المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

الخط العربي في تركيا.. من مواجهة أعداء العربية إلى التطور والانتشار

بواسطة | مارس 1, 2023 | الملف

شهد الخط عبر التاريخ تقدمًا كبيرًا، وقد أخذ معظم الخطاطين الإلهام من الكتابات الدينية، وأنجزوا بذلك لوحات رائعة لآيات من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والحكم الشهيرة. والمقولة القديمة المشهورة: «إن القرآن الكريم نزل في مكة، وقُرئ في مصر، وكُتبَ في إسطنبول»، تشهد على التطوُّر الذي لقيه فنُّ الخط في تركيا. ففي زمن السُّلطان بايزيد الثاني، الذي جاء بعد السلطان محمد الفاتح، جلب معه إلى إسطنبول الشيخ حمد الله الأماسي، من منطقة أماسيا في تركيا، وهو شيخ مخضرم في الخط، ومنذ ذلك الزمن وإلى الآن بقي الخط في تركيا منتقلًا من السلف إلى الخلف، وصارت له مدرسة توارثها التلامذة عن الأساتذة حتى يومنا هذا. والزائر لتركيا اليوم ينبهرُ من كثرة اللوحات الخطية التي خطَّتها أنامل كبار الخطاطين في المساجد والقصور والمكاتب والأزقة والأماكن العامة وغيرها، حتى قال بعضهم: إن مساجد تركيا وقصورها وأزقتها والأبنية القديمة هي معارض لفن الخط العربي، وهذا كله يرجع إلى أسباب عديدة، وأزمنة مديدة.

اهتمام الأتراك بالخط العربي

الخطاط التركي طوران سيفغيلي، يرى أن الأتراك اهتموا بالخط العربي نتيجة تمسُّكهم الوثيق بالإسلام، وحبهم للغة العربية: «فهم أعطوا أهمية كبيرة للخط العربي على مدى التاريخ؛ إذ اكتسب الخطُّ أبعادًا جديدة على أيديهم، وأضافوا إليه وطوروه، وأبدعوا فيه وصارت لهم مدرسة في الخط، ونشأ أجيال من الخطاطين الذين تركوا بصمةً ظاهرة في التاريخ. وما نراه اليوم في تركيا من ازدهار للخط العربي هو ثمرة من ثمراتهم». ويتطرق إلى مرحلة الانتقال إلى الجمهورية التركية، فيقول: إن هذه المرحلة شهدت «بعضَ الفتور في مجال فن الخط، لكن كان لكبار الخطاطين، وعلى الأخصِّ الخطاط حامد آيتاج الآمدي (1891- 1982م)، دور كبير في انتشار الخط وحفظه وتعليمه للطلبة مع ما لاقوه من معاناة من أعداء العربية، فقد ساهموا في تطور فن الخط بشكل كبير، ولولاهم لما كنا اليوم نعلم ونخطط هذه اللوحات بالعربية».

الخطاط ومدرس الخط العربي أحمد كوطلوخان، أحد المجازين في الخط على شيخ الخطاطين حسن جلبي، يرى أن الخط العربي في تركيا هو خط إسلامي، «ومن هنا جاءت القداسة لهذا الخط، فهو الخط الذي انتشر في البلدان العربية وغيرها من البلاد، وهو الفن الشائع في معظم بلدان العالم». ويلفت إلى أن فن الخط يحتلُّ اليوم «مكانةً كبيرة في تركيا، ويحظى بالاهتمام في الآونة الأخيرة، وهذا ما نشاهده من ازدياد عدد الذين يرغبون في تعلُّم الخط وكثرة الدورات المفتوحة التي تقدم التعليم بدون مقابل لكل الراغبين بتعلُّم الخط وإتقانه».

ويقر كوطلوخان بوجود بعض الصعوبات التي يواجهونها، ومنها: «ازدياد أعداد الخطاطين المنتحلين للخط، وهم ليسوا من أهله، فأضحت جودة الخط والخطاطين في موضع شكٍّ. وهناك المتاجرة من خطاطين، بعيدون كل البُعد من أخلاق الخطاطين الكبار الذين تلقينا عنهم. ولأنني خطاط أُعلِّم الأجيال، في الآونة الأخيرة، الخط العربي وأواصل دعمهم وأحثهم على الصبر والتؤدة والإتقان في العمل، فالخط العربي يتطلب الصبر، والعمل الكثيف، والعزيمة القوية والتضحية الكبيرة، ويجب على الخطاطين الجدد التمتع بهذه المزايا حتى يتقنوه».

قديمًا وحديثًا

يرى الخطاط التركي صدِّيق شعبان أن الخط العربي في تركيا كان «شمعة في يد الخطاط حامد آيتاج الآمدي، كانت على وشك الانطفاء في عهد الجمهورية، ولكن السيد حامد حافظ عليها وعلى ضوئها. كان الخطاط حامد أيتاج يسافر على سفينة مصنوعة من شمع على متن بحر من النار، وحفاظًا على الخط العربي وقف أمام الصعوبات وواجه المشاكل بصدر رحب، وعندما سئل عن سبب محافظته على الخط العربي، أجاب: هذه وظيفتنا».

ويقول شعبان: «لا شكَّ أن منشئ صنعة الخط العربي في هذه الأراضي، هو الشيخ الخطاط حمد الله الأماسي (1429- 1520م) ثم انتقلت الصنعة إلى الخطاط حامد الآمدي الذي لم يتوانَ عن تنشئة طلاب يحملون الراية معه، فقد تعلم على يده حسن جلبي، وحسين قوتلو وهما من كبار الخطاطين اليوم اللذين ساهما في انتشار الخط العربي وواجها الصعوبات في السبعينيات والثمانينيات. واليوم هناك العشرات من الخطاطين في تركيا يخدمون الخط العربي. لقد وصلنا إلى مرحلة الازدهار في الخط العربي، لكن ثمة صعوبات تواجه الخط العربي في تركيا، ولكي يستطيع الاستمرار هو بحاجة إلى قوانين وإلى رعاية الأثرياء واهتمام الخطاطين بهذه الصنعة وإخلاصهم وتفانيهم».

ومما يدلل على مكانة الخط ما ذكره الخطاط عمر فاروق عن خطاط خطَّ بعض اللوحات الصغيرة، وبينما هو يمشي في أحد أزقة أسكدار (مدينة جميلة في إسطنبول على البوسفور) عرض له سائل، وطلب منه حاجة. وكان هذا الخطاط لا يملك إلا هذه اللوحات، فأعطاه لوحة من لوحاته الجميلة، وقال له: اذهب وبعها وخذ ثمنها، فمضى بتلهف إلى السوق، فعرضها للبيع، فلما نظر التُّجار إلى اسم الخطاط الذي مهرَ به لوحته الجميلة تنافسوا في شرائها؛ وهو ما ساعدَ هذا المحتاج في قضاء حوائجه.

الصفة البارزة في الخط العربي في تركيا أنَّ أغلب الخطاطين البارزين يعملون لا لهدف ربحي، إنما هدفهم يتجلى في خدمة هذا الخط أولًا، فنرى كثيرًا من الخطاطين اليوم يقومون بكتابة الخطوط في المساجد التي تُنشأُ جديدًا من دون أي مقابل. فالخطاط الكبير حسن جلبي خط أكثر لوحات المساجد في إسطنبول وهو بهذا فخور جدًّا، وكذلك تلامذته المنتشرون في أنحاء تركيا. والخطاط التركي محمود شاهين تعلم الخط على يد الخطاطين البارزين في تركيا، ودأب على إعداد اللوحات الكبيرة وإهدائها للجوامع في مختلف ولايات تركيا. وقد ساهم مع طلابه على تنظيم معارض دورية في ولايات عدة، ليعود ريعها لمنظمات خيرية. وقد عرض «حلية شريفة» هي الكبرى في العالم. والحلية الشريفة هي نمط من الفن الخطي نشأ في مدينة إسطنبول التركية قبل نحو ثلاثة قرون، وهي مطابقة للنسخة التي خطها الخطاط العثماني الشهير، حافظ عثمان، رحمه الله، وكتابتها اليوم من أحد شروط إعطاء الإجازة بين الخطاطين الأتراك.

شيخ الخطاطين

يذكر شيخ الخطاطين الأتراك وأستاذهم حسن جلبي في أحد مقالاته «ليلة القضاء على الأبجدية» عن أستاذه حامد أنه أُغلِقَ 350 مكتبًا لأبرز الخطاطين الأتراك عندما صدر قانون الحروف التركية الجديدة برقم (1353) تاريخ (1 نوفمبر 1928م) في تركيا، وجرى تطبيقه. وبمقتضى هذا القانون استُخدِمَت الحروف اللاتينية بدلًا من الأبجدية العثمانية التي كانت مستخدمة بما يوافق اللغة العربية، لكن استطاع الأساتذة الكبار العاشقون للخط العربي أن يواصلوا كتابتهم وتعليمهم للخط في الخفاء من خلال كتابتهم للمخطوطات والمصاحف الخاصة لبعض الكبار. ويرى الباحثون أن لشيخ الخطاطين حسن جلبي فضلًا كبيرًا في حفظ الخط العربي، فهو يُعَدّ حلقة وصل بين القديم والحديث، وعلى يديه تتلمذ وتَخَرَّج الكثير من الخطاطين. يقول حسن جلبي: «لم أقم بتعليمهم للفخر. لقد فعلت ذلك حتى ينتشر الخط العربي».

في عام 1982م دعته المملكة العربية السعودية لتصحيح الكتابات في الروضة المطهرة، لكنه لم يتمكن من الحصول على تصريح للسفر للخارج إلا بعد عام لكونه موظفًا حكوميًّا، فتأخر في الذهاب إلى هناك. ثم ذهب إلى المملكة العربية السعودية مرة أخرى عام 1987م، وأكمل حزام القبة وغيرها من كتابات مسجدي قباء والقبلة اللذين أعادت الحكومة السعودية بناءهما.

نستطيع أن نسلط الضوء على ما تقدمه تركيا اليوم للخط العربي، وذلك بدعم الخطاطين ماديًّا ومعنويًّا بإقامة المعارض الموسمية وعرض أعمالهم والتنافس في اقتنائها. وإقامة المسابقات السنوية لأجمل لوحة وإعطاء الجوائز القيمة، كمسابقة تركيا الدولية للخط العربي وكتابة القرآن الكريم، التي تنظمها رئاسة الشؤون الدينية، ومسابقة الفن الإسلامي الذي يقيمه مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا-IRCICA)، وإقامة المؤتمرات والمحاضرات الشهرية لتسليط الضوء على الخط العربي والخطاطين المشهورين. وتكريم الدولة للخطاطين الكبار، الأتراك والعرب. وتقديم أعمال الخطاطين الكبار لأبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية من مسؤولي الدولة. ودعوة الخطاطين المشهورين من مختلف أنحاء العالم لإقامة معارضهم في تركيا.

المرأة التركية والخط العربي

أحرزت المرأة تفوقًا في فن الكتابة والخط، وكثير من النساء حصَّلن المعارف، ومنهن من نَسَخْنَ المصاحفَ والكتب، بطريقة غاية في الجمال. واشتُهِرَت كثيرات من الخطاطات البارعات مثل: أسماء عبرت، وأمينة صفوت، وخديجة خيرية عائشة، وغيرهن من الخطاطات المشهورات في التاريخ. وإذا عرجت على أحد المراكز التي تقدم خدمة تعليم الخط العربي ستجد النساء من جملة المتعلمين للخط العربي. إحدى الخطاطات التركيات اليوم، شفيقة أولكر، حملت راية أسلافها الخطاطات؛ إذ لم تكتفِ فقط بإتقان كتابة الخط العربي، إنما أنشأت ورشة أيضًا لتعليم السيدات. وقد عاشت مع الخط العربي أكثر من أربعين عامًا؛ بدأتها منذ التاسعة من عمرها، ومنذ ذلك الوقت أخذ اهتمامها وتعلقها بالخط يزداد يومًا بعد يوم، ومع ازدياد براعتها ورُقِيّ فنّها في تخطيط اللوحات العربية، أنشأت مرسمًا لتعليم السيدات الخط والمنمنمات، وأنشأت مع زوجها جمعيةً للخط العربي، بهدف نشر الخط العربي وفن التذهيب.

وكنا التقينا إحدى الفتيات التي تتعلم الخط العربي في المركز وهي عائشة نور، فسألناها عن سبب إقبالها على تعلم الخط العربي، فأجابت بأنها عشقت الخط العربي عندما كانت صغيرة، وشاهدت الخطوط في مساجد إسطنبول، فكان هذا هو الباعث لها لأنْ تتعلم الخط العربي. وهي مسرورة بأنها الآن أنهت المستويات الأولى، وهي مقبلة على المستويات العليا؛ لتنالَ بعد ذلك الإجازة في الخط.

الخطاطون العرب في تركيا

آوت تركيا في الآونة الأخيرة عشرات الخطاطين العرب، وهم يرون تركيا موطنًا جميلًا للخط العربي حيث إن الأتراك يحبون هذا الفن، ويقتنون اللوحات التي يخطها الخطاطون العرب، إضافة إلى تقديم التسهيلات لهم، والسماح لهم بإقامة المعارض والدورات في تعليم الخط. فتركيا حاليًّا تُعَدُّ، في رأيهم، مركزًا للخطاطين الكبار الأتراك والعرب. والخط العربي في تركيا يشهد تطورًا ملحوظًا، وقد أصدر بعض الخطاطين العرب كتبًا في تعليم الخط العربي مثل: الخطاط ياسين حجازي كيلاني «مبادئ تعلم كتابة خط الرقعة العربي» 2022م، وقد لاقى ترحيبًا من محبي الخط العربي، من العرب والأتراك.

بعض الخطاطين العرب خط القرآن كاملًا خلال إقامته في تركيا، وقد لاقى كثيرًا من الدعم المادي والمعنوي، إضافة إلى أن الحكومة التركية منحت بعض الخطاطين العرب المميزين الجنسية التركية، متأسين بالمملكة العربية السعودية التي أعطت الجنسية لخطاط المصاحف الشهير عثمان طه (2021م) تكريمًا لما قدّمه من خدمة جليلة للخط العربي. وكذا الخطاط محمد ماهر حاضري تمكن من حياكة سور القرآن الكريم بالإبرة والخيط المذهب، واستغرق في ذلك ثماني سنوات كاملة بدءًا من عام 2000م ليكون عمله المميز الأول من نوعه على مستوى العالم؛ فانتهى على شكل 12 مجلدًا بطول 80 سنتيمترًا، وعرض 60 سنتيمترًا، ووزن 200 كيلوغرام.

ويرى الخطاط محفوظ ذنون أمين، وهو من تلاميذ الخطاط حسن جلبي، أن الخط العربي يعيش في تركيا عصره الذهبي؛ فهناك كثير من الاهتمام بالخط العربي فضلًا عن المسابقات والمعارض التي يجري تنظيمها، وهو ما يساهم في تطوير الخط العربي. ولم تقف أعمال الخطاطين العرب في تركيا عند هذا الحدّ، بل تجاوزتها إلى أوربا، حيث أهدى كثير من الخطاطين العرب لوحاتهم إلى مساجد عديدة في أوربا وإفريقيا وأميركا.

والخطاط العربي يرى اليوم تنافسًا شريفًا بين الخطاطين العرب والأتراك، مع وجود بعض الفروق بين الخطاطين العرب والأتراك. ويرى بعضٌ أن الخط العربي لم يتشوه في تركيا، كما تشوه في غيرها من البلاد عبر البرامج الإلكترونية الحديثة. وفي تركيا يتجلى الفارق بين أن تكون هاويًا أو خطاطًا؛ فالهاوي يتعلّم رسم أشكال الحروف ليخطها في أوقات فراغه، أما الخطاط فيدور في فلك الحروف وعشقها كدوران الأقمار حول الشمس، متحليًا ومتمسكًا بثلاثة أشياء أساسية: الهمة العالية، والصبر والمَشقة، والتدريب اليومي المستمر.

الخط العربي من وجهة نظر الباحثين

يرى الباحث والكاتب نجدت أرسلان، محرر مجلة «سمرقند»، أن الخط رسالة، «فإذا نظرت إلى لوحة خطَّها الخطاطون القدامى تتأثر بها وتُؤثر بك، وتترك فيك أثرًا عجيبًا. بمعنى آخر، فيها روح وصدق وإخلاص، أما اليوم وللأسف فتخلى الكثيرون من الخطاطين عن هذه الرسالة، فدخلت المنافسة التجارية بين أغلب الخطاطين إلا ما ندر، وأضحت المنافسة مالية أكثر مما كانت عليه من قبل كفنٍّ له رسالة وغاية، وهو ما جعل الخط يضعف ويترك هذا التأثير الذي كان عليه من قبل. إضافةً إلى تخلي بعض الخطَّاطين عن الكتابة باللغة العربية، فصار يخطط الأسماء والكلمات والحكم بالأحرف اللاتينية، وهو ما ساهم في ضعف الكتابة بالعربية عند كثير من الخطاطين».

ويتخذ الخطاطون العرب والأتراك من مدينة إسطنبول تحديدًا قِبْلة لهم؛ لحيازتها القدرَ الأكبر من إرث في الخط العربي، وللمشاركة في الفعاليات التي تُنَظَّم بشكل دوري فيها، وللحصول على إجازات في هذا الفن من الخطاطين الكبار. ومؤخرًا بدأ فصل جديد من الاهتمام التركي بالخط العربي، عنوانه الحفاظ على الخط العربي بوصفه هوية مشتركة مع العالم العربي. وبهذا الحبّ استطاع الخط العربي أن يصمد ويتحدى كل العوائق؛ ليصل إلى هذه المرحلة التي يراها الكثيرون مزدهرة مقارنة بغيرها من الأزمنة والأمكنة. واللوحات التركية التي خطتها وتخطها اليوم أنامل الخطاطين الأتراك شاهدة على هذا الحب وعلى ما قدَّموه من تضحيات في سبيل نشر الخطِّ العربي، فسطَّروا بأقلامهم وأحبارهم أروعَ ملحمةٍ في الحُبِّ لا تزال شاهدة ليومنا هذا وهي تعلن وتصرخ للأجيال: إنَّ الحُبّ يحتاج إلى تضحية وتَحَدٍّ.


الكتابة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التكرار‭ ‬تبقى‭ ‬مصطنعة مهما‭ ‬تطورت‭ ‬التقنية

محمد‭ ‬خسرو‭ ‬صوباشي

ذات يوم، وفي المقبرة التاريخية بالقرب من مسجد «ياوز سليم» في إسطنبول، كانت هناك كتابة جميلة بخط جلي التعليق. تحوي أربعة أسطر للشاعر إبراهيم أدهم. كتبها الخطاط محمد أسعد اليساري قبل 200 عام. استنسختها وعملت منها لوحة خط. لقد أحبها أساتذتي بقدر ما أحبها أصدقائي في المدرسة، حتى أصبحت معتادًا على ثنائهم. شخصان فقط ممن رأوا تلك اللوحة لم تعجبهم. كانت هذه المعلومة نقطة تحول لي. عندما نظرت إلى كتاباتي، بدأت أرى الأخطاء، ثم أدركت أنه لا يمكن الاستمرار هكذا. أخذني والدي (إبراهيم صوباشي، رحمه الله)، أحد علماء إسطنبول آنذاك إلى الخطاط الكبير في ذلك الوقت الأستاذ حامد أيتاج، رحمه الله، وهكذا أصبحت تلميذًا لهذا الشخص الجميل.

واصلت دراسة خطوط الثلث والنسخ، التي بدأت في عام 1973م، حتى وفاة أستاذي في عام 1982م، حتى إنه أمضى عامه الأخير في المستشفى. كنا نذهب إليه هناك، ونعرض درسنا في الغرفة المخصصة له، ثم حاولت تحسين كتابتي من خلال دراسة النماذج الخطية القديمة؛ حتى أصبح هذا المجال مجال عملي الأكاديمي. أعطيت دورات ودروسًا في تاريخ الفنون الإسلامية والخط في جامعة مرمرة من عام 1977م إلى عام 2011م، وفي جامعة السلطان محمد الفاتح. منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا أشرفت على ما يقرب من 100 رسالة جامعية ودراسات عليا ودكتوراه. مع محاولة العمل على الجانب التطبيقي للخط وعدم إهماله كلما سنحت لي الفرصة، ومراعاة الواجب الأكاديمي. والآن أشارك خبرة عشر سنوات بصفة العميد المؤسس لكلية الفنون الجميلة بجامعة السلطان محمد الفاتح الوقفية مع طلابي في المرحلة الجامعية وطلاب الدراسات العليا في هذه الجامعة.

أسماء كبيرة

أسماء كبيرة ذاع صيتها في مجال الخط، وقدمت تجارب أساسية ومهمة. ففي منطقة هضبة الأناضول وإسطنبول يحيى الصوفي (ت: 882هـ/ 1477- 1478م)، الذي خط الكتابة على باب المسجد ذي الشرفات الثلاث (أوج شرفلي) في مدينة أدرنة، مع ابنه علي بن يحيى الصوفي (ت: 882هـ/1478م) كاتب الثلث الجلي المتناظر على بوابة همايون في قصر طوب قابي بإسطنبول. وعلى وجه الخصوص كبير خطاطي القصر الشيخ حمد الله (ت: 926هـ/ 1520م) الذي أجرى بتشجيع من السلطان بايزيد الثاني الذي كان تلميذًا للشيخ في الخط إصلاحات كبيرة في الأقلام الستة، وتبع الخطاطون خطه قرونًا عدة. كما أنه كان له تأثير كبير في تفضيل خط النسخ في كتابة القرآن الكريم. وقد نشرت وزارة الثقافة التركية مصحفًا بخطه طبعته مطابقًا للأصل. وكذلك أحمد شمس الدين قره حِصَاري (ت: 963هـ/ 1556م) الذي يعد من أهم الخطاطين في عصره، واشتهر بالمصحف الذي كتبه للسلطان سليمان القانوني. لكن وافته المنية قبل إتمام هذا المصحف الشريف، وأكمله تلميذه حسن أفندي (ت: 1600م). وزَخرفَه وجلّده فنانو القصر في النقش خانه. والنسخة المطبوعة طبقًا للأصل من هذا المصحف الرائع تحتاج شخصين لحملها؛ لضخامة حجمها وثقل وزنها. والحافظ عثمان (ت: 1698م) الذي كان نقطة تحول في الأقلام الستة. وهو مؤسس أسلوب إسطنبول في جلي التعليق.

كما سيكون من الصواب أن نضيف إلى هذه القائمة أسماء أستاذي حامد آيتاج الآمدي (ت: 1982م)، الذي حمل هذا التراكم الهائل من الفن على مر العصور إلى أجيال الجمهورية في تركيا، مع حليم أوزيازيجي (ت: 1964م) الذي وافته المنية قبل حامد بوقت طويل.

الاستخدام المتكرر

بعض التراكيب الخطية التي طرحها باسم الابتكار بعض الخطاطين الشباب الذين لم يتعلموا بشكل كافٍ، ومن دون فهم واسع لأصول التراكيب عند الخطاطين القدامى، وهو ما قد يجعلها وفقًا لتلك التراكيب في مأزق كبير. أعلم أن هذا سيُحَلّ مع الوقت، لكن المشاركة السريعة لمثل هذه الأمثلة على وسائل التواصل الاجتماعي يزيد الطين بِلّة. إضافة إلى ذلك، المصاحف التي تجهز بالحاسوب وتنشر بسرعة من دون مراجعة أو تدقيق. ومع التطور المتزايد للتقنية، فيمكن اليوم نشر مصاحف أكثر سلاسة مما كانت عليه قبل 15 عامًا، وفي الواقع قد يفضل الجمهور مثل هذا النوع من المصاحف لسهولة قراءتها. مع ذلك، يجب أن أذكر الحقيقة التالية؛ أنه أينما تصل التقنية، فإن الكتابة القائمة على التكرار الدقيق (الاستخدام المتكرر) للنماذج المحددة (الحروف) وإن بدت جميلة بشكلٍ ما، إلا أنها لن تكون طبيعية أبدًا، وستظل كتابة مصطنعة مهما تطورت التقنية. وفي قناعتي، أن التراكيب التي لم تخرج مباشرة من يد الإنسان وأظهرت جمالها المصطنع بطريقة القص واللصق، لا يمكن أن تضيف أي قيمة روحية إلى الإنسان.

العميد المؤسس لكلية الفنون الجميلة بجامعة السلطان محمد الفاتح


المراجع والمصادر:

Hattat Hasan Çelebi ile Mihrap ve Kalem Aşkı – Şeyhu’l hattatîn Hasan Çelebi üstadın مقال للخطاط حسن جلبي سنة 1914م.

–  “Kelime-i Tevhid” hat eserleri sergisi AKM’de sanatseverlerle buluştu (Hakan Burak Altunöz – Anadolu Ajansı))

–  IRCICA – İslam Tarih, Sanat ve Kültür Araştırma Merkezi

–  https://www.ktsv.com.tr/sanatkarlar/26-turan-sevgili

–  https://istanbultarihi.ist/267-istanbulda-hat-sanati
(M. Uğur Derman)

–  Yazır, Mahmud Bedreddin, Medeniyet Âleminde Yazı ve İslâm Medeniyetinde Kalem Güzeli, nşr. Uğur Derman, III c., Ankara 1972-1989.

–  Nefeszâde İbrahim, Gülzâr-ı Savab, İstanbul 1939.

–  Eyice, Semâvi, “İstanbul’un Tarihî Eserleri”, İA, VI, 1214/44-157.

–  Habîb, Hatt u Hattâtân, İstanbul 1305.

–  TDV İslâm Ansiklopedis. 4/288-289.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *