يمكن للفن، بمساعدة الصور أو الفيديوهات المقنعة، أن يعرض للناس المخاطر القادمة من أعلى، مثل: المراقبة المفرطة والهجمات العسكرية وتغير المناخ، التي تهدد جميعها سلامة الناس الجسدية والعقلية. وقد يساعد الفن أيضًا الأشخاص على التعامل مع الصدمات التي يعانونها بسبب هذه...
المقالات الأخيرة
الموتَى يُخطِئون
إلى: الجوهرة صالح المرحوم (1360- 1442هـ)
الموتى يخطئون،
يخطئونَ خطأَهم الذي يؤدّي إلى توارِيهم في عتمتِهم لأنهم أهدروا نفَسَهم الأخيرَ على شمعتِهم.. يرتكبونَ موتَهم غيرَ مبالينَ بأحذيتِهم غيرَ مبالين ببقايا حكاياتِهم ولا نبراتِهم التي ألصقوها عاليًا في الهواء.
يخطئون في حقِّنا وحقِّ مراياهم التي تبحثُ عنهم ولا تجدُ في فراغِها الحادّ إجابة، يخطئُ الموتَى حين يقامرونَ بهذا الموت لا يعتذرونَ من أريكةٍ تهضّبَتْ أكثرَ وتوتّرَ نسيجُها منذُ النهارِ الأوّلِ لخطئِهم الصارم ولم يسقطْ لهم ظل وحين تضاءلَتْ روائحُهم لم يدعموها بجسدٍ أو حتى قطعةٍ منه.
يخطئون ولا يفكّرونَ بالتراجعِ عن فداحتِهم، يخطئون ويصرّونَ على ثيابِهم التي خلَتْ منهم، تعرفُ ذلك من تشظِّيهم في صوتِكَ ومن شجرتِهم السوداء نبتَتْ فجأةً في دمِك لا تعرفُ من غافلَكَ وغرسَها، تعرفُ ذلك حين تسألُ كيف انحدرَتْ أخلاقُهم إلى هذا الحدّ ولم يكونوا أبدًا كذلك.
نعرفُ أنّ الموتى ليسوا معصومين ونعرفُ أن الخطأَ واردٌ لكنْ ليس بهذا الحجم.. يتركونَ خواتمَهم وساعاتِ أيدِيهم دون رعاية، يتركونكَ تنظرُ إلى خطئِهم الواضح لا تعرفُ بماذا تصحّحُهُ ولا كيف توقِفُهُ أو تضعُ له حدًّا.
كانوا أسوياءَ لكنْ لا تدري كيف أسقطوا سَوِيَّتَهم كلَّها، كيف نكثوا عهودَهم جحدوا غُرَفَهم وأبوابَهم.. كانوا عاديين جدًّا لا تتوقعُ خطأَهم الذي أقدموا عليه.. عاديين جدًّا لا تعلمُ كيف واتاهم الانصرافُ الكامل فلم يتردّدوا لم يتشاغلوا عنه أو يصرفوه.
كانوا وكانوا وكانوا حدَّ أنهم أوقعوكَ في موتِهم.. هكذا أخطأَ الموتى كما لو أنهم لا يعرفونَ أنهم يَسقُونَ جمرةً في الذاكرةِ كما لو أنهم لا يعرفوننا ولا يعرفونَ أن بيننا وبينهم كلماتٍ ونظرات. بيننا وبينهم ضوءٌ اقتسمناه معًا لئلا يشعرَ أحدٌ بالغبن، بيننا وبينهم مسافةٌ كانوا ينظّفونها أحيانًا بالعتاب وأحيانًا باللوم، يستبعدونَ منها ما قد يعوقُ من توجّسٍ أو هجس كي نصلَ أسرعَ إلى خطئِهم هؤلاء الخَطَأَة.
يخطئ الموتى حين يخطئونَ ليس عن عدمِ معرفةٍ بقهوتِهم ولا عن جهلٍ بزعفرانِها لكنهم يخطئون ويديرونَ ظهورَهم لها ولفناجينِها، يخترعونَ لهم ملامحَ جديدةً تناسبُ خطأَهم الأكثرَ من فادح والأكثرَ من تقديمِهم أجسادَهم وظلالَها لقمةً سائغةً للأرض، الأكثرَ من وقوفِ الواحدِ قُبالةَ حفرةٍ لا يجدُ غيرَ دمعتِهِ يتّكئُ عليها منتظرًا نهوضَهم نادمينَ ومعتذرين معترفينَ أنهم حقًّا أخطؤوا؛ لا تدري ماذا أرادوا أن يقولوا بخطئِهم هذا ولا تدري أبدًا لِمَ فعلوا ذلك.
9 سبتمبر 2020م.
المنشورات ذات الصلة
رسائل غير مقصودة على الشواطئ… مختارات من الشعر الهولندي
شيتسكي يانسن عادةً ما يكونُ الشِّعرُ في زاويةٍ مُظلِمةٍ في مكانٍ ما. ستيفان هرت مانس (1951م-) اقفز إلى الأعماق مبتدئًا...
تأويل السُّلّم نصوص
اللانهائي يجسد السلّمُ، في حالي الصعود والنزول، فكرة اللانهائي، وينبثق عنها إنه لحظة الممكن، بين جناحي المستحيل: لا...
سكرات الصداقة
في غرة شهر آب حينما بدأت الشمس تلتهب وتذيب ما تحتها، اخترق ضوؤها زجاج أحد مقاهي مدينة الرياض واستقر على منضدة الشابين...
هذه قصيدة من القصائد العظيمة تحية للشاعر المبدع ابراهيم الحسين