المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

سيباستيون سالغادو: بإمكانك أن تجلس في منزلك وأن تصبح كاتبًا عظيمًا

ولكن في حالات التصوير فإنَّ القصة كائنة وراء الأبواب، عليكَ أن تخرج وأن تذهب بعيدًا

بواسطة | يوليو 1, 2020 | فوتوغرافيا

أنجزَ الفوتوغرافي البرازيلي سيباستيون سالغادو أعمالًا عاينَ فيها  الحياة على الأرض، بتوثيق عميق، ابتداءً من تلك الصور الجحيميّة المربكة لمناجم الذهب في البرازيل، إلى آبار النفط المشتعلة في الكويت. ومن خلال صوره الصريحة في نزعتها الخَيِّرة، بالأبيض والأسود، أظهر سالغادو المشاهد الرهيبة المريعة الملتقطة من بعض أركان العالم النائية، مفصحًا عن رؤيته الشخصية الفريدة لكوننا الأرضيّ الشاسع.

في مشروعه الأخير المُسمّى «تكوين»، ضمن سلسلة ما أنجز من مشاريع، اتجه سالغادو صوب البشر الذين لم يتصلوا بالحضارة بعد، وسط بيئة بِكْر وتجمعات بدائية، وما زالوا يعيشون وفقًا لعادات وثقافات موروثة عن الأسلاف. ولقد أمضى سالغادو في إنجاز هذا المشروع، بداية من 2004م، ثمانية أعوام يلتقط الصور خلالها في كلٍّ من القطب الشمالي، والصحراء، والفضاءات الاستوائية الممتدة، من أجل استنهاض الاهتمام والعناية لدى الناس، والالتفات إلى هشاشة الأرض، والتمهيد لأن تعيد الإنسانية اكتشافها لنفسها داخل الطبيعة.

وإذا أحالَ عنوان المشروع إلى استهلال الكتاب المقدّس بـ«سِفْر التكوين»؛  فإنه تضمن رغبة سالغادو في تصوير الهواء، والماء، والنار – العناصر المولدة للحياة. كما يمكن أن يُعتبر هذا المشروع ذا صِلة بمشروعيه السابقين «هجرة/ نزوح» 2000م، و«عُمّــال» 1993م، اللذين استعرضَ فيهما إعادة توطين/ توطُّن حشود من البشر، وشروط العمل القاسية المفروضة على الرجال والنساء حول العالم.

ولد سيباستيون سالغادو عام 1944م في إقليم المناجم البرازيلي  Minas Gerais، ويعيش الآن في باريس. عمل مع البنك الدولي كمختصّ في الاقتصاد، ثم انصرفَ خالصًا للتصوير الفوتوغرافي في باريس عام 1973م. تعاون مع وكالات التصوير العالمية: سيغما، وغاما، وماغنوم، حتّى عام 1994م، ليؤسس بعد ذلك، مع زوجته ليليا وانيك سالغادو المعمارية والمصممة الفنية لكتبه، مؤسستهم المسماة «أمازوناس»، المشتغلة حصريًّا بأعماله.

جالَ في أكثر من مئة بلد حول العالم لالتقاطاته الفوتوغرافية الخاصّة بمشاريعه، التي طُبعت ونُشرت في كتب عدة؛ من بينها: «أميركات أخرى» 1985م، و«ساحل» 1986م، و«ساحل» 1988م، و«نِعمة غير مؤكدة» 1990م، و«عُمّــال»1993م الكتاب الذي أمضى في التقاط صوره ستة أعوام، من أواخر الثمانينيات إلى أوائل التسعينيات، متنقلًا بين 23 بلدًا لتصوير عمّال المناجم، والصيادين، وجامعي نبتة الشاي، وآخرين ممن ينخرطون بالأعمال اليدوية بالعموم. و«تيرّا» (الأرض) 1997م، و«نزوحات/ هجرات وبورتريهات» 2000م، و«إفريقي» 2007م.

عُرضت أعمال سيباستيون سالغادو في مؤسسات عبر العالم، من بينها المركز الدولي للتصوير الفوتوغرافي، نيويورك، ومنتدى كايكسا، إسبانيا، ومتحف أونتاريو الملكي، تورنتو، ومتحف التاريخ الطبيعي، لندن، ومتحف العاصمة طوكيو للتصوير الفوتوغرافي، وغاليري باربيكان، لندن، ومتحف الطبيعة الألماني، برلين، وغيرها. إضافة إلى أنّ أعماله كانت ضمن مقتنيات كثير من المتاحف وصالات العرض، من بينها: مركز بومبيدو في باريس، ومؤسسة شيكاغو للفنون، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومتحف سان فرانسيسكو للفن الحديث، والمتحف الوطني للفن الحديث في طوكيو.

وجدير بالإشارة إليه أنّ المخرج والمصور الفوتوغرافي الألماني ويم ويندرزأخرجَ فِلمًا وثائقيًّا عن سيباستيون سالغادو وأعماله بعنوان: «ملحُ الأرض»، وهو الفلم الذي اشترك في العمل عليه ابنه جوليانو سالغادو، وحصل على جائزة الحُكّام الخاصة في مهرجان كان في مايو 2014م. كما أنّ سالغادو نال عددًا كبيرًا من الجوائز التقديرية والشهادات ذات العلاقة بفن التصوير، من جهات ومؤسسات حول العالم، وأُطلق عليه لقب «مصوِّر العام» مرتين من المركز العالمي للتصوير الفوتوغرافي.

اختارته منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة ليكون «سفيرًا للنوايا الحَسَنة»، ومنحته أكاديمية الآداب والفنون والعلوم في نيويورك عضوية الشرف، تكريمًا لجملة المشاريع التي أنجزها طوال مسيرته المميزة في مجال التصوير الفوتوغرافي.

* * *

اقتباسات تشهد على رؤية سالغادو:

* التصوير الفوتوغرافي ليس مسألة موضوعية، إنما هي ذاتية عميقة. صوري منسجمة أيديولوجيًّا وأخلاقيًّا مع ما أنا عليه كشخص.

* بإمكانك أن تجلس في منزلك وأن تصبح كاتبًا عظيمًا، ولكن في حالات التصوير فإنَّ القصة كائنة وراء الأبواب. عليكَ أن تخرج وأن تذهب بعيدًا.

* لماذا الفوتوغراف بالأبيض والأسود دائمًا: المساحات الرمادية لا تسبب إلهاءً للنظر إذا كنتَ بصدد تصوير هذه الطاولة مثلًا، فإنّ هذا الكتاب الأحمر سيلهيك عن كلّ شيء سواه في الصورة. اللون الأحمر يستقطب كامل القوة ويقصيها عنك.

شرعَ سالغادو مشروع «تكوين» عندما حاول تصوير سلحفاة عملاقة. قال: «وقفت لالتقاط الصورة فخجلَت السلحفاة وابتعدت. لذلك، كان عليَّ أن أجثو على رُكبتي وإخفاض كتفي، وكانت هذه الوسيلة الوحيدة، حين أصبحتُ على مستوى السلحفاة، لتتيح لي التقاط صورة لها. عندها فقط تعلمتُ أهمية احترام الأجناس الأخرى بقدر احترامي لجنسنا البشري. هذه ليست طبيعة ميتة ما كنتُ أقوم بتصويره».

«مشروع «تكوين» رسالة حبّ للأرض وللطبيعة المرنة. وإني لم أنجزه بوصفي صحافيًّا، أو أنثروبولوجيًّا، أو بيولوجيًّا؛ لقد أنجزته لهدف المتعة. لقد منحني السير لمدة شهرين على قدمي، وذهابي لجبال الهملايا والقطب الشمالي، قدرًا كبيرًا من المتعة وأردتُ أن أُشرك غيري بها. ولكني، أيضًا، أحملُ أملًا أكبر، فيما يتعلق بمستقبل الأرض، بعد أن انتهيتُ منه. لا أعتقد أنّ صوري وحدها بمقدورها أن تُحدث تغييرًا، ولكننا بتآزرنا معًا وقد تزودنا بكلّ المعلومات التي حصلنا عليها، يكون لهذه الصور أن تضيف شيئًا ما».

المترجم

● كيف كان لخلفيتك الأولية كرجل اقتصاد أن أدّت إلى أن تصبح مصورًا فوتوغرافيًّا؟

كنت وزوجتي قد عملنا في مدرسة للتصوير في اليابان، في طوكيو، وثمّة أمر واحد قلته للشباب هناك؛ أن يدرسوا في الجامعة شيئًا من الأنثروبولوجيا، شيئًا من علم الاجتماع، شيئًا من الاقتصاد، من الجغرافيا السياسية، وذلك من أجل فهم مجتمعهم. أُتيحت لي فرصة أن أكون رجل اقتصاد، ولكن ما هو الاقتصاد؟ كان الاقتصاد الذي عملتُ فيه هو الاقتصاد الشامل، الاقتصاد السياسي، الذي يعادل علم الاجتماع. وهذا أفادني كثيرًا في فهمي للمجتمع. عند توجهك للتصوير الفوتوغرافي، عليكَ فهم طبيعة ما تقوم بتصويره. عند ذهابك إلى بلدٍ ما، عليك أن تكون على معرفة ولو بسيطة عن اقتصاده، عن الحركات الاجتماعية فيه، عن أزماته، عن تاريخه -عليكَ أن تكون جزءًا منه. وعندما تتاح لك فرصة دراسة هذا الموجز التحضيري في الجامعة، عندها يتوفر لديكَ أدوات أفضل من غيرك ممن لا يملكونها. إني أعرف هذا لأنني عملت لدى العديد من وكالات الأنباء- عملتُ لدى غاما، وسيغما، ولدى ماغنوم لمدة 15 عامًا- وزملائي الذين تلقوا هذا التحضير الجامعي كانوا أفضل، كانوا يملكون أدوات أفضل من غيرهم. لقد شكّل لي الاقتصاد مسألة أساسية: منحني فرصة إجراء تحليلات، وتركيبات للأوضاع التي أردتُ تصويرها.

● نحن تقريبًا في السِّن نفسه، وإني أذكر بالطبع الستينيات والأفكار الراديكالية التي كنا عليها في تلك الحقبة. والفوتوغرافي غوردون باركس قال ذات مرّة: إنَّه بالكاميرا عثر على السلاح المناسب لِمْا يريد تحقيقه. السلاح لا لقتل الناس، وإنما لكشف ما كان خطأً في العالم. وكان الخطأ بالنسبة له يتمثّل في حالة الفصل العِرقي في بلده. وإني أتساءل إذا ما كنتَ أنتَ، خاصة في تلك السنوات المبكرة، قد حاولتَ القيام
بعمل انتقادي.

أتيتُ من بلدٍ غير نامٍ مع مشكلات اجتماعية هائلة، وكثير من حالات اللاعدالة حدثت فيه؛ لأننا لم نملك أيّ فرصة لحماية منتجاتنا. إني من منطقة تنتج كميات وفيرة من خام الحديد في البرازيل، التي هي بلادٌ شاسعة تحتوي على مصادر طبيعية عدة. عندما كنتُ طفلًا، كان سعر سبعين طنٍّ من خام الحديد سبعين دولارًا عند تصديره. أما اليوم فإنّ سعر الطن الواحد نحو ثمانين دولارًا، وقبل أيام قليلة ارتفع إلى مئة وعشرين. قارِنْ هذا مع سعر البترول، وماذا كان لسنوات وسنوات. عندما ترى كيلو من القهوة، والرجل الذي يعمل في إنتاجه -الذي يبدأ الساعة السابعة أو السادسة صباحًا، ويظل حتى آخر النهار، 12 ساعة في اليوم، وأحيانًا أكثر- هو لا يملك خيارًا، أطفاله بلا تعليم، لا يملك سكنًا لائقًا، لا يملك سيارةً أو حسابًا في البنك، ومع ذلك فإنه يعمل بجديّة عالية كأي واحد هنا. الفرق يكمن في أنّ المادة التي ينتجها لا قيمة لها. قيمة تلك المواد لا تُحدد في أمكنة إنتاجها، بل في شيكاغو، في لندن، حيث نحدد أسعار جميع المنتجات للمواد الخام، ودائمًا نحن وراء منحها سعرًا سالبًا. لم يكن سعرًا إيجابيًّا لأنّ هؤلاء الرجال سددوا الثمن من صحتهم، من تعليم أطفالهم، من انعدام توافر المسكن لهم. من هناك أتيتُ، وعندما أعمل على صوري، عندما أشاهد الناس من زاويتي في الكون عبر صوري، فإني أُظهرُ كرامتهم؛ أُظهرُ أنهم يعملون مثلما نعمل، وأنهم يحبّون مثلما نحبّ، وأنهم يعيشون جيدًا مثلما نعيش جيدًا هنا. وأنّ بمقدورنا فهم أننا سواء.

● حين كنتَ شابًّا، هل عَنَت لكَ حركة السينما الجديدة شيئًا؟

كان لغلوبير روتشا ورفاقه أثرهم فيَّ؛ لأنَّها كانت سينما نضالية تقدمية. ولكن معظم أعمال هؤلاء، تمامًا مثلما هي صوري، أُنجزت ليس لأنّهم كانوا ناشطين، وإنما لأنها كانت طريقة عيشهم للحياة. أنتَ تعيش هكذا، أيديولوجيتك هكذا، ولغتك هي التصوير الفوتوغرافي أو السينما، وحياتك تخرج من ذلك كلّه.

أميركات أخرى

● هَلّا حدّثتنا عن كتابك «أميركات أخرى»؟ تبدو فيه مُلمًّا جدًّا بهذا الزمن وبمعنى هذا العمل وماهيته وكيف هي الحياة في جنوب ووسط أميركا.

هذا سؤالٌ جيد في طرحك له؛ لأنني سأعود إلى باريس بعد أيام، وبعدها إلى إيطاليا من أجل إعادة طبع الكتاب. بعد ثلاثين سنة سنعاود طرحه من جديد، ولسوف يُنشر في نيويورك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، والبرازيل. مثّلَ لي كتاب «أميركات أخرى» حالة خاصة جدًّا. لقد غادرت البرازيل عام 1969م، ومُنِعتُ من العودة إلى بلدي لأن الحكم الدكتاتوري صادَرَ جوازات سفرنا. اجتاحتني، منذ قرابة شهر، رغبة قوية لأن أعود للبرازيل، ولكن لا سبيل لتحقيق هذا الأمر؛ لذا شرعتُ في السفر إلى بلدانٍ مجاورة -بلدان ليست تمامًا كالبرازيل، لكنها تبدو شبيهة بها- وهكذا سافرت إلى باراغواي، إلى بوليفيا، إلى البيرو، والإكوادور. ثم بعد مدة، سافرت إلى بلدان أخرى -غواتيمالا والمكسيك- وتقريبًا إلى معظم أميركا اللاتينية. لقد ذهبتُ لمعاينتهم، وعِشتُ معهم، وذهبتُ إلى جبالهم ووديانهم. لم يكن بحوزتي مالٌ في ذلك الوقت لاستئجار سيارة، أو للإقامة في فنادق كبيرة. سافرتُ بالحافلة، وأنفقتُ ممَّا استطعت جمعه بجهدي الشخصي. أمضيتُ هناك شهورًا طويلة؛ لأنني لم أكن أملك مالًا للسفر لأكثر من مرة، أغادر ثم أعود.

● كنت أفكّر كيف أعطتك زوجتك ليليا الكاميرا، كما أني أتساءل عن ردّ فعلك؛ أكانَت ببساطة أنكَ أحببتها من فورك؟

دعني أخبركَ بهذا: هي لم تعطني أي كاميرا على الإطلاق. لقد سرقتها منها. الأمر مختلف. كانت ليليا تدرس في كلية الفنون في باريس قسم العمارة، وكان أمرًا ضروريًّا أن تشتري كاميرا لالتقاط صور للأبنية. اشترينا الكاميرا، ثم كان أن نظرتُ في داخلها، وعندها تغيّرت حياتي كُليًّا. صارت الكاميرا لي أنا. بدأتُ في استخدامها ليجتاح التصوير الفوتوغرافي حياتي بكاملها. ربما لو أنها لم تشترِ تلك الكاميرا لما كان التحوّل أبدًا؛ لأنه حدث في حقبة متأخرة من عمري. كنتُ في السابعة والعشرين عندما نظرت عبر فتحة الرؤية للكاميرا والتقطتُ صورة. مَن يعرف؟ عندما كنتُ طفلًا، مررنا بتضخم اقتصادي عظيم في البرازيل -2.000% في السنة، مجموع هائل- وكثير من المزارعين باعوا مزارعهم. بعد سنتين أو ثلاث سنوات على بيعهم لتلك المزارع، فإنّ ما حصلوا عليه من مال لم يكن يكفي لشراء درّاجة هوائية. ولقد قال لي أبي: «لو أنني بعتُ هذه المزرعة عندما كنتَ طفلًا، لما أصبحتَ مصورًا فوتوغرافيًّا شهيرًا في باريس، على الأغلب كنا سنعيش داخل حي فقير بائس في بيلو هوريزونت».

تحية إجلال للطبقة العاملة

● كان عملك المسمّى «عُمّـال»، كما هو كتابك «أميركات أخرى»، مشروعًا عظيمًا تجلّى أخيرًا في كتاب. هل لك أن تحدّثني عن جذور هذا المشروع؟

عندما اشتغلتُ مشروع «عُمّـال»، كنتُ اقتصاديًّا وماركسيًّا. كانت الطبقة العاملة في نظري العنصر الأكثر أهميّة في الإنتاج الصناعي والزراعي. ففي الاقتصاد أنتَ تخلق وظيفة إنتاج ورأس مال، التكنولوجيا والعمالة. غير أنّ العمالة هي التي تؤدي إلى تكوين رأس المال، والتكنولوجيا هي تجسيد ملايين وبلايين ساعات العمل لدى العمّال في حركاتهم. ما هو الروبوت؟ عندما يشرع الروبوت بتجميع قطعة ما، فإنه كناية عن حركة ذراع العامل الذي صنعَ الآلة. هذه التكنولوجيا ولدت من العامل؛ إنّ العامل هو الجزء الأكثر أهمية في وظيفة الإنتاج.

بعد ذلك بدأنا نرى أنّ جودة العمل أخذت تتغيّر؛ لأنكَ امتلكتَ آلات ذكية طفقت تدخل في خط الإنتاج. ما هي الروبوتات؟ إنها أجهزة كمبيوتر. كلّ شيء بدأ يتغيّر في عمليات الإنتاج. والمسألة ليست في اختفاء طبقة العمّال، لكنها لم تعد هي الطبقة العاملة نفسها؛ صار العمل تخصصيًّا، والعمّال أكثر شبابًا وتلقوا تدريبًا على تلك الآلات. وبدورنا بدأنا نرى ذلك. ففي فرنسا، على سبيل المثال، اختفى مقدار هائل من صناعة الحديد وأعادت ظهورها في الصين أو البرازيل. وسبقتها في هذا صناعة السيارات -قبل هذا الانتقال كان كلّ بُرغي في السيارة يُصنع يدويًّا. كلّ جزء منها صُنع باليد. انتهى هذا الأمر اليوم. فالروبوت يتكفّل بهذا الجزء، يثبّت المسمار، ثم يخلعه- حتّى إنه لم تعد حاجة للإنسان لأن يجلس أمام آلة يتحكم بواسطتها بهذه الأشياء.

وهكذا رسمنا، زوجتي وأنا، بينما نرى حدوث كلّ هذه الأمور، تصورًا لكتاب يكون بمنزلة تحية إجلال للطبقة العاملة، في الوقت الذي لم يعد ممكنًا رؤية هذا الضرب من العمل من غير مراقبته وقد تحوّل جغرافيًّا صوب الهند، وصوب الصين، وصوب البرازيل. أمضيتُ خمس سنوات في الاشتغال على هذا المشروع، ولقد حصلتُ على مماثلات ومطابقات هائلة تعزز الفكرة الأساسية أثناء ذلك.

● هنالك تحوّلٌ حقيقيّ أصابَ موضوعات تصويرك في مشروع «تكـوُّن»، الذي اشتغلتَ عليه خلال العقد الأخير. فها أنتَ تبحث في الطبيعة وعلم الأحياء، بينما كنتَ من قبل تعمل على معاني الإنتاج، ودائمًا وفق رؤية نقدية جذرية. كيف تشعر حيال ما تقوم بتصويره، وماذا تأمل أن تحقق بهذا العمل؟

عندما كنتُ أشارف على الانتهاء من تصوير مشروع «الهجرة»، حدث أن تقاسمتُ بضع قصص كانت في غاية الدراماتيكية بالنسبة لي، معظمها في رواندا، حيث شاهدتُ الوحشية والعنف. بدأتُ أُصاب بالمرض، فقال لي طبيبي: «إذا لم تتوقف، فلسوف تموت»؛ لذا، وخلال شهر، توقفنا عن العمل وعدنا إلى البرازيل، وكان والداي حينذاك قد باتا عجوزين. أنا الرجل الوحيد في عائلة مكونة من ثمانية أفراد، من بينها سبع أخوات. اتخذ والداي، بموافقة أخواتي، قرارًا بأن أحتفظ بالمزرعة ملكيةً لي؛ المزرعة التي نشأتُ فيها، المزرعة التي كانت مهمة جدًّا في حياتي.

وهذا ما كان. ولكن، عندما دخلناها، وجدناها مدمرة على صعيد التربة والنباتات. قالت زوجتي: «كنتَ دائمًا ما تخبرني بأنكَ نشأتَ في فردوس، فلنعمل على إعادة بناء الفردوس. دعنا نزرع الغابة المطيرة التي كانت هنا من قبل» بدأنا ببناء مشروع بيئيّ. كان علينا زراعة أكثر من مليوني شجرة، فالمساحة هائلة. وبنينا هذا المشروع فعلًا. الآن، أعود إليها لأسمع أصوات الطيور، وأحسّ بالماء، وأرى الأشجار. كنتُ متحمسًا جدًّا للمشروع، الذي ولد من رغبتي العارمة في رؤية الجزء الأكثر بدائية وأصالة على الأرض.

أعتقد أنّ الأرض لا تزال تحتفظ بقليلٍ من الأماكن البدائية. لكنني، في النهاية وبعد البحث، اكتشفتُ أنّ 46% من الأرض ظلّت كما كانت عند التكوين الأول. عملنا على مشروعنا هذا ثماني سنوات -أقول «نحن» لأن زوجتي رافقتني فيه معظم الوقت- ولقد قمت بتصوير الطبيعة، بتصوير الحيوانات المختلفة، ثم اكتشفتُ أنّ كلّ شيء حيّ لا يزال. المشاهد الطبيعية حيّة، هذه الجبال حيّة كما أنا حي، جميع تلك الأشجار حيّة مثلي تمامًا – حيّة للغاية، وعاقلة للغاية. فثمة في الداخل نظام حياة يشملها جميعًا. وكان هذا، وعبر السنوات الثماني، هو الاكتشاف الأسطوري للتكوُّن، غير أن هذا لا يعني أنني أصبحتُ مصورًا للمناظر الطبيعية والحيوانات. فبالموازاة مع ذلك، كنت أقوم بتصوير قصة أخرى، قصة إنسانية متكاملة؛ كتاب عن القهوة! عملتُ على تصويره بداية من عام 2002م، وأنهيته في نهاية عام 2014م.


المصدر ‭:‬ 

Point of View Magazine

http‭://‬povmagazine.com/articles/view/the-pov-interview-sebastiaeo

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *