المقالات الأخيرة

“لقاء مارس 02: تواشجات” دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

“لقاء مارس 02: تواشجات”

دعوة إلى إعادة تصور مستقبل أكثر شمولًا وإنصافًا

فيما يشبه الالتزام الأخلاقي والجمالي، تبنى لقاء مارس السنوي، الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون، في دورته الجديدة التي انتهت أنشطتها قبل أيام، طيفًا واسعًا من القضايا والموضوعات والنقاشات وعروض الأداء، التي لئن اختلفت وتعددت وتنوعت، إلا أنها تذهب كلها إلى منطقة واحدة،...

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

الرقص فلسفيًّا.. تعبير فيزيائي يظهر سطوة الجسد وقوته

بواسطة | نوفمبر 1, 2020 | فنون

يذكرنا الرقص كتعبير فيزيائي يُظهر سطوة الجسد وقوته بالراقصة الأميركية مارثا غراهام في القرن العشرين حين كانت تنقلب على الرقص الكلاسيكي بارتدادات حادة في رقصاتها على المسرح في نظر الكثيرين، وهي بذلك كانت أقرب ما تكون إلى الانقلاب على العادات والتقاليد والقوالب والقيود التي تحد من سيولة الجسد وباتجاهين تمهد لحالة من سيولة الذهن والصلة التعبيرية بينهما، فإن اللحظة التي يسيل بها اللحم لحظة تمهد لسيلان الذهن، واللحظة التي يسيل بها الذهن تمهد لسيلان اللحم، فالراقصة التي تقرأ لإيمانويل كانط في الكواليس في أثناء التحضير للرقصات، أفضل من تعبر عن معنى الرقص المنشود، سيولة يقصد بها الوضوح والصدق، تشذيب الجسد حتى يعبر بأفضل شكل عن الإنسان.

بناء على هذه الحالة الدالّة، فإني أتناول الرقص على ثلاثة مستويات: المستوى البيولوجي؛ عضليًّا وعصبيًّا. المستوى النفسي باعتبار الرقص لغةً. المستوى الاجتماعي، السياقات الأركيولوجيّة.

المستوى البيولوجي

على المستوى العضلي يحسن الرقص باعتباره نشاطًا بدنيًّا من أداء القلب وجهاز الدوران بشكل عام، ولما كان التحكم بالتنفس في أثناء الأداء الجسدي مهمًّا فإن ذلك ينعكس إيجابًا على أداء الرئتين والجهاز التنفسي، وبما أن ساعة واحدة من الرقص تحرق في المتوسط 500 سعر حراري فإن الرقص أداة فعالة للتحكم في وزن الجسم إذ يزيد من حجم الكتلة العضلية على حساب الدهون، مما يساعد أيضًا في تخفيض مستويات الكولسترول الضار، وبالتالي يقلل من احتمالية الإصابة بالجلطات وأمراض الشرايين والقلب. وأخيرًا وليس آخرًا فالرقص يرفع من مستوى مرونة عضلات الجسم والتي تكون الحاجة لها ملحة في منطقة الحوض وأسفل الظهر عند النساء مثلًا في حالة الحمل وفي أثناء الولادة.

أما على المستوى العصبي فإذا ما تجاهلنا هدية الدماغ الهرمونية: ثنائية (السيراتونين/الميلاتونين) التي تعبر عن أثرها الكاتبة النمساوية فيكي باوم عندما تقول: «هناك اختصارات للسعادة والرقص واحد منها»، فإن الرقص يساعد على خفض مستويات القلق والتوتر والضغط العصبي التي تؤثر في التنظيم الهرموني للجسم الذي بدوره يرفع من مستوى صحة الجهاز العصبي من العصبونات إلى الدماغ، فالدراسات تشير إلى أن التمارين الهوائية التي تتخلل الرقص تقلل من حجم التقلص الذي يصيب التلفيف الحصين وهو جزء من الدماغ وظائفه متعلقة بالذاكرة عند الإنسان- عند التقدم بالسن وبالتالي يحسن من الذاكرة والأداء الدماغي والتوازن، إذ إنه (الحصين) يتقلص في مرحلة الشيخوخة مما يسبب مشكلات في الذاكرة والأداء الذهني حسب New England Journal for Medicine.

واذا ما تجاوبنا مجازيًّا مع مقولة المغني والراقص الأميركي جيمس براون: «يمكن حل أي مشكلة في العالم عن طريق الرقص»، فإن منظوره صحيح، فلا أقدر على التصنيف والتحليل واتخاذ القرارات وإصدار الأحكام من دماغ وعقل صاف تخلص من التوتر والقلق والتشويش عن طريق الرقص.

المستوى النفسي باعتبار الرقص لغةً

تتفق الراقصتان الأميركيتان إيزادورا دنكن ومارثا غراهام على أن الرقص هو طريقة للتعبير عن الذات إذ تقولان: إن «الرقص هو اللغة الخفية للروح»، وإن «الأشياء التي تستطيعان إخبارك بها لا تستحق أن ترقصاها»، فالرقص حسب وجهة نظرهما عبارة عن لغة فيزيائية للتعبير عن مكنونات الإنسان، وطريقة تواصل مع الآخرين والذات، تتجاوز كل حواجز اللغات الأخرى ولا يحكمها قصور المفردات، حتى وإن تعاطى معه بعض بأطر أكثر ضيقًا وتحديدًا. الكاتب والممثل الفرنسي جان لوي ترينتينيان عرف الرقص على أنه: «حالات الروح التي تترجم إلى تعبير جسدي أو فيزيائي»، فهو على الأقل وسيلة فعالة للتعبير حتى وإن حكمتها فلسفات عديدة.

ولهذا فإن الإنسان الأول عبر عن نفسه وعن حاجته للتواصل مع الآخرين من خلال رقصات خلدها على شكل رسوم على جدران الكهوف أو نقوش، أو حتى تماثيل منحوتة تبدو وكأنها تؤدي حركات راقصة.

وعبرت بعض القبائل البدائية الأسترالية مثلًا عن حنينها لعملية التجديف، وحياتهم على الزوارق من خلال رقصة يقف فيها الرجال والنساء صفوفًا متجاورة، ويمسكون بالعصي التي ترمز للمجاديف ويحركون أجسادهم والعصي في مشهد يشبه التجديف، وتناغم حركة المجموعة يخلق عرضًا بديعًا يعبر عن مكنوناتهم حتى يصلوا إلى حال من التلذذ والنشوة بدون أي واجبات دينية فقط تعبيرًا عن رغبتهم وحنينهم.

المستوى الاجتماعي: السياقات الأركيولوجيّة

عبر ثلاثة اتجاهات: أولاً، الرقص أدب وسائل التواصل الاجتماعي: الأدب هو «أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه باستخدام الأساليب الكتابية من نثر وشعر وغيرهما». إلا أن المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي في الخمس سنوات الأخيرة لا يخفاه أن الرقص أصبح شعرها ونثرها وروايتها.

فالمساحة الشخصية المتنصلة من العبء الاجتماعي الذي يحمله الواقع، والتي توفرها هذي المواقع/التطبيقات وبخاصة تطبيق تيك توك الأخير الذي شكل ظاهرة دعمتها فكرته الأساسية، إذ يعتمد فقط على المحتوى البصري على شكل فيديو، سمحت لرواده بالتعبير عن أنفسهم باستخدام أجسادهم بشكل كبير، سواء أكانوا راقصين محترفين يمتهنون الرقص التعبيري الدرامي، التجريدي والفلكلوري، أم مجرد هواة يتعاملون مع أجسادهم بأريحية أكبر.

وأسهمت هذه الظاهرة في عالم الإعلام في إيجاد حالة أكبر من تقبل الأجساد عند المراهقين والإنسان بشكل عام، فأصبحت صور الأجساد المترهلة أو التي تحوي ندوبًا وعلامات تمدد الجلد والسيلولايت تنتشر تمامًا مثلما تنتشر صور الممثلات وعارضات الأزياء المثالية، في دعوة من رواد هذه المواقع لتقبل أجسادهم والابتعاد من النظرة السلبية تجاه النفس والتي ولدتها الصورة المعدلة التي سبقتها خصوصًا على موقع إنستغرام.

ثانيًا، الرقص بين المطرقة والسندان: إن حالة الجمود التي أسقطتها بعض الشعائر  على الجسد – جسد الأنثى بشكل خاص- تتضاد مع الحالة السائلة المرنة التي يسقطها الرقص عليه، باعتبار الأخير لغة وأسلوب تعبير لذلك هما لا يلتقيان عمليًّا، كما أن هذه الحالة العامة عند أصحابها مرت بثلاث مراحل: جمود جسدي جزئي، ثم جمود ذهني كلي، يتبعها جمود جسدي تام، بشكل خالف السيولة الطبيعية في جسم الإنسان على مستوى الذكر والأنثى التي يتماشى شكل جسمها الخارجي المنحني مع صفتي المرونة والسيولة بشكل أكبر.

وخالف الحالة السائلة التي لم يستطع تجميدها بشكل ملحوظ عند الطفل، إلا أن هذه الحالة وباعتبارها تفاعلًا كيميائيًّا باتجاهين تتفاعل مع بيئة خصبة من المعتقدات والعادات والتقاليد، التي تشجع على تجميد الجسد وضبطه لدرجة جعلت عين هذا الجسد لا ترى الجمال في اللوحات الراقصة وتعتبره خروجًا عن الأطر والنواميس، فهذا التغيير الطارئ البعيد كل البعد من فلسفة الرقص الذي استخدم الإيحاء الجنسي كذريعة يتفق تمامًا مع حالة الجمود الذهني والجسدي عند حامليه.

أما المطرقة فإن أفضل تجسيد عربي لها كان في ثلاثية نجيب محفوظ الروائية التي استحالت سينمائية باسم «ثلاثية القاهرة»: بين القصرين(1964)، قصر الشوق(1967)، السكرية(1973)، ففي أول فِلْمين نشاهد الأب الصارم الذي يحكم العائلة بيد من حديد وهو يسهر ويعربد في بيوت مومسات يظهرهن الفِلْم على أنهن راقصات، في مشاهد تعرف الراقصة على أنها مومس ولا شيء غير المومس.

وفي فِلْم السيرة الذاتية «شفيقة القبطية» مثلًا تم الاستعانة بهند رستم لأداء الدور الرئيس لا لأنها تجيد الرقص فقط، إنما لأنها أيقونة إغراء تتماشى مع الصورة التي تريد السينما تجسيدها، والصورة نفسها التي تعكس ثقافة الجمهور، الذي يرى الراقصة فتاة منحرفة أو حتى مدمنة مخدرات كما في فِلْم «الإمبراطور» (1990). فصاحبات المهنة لا يلجأن لها إلا بسبب مشكلة اقتصادية أو أسرية، ونادرًا جدًّا ما يتم تصوير رقصهن التعبيري أو الدرامي مثل الذي تجسده رقصة بحيرة البجع الشهيرة، أي طرح قضية وقصة، أو حتى الرقص التجريدي الذي يعبرن فيه عن هواجسهن بدون رسالة، بشكل محترم، لأن ذات المجتمع الذي يعاني بسبب حالة الجمود التي أطّر بها جسمه، يخاف من أن تهتز هذه الصورة أو حتى تنتهي حين تصبح السيولة أو تظهر بشكل مقبول.

ثالثًا،‭ ‬الرقص‭: ‬الإيقاع: لما‭ ‬كان‭ ‬الجمود‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬رغبة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فإنه‭ ‬برع‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬السيولة‭ ‬والمرونة‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬رقصات،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬فيها‭ ‬أول‭ ‬فرعونية‭ ‬سرّتها‭ ‬للأعلى‭ ‬ثم‭ ‬للأسفل‭ ‬بشكل‭ ‬متواصل‭ ‬حلقي‭ ‬ليبارك‭ ‬الإله‭ ‬خصبها‭ ‬باعتبار‭ ‬السّرة‭ ‬مركزًا‭ ‬للجسد‭ ‬والأطراف‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بالخلق‭ ‬والولادة،‭ ‬والتي‭ ‬يعتبرها‭ ‬الأركيولوجيون‭ ‬والأنثروبولوجيون‭ ‬رقصات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشعائر‭ ‬الإخصاب‭ ‬وغريزة‭ ‬الاستمرار‭ ‬والبقاء‭.‬

فالفلاح‭ ‬في‭  ‬الجزء‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬مثلًا‭ ‬حين‭ ‬يرقص‭ ‬الدبكة‭ ‬يدب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بقدميه‭ ‬فهو‭ ‬متصل‭ ‬بالأرض‭ ‬سبب‭ ‬استمراره،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يتصل‭ ‬به‭ ‬بالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يشاركه‭ ‬الأرض‭/ ‬يرقص‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حلقة‭ ‬تمثل‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يعتاش‭ ‬منها،‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬الشام‭ ‬حيث‭ ‬تأخذ‭ ‬الدبكة‭ ‬شكلًا‭ ‬أكثر‭ ‬قساوة‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بقساوة‭ ‬الصحراء‭ ‬والبداوة‭ ‬تحت‭ ‬تسمية‭ ‬الدحية،‭ ‬فهي‭ ‬تتطلب‭ ‬ضبطًا‭ ‬شديدًا‭ ‬للتنفس‭ ‬حتى‭ ‬يستمر‭ ‬التناسق‭ ‬والتناغم‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجموعة،‭ ‬وتشبه‭ ‬مواجهات‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬ذروتها،‭ ‬فالدبيب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يتسارع‭ ‬ويخلق‭ ‬زوبعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬التراب،‭ ‬والردادة(١) التي‭ ‬تقول‭:‬

هلا‭ ‬هلا‭ ‬به‭ ‬يا‭ ‬هلا                     لا‭ ‬يا‭ ‬حليفي‭ ‬يا‭ ‬ولد

تستحيل‭ ‬إلى‭ ‬همهمات‭ ‬غير‭ ‬مفهومة،‭ ‬خليط‭ ‬متسارع‭ ‬يشبه‭ ‬اللهاث،‭ ‬وإنْ‭ ‬تجاوزنا‭ ‬الفكرة‭ ‬القائلة‭ ‬إن‭ ‬الرقصة‭ ‬أصلًا‭ ‬جاءت‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالنصر‭ ‬وللتعبير‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭ ‬والقوة‭ ‬والسطوة‭ ‬للقبيلة،‭ ‬فهم‭ ‬يحملون‭ ‬سيوفهم‭ ‬وأسلحتهم‭ ‬وهم‭ ‬يرقصون،‭ ‬فإن‭ ‬حالة‭ ‬الثوران‭ ‬في‭ ‬الذروة‭ ‬التي‭ ‬تخلط‭ ‬بين‭ ‬الدبيب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والتصفيق‭ ‬والهمهمة‭ ‬التي‭ ‬تصيب‭ ‬الراقصين‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يحتم‭ ‬على‭ ‬الحاشي(٢)‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬سكينًا‭ ‬أو‭ ‬خنجرًا‭ ‬في‭ ‬يدها،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬رقصت‭ ‬بينهم،‭ ‬أن‭ ‬تذكّر‭ ‬أيديهم‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تطالها‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬النقطة‭ ‬ببداوتها‭ ‬وتردها‭ ‬عن‭ ‬جسدها‭.‬

مع‭ ‬أني‭ ‬أرجح‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬اعتزاز‭ ‬البدوي‭ ‬المنتصر‭ ‬بالأنثى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬إلهة‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬لدرجة‭ ‬جعلها‭ ‬مركزًا‭ ‬لرقصته‭ ‬الحلقية،‭ ‬وتختلف‭ ‬دبكة‭ ‬النساء‭ ‬عن‭ ‬الرجال‭ ‬بالقوة،‭ ‬فدبيب‭ ‬أرجلهن‭ ‬أنعم‭ ‬تتبعه‭ ‬خطوتان‭ ‬ثم‭ ‬يعدن‭ ‬للضرب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بدرجة‭ ‬أخف‭ ‬تأكيدًا‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الذكورية،‭ ‬والصورة‭ ‬النمطية‭ ‬الرأسية‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭.(٣)‬

وذلك‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاحتفال‭ ‬والارتباط‭ ‬بالحياة،‭ ‬أما‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬منها‭ ‬فإن‭ ‬الرقصات‭ ‬الجنائزية‭ ‬التي‭ ‬تدلل‭ ‬عليها‭ ‬النوّاحات‭ ‬مثلًا‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬الأخيرة،‭  ‬فلطم‭ ‬تلك‭ ‬النسوة‭ ‬ونواحهن‭ ‬المتناسق‭ ‬يخلق‭ ‬إيقاعًا‭ ‬لدرجة‭ ‬تحيل‭ ‬الحالة‭ ‬الجنائزية‭ ‬إلى‭ ‬رقصة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المولوية‭ ‬ثنائية‭ ‬الوجد‭ ‬والجذب‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بحركات‭ ‬دائرية‭ ‬مزدوجة‭ ‬يرتدي‭ ‬مؤديها‭( ‬العاشق‭) ‬بنطالًا‭ ‬طويلا‭ ‬تحت‭ ‬التنورة‭ ‬يرمز‭ ‬للكفن‭ ‬الذي‭ ‬يرتديه‭ ‬المشتاق‭ ‬للقاء‭ ‬ربه،‭ ‬ويلبس‭ ‬السكّة‭ ‬وهي‭ ‬غطاء‭ ‬مخروطي‭ ‬للرأس‭ ‬ترمز‭ ‬لحجر‭ ‬القبر‭ ‬الذي‭ ‬يوضع‭ ‬عند‭ ‬رأس‭ ‬الميت‭.‬

أخيرًا‭ ‬نجيب‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭: ‬لماذا‭ ‬نقول‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬نرقص؟

تختصر‭ ‬إجابة‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بإننا‭ ‬لا‭ ‬نرقص‭ ‬لأن‭ ‬صورة‭ ‬الراقص‭/‬ة‭ ‬ارتبطت‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬بانطباعات‭ ‬سلبية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نظرتنا‭ ‬للرقص‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬مفهومه‭ ‬كفلسفة‭ ‬ولغة،‭ ‬وطريقة‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬فالشخص‭ ‬الذي‭ ‬يتلوى‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬ويشبهه‭ ‬الناس‭ ‬بالديك‭ ‬المذبوح،‭ ‬يرقص،‭ ‬ويصنع‭ ‬إيقاعا‭ ‬خاصًا‭ ‬به‭ ‬كمحاولة‭ ‬منه‭ ‬للاندماج‭ ‬مع‭ ‬إيقاع‭ ‬الكون‭ ‬والطبيعة‭ ‬حوله،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬فيهما‭ ‬يرقص‭ ‬من‭ ‬سنابل‭ ‬القمح‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬وحتى‭ ‬أمواج‭ ‬البحر،‭ ‬وخير‭ ‬من‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬الكاتبة‭ ‬والشاعرة‭ ‬الأميركية‭ ‬مايا‭ ‬آنجيلو‭ ‬حين‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬لديه‭ ‬إيقاع،‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يرقص‮»‬‭.‬


هامش:

(1) الردادة: جملة تتكرر بشكل منتظم في أثناء الغناء والرقص في الدبكة.

(2) الحاشي: المرأة التي تدخل الرقصة تحمل خنجرًا أو عصا ويكون جسمها مغطى بالكامل وهي التي   تبدأ بترديد الشعر بين صفي الرجال.

(3) أؤرِّخ لهذه الحوادث بناء على تجربة شخصية عاينتها بنفسي في العديد من مناطق الأردن.

المنشورات ذات الصلة

رئيس مهرجان الرياض المسرحي عبدالإله السناني: نسعى إلى تعزيز الوعي المسرحي.. وتقديم جيل جديد من المسرحيين السعوديين

رئيس مهرجان الرياض المسرحي عبدالإله السناني:

نسعى إلى تعزيز الوعي المسرحي.. وتقديم جيل جديد من المسرحيين السعوديين

أوضح الدكتور عبدالإله السناني، رئيس مهرجان الرياض المسرحي -الذي أقيم في المدة من 13 إلى 24 ديسمبر الماضي- أن قرار وزير...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *