المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

الشخصية الثقافية لمعرض الكويت 46.. سعد البازعي يتمرد على «شرط» الناقد ويدفع المعرفة إلى وجهات جديدة

بواسطة | يناير 1, 2024 | الملف

يكاد الدكتور سعد البازعي، الناقد والمفكر والمترجم والأكاديمي والناشط الثقافي، أن يتحول إلى ظاهرة ثقافية غير مسبوقة. فهو يمارس أدوارًا عديدة في وقت واحد، أدوارًا صعبة وشاقة، وكل دور يحتاج إلى الانقطاع لوقت يطول. ومع ذلك استطاع بقدرة لافتة أن يمارس هذه الأدوار كلها مجتمعة، سعيًا إلى إنتاج معرفة ريادية متشابكة، وإلى أن يمارس دورًا مركزيًّا سواء فيما مضى أو في اللحظة الراهنة، حيث تعيش السعودية تحولات ثقافية واجتماعية، ما برحت تلفت أنظار العالم.

يمارس البازعي النقد ويخوض في مجالات الفكر النقدي ويترجم، ما يروق له وما يلبي في الوقت نفسه حاجة معرفية ملحة، من كتب ومقالات مهمة، ويقوم بمسؤولياته أستاذًا جامعيًّا غير متفرغ، كما يدير حلقة نقدية وملتقى ثقافيًّا بانتظام، يناقش فيهما موضوعات وقضايا ثقافية وفكرية مهمة، إضافة إلى كونه كان ولا يزال عضوًا فاعلًا في مجلس إدارة أكثر من هيئة وجهة ثقافية وشوروية. وقد استطاع، بصورة تسترعي الانتباه، تلمس وحدة عضوية تشد هذه الانشغالات، بعضها بعضًا، في نسيج واحد ومتماسك.

يواصل البازعي إعطاء حياته معنى عميقًا، من خلال أداء هذه المهام والوظائف، التي لا يشعر أنها وظائف، في المعنى الضيق للكلمة، بقدر ما تحولت إلى نشاط يومي يتحقق وجوديًّا من خلاله كطاقة إبداعية خلاقة، لا تكف عن الإنتاج والبحث وإثارة الأسئلة. يتمرد البازعي باستمرار على شرط المفكر، المنقطع لمشروع واحد، على شرط الناقد المتخصص في حقل أدبي وحيد، على شرط الأكاديمي المنغلق على نفسه في قاعة التدريس. قدم البازعي دراسات مهمة في الرواية وخطابها، في الشعر وقضاياه. أنجز أيضًا مقاربات جيدة في السينما. طبعًا، عدا انشغالاته الفكرية العميقة التي عبرت عن نفسها من خلال عدد من الكتب التي تحولت إلى علامات في مشواره الطويل، وعلى صعيد الممارسة النقدية والثقافية في العالم العربي.

كان البازعي سباقًا بالدفاع عن الحداثة الأدبية، والاحتفاء بالاشتغالات الجديدة، سواء في كتبه أو في ملتقاه الثقافي، الذي تنقل بين أماكن عديدة. احتفى البازعي بقصيدة النثر، مثلًا، والدفاع عن حقها وحق شعرائها في الوجود، واستطاع أن يقدم إسهامًا نقديًّا في المستوى نفسه، من الجدة والجدية، اللتين ميزتا بعض نماذج هذه القصيدة. دافع عن هذه القصيدة أمام من سبق له أن نافح عنهم من شعراء قصيدة التفعيلة، عندما كان هؤلاء في مرمى الاتهامات.

يفعل كل ذلك، من دون أن يقدم نفسه بطلًا أسطوريًّا، أو مناضلًا لا يشق له غبار ضد السائد وثقافة القطيع، يفعل كل ذلك بلا لافتات أيديولوجية، أو تعمد المواجهة، من أجل المواجهة، وليس من أجل المعرفة. إنما هو يفعل كل ذلك بشغف فريد واهتمام منقطع النظير ونشاط لا يعرف الفتور، وجل تفكيره الإصغاء إلى أصوات الحاضر، ودفع المعرفة بأنواعها إلى وجهات جديدة. في اشتغالاته النقدية والفكرية يعمد إلى لغة تنأى بنفسها، منذ وقت مبكر، عن اللغة المدرسية الجافة، باصطلاحاتها ومفاهيمها، التي يعرفها جيدًا بحكم تخصصه الأكاديمي، لغة استوعبت المنهج وخرجت عليه، كي تخاطب شريحة واسعة من القراء، دون أن تسقط في الاستسهال.

في مناسبة احتفاء الكويت بالدكتور سعد البازعي، وتكريمه بإعلانه شخصية العام الثقافية في معرض الكويت الدولي للكتاب، تنشر «الفيصل» ملفًّا عن صاحب «قلق المعرفة» و«استقبال الآخر» و«المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، وسواها من كتب أساسية. يضم الملف شهادات لعدد من النقاد والشعراء والكتاب، تناولوا تجربة البازعي ومشواره الطويل، من زوايا مختلفة، مؤكدين تفرد مشروعه المتعدد، وأهمية جهوده في كل المجالات التي يواصل إنتاج معرفة جديدة فيها.


شخصية مُحلّقة في فضاءات الثقافة

سيف الرحبيشاعر عماني

خيرًا فعلت إدارة معرض الكويت الدولي للكتاب في تكريم الدكتور سعد البازعي، هذا المثقف الناقد والأكاديمي النوعي، الذي أعطى الثقافةَ في المملكة العربية السعودية وفي الخليج العربي بُعدَها العربي والإنساني الشامل والعميق. لقد تابعت الدكتور البازعي منذ بداياته وقرأت معظم إنجازات متنه الثقافي والنقدي، التي هي إضافة نوعية لإنجازات الثقافة العربية من محيطها إلى خليجها، حتى إن أحد كتبه التي هي محاضرات على طلبته في الجامعة، ثري وغني بالرؤى. وهذا الجيل الذي يتتلمذ على يد الدكتور البازعي وأمثاله سيكون جيلًا واعدًا ومثريًا للحياة المعرفية. حتى الكتب التي لا يعُدُّها هو ضمن سياق متنه الأساسي والمرجعي هي من الثراء بمكان، وهذا يدل على مسؤوليته الجدية والصارمة تجاه ما يطرح ويمارس ثقافيًّا وإبداعيًّا تجاه طلبته وفي كتبه المقروءة على نطاق واسع. وحسنًا فعلت إدارة المعرض في اختيارها لهذه الشخصية المحلّقة في فضاءات الثقافة الإنسانية الشاسعة.


متعة اللعب عند أقاصي الأدب والفكر

محمد المسعوديناقد مغربي

من يطلع على نتاج الناقد والمفكر السعودي والأستاذ الجامعي سعد البازعي يجد كتابته النقدية تتخذ لبوسًا فكريًّا فلسفيًّا واضحًا، فهو من النقاد العرب المعاصرين -المعدودين على أصابع اليد الواحدة- الذين تتميز كتابتهم بهذه القدرة على اللعب عند أقاصي الأدب بما يتطلبه الأدب من فهم وتحليل لكشف جمالياته، وإبراز خاصياته انطلاقًا من أجناسه الإبداعية المختلفة، وفي أفق ثقافي شامل؛ والجمع بين هذا البعد واللعب عند أقاصي الفكر وما يتطلبه من تأمل وتساؤل وبناء منطقي وقدرة على الكشف عن الحقائق الوجودية والرؤى الفكرية، والبرهنة العقلانية لإيصال وجهة نظر الباحث حول قضايا ثقافية وفكرية إنسانية راهنة.

ومن هنا، فإن قراءة كتب البازعي تلفت نظر المتلقي بجمعها بين الأدبي والفكري، وهي تتناول الشعر أو الرواية أو السينما أو جوانب من الثقافة الشعبية، أو وهو يخوض في قضايا تتصل بالفكر والثقافة عامة. وخير ما يمثل هذا المنحى في كتابته الآسرة ما خطه حول «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» و«هجرة المفاهيم» و«قلق الهيمنة» و«قلق المعرفة» و«ثقافة الاختلاف».. وغيرها من القضايا الفكرية الأدبية التي خاض فيها، وكانت عناوين لأبرز كتبه.

إن المجال الذي اشتغل في سياقه الناقد والمفكر سعد البازعي متسع ومتشعب يبين عن معرفة واسعة بالأدب والفكر في العالمين الغربي والعربي المعاصرين، كما يكشف عن تمثل معرفي مكين للفلسفة الغربية الحديثة وما نتج عنها من مناهج نقدية أتاحت له إمكانات الخوض في الآداب المعاصرة في الجزيرة العربية وفي البلاد العربية الأخرى، وفي عمق الثقافة الغربية الحديثة؛ كما مكنته من تناول إشكالات تقع، كما أشرت آنفًا، عند الأقاصي العليا من الآداب والفكر معًا.

والمتابع لكتابات البازعي لا يجد عنتًا ولا مشقة في التفاعل مع كتابته وفهم أبعادها ومراميها، بحيث تتصف كتابته بالقدرة على إيصال رؤاه وتصوراته وتحليلاته العميقة والمهمة في صياغة أدبية مشرقة. وأنا كقارئ وباحث متابع للنقد العربي المعاصر، ومشتغل به في بعض مناحيه أجد لذة في قراءة كتب الدكتور سعد البازعي، هذا فضلًا عن الفائدة الكبيرة التي أجنيها من قراءة أعماله، وبخاصة ما تناولت فني الرواية والشعر، أو ما أثارت قضايا تتصل بالنقد الأدبي وتياراته المتنوعة والمختلفة، وما يتصل بالدراسات الثقافية في مجالاتها المتعددة وانشغالاتها الواسعة التي تتقاطع فيها حقول معرفية وعلوم إنسانية عدة. ولا شك أن موسوعية الناقد والمفكر سعد البازعي تجعل انتقاله بين هذه المعارف والعلوم الإنسانية سلسة طيعة، كما تجعل تفاعل القارئ معها تفاعلًا سلسًا يسيرًا، ولكنه مع ذلك يتطلب من هذا القارئ مقدرة وكفاءة قرائية تمكنه من اقتفاء آراء الكاتب ورؤاه، وفهم مقاصده الظاهرة والخفية، وهي مقاصد تنتصر للعمق الفكري والترفع عن الاستسهال والضحالة التي صارت عملة رائجة في الكتابة النقدية والفكرية في كثير من بقاع وطننا العربي.

ومما لا شك فيه أن الاحتفاء بتجربة البازعي هو احتفاء بالقيمة الفكرية والإبداعية التي تتطلع إلى اللعب عند أقاصي المتعة الفكرية والأدبية؛ متعة تشرب الأدب المسكون بالفلسفة، وبالروح القلقة المتسائلة دومًا عن كل مناحي الحياة، الروح المسكونة بقلق المعرفة التي هي ضالة كل مبدع حقيقي في هذا الوجود.


البازعي‭..‬ المنارة‭ ‬التي‭ ‬نصعد‭ ‬إليها‭ ‬لكي‭ ‬نرى‭!‬

عادل‭ ‬الزهراني – أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز

في جدة كنا، وكان سعد البازعي قد نشر للتو كتابه «استقبال الآخر»، وكنت أنتظره بتوجس، وتحفز، يذكرني كثيرًا بتحفّز حسين البيشي في مواجهة ماجد، هل تذكرونهما؟ المهم أني قرأت «استقبال» البازعي، وصدمني، كما قرأت من قبل «ثقافة الصحراء» و«المكون اليهودي» وأعمالًا أخرى. لم يكن سعد البازعي ممن يمرون مرورًا سريعًا، ولذلك كان انتظاري له انتظار لهفة، وعناد. في المحاضرة ليلتها في أدبي جدة، خلت أني سمعت من البازعي ما أعرفه، وما حملته كتبه. وعندما حانت مداخلتي، هجمتُ -هجمة مرتدة مثل هجمة البيشي في نهائي كأس الملك- بالأسئلة والملحوظات. المفاجأة كانت في رد البازعي. الدرس كان في رد البازعي. حين أخذني بحلمه، وسمته، ومنطقه العقلاني المتزن يناقشني في نقاطي نقطةً نقطة، وورق التوت يسّاقط عن اندفاعي ورقةً ورقة. تعلمت درسًا منهجيًّا سيظل معي حتى اليوم، وأنا أعد نفسي صديقًا وقريبًا من سعد، وكتبِ سعد.

في بريطانيا، وصلتني نسخة من «قلق المعرفة»، وكانت نسخة مثل صفعة إيقاظ؛ بناء الكتاب كاملًا على منهجية القلق نقطةٌ سلبتني، وجعلتني أعيد التفكير في كثير من قناعاتي. هذا الهاجس القلِق هو القوة الحقيقية المحركة للمعرفة والاكتشاف، هي الروح التي لخصها شوبنهاور في «إرادة الحياة»؛ لذلك لم أستطع منع نفسي من مراسلته، مسلّمًا ومناقشًا ومشاكسًا. قلت:

«دكتور سعد. أشعر نحوك بامتنان متواصل لا ينقطع، لعلك تعلم السبب، ولعلك لا تعلم. أنا تلميذك عادل خميس، سبق لي أن تشرفت بلقائك مرات عدة.. في جدة والرياض وغيرهما. منذ زمن بعيد وأنا أستنير برؤاك الثاقبة، أنا متابع دقيق لقلمك، وأشعر وأنا اقرأ كتابًا لك أني بين يدي أفلاطوني الخاص.. إن كنت تؤمن أن لكل شخصٍ أفلاطونًا على مقاسه. وإن كنت تعتقد أن هذا غزلٌ صريح. فأنت على حق: هو كذلك. للتو انتهيت من كتابك القلِق: «قلق المعرفة»، طلبته من أحد الإخوة، فأوصله لي، والتهمته في يومين، ثم عدتُ لـ(أعرمشه) على روقان. واليوم إذ أنتهي من العرمشة، أكتب لك لأقدم شكرًا جزيلًا بحجم قامتك، وحجم تقديري. أخذتني فكرة القلق الذي بُني عليه الكتاب، تحضّـر القارئَ ليظل حبيس شعرة معاوية وهو يشق صفوف أفكارك بين مُشكـكٍ ومتسائل، حالة التوتر التي تحرص عليها مهمة جدًّا -في رأيي- ليصل قارئك لمرادك، قارئك أنت بالذات؛ الإثنية والفكر، وعلاقتهما المشبوهة: ماهية الفلسفة طُعمًا، وهْمُ الموضوعية المقدس الذي أسقطه المسيري رحمه الله، أشياء كثيرة.. كثيرة.. أخذتني أخذًا في كتابك، وكتبك السابقة. وغيرتي على قلمك جعلتني لا أرتاح للمقالات الصغيرة التي ضمنتها الكتاب، على رغم اتفاقها في الخط العام، لكنها تتحدث عن نقاط كبيرة وحساسة. وتحتاج لجهد أكبر وتحليل أوسع؛ لتضمها دفتا كتاب قيم كهذا. أطلتُ عليك أستاذي، لكني حفي بك، وأشعر بشهية مفتوحة لنقاشك، والسماع منك، فسامحني».

كتبت هذه الرسالة قبل اثني عشر عامًا، ورد عليّ ناقدنا الملهم سريعًا، يناقش بهدوء، ويوجه بتواضع، ويسأل.. يسأل عن عملي في الدكتوراه، وما أنجزت منه. في هذه الأثناء واصل البازعي رحلته الفكرية بألق يبعث على الغبطة.

واليوم، يختار معرض الكويت سعد البازعي شخصيته الرئيسة، هذا بعض ما يستحق. تختار الكويت منارة عربية، لطالما أدمنّا صعودها، لكي نتنفس أكثر، ونرى أبعد.. أبعد بكثير مما يمكن أن نرى.


هكذا‭ ‬تورد‭ ‬الإبل‭ ‬يا‭ ‬سعد‭!
يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يجد‭ ‬مورد‭ ‬الماء‭ ‬للعطش‭ ‬العربي

قاسم حدادشاعر بحريني

فمن كتب عن الكتابة في صحراء العرب. يعرف العرب والصحراء معًا، ويدرك الماء لهما.

* * *

أعتبرُ الناقد ضربًا من قارئ يتميز بموهبة الكتابة. كتابة الرأي النقدي والتقدير الأدبي. وأعتبر سعد البازعي من بين أهم النقاد العرب الذين يقرؤون لما يجعل كتابتهم ضربًا من الحوار، حوار بين القارئ والنص. وكم نحن بحاجة لشتى أنواع الحوار  في حياتنا.

* * *

أما عندما يترجم سعد البازعي فهو يترجم ما يحب للقارئ أن يفهمه ويتفهمه. أراه كما الصديق أمين صالح مترجمًا ما يحب.

* * *

أشكر معرض كتاب الكويت لاختياره سعد البازعي شخصية المعرض لهذا العام، ففي هذا الاختيار تكريم مضاعف للكتاب والكتابة، ليس في السعودية فقط، ولكنه تكريم لنا جميعًا في هذه النواحي من العالم.

* * *

سيجد القارئ في كتابة سعد البازعي الدليل الأكيد على أن كاتبًا مثل سعد، يعرف كيف يجد مورد الماء للعطش العربي في هذه الصحراء.


المثقف‭ ‬المدهش

صالح‭ ‬المحمودأكاديمي سعودي ورئيس النادي الأدبي بالرياض

حين يُذكر اسم الدكتور سعد البازعي فإن سياق الحديث يبدو في حيرة من أمره؛ إذ تتعدد سياقات حضور هذا الرجل بشكل مدهش وعميق، فهو المثقف، وهو الناقد، وهو المؤلف، وهو المترجم، وهو الناشط في المشهدين الثقافي والنقدي، سواء في وطنه السعودية أم في وطنه العربي الكبير طيلة عقود مضت. فهذا الرجل يعد علامة بارزة ومضيئة في السياق الثقافي العربي، تشهد له بذلك إسهاماته المعرفية المدهشة، ومواصلته العمل كتابةً ونشاطًا ومبادرةً وإنجازًا دون توقف، في حين توقف كثير من مجايليه وتلاشوا من المشهد، ولا يبدو هذا الحضور الطاغي للبازعي غريبًا؛ فالرجل شغوف بالمعرفة، يتنفس الكتابة والقراءة، ويجدد طاقاته المعرفية دومًا دون أن يكلّ أو يملّ، ولديه التزام أخلاقي مع المعرفة لا يحيد عنه، كما أنه مملوء متخم بالاحترام، احترام العلم، واحترام الآخر المثقف، واحترام منجزات الآخرين المعرفية، وهذه الصفات نصّبته رمزًا من رموز المعرفة العربية، وأيقونة من أيقونات النقد الأدبي العربي، وسيظل كذلك.

لقد أسهم هذا الرجل في صناعة مشهد ثقافي في وطننا ينمو ويتكامل من خلال مسيرة معرفية طويلة، أنفق فيها الكثير من الجهد والوقت والحرص والعناية والمتابعة والإخلاص، مؤمنًا بأن الثقافة فعل إنساني نبيل، وأن الوطن يستحق من أبنائه وبناته المبادرة والعمل الجاد المخلص الذي تتوارى فيه الشخصيات الذاتية، ويلمع فيه اسم الوطن بأطيافه ومؤسساته ومبدعيه، هكذا كان البازعي منذ أن شارك بشكل فاعل في تأسيس المشهد النقدي السعودي في الثمانينيات الميلادية وما بعدها، واستمر بعدها صائغًا ماهرًا وفنانًا مبدعًا يعيد بالمعرفة وبالنشاط العلمي والثقافي كتابة ذلك المشهد، ويجدد فيه سنة تلو سنة بمنجزات معرفية هائلة يقدمها بشكل لافت ومستمر إلى يومنا هذا ولم يزل. ولهذا لم يكن أمرًا غريبًا أو مفاجئًا أن ينال الدكتور البازعي جائزة السلطان قابوس أو أن يكون شخصية العام الثقافية في معرض الكويت الدولي للكتاب، أو أن ينال تكريمًا في هذا المحفل أو ذاك؛ ذلك لأن الرجل ظل ملتزمًا بميثاقه مع المعرفة إنجازًا وحضورًا وتأليفًا وتوهجًا وتفاعلًا منذ الثمانينيات الميلادية حتى يومنا هذا وما زال حفيًّا بكل هذا، تتجدد طاقته، ويأبى أن يتوقف عن القراءة والكتابة والحضور الثقافي المبهر، منذ «ثقافة الصحراء» و«إحالات الكتابة» ومرورًا بعدد كبير وعميق من المؤلفات، وحشد ضخم من المشاركة والحضور النوعي في الفعاليات الثقافية المختلفة.

وحين يريد امرؤ ما أن يكتب عن البازعي مثقفًا وناقدًا ومؤلفًا ومترجمًا وناشطًا في حقول المعرفة فلن يقدم في الغالب معلومات جديدة؛ لأن الذين كتبوا ويكتبون عنه كثيرون، وهم يتجددون بتجدد منجزات هذا الرجل التي لا تتوقف، وستتقاطع الكتابات عنه في هذه السياقات مع بعضها. واللافت أن تلك الكتابات تتأسس في حقيقتها على مرتكز رئيس وعميق، بيد أنه يبدو غائبًا ومتواريًا لم يقبض على جمرته أحد ممن كتب عن البازعي، واستهدف شخصيته العلمية ومنجزاته المعرفية. والحديث هنا عن الشخصية الإنسانية لهذا الرجل، وهي شخصية غنية جدًّا؛ إذ يتدفق الحس الإنساني منها بشكل مدهش، ويبدو ذلك ظاهرًا في التعامل مع الآخرين، واحترام حضورهم ومنجزاتهم وتقديرها دون أن يكون ذلك سببًا للتنازل عن الجودة والعمق المعرفي، ودون أن يفضي به ذلك إلى المصانعة والمجاملة الممجوجة.

ويتصل بهذا الأمر في شخصية البازعي احترامه العميق للطاقات الشبابية المثقفة التي تشق طريقها في رحلة المعرفة، وأراه في هذا السياق شخصية استثنائية نادرة لا يشابهها أحد، فهو يحتفي بالشباب، ويدعمهم، ويحفزهم، ويحرص على منحهم مساحات من الضوء والحضور، في الوقت الذي يحب غيره من (الكبار) أن يستأثروا بالضوء معوّلين على أسمائهم ومنجزاتهم، لكن البازعي الذي ظل وفيًّا للإنجاز العلمي حتى اللحظة يخالف قاعدة الضوء، ويحرص أن يمنحه للشباب المتلهف، وقد أنشأ مبادرات عديدة قبل رئاسته النادي الأدبي بالرياض وفي أثنائها وبعدها، وجعل تلك المبادرات فضاءً ثقافيًّا للشباب المتوثب إبداعًا ونقدًا. وأذكر من ذلك قبل رئاسته النادي مبادرة (الاثنينية) أيام الشيخ ابن إدريس، وكانت بإشراف الدكتور سعد، وفيها استضاف عددًا كبيرًا من الشباب المتوثب إبداعًا ونقدًا. وفي أثناء رئاسته النادي لا يمكن أن أنسى مبادرة (الحلقة الفلسفية) التي منحها ومنح شبابها دعمًا غير محدود حتى كبرت وأصبحت اليوم جمعية متخصصة على مستوى الوطن.

وبعد تركه النادي، ظل البازعي وفيًّا لشغفه المعرفي، وكانت مبادرته المتميزة (الملتقى الثقافي) إحدى أهم المبادرات الثقافية التي عرفها المشهد السعودي بانتظامها وطرافة موضوعاتها، وفي كل هذه المبادرات وفي غيرها كان البازعي يراهن دائمًا على الشباب، ويمنحهم الفرصة، ويستثمر شهرته وحضوره الواسع في صنع دعاية وإعلان لهم، وأندهشُ حين أراه مرارًا يقدّم هذا المبدع الشاب أو ذاك، ويتقاسم معه طاولة الإلقاء معرّفًا به، ومديرًا لمحاضرته أو أمسيته، وقد جرت العادة أن تنعكس الصورة، فيكون المثقف الكبير صاحب الحضور والمحاضرة، ويكون مدير الجلسة شابًّا في بداياته، ولا يكتفي البازعي بذلك، بل يتجاوزه إلى دعم وحَفْز يبدأ به مقدمته، ويختم به الجلسة، ثم لا يفوته أن يشكر كل من يسهم في نجاح الفعاليات التي يشرف عليها، ويحرص على ألا ينسى أحدًا، ثم تراه في حسابه على مواقع التواصل يعيد الشكر والامتنان.

ويجدر بي في سياق المبادرات الثقافية أن أضيف مظهرًا تفرّد به البازعي دون سائر النقاد السعوديين -وربما العرب- وهو تلك الهمة والنشاط والشغف المعرفي الذي يقوده من مبادرة إلى مبادرة، فهو يؤسس المبادرة، ويحضر جميع فعالياتها، ويدعو المتحدثين، ويدير بعض الندوات، ويعلن عن الفعاليات في حساباته الخاصة، ويعلّق ويداخل في اللقاءات، ويدعم ويحفز المشاركين، وأين تجد اليوم مثقفًا مخضرمًا لديه هذه الهمة الوقّادة وهذا الشغف المعرفي؟ إنه أشبه بالتزام أخلاقي مع المعرفة يترجمه عمليًّا بتلك المبادرات ونشاطه المتجدد والمدهش فيها.


الفكرُ‭ ‬مُكرَّمًا

سهام‭ ‬العبودي – كاتبة سعودية

أتذكَّر على وجه اليقين المرَّة الأولى التي قرأت فيها للأستاذ الدكتور سعد البازعي. في مقتبل المساس بالنصوص وجدت في كتبه: «إحالات القصيدة» و«قراءات في الشعر المعاصر»، و«ثقافة الصحراء- دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر»، القراءة التي ألهمتني الوعي بالنص عالمًا متعدِّد الأبعاد. ولطالما قلت في عقلي- آنذاك: أود أن أقترب من النص هذه المسافة الممكِّنة من رؤية رؤاه العميقة تحت سطح التشكيل، ومحاورةِ مجازاته المضمِرَة معانيَها تحت أجنحتها. القراءة الناقدة المختلفة هي معمار فنيٌّ خاصٌّ، ولها نصيبها من فعل الدهشة، ولا يمكن -قطعًا- أن تصل القراءة النقدية إلى هذا الحد من الإبداع والتأثير والإلهام لولا أن توفَّرت لمقدِّمها الأدوات، والإجادة اللازمة للتوفيق في استعمالها؛ وهو ما يؤول -في النهاية- إلى تعديد أبواب الدخول إلى النص، وتحقيق تحوُّلات في تصورات القارئ، ومنح النص حيواتٍ محتملة بفعل الحرث المستمرِّ في أرضه الخصبة.

إن المقدار الذي تضيفه هذه القراءة المنتجة في العقل القارئ هو الفعل الخالد الذي نسمِّيه (الأثر)، وما زالت عطاءات الدكتور سعد الفكرية تصنع أثرها المختلف البين في قرائه ومستمعيه ومتابعيه؛ مشكِّلًا وجودًا ثقافيًّا فكريًّا ملهمًا ومستحقًّا للإشادة والتكريم.

في المسافة بين «ثقافة الصحراء» تأليفًا حتى «بومغارتنر» و«الشعب الدَّمويِّ» ترجمةً، وفي كمٍّ يصعب إحصاؤه من المقالات والمحاضرات واللقاءات، وإدارة المشروعات الثقافية والملتقيات، والحضور الحيِّ في وسائل التواصل على اختلافها؛ في هذا كله تتحقق صورة شخصية المفكر بمقاربتها الشاملة المتوازنة لمجالات مختلفة تُشكِّل في مجموعها المعطياتِ اللازمةَ لصنع المعرفة وتقديمها، ولقراءة الحالة الثقافية وتشريحها، ولفهم الواقع وإشكالاته، ورصد تحوُّلاته. يؤمن الأستاذ الدكتور سعد البازعي بالزخم المضاعف الذي يحققه اتصال العلوم والفنون، وفتح مسارات تقود إلى اشتراك بانٍ بين الأدب والتاريخ والفلسفة والموسيقا وسواها من حقول المعرفة الإنسانية. نقاطُ الالتقاء تلك هي منافذ استكشاف لممكن مستجدٍّ، ومحتملٍ ولَّاد؛ وهي أيضًا مقاربة لحقيقة الإنسان الفرد المتعدد، المتجدد، ولمرايا وعيه المختلفة الانعكاسات.

تشكِّل الترجمة جزءًا مهمًّا في مشروع الأستاذ الدكتور سعد البازعي الفكري، وأتذكَّر شهودي حديثًا له بعنوان «معابر القراءة»، وهو حديث في موضوعَي (النقد والترجمة)، وتستوقفني من هذا الحديث -ضِمنَ الكثير الذي استوقفني- جملةٌ يشير فيها إلى: «أن اختيار كتاب من على رفٍّ هو فعل نقدي، وأن إعادته -انصرافًا عنه دون قراءته- هو فعل نقدي أيضًا». فلا شك إذن أن اختيار مدونة للترجمة هي «فعل نقدي» هائل متعدد الأبعاد؛ إذ تتحقق بالترجمة جملة مدخلات متنوعة من ثقافة إلى أخرى، مدخلات قد تكون محوِّلة بعيدة التأثير، وفي تاريخ العلوم والآداب أمثلة كثيرة لمدخلات معرفية وثقافية مؤثِّرة تحققت بفعل الترجمة. وفي مقدمة كتابه «معالم الحداثة» يشير الدكتور سعد البازعي إلى جوهرية هذا الفعل، واقتضائه عمليتي بحث واختيار عميقتين؛ فيقول: «فالانتخاب بحد ذاته فعل أو تدخل فكري وثقافي بقدر ما هو شخصي ذوقي. إنه تدخل في حراك الثقافة والفكر من خلال الانتقاء من حيث هو استدعاء للمختلف من زاوية مختلفة أيضًا،
وإنْ في بعض وجوهها». («معالم الحداثة، الحداثة الغربيَّة في ستين نصًّا تأسيسيًّا»، اختيار وترجمة وتقديم: سعد البازعي، مجموعة كلمات، الشارقة، ط1، 2022م. ص23 ).

وفي المقابل يملك الدكتور سعد حِسًّا عاليًا بالمسؤولية تُجاه (اللغة العربية)، وهو في مواقف كثيرة مسجَّلة ومتداولة يرفض استبدال لغة أخرى باللغة العربية دون مسوغ مقبول، ويرى الإنجليزية -وهو العارف بها والمترجم عنها- لغةَ آخَر، وحاملة ثقافة آخر، ولا ينبغي أن تحل لغة تواصل أو إعلام أو إعلان في أرض عربية. هذا الاتجاه التأصيلي الباني هو المعوَّل عليه لرسم معالم ثقافة محلية أصيلة، ترسِّخ هُويَّتها صورةً ولغةً وإبداعًا، وتفتح -في الوقت عينه- ذراعي قبولها للآخر، القبولِ الواعي بمواضع ضرورته ونفعه، وبكونِه آخَر لا ينبغي أن يزيح ما هو متجذِّر وأصيل.

جاء اختيارُ الأستاذ الدكتور سعد البازعي شخصية معرض الكويت الدولي للكتاب لهذا العام 2023م إضافةً مهمَّة إلى سجلات تقدير لمفكر واعٍ بمعالم مشروعه الفكري والثقافي والنقدي، ليست مرة أولى لكنها مؤكدة، وذات معنى في حق الصوت الثقافي السعودي المنتج المعتدل، المنتمي دون إقصاء، الأصيل دون انعزال، البالغ تأثيرًا متجاوزًا الحدود. إن تجربة فردية تحمل هذا التنوع والعمق والحضور والتجدد هي حالة ثقافية تستحق التقدير، وتستحق أن تكون موضع قراءة، أن تكون نموذجًا للوعي، لإحسان وفادة المعرفة عبر استثمارها، وتوظيفها لتحقق اندماجها المثالي المنتج، ونفعها الفكري العام. كل تكريم مستحقٍّ لمثقَّفٍ مفكِّر منتجٍ هو تكريمٌ للثقافة، وتقديرٌ للمعرفة، وإشادةٌ عالية الصوت بالفكر والذوق والجمال.


ثروةٌ‭ ‬فكرية‭ ‬حقيقية

نورة‭ ‬القحطانيناقدة وأكاديمية سعودية

الدكتور سعد البازعي يعد مثقفًا حقيقيًّا وثروة فكرية تمثل الثقافة السعودية في أفضل صورها، ومشاركاته العلمية والثقافية المتنوعة في المناسبات الثقافية والمؤتمرات العلمية قدمت الثقافة السعودية والأدب السعودي بصورة مشرقة إقليميًّا وعربيًّا، وعالميًّا أيضًا من خلال المحاضرات والترجمات لنصوص شعرية ونثرية ساهمت في خدمة المنتج الثقافي السعودي ونشره قدر الإمكان خارج حدوده المحلية. ومن أهم ما يتميز به الدكتور البازعي إضافة إلى العمق والأصالة تلك الاستمرارية والعمل الجاد الرصين في مجالات متنوعة، فلم يحصر نفسه في دائرة التخصص الضيقة بل خرج منها إلى أفق ثقافي فكري واسع يستمد عمقه من خلفية علمية متمكنة ومن اطلاع قرائي واسع وخبرة طويلة في التعامل مع النصوص، ومن تأمل مختلف في الثقافة العربية بدءًا من كتابه «ثقافة الصحراء» مرورًا بقراءاته العميقة للشعر المعاصر، والقصيدة الشعبية والرواية العربية، ولم يقف اهتمامه عند هذا بل قدّم للمكتبة العربية مجموعة فريدة من الكتب الفكرية التي تحمل طابعًا تأمليًّا فلسفيًّا ككتابته عن «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» وعن «الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف» وعن «معالم الحداثة» و«هجرة المفاهيم»، وغيرها من الموضوعات الشائكة التي تدفع القارئ إلى التأمل والسؤال والبحث، وهو بهذا يضيف بالتأكيد للمكتبة العربية كثيرًا في جوانب ثقافية غير مألوفة تحفز الفكر وتثير الشك الذي هو طريق الوعي والبحث عن الأجوبة.

ويحسب كذلك للدكتور البازعي تناوله للعلاقة المتوترة بين ثقافتين مختلفتين هما الثقافة العربية والثقافة الغربية، في مقارنة ترصد أوجه التشابه والاختلاف في طبيعة هذه العلاقة المأزومة وتمظهرات المواجهات بينهما. ولعل أول ما يسترعي الانتباه في مؤلفاته ومحاضراته ذلك الحرص على استخدام اللغة العربية السليمة والأساليب الجيدة التي تؤكد اعتزازه بثقافته العربية ورفضه للألفاظ الأعجمية الدخيلة، وكم مرة قرأت له كتابًا أدهشتني فيه تلك القدرة الهائلة على السرد بأسلوب جاذب وسلاسة متماسكة على الرغم من ضخامة حجم العمل في أحيان كثيرة. ولا يمكن للقارئ أن يطوي غلاف أي من كتبه قبل أن يشيد بقيمته التي تكمن -من وجهة نظري- في الطابع الموسوعي الذي يقدم للقارئ نماذج مختلفة من الثقافة من جهة، وفي التحليل والمقارنة والربط بين هذه النماذج بشكل منطقي لافت للنظر من جهة أخرى.

نحن أمام نموذج لمثقف موسوعي لا يمكن أن نحصر إنجازاته في مؤلفاته فقط، إنما يجمع إلى جانب ذلك توليه لمهام عديدة في مجالات مختلفة سعى من خلالها إلى المساهمة في خدمة ثقافته ومجتمعه ووطنه، فرأس تحرير صحف، ومجلات، ورأس لجان تحكيم لجوائز دولية، وتولى رئاسة نادي الرياض الأدبي وكان أيضًا عضو مجلس شورى سابقًا. واستمر عطاؤه ممتدًّا من خلال تأسيسه لملتقى ثقافي نصف شهري تشرف عليه جمعية الثقافة والفنون قدّم من خلاله محاضرات وأمسيات وفتح باب الحوار حول موضوعات فكرية وثقافية واجتماعية وفنية مهمة، ودعا للمشاركة معه في هذا الملتقى أسماء ثقافية سعودية وعربية أضاءت بفكرها ومناهجها المتنوعة قضايا تشغل المشهد الثقافي العربي في الوقت الراهن. ذلك هو المفكر والناقد والمترجم البروفيسور سعد البازعي الواجهة المشرفة للثقافة العربية وسفير الثقافة السعودية الجادة التي مثّلها خير تمثيل في محافل دولية كثيرة.


البازعي‭ ‬ومسعى‭ ‬التأسيس

فخري‭ ‬صالحناقد ومترجم أردني من فلسطين

الصديق الدكتور سعد البازعي، هو بلا شك، واحد من النقاد العرب البارزين في اللحظة الراهنة، ومن الباحثين المنخرطين في شرح النظرية الثقافية المعاصرة، وتأويلها، والتعريف بها، والنظر في انعكاساتها، وطرق اشتغالها في النقد، والفكر، والحياة العربية المعاصرة. فهو، إلى جانب انشغاله بنقد الشعر والرواية والفكر النقدي في الثقافة العربية، أنجز عددًا من الترجمات المهمة التي تسلط الضوء على النقد والنظرية والفكر في العالم، وخصوصًا الجانب الغربي منه، ساعيًا، في العقد الأخير، إلى تقديم معالم الحداثة وما بعد الحداثة في الفكر الغربي المعاصرة، وذلك من خلال الترجمة والاختيار، والبحث عن النصوص التأسيسية لهذه الحداثة. ولا شك أن هذا الاهتمام المنهجي، لرصد ما يمكن وصفه بأنه «العلامات الأساسية» لتطور الفكر والثقافة في العالم في القرن العشرين، أو أن «المكون الصلب» لحداثة القرن العشرين، يندرج في الكشف عما يؤثر في ثقافتنا وفكرنا العربي المعاصر، وما ينفعنا من هذا الفكر، وما يمكن لنا أن نستبقيه ونطوره في معرفتنا، في جزء من العالم يعاني مشكلات حداثة مأزومة، وتبحث لها عن طريق ثالث بين التراث والحداثة.

ينطوي مشروع البازعي، إذن، على مسعى التأسيس للنقد والنظرية والفكر، عبر الترجمة، والتعليق، وتقديم الآخر، للكشف عن هوية الذات في مرآة الآخر. وهو، انطلاقًا من تخصصه في الأدبين الإنجليزي والمقارن، يبحث عن نقاط التقاطع والافتراق بين ثقافتهم وثقافتنا، مشكلات حداثتهم ومشكلات حداثتنا المعوقة، التي ما فتئت تبحث لها عن طريق في مفترق العلاقة مع الذات ومع الآخر.


‮«‬الدكتور‭ ‬سعد» ‬خارج‭ ‬الكتب

سماهر‭ ‬الضامن‭ – ناقدة‭ ‬وأكاديمية‭ ‬سعودية

تلقيت في بدايات سنة 2019م بعد عودتي من ولاية آركنسا، دعوة من الأستاذ الدكتور سعد البازعي لأشارك في الحلقة النقدية التي كان قد أسسها قبل أعوام، وما زالت مستمرة حتى وقت كتابة هذه الأسطر. كان الدكتور قد حضر ندوة شاركت فيها مع لجنة الندوة العلمية في الجامعة، ولفت انتباهه الموضوع الذي طرحته فطلب مني عرضه في الحلقة. حين انتهيت من عرض الورقة علق بأنه أراد أن يستمع للأطروحة بشكل جيد، وبأنه طلب مني عرض الورقة نفسها في تلك الجلسة لأنها تمثل برأيه نموذجًا جيدًا لما يمكن أن تكون عليه المعالجة النقدية المنهجية لموضوع جديد، ونسبيًّا حساس. لفتني اهتمامه بأن يستمع للورقة بحرص، ويناقش محاورها مع مجموعة من الزملاء والزميلات، وينتبه للمنهج والأمثلة والتفاصيل والنتيجة. ولا يتردد في إبداء إعجابه بعمل باحثة مبتدئة ومغمورة، وهذا ما أسميه التواضع للعلم والشغف بالمعرفة، وبخاصة حين يأتي من باحث منجز ومنتج ومطلع وحاضر في المشهد الأكاديمي والثقافي محليًّا ودوليًّا. باحث تتلمذت على كتبه في مرحلة الماجستير وواصلت الاستفادة منها في مرحلة الدكتوراه، وما زلت وأنا أستاذة جامعية أنهل من إنتاجه ومساهماته المعرفية التي تصب في مشروعه الفكري والنقدي الأشمل حول المثاقفة والبحث في جذور المعرفة الإنسانية الحديثة والتبادل الحضاري بين الشرق والغرب، ضمن إطار فكري يقوم على فهم الخصوصيات الثقافية والسياقات الاجتماعية والتاريخية، وتتبع طرق تحولاتها واستخداماتها في سياقات متنوعة بتنوع الأزمنة والبيئات.

كان لقائي الأول بالدكتور سعد من خلال كتبه التي عبرت بي دروب المصطلحات والمناهج النقدية النظرية وأنا أعد رسالة الماجستير في النقد الأدبي الحديث، في وقت كانت تفتقر فيه المكتبة العربية إلى كتب ومداخل محكمة تقدم المصطلحات وتترجمها، وتضبط حدودها، وترسم خريطة تعالقاتها، وتؤصل لها؛ ضالة وجدتها في كتاب «دليل الناقد الأدبي» (إضاءة لأكثر من سبعين تيارًا ومصطلحًا نقديًّا معاصرًا) وهو تأليف مشترك بين الدكتور سعد والدكتور ميجان الرويلي؛ كتاب، كما يكشف عنوانه، مرجعي لا غنى عنه للباحثين في مجال الدراسات الأدبية والنقدية خاصة في مرحلة التأسيس والتعرف إلى المصطلحات والمفاهيم الكبرى في مجال النقد وما يتصل به من نظريات.

أما في مرحلة دراسة الأدب المقارن، فقد كان من ضمن عدتي المعرفية والمنهجية كتب مثل «استقبال الآخر: الغرب في النقد العربي الحديث»، و«المكون اليهودي في الحضارة الغربية»، وغيرها من مؤلفات الدكتور سعد التي يسعى فيها لتحليل وفهم العلاقات والتأثيرات بين الأقطاب الفكرية العالمية واللاعبين المؤثرين في الحضارة المعاصرة من خلال إطار منهجي متسق ومتماسك يسعى لفحص المفاهيم الكبرى ورحلتها بين الثقافات وتشاكلاتها التاريخية والجغرافية، وهو ما تجلى أيضًا في كتابه «هجرة المفاهيم: قراءات في تحولات الثقافة» الذي ينطلق فيه من تلك القاعدة الفكرية نفسها. هذا عدا عن مؤلفاته النقدية التطبيقية، وترجماته لعدد كبير من الكتب التي يظهر في اختياراته لها أن الخريطة المعرفية التي يسير في طرقها واضحة لديه، وهو في رحلته المعرفية هذه يركز على الأصول والمنهج العلمي في البحث، ولا يغفل الاطلاع على الجديد من إنتاج أدبي وأجناس فنية تتسع لتشمل السينما والموسيقا والثقافة الشعبية وسواها.

لا شك أن الوقوف على تفاصيل المنجز المعرفي للدكتور سعد البازعي يحتاج مساحة، ومقامًا مختلفًا عن هذا المقام. فأستاذنا يكرم هذه الأيام، تكريمًا مستحقًّا، في دولة الكويت كشخصية معرض الكتاب الدولي 2023م، وهذه فرصة لمزيد من البحث في نتاجه البحثي ومراجعة كتبه ومشروعه الفكري، وهو ما بدأت شرارته في السنوات الماضية حيث كان مشروع الدكتور ومؤلفاته حاضرة في عدد من الرسائل الأكاديمية في عدد من الدول العربية، وحيث ترجمت بعض كتبه لعدد من اللغات من بينها الصينية، ككتاب «ثقافة الصحراء: دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر»، كما حضر كموضوع لعدد من الندوات والمحاضرات التي تناولت مشروعه كاملًا أو مجزأً. هذا فضلًا عن مساهماته الفعالة والمتواصلة بكل وسيلة يمكنه من خلالها مد الجسور واستكمال مشروعه الذي لم يتوقف عند البحث ورفوف المكتبات.

وهذا يعيدني للحديث عن الدكتور سعد كما عرفته خارج الكتب. كانت تلك الدعوة التي ذكرتها هي أول فرصة لي للتواصل معه، وأسميها هنا «فرصة» بوعي تام؛ لأن لقائي بالدكتور سعد كان فاتحة مباركة لي للعبور إلى المشهد الثقافي المحلي من وجهة مشرقة، بعد غيابي الطويل عنه في أثناء بعثتي الدراسية. وبالنظر للتوقيت، فقد كانت فرصة لم أتوقعها ولم أخطط لها في وقت كان العالم فيه يتحضر لاستقبال الزائر الثقيل الذي عزلنا عن المجالات العامة، فأغلق قاعات الدراسة، وأقفل المراكز الثقافية، وعطل قوائم المهام التي كانت على صفوف جداولنا. وكانت نقطة الضوء الوحيدة في وقتها هي تلك الحلقة النقدية التي جمع فيها الدكتور سعد مجموعة من الباحثين والباحثات الذين يتشاركون الاهتمامات ذاته.

كنا نتناقش حول بعض الخيارات البديلة لاستمرار الحلقة، فطرحت إحدى الزميلات فكرة اللقاءات الافتراضية، وهي الفكرة التي تحمس لها الدكتور سعد وشجع على تنفيذها بأسرع وقت. بدا أن الدكتور كان أكثرنا ضجرًا بسبب توقف الأنشطة واللقاءات الثقافية. كانت الحلقة تعقد كل أسبوعين فإذا به يقترح جلسة كل أسبوع. وجميعنا نعرف أن الحلقة ليست مجال نشاطه ومشاركاته الثقافية الوحيدة. خصصنا جلسات عدة للحديث عن الجائحة وأثرها في المشهد الثقافي وامتدادته محليًّا وعالميًّا، قرأنا فصولًا في أدب العزلة والمرض والكوارث البيولوجية. عرفت حينها جانبًا آخر من الدكتور سعد؛ وهو أنه بالإضافة لعمله المؤسسي والبحثي في الجامعة وخارجها بين تحكيم وتأليف وعضويات، كان مشروعه الفكري مرتبطًا بواقعه ومتحققًا في شخصيته وأولوياته واهتماماته؛ ممتدًّا من خلال مواكبته لكل جديد، ومساهماته في تأسيس وإدارة عدد من المشروعات الثقافية والمؤسسية كالملتقى الثقافي بالرياض والحلقة النقدية، وصولًا إلى مشاركاته في اللقاءات والمقابلات والجلسات الحوارية الثقافية التي قل أن يعتذر عنها إلا بها. وهو وسط هذا كله لا يتأخر عن استشارة أو مساعدة علمية أو مشاركة مع أي جهة مهما كانت جديدة وغير معروفة، وأتذكر استجابته المتكررة حتى لدعوات الشباب وطلاب البكالوريوس لإجراء المقابلات والحوارات الثقافية، فلا يبخل بوقته ولا يتأخر عن مواعيده.

والأهم من هذا وذاك، حرصه على أن يقدم للمشهد الثقافي والفكري، لا نتاجه الخاص فحسب، بل يقدم الوجوه الجديدة أيضًا، ويحثها على المشاركة، ويحرص على حضورها، وعلى الحضور لها، فهو يرى في تعدد الأصوات والأفكار في الساحة الفكرية، واستمرار الحوارات والنقاشات المعرفية وتبادل الرؤى معينًا تذبل الحياة الثقافية بدونه. جمعنا الهم الثقافي والبحثي منذ أكثر من ثلاث سنوات في مجلس إدارة الجمعية السعودية للأدب المقارن، ولا أجد من أستاذنا إلا الالتزام والدعم والامتنان لجهود الأعضاء الفاعلين، فضلًا عن الرؤية الثاقبة والتخطيط الثقافي بعيد المدى.

آخر مشاركة حضرتها للدكتور سعد كانت في مؤتمر النقد السينمائي في الرياض قبل أسابيع عدة، حيث تحدث عن تخطي حاجز الوهم بين الرواية والسينما. وقد كان لافتًا في حديثه المركز تحديد فكرته، ووضوح منهجه، كما كان لافتًا حرص الحضور على التفاعل معه، بدءًا بأساتذة الجامعات وانتهاء بالشباب المهتمين بالفكرة التي كان يطرحها. قابلت العديد من المفكرين والمثقفين والمؤلفين، قلة منهم أثروا في تكويني المعرفي، لكن أقلية من تلك القلة امتد تأثيرهم ليكون دروسًا في الحياة والانضباط والإخلاص لما يسرنا له، والدكتور سعد البازعي هو من هذه الأقلية التي لا يمكن لأثرها أن يتوقف بين صفحات الكتب.


مشروع‭ ‬ثقافي‭ ‬مستمر

ميساء‭ ‬الخواجاناقدة وأكاديمية سعودية

الأستاذ الدكتور سعد البازعي كاتب وناقد موسوعي متعدد المواهب والاهتمامات، ولعل هذا أحد مكامن الاختلاف والتفرد في تجربته التي تمتد بين النقد والترجمة والكتب الفكرية. إنه أحد مؤسسي الحداثة في المملكة العربية السعودية، وكان اهتمامه بالشعر السعودي المعاصر وقصيدة التفعيلة والنثر تحديدًا أحد مداخلي إلى التجربة السعودية في المملكة ولا سيما كتابيه «ثقافة الصحراء: دراسات في أدب الجزيرة المعاصر» و«إحالات القصيدة: قراءات في الشعر المعاصر». ولعل ما يلفت النظر في تعامله مع النص الأدبي هو الجمع بين السلاسة والعمق في قراءة القصيدة، وهو في ذلك يتعامل مع النظرية دون تصلب أو جمود، فتأتي القراءة كتابة على الكتابة ونصًّا جديدًا في الوقت نفسه. وأرى أن هذا الالتفات المبكر للقصيدة الحديثة في المملكة يحمل دورًا مؤسسًا ومركزيًّا ولا سيما في وقت نالت فيه القصيدة الحداثية ما نالته من هجوم حاد في حقبة السبعينيات والثمانينيات.

وقد استمر هذا الاهتمام بالقصيدة ومحاورة النص بهدوء الناقد العارف مما يحيل إلى مشروع نقدي متكامل يؤسس لتلك القصيدة كما سبقت الإشارة، ويلتفت أيضًا إلى التجارب الجديدة عند جيل الشباب ليضع تلك التجربة في إطارها من المشهد الإبداعي المحلي والعربي، وهو ما نجده في عدد من مؤلفاته المتأخرة مثل: «جدل التجديد: الشعر السعودي في نصف قرن» و«جدل الألفة والغرابة: قراءات في المشهد الشعري المعاصر» وغيرها. الإطار الثاني الذي يمكن الوقوف عنده هو تجربة كتاب «دليل الناقد الأدبي»، حيث صدر هذا الكتاب بالاشتراك مع الدكتور ميجان الرويلي ليشكل مرجعية مهمة لطلاب الأدب والنقد، ويقدم لهم تعريفًا بأهم المناهج والنظريات النقدية بموضوعية وعمق وبساطة في الوقت نفسه. وهذا مشروع تأسيسي أيضًا يفيد منه المتخصص والمبتدئ في مجال النقد الأدبي على حد سواء. وهو مرجع علمي رصين يبتعد من العمومية والسطحية ويتسم بالغنى والعمق.

الحوار مع الآخر ومخاطبة فكره وثقافته نقدًا وتحليلًا وتفكيكًا لبعض مقولاته المهيمنة، جوانب لا يمكن إغفالها في تجربة البازعي. فإن كانت كتاباته النقدية تسائل القصيدة والإبداع في عمومه وتحاور النص شعرًا ونثرًا، فإن كتاباته الفكرية تثير تساؤلات فكرية مهمة جدًّا في المشهد المحلي والعربي والعالمي. ويبدو أن نقاش فكر الآخر والحفر فيه يعد محورًا رئيسًا في مشروع البازعي، وهو مشروع قديم ومتجدد، فالآخر يظل دومًا قضية حساسة ومهمة في أية ثقافة، منها تقارب وعيك بذاتك وثقافتك وفي الوقت نفسه تحاور وعي الآخر وثقافته. وبذلك استطاع البازعي مقاربة قضايا حساسة جدًّا في المشهد الثقافي العربي وحواره مع الآخر ولا سيما في «المكون اليهودي في الثقافة الغربية» الذي يسعى إلى إبراز الدور الذي لعبه اليهود في تاريخ الحضارة الغربية ابتداءً من القرن السابع عشر حتى اليوم. ويبرز الكتاب ضمن هذا الإطار التأثير المتعاظم لدور الجماعات اليهودية في مختلف مناطق أوربا وأميركا الشمالية على مستويات ثقافية مختلفة، متناولًا أعمال عدد من المفكرين والعلماء والمبدعين الذين تركوا أثرًا بالغًا في تطور الحضارة الغربية، وصار جزءًا من نسيجها في الوقت الذي عبرت أعمالهم عن أفكار جماعتهم ورؤاها وهموم وتطلعات الجماعات اليهودية التي ينتمون إليها، ومنهم مفكرون مثل: سبينوزا وماركس ودريدا، وشعراء مثل: هاينه وتسيلان، وروائيون مثل: دزرائيلي وروث، ونقاد مثل: هارولد بلوم، وعلماء مثل: فرويد.

ومثل هذا الكتاب يضع يده على نقطة مهمة في تكوين ثقافة الآخر أولًا، وفي طبيعة الفكر الفلسفي وتكوين المناهج الفكرية عنده ثانيًا، فلا يغدو التعامل مع تلك الأفكار أو نقلها بصورة حرفية أمرًا من السهولة بمكان. هذا الحفر المعرفي والفكري الذي استمر مع «هموم العقل» و«مواجهات السلطة»، و«هجرة المفاهيم: قراءات في تحولات الثقافة» يؤكد الهم المعرفي الذي يحمله المؤلف، كما يؤكد عمق المعرفة وأن وعي الذات لا يمكن أن يكون منفصلًا عن الوعي بالآخر، وأن حصيلة هذين الوعيين هي ما تجعل الفرد قادرًا على المشاركة الحقيقية والفاعلة في الثقافة الإنسانية.

وهنا تأتي الترجمة شيئًا مكملًا لهذا الحفر المعرفي بكل ما فيها من حوار ضمني مع ثقافة الآخر وانفتاح على تجربته في الوقت نفسه. واختيار موضوعات الترجمة وعناوينها عند البازعي يؤكد تكامل التجربة وتنوعها في الوقت نفسه، المثقف المسؤول يحاور ويناقش الإبداع ويحمل رؤيته مشروعًا متكاملًا، ولا يقف عند المعرفة المتخصصة ورفوف المكتبات فقط، بل ينشر الثقافة ويفعل دور المثقفين عبر منابع متنوعة، وهو ما نراه عند البازعي الذي أسس الحلقة النقدية منبرًا تحاول فيه المثقفون والأدباء في قضايا متنوعة، وشارك المختصون وغير المختصين في حلقات نقاش ثرية، إضافة إلى النشر في الصحف والمشاركات المتنوعة في مَنَاحٍ مختلفة. كل ذلك يقول: إن الثقافة عنده ليست خطابًا عارضًا أو كتابة في قضية واحدة بل هي هم وجودي وفعل كينونة ومشروع مستمر قولًا وفعلًا، وهو ما يجعله شخصية ثقافية وفكرية بامتياز.


جسر‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخر

محمود‭ ‬الضبعناقد مصري

يقال: إن شهادة الأصدقاء مجروحة، غير أن الأمر يختلف في حالة الدكتور سعد البازعي، فحين التقينا للمرة الأولى في جلسة بحثية في إحدى دورات الملتقى الدولي للرواية بالقاهرة، وكان يرأس الجلسة آنذاك الراحل الدكتور صلاح فضل، حينها لم يكن الدكتور البازعي غريبًا عني فكريًّا، وإن كنت أخاله قبلها طاعنًا في السن كما تدل عليه كتاباته.

كانت مؤلفاته وترجماته تسبقه في معرفتنا به شخصيًّا، وبخاصة: دليل الناقد الأدبي، وما فيه من عرض لتيارات ومصطلحات النقد الأدبي الحديث، وقد تكررت اللقاءات وفي كل مرة كان لدى الدكتور البازعي إنتاج جديد يمكننا التحدث حوله، لكن ما كان يلفت الانتباه أكثر لمشروعه النقدي هو أمران:

أولهما، توسيعه مفهوم النقد الأدبي ليتجاوز مجرد حدود النصوص الأدبية، ويصبح قراءة في الحياة والمنجز الفكري والثقافي والتطور الحضاري على نحو عام.

وثانيهما، اهتمامه بالآخر، وهو ما تجلى عبر كتب ومؤلفات ودراسات وأبحاث متعددة، منها: مقاربة الآخر (1999م)، واستقبال الآخر: النقد في النقد العربي الحديث (2004م)، والاختلاف الثقافي وثقافة الآخر (2008م)، وغيرها مما لم يتضمن عنوانه مباشرة مفردة الآخر، لكنه يعالج القضية بأشكال متعددة.

كانت تلك هي البداية فقط لجعله يحتل مكانته في عوالم الثقافة والأدب والنقد، وقد استمرت المسيرة لتكشف عن جهود مستمرة وإنتاج يستحق التقدير؛ إذ مما يمكن التوقف أمامه في كتابات الدكتور البازعي بعد ذلك هو رافد آخر له أهميته الراهنة، وهو وقوفه أمام تحولات الثقافة، وبخاصة في المرحلة الأخيرة المتزامنة مع فيروس كورونا- 19، وما يصاحبه من محاولات لقراءة واقع الحياة من حولنا، ودور الثقافة، وأهميتها، ومصير الأدب، وتحولاته، والبحث عن أبعاد الحياة الفلسفية، وعلى رأسها قضايا: المعنى والمفهوم ومحاولة لمّ شتات العالم من حولنا.


سعد‭ ‬البازعي‭…‬ ‬المفرد‭ ‬المتعدّد

مصلح‭ ‬النجار – ناقد وأكاديمي أردني

عرفت الدكتور سعد البازعيّ معرفتين: واحدةً في التسعينيات، حين اطّلع المثقفون العرب والمهتمّون بالأدب والنقد على موسوعته «دليل الناقد الأدبي» التي أعدّها مع ميجان الرويلي. والأخرى بعد ذلك بعقد من الزمن؛ إذ التقيته في محافل ثقافية عدة، وجمعتنا صداقة، أعتز بها أيما اعتزاز.

في التسعينيات، كانت الثقافة السعودية قد تعمدت تجاوز حدود المملكة، بشكل جماعي، لا على مستوى الأفراد فحسب، لتصل إلى القارئ العربي حيث هو، بعد مرحلة كان ممثلو هذه الثقافة في الخارج قليلين، ممن عاشوا أو درسوا في مصر، أو سوريا، أو ممن صادفناهم في بيروت، أو في زياراتنا إلى دول المغرب العربي العزيز. وكان عدد الأسماء محدودًا، وعلى وجه الخصوص في مجالي الحداثة وشعر الحداثة اللذين أهتم بهما.

ويمر الزمن، لألتقي البازعي في مؤتمر فكري مهتم بشؤون السياسة، ونحن وافدان إلى السياسة من عالم الأدب، والعمل الأكاديمي، ولعل ذلك النسغ الذي اسمه الأدب هو ما جمع النفوس، فوجدنا أنفسنا في الإسكندرية نأتلف في مجموعة من أصحاب الخلفيات الأدبية، وكنا مدعوين إلى مؤتمر تعقده مكتبة الإسكندرية حول الحريات في العالم العربي، وكان البازعي واسطة عقدنا.

ومنذ ذلك الحين ربطتني صداقة بالدكتور سعد، وتكررت لقاءاتنا، وتزاورنا، وما فتئ الرجل يكشف لي، كما يكشف للثقافة العربية، ذلك العمق، وتلك التجربة الثقافية الثرية، التي تأتت للرجل من دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، التي أتاحت له أن يقرأ الثقافة الغربية في مظانها الأصلية، وأن يعيش اللحظة الثقافية الغربية بُعيد منتصف سبعينيات القرن العشرين، ومطلع الثمانينيّات، ففهم بعين المراقب الحصيف، ما ينبغي للمثقف الشاب العربي أن يفهم، وكون حالة من التعاطي الأصيل مع الآخر، من موقف المثقف العصري، الذي يفتح صدره، وذراعيه لكل ما يمكن أن يتساوق ومكوناته الثقافية، من دون إقصاء، أو محددات مجتلبة إلى حقل الثقافة. وصار بجهد متواصل، ومؤلفات ثرة ضاربة العمق في الثقافات المقارنة والآداب التي تمثلها، علمًا من أعلام الفكر التي تجاوزت الجغرافيا السعودية والخليجية، لتحضر في الثقافة العربية خارج الخليج، إلى جانب رصيد ثقافي قدمه كل من الأمير الشاعر عبدالله الفيصل، وغازي القصيبي، وحمد الجاسر، وحسن عبدالله القرشي، وعبدالله الغذامي، وعبدالعزيز السبيل والتي يشير حضورها إلى حيوية الثقافة العربية في هذه المرحلة.

انماز البازعي بشخصية بحثية متماسكة، ديدنها الاستقصاء، فنجده يتتبع تحولات المفاهيم خلال عملية تأصيلها، ليتوقف عند محطات مجهولة من المثاقفة الحضارية، أو من عملية التأثر والتأثير ليكشف عن المغالطات التاريخية أو المجهول في الثقافة الذي غيبته الرغبات الاستعمارية أو الأنظمة السياسية الحاكمة، أو حورته لصالح ما، كما يكشف عن الاختلافات التي يعيشها المفهوم نفسه بانتقاله إلى سياقات ثقافية جديدة. لم يركن البازعي إلى واحدية فكرية، بل عاش جملة من الازدواجيات الغنية، فكان بنفسه لحظة اتصال بين الثقافتين العربية والأميركية، كما كان بذاته قِرانا بين اللغتين العربية والإنجليزية، وكذلك وقف على جسر واصل بين عالمي السياسة والأدب. ومن هذا وذاك، ومن تلك القِرانات، ومن فطنة السعودي الذي أحسن استثمار ما أُتيح له من فضاءات ثقافية، قرنها بجدية واضحة، ودأب لا يخفى على ذي بصر؛ صنع البازعي فضاءه المعرفي والثقافي.

ومن ذلك الدأب، أنتج البازعي مجموعة من الدراسات والكتب النفيسة في مجالات الدراسات الثقافية، منذ منتصف التسعينيات، أهمها: «إحالات القصيدة» 1998م، و«مقاربة الآخر» 1999م، و«استقبال الآخر» 2004م، و«أبواب القصيدة» 2004م، و«المكوّن اليهودي في الحضارة الغربية» 2007م، وقدم للقارئ العربي الثقافة الغربية، والفكر والفلسفة الغربيين في موسوعته «معالم الحداثة»، ثم أهدى المكتبةَ العربية كتابه «هجرة المفاهيم» 2021م، وخرج علينا بسِفره النفيس «مواجهات السلطة» 2018م، مستعرضًا فيه فكرة الهيمنة عبر الثقافتين الغربية والعربية، بتصور كرونولوجيّ واعٍ، ومنطلِق من لحظة إحاطة وفهم عميقين.

وما زالت الثقافة العربية تنتظر من البازعي مزيدًا من النتاجات النوعية التي تضيف للثقافة العربية رصيدًا من الوعي الحضاري، وبعد النظر المجبول بعاملي الخبرة والفطنة.


النقد بما هو مسؤولية حضارية

محمد الحيرش – أكاديمي مغربي

ما من شك في أن ثراء المنجز الفكري والنقدي للدكتور سعد البازعي يضعنا من الوهلة الأولى أمام مطلب إيجاد المداخل المناسبة لرصد توجهاته واستقراء مداراته. إنه منجز واسع ومركَّب يستند إلى برنامج بحثي تتداخل فيه انشغالاتٌ متعددة، وتتشابك فيما بينها إلى الحد الذي يتعذر معه الفصلُ بين ما يعود منها إلى مجال الدراسات الأدبية والفلسفية، وبين ما يعود إلى مجال الدراسات الترجمية والثقافية.

غير أن النواة المعرفية الناظمة التي تتقاطع عندها هذه الانشغالات تستمد مشروعيتَها من الحوافز والإمكانات التي يتسع لها النقد ما بعد الكولونيالي؛ إذ يوظف البازعي هذا النقد في كتاباته، ويستثمر إستراتيجياته على نحو أخص في تقويض العلاقة التراتبية التي تقيمها الذاتُ الغربية مع الآخر، ووضعِ تمثلاتها الاستعلائية المتوارية في الآداب والثقافات موضعَ مساءلة وتفكير. وبذلك كانت طريقةُ تفاعله مع مرجعيات النقد ما بعد الكولونيالي لافتة؛ لأنه لم يشتغل به كما لو أنه عبارة عن أطروحة نقدية جاهزة يتعين الدفاعُ عنها والنضال من أجلها ضد أطروحات أخرى أقل وجاهة وكفاية، أو كما لو أنه عبارة عن نزعة «فكرية» ناجزة تغري بالاعتناق والتعميم. ما يلفت الانتباه حقًّا في عمل البازعي أن الحس النقدي تغلب على الحس النضالي؛ لذلك نجده يختار الاشتباك النقدي الهادئ مع أعمق النقاشات الدائرة في الفكر الكوني المعاصر بين أقطاب الدراسات اللاكولونيالية، وينخرط بوعي حضاري في محاورة وعودها النظرية، وفحصِ مرتكزاتها الفلسفية. وهو الأمر الذي مكَّنه من اتخاذ المسافة الإبيستيمولوجية الضرورية التي بقدر ما أتاحت له التعمُّقَ في طبيعة التحولات المعرفية الناجمة عن انتقال المفاهيم من تربة ثقافية إلى أخرى، سمحت له أيضًا بتهذيب هذه المفاهيم وتبيِئة تداولها في سياقاتنا العربية بصيغة منتِجةٍ وفعالة.

لا يتردد البازعي في القول بأن اهتمامه بالآداب الأجنبية وبنصوصها الكبرى لا يتوقف عند حدود الاستفادة منها أو مقارنتها بنصوص الآداب العربية؛ إنه اهتمام من أجل التعرف إلى الحضارة الغربية، وفهمِ جذورها بنحو تنجلي معه المنازعُ المركزية التي تستتر فيها، وتتكشَّف فيه مظاهرُ الهيمنة والاستعلاء الثقافي التي تتخفّى داخلها. ولذلك نجده يتوسل بجملة من المفهومات التي تساعده على ذلك كمفهوم الخطاب بالمعنى الذي أصَّله ميشيل فوكو، ومفهوم الآخر بالمعنى الذي طوره إدوارد سعيد.

ومن ثم فلئن جاز لنا في حدود هذا المقام إطلاق وصف جامع على منجز الأستاذ سعد البازعي، فإنه يمثل واحدًا من أبرز المنجزات الفكرية والنقدية العربية؛ إذ ما إنْ نبدأ في قراءته وتتبُّع الخيط الناظم لانشغالاته حتى تجذبنا رصانتُه، وتحملنا على الإصغاءِ الجيد إليه وتقديرِ انشغالاته واجتهاداته.


«كتب وإشكالات»

إستبرق أحمد – كاتبة كويتية

في فوضى إدراك الكنه الواضح لبعض المصطلحات النقدية في بدايات الكتابة الأدبية لدي، أشارت صديقة إلى كتاب يتتبع خلفية بعض المصطلحات النقدية ومفاهيمها. كان كتابًا لاحق بنسخته الأولى 30 مصطلحًا، وفي الثانية عالجت المزيد، واستقرت النسخة الأخيرة عام 2002م على 70 مصطلحًا، فكانت النصيحة تتناول هذه النسخة بالذات، التي أتت لتبعد صعوبة استيعاب بعض الكتب النقدية التي كنت أتعثر بها بموضوعاتها في ظل ازدحامها بلغة أكاديمية ثقيلة أو استعراضية في إحالاتها الدسمة. فكان كتاب «دليل الناقد الأدبي» المنقذ؛ حيث سلاسة الجملة وغناها بالمعلومات. إصدار مشترك واضح دأب الباحثين الدكتور ميجان الرويلي والدكتور سعد البازعي فيه. كتاب مساند لكل من يرغب في إضاءة أسئلته بإجابات ضافية تنحو إلى العلوم الإنسانية في تتبع المفهوم. كانت هذه اللحظة بداية تعرفي إلى اسم الدكتور سعد البازعي، أما تعرفي الآخر فكان عبر كتاب عن الحداثة لدكتور آخر عاصر البازعي وله علمه ورأيه هو الدكتور عبدالله الغذامي، وكلاهما نثق أنه قامة مشغولة بمشروعها، وإن اختلفت الطريقة والمسارات بين نقد أدبي وآخر ثقافي وكيفية معالجتهما لموضوعات مهمة، فيبقى الاحترام قائمًا لهما دون تقديس أحدهما.

في كتب البازعي، الذي اختير شخصية معرض الكويت للكتاب الدولي، نرى أسباب اختياره؛ فهو شخصية دون شك متعددة المنجز له محاولاته الدؤوبة كناقد، مفكر ومترجم فاحص لأسئلته والاشتباك مع أسئلة وآراء أخرى ربما كانت مغايرة أو حتى على الضد معه. يظهر ذلك منعكسًا في خوضه مجالات مختلفة من مقاربة للنتاج الشعري والبيئة والسينما والرواية حتى أدب الجائحة وغير ذلك، حاملًا ميزة مهمة كونه مترجمًا يواكب الآخر في الدراسات الطازجة، منزويًا في مكتباته، مطلعًا، مزيحًا المكرس، الثابت، متجهًا ومترصدًا الجديد، ومحاولًا تقديم أطروحاته، فيما يدنو يعاين ويخاطر، كما نرى مثال ذلك كتابه «المكون اليهودي في الحضارة الغربية» الذي حلل ذلك المكون ومرجعيته وانفتاحه وتناميه كأقلية وتأثيره الكبير في المكون الغربي، متناولًا أسماء كانت إشكالية حتى في مجتمعاتها اليهودية، ومتعاونًا مع أسماء لها ثقلها منها عبدالوهاب المسيري مستخلصًا رأيه الخاص.

كما نرى الدكتور البازعي لا يتمركز في الجامعة وبحوثها فحسب، وإنما يخرج عن إطارها فيصبح مثلًا رئيسًا للنادي الأدبي بالرياض وعضوًا في حلقة الرياض الفلسفية ومشاركًا بأوراق في حلقتها أو مقدمًا كتابها «أوراق فلسفية» الحاوي لأوراق لباحثين آخرين. هذا النشاط في مواقع مختلفة، وهذه الاستمرارية وتشجيع مشروعات أخرى كمشرف على رسائل دكتوراه أو عضو فاعل، دون ركون لكسل الباحثين واستسهالهم وغرقهم بالمكرر، هي إضافة مهمة تمتاز بها أسماء قلّة، تدرك مخاضات الأدب والثقافة متطورة ومتورطة بالمسائلة الدائمة للأفكار، أحد أمثلة ذلك كتاب بعنوان «قلق المعرفة- إشكاليات فكرية وثقافية»، وغير ذلك من كتب جاوزت عشرين كتابًا لها أهميتها البارزة.

المنشورات ذات الصلة

1 تعليق

  1. Khalid

    شكرا على هذه الكتب المفيدة

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *