في المقبل منها؛ وخروج مملٌّ إلى عمل ليس فيه إلا ضجر خانق. يخرج من بيته وينهب الشارع بسيارته في طريق محاصر بالنخيل على امتداد جانبيه، ووراء النخيل تتوزع أشجار يقترب بعضها من بعض، وتتباعد أخرى، وفيما بينها تنبسط الأرض مخضرة بما نما عليها من زرع. لم يكن هذا الطريق أفضل الطرق –لكنه كما يعتقد أقصرها- فهو بالكاد يمنح السيارة فرصةَ العبور، مجبرًا إياها على التمايل في اهتزاز غير منتظم مع كل دروة لعجلاتها فوق الأرض المتوعرة بالغائر من الحفر والبارز من النتوءات. يخرج بعدها لطريق مُعَبَّد وسريع، يوصله -بعد ساعة إن كان الطريق سالمًا من أي حادث يعطله– إلى حيث وجوه منهكة ما زادها الوقت إلا أن تتضرج بالإجهاد اختناقًا. غائصًا بين النخيل، وقعت عيناه على (قضب لوز) فحرّك شفتيه بربع ابتسامة أو نصفها على أكثر تقدير. يقطع مسافة أخرى، وسيارته تتمايل بعجلاتها المستمرةِ في ملاعبة الحفر علوًّا وهبوطًا، وربما تطاير بعض الغبار في تلك الأجزاء التي يكون تراب الطريق فيها جافًّا. لمعت ثمار اللوز في عينيه ثانية، فتغيرت ملامحه ثانية بذات ربع الابتسامة أو نصفها على أكثر تقدير. لم يكن قضب اللوز هذه المرة وحيدًا، صبية تقترب نحوه -يعرفون كيف ينسلون من بين النخيل من غير أن يشعروا أحدًا- توقف عن سيره وأطفأ السيارة. نظر إليهم وعيناه تتسعان. فجأة، تخلّى عن عمله وموعد عمله. قفز من سيارته، وعرف كيف ينسل بين النخيل. مشى قليلًا فإذا هو بين الصبية.

(2)

كان البستان هادئًا. لا صوت غير سقوط اللوز على الأرض، أو في الماء الذي غمر تلك القطعة من الأرض، المزروعة بالجرير، الممتدة أطرافها تحت أغصان القضب. تركوا قضب اللوز عاريًا من ثماره، ومشوا عنه. اختاروا قضبًا أُخَر. كان هذا الآخر عاليًا يلوح بأغصانه في كل اتجاه في تحدٍّ مستفز. تفرسوا فيه جيدًا؛ بان اللوز ناضجًا مُحمّرًا من بين الورق. هم صغار، والقضب عالٍ، ولن يصلوا لأعلاه بسهولة. تبادلوا النظرات. لم يمهلهم ليقولوا شيئًا؛ فاحتضن الجذع بساعديه، وما كاد يرقى حتى داعب الأغصان بهزات متتالية، بعدها كانت أيدي الصبية تعبث في الأرض، تلتقط ما تساقط عليها، وقد تبللت أيديهم أيضًا بعد أن غاصت أرجلهم في الماء حين سقط اللوز فيه.

(3)

عزموا على الخروج. لم يكتفوا بما جمعوا، لكنهم تعبوا، هو أيضًا تعب. نظر لجيوبهم الممتلئة باللوز. بدا اثنان منهم، بعد أن رفعا أطراف ثوبيهما بأكفهما، كمن يحمل (زبيلًا). هو أيضًا ملأ جيوبه باللوز، خرجوا وعرفوا كيف ينسلون من غير أن يشعروا أحدًا. أضحوا خارج البستان. أشار عليهم أن يتوجهوا حيث ركن سيارته، مبتعدين من الأعين، فرشوا اللوز على الأرض. اقتسموا … كلٌّ حاز على نصيبه، استدار الصبية ليمشوا في حالهم، لكنه ظل واقفًا ينظر إليهم، وحرك شفتيه رافعًا طرفيهما إلى أعلى بثلاثة أرباع ابتسامة أو بابتسامة مكتملة إلا قليلًا على أكثر تقدير. قضم إحدى اللوزات، بعد أن مسحها بكم قميصه، وأخذ يمزمز ماءها في فمه بلذة ممزوجة باستمتاعه بحديث الصبية الآخذ في الخفوت كلما ابتعدوا. كان حديثهم حديث نهاية العمل. هم فعلًا كانوا في عمل، مع أن البستان ليس بستانهم واللوز ما كان لوزهم.

(4)

صباح ممسوح بالبلادة كغيره. خرج من بيته مخترقًا الطريقَ، المحاصر بالنخيل، المجبر السيارةَ على الترنح. حرك شفتيه بربع ابتسامة أو أقل قليلًا لما رأى قضب لوز. قطع مسافة أخرى، رأى قضبًا أُخَر، لم يكن هذا الآخر وحده. كان هناك صبية، حدّق جيدًا لم يكن الصبية وحدهم، كان صاحب البستان وراءهم – يتراكضون هربًا … وصاحب البستان خلفهم يركض. شيعهم بعينيه. لم يتوقف ولا خفف سرعة السيارة المترنحة في الطريق المتوعرة؛ ولم تزد ابتسامته عن الربع، لا قليلًا ولا كثيرًا.

المنشورات ذات الصلة

سكرات الصداقة

سكرات الصداقة

في غرة شهر آب حينما بدأت الشمس تلتهب وتذيب ما تحتها، اخترق ضوؤها زجاج أحد مقاهي مدينة الرياض واستقر على منضدة الشابين...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *