المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

في مديح الصداقة: مراسلات ألبير كامو ورينيه شار

أخوَّتنا تذهب أبعد مما نتصوره ونحس به أكثر فأكثر، سنزعج تفاهة المستغلين

بواسطة | سبتمبر 1, 2019 | رسائل

هل الصداقة الصافية ممكنة حقًّا بين المبدعين؟ أيمكن للصداقة أن تسمو فوق كل شيء وتغدو مرادفة للأخوة الحقة؟ إنها الأسئلة الأولى التي تتبادر إلى الذهن من بعد قراءة رسائل اثنين من أشهر أدباء فرنسا في القرن العشرين: الروائي والمفكر ألبير كامو (1913- 1960م) والشاعر رينيه شار (1907- 1988م). والجواب عن السؤالين أعلاه لن يكون إلا بالإيجاب. ذلك لأن الرسائل البالغ عددها نحو مئة وأربع وثمانين رسالة، التي تغطي نحو اثني عشر عامًا، تلقي الضوء على تلك الصداقة الاستثنائية التي جمعت بين الأديبين، وكانت عُراها تتوثق كلما امتد الزمن. يكفي ملاحظة أن وتيرتها خفت بدءًا من عام 1956م، والسبب أن ألبير كامو استأجر شقة في المبنى نفسه الذي يقطنه رينيه شار في شارع شانالييه في الدائرة السابعة. النسخ الأصلية لتلك الرسائل محفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية وفي مركز ألبير كامو إيكس إن بروفاتنس. وقد خرجت إلى النور للمرة الأولى عام 2007م، وأعيد نشرها ضمن طبعة شعبية منذ سنوات قليلة.

بدأت قصة الصداقة حين أراد ألبير كامو أن ينشر «أوراق إيبنوس» لرينيه شار لدى دار النشر الشهيرة غاليمار، وكان كامو مشرفًا على إحدى سلاسلها. وكان ذلك عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية بوقت قليل. في تلك الحقبة كلل الشاعر رينيه شار بتاج مجد المقاومة، حيث كان يكتب تحت اسم مستعار هو الكابتن ألكساندر. استعار شار لتلك الأوراق اسم إيبنوس وهو إله النوم في الميثيولوجيا الإغريقية، ليجسد الرجل الذي يراقب شعبه في أثناء الليل، لكنه سريع في الاستيقاظ حين يُطلب، مشيرًا بذلك إلى المقاومة. تلك أجواء الالتزام الشهيرة، التي ستلقي بظلالها أيضًا على ألبير كامو.

بيد أن أمرًا آخر أضاف لتلك الصداقة قوة دافعة؛ إذ بعدما نشر ألبير كامو كتابه «الإنسان المتمرد» هاجمه الجميع، ولن يجد في وضعه الصعب ذاك كتفًا تسنده وتمده بالقوة إلا كتف صديقه الشاعر رينيه شار.

سيظل ألبير كامو شخصية فريدة في الثقافة والتاريخ: كاتب عظيم ومفكر ملتزم ونادر، ستشاء المصادفة أن يلتقي رجلًا آخر استثنائيًّا، رينيه شار، الشاعر الموهوب والمقاوم. الرسائل التي دوَّنت رقيّ تلك العلاقة، تبين بشكل لا لبس فيه الاشتراك الأخلاقي والروحي بين الرجلين، على نحو يبدد أي تعكير لتلك الصداقة، وفيها نشهد تفتح ألبير كامو على شعر رينيه شار وإدراكه بصورة قطعية ربما كيف أن شاعرًا عظيمًا واحدًا فقط، لكفيل بفتح باب فن الشعر على مصراعيه، يعترف كامو بذلك عام 1956م: «قبل أن أتعرف إليك، ما اهتممت بالشعر»

هي قصة رائعة للصداقة، «أخوة عميقة» كما صرح ألبير كامو. وهذه الرسائل تقتفي التزامهما المتبادل، شكوكهما، فرحهما وقرب بعضهما من بعض. لكن، كما يحلل الأمر رينيه شار فإن «أخوتنا تذهب أبعد مما نتصوره ونحس به. أكثر فأكثر، سنزعج تفاهة المستغلين، غايات العرافين من كل صوب في عصرنا. هذا أفضل. معركتنا الجديدة تبدأ وعلة وجودنا أيضًا»

سينتهي تبادل الرسائل عشية الوفاة المفاجئة لكامو في الرابع من يناير 1960م، بعد ثلاثة أيام من اللقاء الأخير في لورماران.

من ألبير كامو إلى رينيه شار

(باريس) 26 أكتوبر 1951م

عزيزي رينيه،

أفترض أنك تسلَّمتَ الآن «الإنسان المتمرد». تأخر صدوره قليلًا بسبب مشاكل الطباعة. بطبيعة الحال، أحتفظ لك عند عودتك بنسخة أخرى، وستكون النسخة الجيدة. قبل نشر الكتاب بمدة طويلة، أثارت صفحات لوتريامون المنشورة في «Cahiers du Sud» (دفاتر الجنوب) رد فعل غبي وساذج بشكل خاص، الذي كان شريرًا من جانب بروتون….. بالتأكيد، لن يصلح أموره مع الثانوية.

أجبت بنبرة أخرى، وفقط لأن تأكيدات بروتون المجانية كان بإمكانها أن تخاطر بجعل الكتاب يبدو على خلاف ما هو في الحقيقة. هذا لإطلاعك على الأخبار الباريسية، التي دائمًا ما تكون تافهة ومتعبة، كما ترى.

أشعر بذلك أكثر وأكثر، لسوء الحظ. إقصاء هذا الكتاب جعلني فارغًا تمامًا، وفي حالة غريبة من الاكتئاب «الجوى». ومن ثم، شعورٌ بالوحدة… ولكن لست أنت من أستطيع أن أعلمه ذلك، فكّرت كثيرًا في محادثتنا الأخيرة، وفيك، وفي رغبتي بمساعدتك. ولكن هناك شيء ما فيك يقلب العالم. ببساطة، أنت تبحث، وأنا أبحث عن نقطة ارتكاز. على الأقل تعلم أنك لست وحدك في هذا البحث. ما قد لا تدركه جيدًا هو إلى أي حد أنت بحاجة لأولئك الذين يحبونك، والذين من دونك سيكونون بلا قيمة. أتحدث أولًا عن نفسي، أنا الذي لم يستسلم قط لرؤية الحياة تفقد معناها ونسغها. لأقلْ لك الحقيقة: إنها الوجه الوحيد الذي لم يسبق لي أن عرفته عن الألم. أتحدث هنا عن آلام العيش.

ولكن هذا غير صحيح، يجب القول: إنه ألم عدم العيش. وكيف السبيل إلى العيش في عالم الظلال هذا؟ من دونك، من دون اثنين أو ثلاثة من البشر الذين أحترمهم وأعتز بهم، فإن كثافة ما ستنقض الأشياء بشكل نهائي. ربما لم أقل لك هذا بما يكفي، ولكن لن أتوانى عن قول ذلك عند اللحظة التي أشعر بك فيها حائرًا قليلًا. ثمة قليل جدًّا من فرص الصداقة الحقة اليوم، حيث أصبح البشر متحفظين جدًّا حيالها أحيانًا، ومن ثم كل واحد يظن أن الآخر أقوى مما هو عليه، بيد أن قوتنا هي في مكان آخر؛ إذ هي تكمن في الإخلاص.

هذا يعني أنها موجودة أيضًا لدى أصدقائنا وأننا نفتقدها جزئيًّا إن اشتقنا لهم. لهذا السبب أيضًا، يا عزيزي رينيه، عليك ألا تشك في نفسك، ولا في عملك الذي لا يضاهى؛ إذ سيكون ذلك شكًّا في أنفسنا أيضًا، وفي كل ما يجعلنا أسمى. هذا الكفاح المستمر أبدًا، هذا التوازن المنهك (ولأي درجة أشعر أحيانًا بإنهاكه!) يوحدنا، بعض منا، اليوم. الشيء الأسوأ في نهاية المطاف هو أن تموت وحيدًا، ممتلئًا بالازدراء. وكل ما أنت عليه، أو ما تفعله، يوجد أبعد من الازدراء.

عدْ بسرعة، على أي حال. أغبطك على خريف «لاني» و«السوروغ»، وأرض الأرتيديين. حل الشتاء هنا وسماء باريس جهّمت سحنتها السرطانية. اختزنْ بعضًا من الشمس وشاركني بها.

خالص المودة لك.

مع صداقتي لعائلة ماتيو، ورو وللجميع.

من ألبير كامو إلى رينيه شار

«لو بانولييه» 30 يونيو 1947م

عزيزي رينيه شار

سعدت جدًّا برسالتك. هناك عدد قليل من البشر اليوم الذين أحب لغتهم وسلوكهم. وأنت واحد من هؤلاء – الشاعر الوحيد اليوم الذي تجرأ على الدفاع عن الجمال، وعن قول هذا لك صراحة، وإثبات أنه يمكن للمرء أن يناضل من أجله كما يناضل للقمة العيش في الوقت ذاته. أنت تذهب أبعد من الآخرين، من دون أن تستبعد شيئًا.

هل يمكنني الآن أن أطلب منك خدمة، مثل رفيق قديم؟ الأمر أنني: قد سئمت من باريس والعالم المجرمين الذين ألتقيهم فيها. رغبتي العميقة هي العودة مجددًا إلى بلدي الجزائر، هي بلد الرجال، بلدٌ حقيقي، قاس، ولا يمكن أن ننساه. لكن لأسباب شديدة الاختلاف، فإن هذا غير ممكن. في حين أن فرنسا البلد الذي أفضله هو بلدك، وبالتحديد سفح «لوبيرون» وجبل «لوري» و«لوريس» و«لورمارين»… إلخ.

حتى الآن، لم أغتنِ من الأدب. لكن رواية «الطاعون» ستدرّ عليَّ بعض المال. أودّ شراء منزل في هذا البلد. هل يمكنك مساعدتي؟

ربما تتخيل ما يمكن أن يناسبني. منزلٌ بسيط جدًّا، وأيًّا كان اتساعه (لدي طفلان وأود أن أستضيف فيه من حين لآخر والدتي)، وأن يكون بعيدًا أكثر ما يمكن، مؤثثًا إن أمكن، وأن يكون أكثر ملاءمة من أن يكون مريحًا، ومطلًّا على منظر طبيعي يمكننا النظر إليه مدة طويلة. أعتذر عن هذا الطلب وسأستعلم أيضًا حول هذا الموضوع لدى آخرين. لكن أنت من أثق فيه: فأنت ستضع نفسك في مكاني. لهذا السبب أكتب لك كل هذا، ببساطة. إذا كنت لا تعرف أي شيء حول ذلك، فلا تقلق نفسك. سأفكر بك دومًا بشعور أخوي.

ألبير كامو

من رينيه شار إلى ألبير كامو

ليل 17 أغسطس 1949م

صديقي العزيز، هذا الصباح مفاجأة جميلة من البريد مع رسالتك… الصيف طويل من دونك و«ليل» حيث أنا موجود منذ مدة خمسة أيام (حتى نهاية سبتمبر) ترغب في رؤيتك مرة أخرى. هل أنت قادم هنا بعد رجوعك؟ أرجوك أبهج قلبي بحضورك. رأيت فرانسين بالأمس. يبدو أن الأمور جيدة في باليرمو. قالت لي: إنها تجد الوقت طويلًا؛ بسبب الطريق الطويل -ذي مئة الفرسخ- الذي تغوص فيه محتذية حذاء (عقلة الأصبع) لكنها تأمل في عودتك قريبًا.

شكرًا لك من القلب، ما هو أفضل من أنك تذكرتني، هو أنك تؤكد وتشجع وجودي الشعري.

مع ذلك، عد يا عزيزي ألبير؛ لأنني أفتقدك كثيرًا.

في باريس، استمر سلام اليرقات حتى مغادرتي التي على الأرجح لن تؤدي إلى انقطاعه.

سأحيل كلير إلى الأسماء التي تشير إليها، وسأكتب إلى هيرش من أجل تقديم ما هو حار ومستعر وغامض للقراء الجيدين في ريو سان باولو.

لك ما عندي من المودة الأخوية يا صديقي العزيز

من رينيه شار إلى ألبير كامو

ليل سور سورغ 4 أكتوبر 1949م

عزيزي ألبير

أرسل لك خطابًا تلقيته للتو. كاتبه هو الناقد فرانك إلجار (واسمه الحقيقي روجر ليسباتس، 25 شارع لا مارك باريس هاتف مونت 96-35). إنه رجل شجاع ومخلص جدًّا، وأصم أيضًا، للأسف! هل أنت في شامبون؟ كان من المحزن رؤيتك تغادر بسرعة هكذا، ولكنه شيء مفهوم طبعًا!

آمل أن مسرحيتك «العادلون»لا تسبب لك الكثير من الهموم.

أطيب المشاعر لفرانسين وكثير من المودة لك.

من رينيه شار إلى ألبير كامو

ليل سور سورغ الجمعة أكتوبر 1949م

عزيزي ألبير

أود جدًّا من أجلك أن تنتهي همومك بدلًا من أن تنهيك هي. يزعجني الأمر عندما لا تكون «سعيدًا» (لك الحق في السعادة)، للصيف شيخوخة جميلة هنا، يستمر في العبور، ويجوب الحقول وعصاه المورقة في يده. ولكن يا لهذا القلق المغناطيسي في الهواء والأشياء! تتأذى الكائنات ببساطة، وثمة دائمًا الفجر من أجل الجروح. أن تحب، لا تحب؟ يا للدوار الطويل… ولا يمكننا أبدًا البقاء اثنين. بمجرد أننا اثنان قطعيًّا! الآخرون، أصحاب الأخلاق التي بنيت مسبقًا والتي لا يوجد شيء يسمح بهدمها إلا سعادة المرء… هل هذا يكفي؟ لم نعد نعرف، نستمر في البقاء. لقد أرسلت لغاستون غاليمار قصائد الصباحيات اليوم. الجزء الثاني من هذا الكتاب كلفني كثيرًا. إنه حديث العهد، ويحتوي على «التجربة» التي ألمح لها أعلاه. سأكون سعيدًا لو أنك تقرؤه بعيون القلب التي هي عيناك، قبل أن يتدخل فيه مسؤولو الطباعة. لو لم أخف أن أزعجك، لكنت قد أرسلت لك المخطوطة مباشرةً. لم أجرؤ.

أرجو أن تبلغ صداقتي لفرانسين، وتقبل الأطفال.

بمودة لك

من ألبير كامو إلى رينيه شار

7 نوفمبر 1949م

عزيزي رنيه

نعم، أظن أنني فهمت – وأتفق معك. والحقيقة هي أن المرء يجب أن يلتقي الحبَّ قبل أن يلتقي الأخلاقَ، وإلا هلك الاثنان. الأرض قاسية. أولئك الذين يحبون بعضهم يجب أن يولدوا معًا. لكننا نحب أفضل كلما تقدمنا في الحياة، والحياة هي نفسها التي تفصلنا عن الحب. لا يوجد مخرج – باستثناء الحظ أو البرق أو الألم.

«الصباحيات» جعلتك أهم. تتقدم بثقة – على هذا المسار على الأقل، لن تتردد أبدًا. كل شيء يثمر من أجلك- أحد المبدعين القلائل اليوم.

أنا أكتب لك من السرير. انتكاسة من مرضي القديم. ستة أسابيع مستلقٍ وبعد ذلك سيكون هنالك أشهر لاستعادة قواي. التحصن صعب. لقد تجاوزت عمر الحلم. ومن ثم، فإن جهدي المستمر كان لصد الوحدة. الاختلاف، الحميم. ما أردت أن أكون معه، ولكن ثمة قدر، وهذا هو إيماني الوحيد. أما أنا فهو في هذه المعركة حيث لا يوجد شيء سهل.

أكتب لك كما أكتب لصديقي ولأخي. لكن، لا تظنني حزينًا جدًّا، أنت تعلم أن لدي فلسفة. لدي أمنيات لك، الأمنيات الأكثر حرارة، وأدعو لك بالحظ… إلى لقاء قريب مع خالص المودة.

من ألبير كامو إلى رينيه شار

باريس 19 سبتمبر 1950م

كنت أنوي الكتابة لك، ولكنك سبقتني في ذلك. بيد أن «الفوج» جعلني «ألزاسيًّا». أزن (معنويًّا) طنًّا. تمطر هنا، في باريس بسحنتها المليئة بالبثور. أحسدك أن تكون في البلد، البلد الوحيد. لقد وصل الشاب سيناك إلى العاصمة وكله شوق لك. إنه على حامل ثلاثي حرفيًّا، حين يتحدث عما أنت عليه. أنا سعيد بهذا، لكنني أرجو، بسذاجتي، أنه لم يثقل عليك. ارتجفت قليلًا حين حدثني عن الأيام الثمانية في ليل. إذا كان هذا قد أعجبك فهذا أفضل. ولكن لا تحتمل شيئًا بدافع الصداقة من أجلي، أحبك حرًّا كما أنت.

أنتظر هنا الحكم الذي قد يقودني قريبًا منك. لكنني سأحتاج إلى البقاء قليلًا في باريس، من أجل عملي على الأقل.

العمل يتقدم في «الفوج» حيث السماء تمطر ليومين من ثلاثة أيام. لكن ما زال لدي الكثير لأفعله. لا أستطيع الانتظار لإنهاء ذلك، أنت تعرف ذلك. يخيل إلي بغباء أن الحياة ستبدأ بعد ذلك. متى تعود؟ أخبرني عن خططك لأوفر لك بضعة أيام. أفكر كثيرًا بك وفرانسين تطلب مني أن أبلغك بصداقتها. أراك قريبًا، بكل إخلاص.

ألبير كامو

تحياتي للأصدقاء

من رينيه شار إلى ألبير كامو

ليل الثلاثاء سبتمبر 1950م

عزيزي ألبير،

كانت رسالتك أفضل من رسالة. أجد المنحى الذي تأخذه التبادلات بين الكائنات التي تعارفت واختار بعضها بعضًا تمامًا مثل حبال مهجورة في الحقل. العُقد تحت رحمة الاضطراب ونزوات الحرارة! لم أكن أعرف أين أجدك، على الأقل كي أرمقك بإحدى تلك النظرات، نظرات رفيق صموت لكن محب. لا تظن أن بعدك مقبول باستخفاف. بالطبع، ولست أريد الإشارة إلى أثر الأمكنة والفراغات التي تحدد كل صداقة جادة. وأخيرًا ها أنت.

لم يثقل سيناك علي (بمجرد أن فهم أنه من المناسب إغلاق آلته التصويرية…) هو شاب صريح وعاقل ومليء بالشغف كما نحب أن نكتشف أمثاله كذلك في الأدغال السوداء التي يشكلها شباب اليوم. يمكن بالتأكيد الاعتماد عليه. سينضج من دون أن يفسد نفسه. فرصة كبيرة أنك تحمل في طريقه الكأس المضادة للسموم بيدك. يعشقك (تهذيب مقابل تهذيب!)

عزيزي ألبير، إذا أتيت إلى الجنوب، فأرجو أن تبلغني بذلك. أتسكع هنا قدر الإمكان في طيات معطف الصيف الذي يوشك على الانتهاء. مع ذلك فإن النباتات الموسمية ماتت في السورغ. نأكل في المساء على نور المصباح المضاء جيدًا. أسمح لنفسي أن أطلب منك أن تعتني بنفسك بقسوة وتصميم. هذه ليست أمنية بسيطة، أمنية غامضة. الرغبة في كتابة القصائد لا تتحقق إلا في حدود دقيقة، حيث تكون القصائد مفكّر فيها ومحسوسة من خلال أصحاب نادرين جدًّا.

أنا صديقك من كل قلبي.

رينيه شار

صداقتي لفرانسين. أفكر بجان وكاترين

من رينيه شار إلى ألبير كامو

ليل 29 سبتمبر 1950م

عزيزي ألبير

حدثتك هذا الشتاء عن «بوتيجه أوسكوريه» مجلة مارغريت دو باسيانو وإمكانيتها أن تحسن شكل هذه المجلة الرائعة التي دسها نجم «البلياد» في المطبخ! لقد أُنجز ذلك ببطء. على الرغم من ميلي القليل للمجلات الأدبية، فإنني أعتقد أن هذه المجلة تستحق ألا ندعها تسقط وأن نساعدها من وقت لآخر بنصوصنا، نصوصك أنت خاصة، ولا سيما تلك التي تشغف بها مارغريت دو باسيانو كثيرًا. الشباب المثيرون للاهتمام الذين نقدرهم أنا وأنت يمكن أن يُنشر لهم فيها بشكل دوري. مارغريت دو باسيانو أنيقة جدًّا، سخية جدًّا. لقد ساعدت بالفعل عددًا غير قليل من هؤلاء الشباب من بين زملائي. أعلم أنها ستكون سعيدة جدًّا بأن تراك. إن لم يزعجك ذلك، فستكون نصائحك مفيدة جدًّا لها، حين تأتي. أتحدث معك بحرية.

عزيزي ألبير، أتطلع إلى رؤيتك قريبًا وأرسل لك عاطفتي الأخوية.

رينيه شار

باسيانو: هاتف إليزيه، 81-54 شارع سيرك 8

من ألبير كامو إلى رينيه شار

الإثنين 23 أكتوبر 1950م باريس

عزيزي رينيه

افتتح عودتي إلى باريس أسبوع طويل من الأنفلونزا. صحيح، المدينة كلها تستخدم محارم تنظيف الأنف. ومع ذلك، كان لدي الوقت للاتصال بالسيدة دو باسيانو ووعدتها بنص للعدد القادم من المجلة. بدا لي أنها سعيدة جدًّا بذلك، وأنا، أردت فقط أن أكون لطيفًا معها ومعك، بما أنك اصطفيتها. رأيت أيضًا رينيه مينارد، الذي بدا لي شخصًا جيدًا، وافترقنا على أن نلتقيك مرة أخرى. إضافة إلى ذلك، فقد ذهبت إلى فندق قرب «القصر الملكي» هروبًا من المنزل حيث تتكدس فرانسين ووالدتها والأطفال، حيث أعمل هناك كل يوم، بشكل جيد، أمام الحديقة.

هل قلت لك: إنني وجدت شقة في شارع «مدام»؟ لكنني غارق في الديون حتى رقبتي الآن، وهو ما يجعلني أبدو أصغر سنًّا. ومن المقرر أن أنتقل في أول سبتمبر، وهذا يعني أنك سوف تشارك كما آمل في تدشين منزلي.

إنه النهار بالطبع، والجو حار ورطب. أفضل الخريف في «السروج» أكثر. لكنني أعمل وهذا ينقذني من كل شيء. لديّ أيضًا انطباع بأنني أسيطر على الوضع، جسديًّا على الأقل، وكنت بحاجة إلى تلك الثقة حقًّا. شهر آخر من الراحة هذا الشتاء وكل شيء سيكون على ما يرام.

متى تصل؟ أنتظرك الآن كي نسخر قليلًا من مؤتمر معرض البيع هذا الذي تُعلق عليه بحرارة. من وجهة النظر هذه، فإن باريس لا خيار لديها. صحيح أنني لا أرى أي شخص هنا.

سامحني يا عزيزي رينيه، هذه الفراغات وهذا الصمت الذي تتحدث عنه. لقد كان هذا العام صعبًا جدًّا لي، وعلى جميع المستويات، أعتقد أنني أخبرتك ذلك، ولا أحب أن أتحدث عن نفسي بالتحديد. ولكن في كل هذا، ساعدني عددٌ قليلٌ جدًّا من الناس على العيش. كان هناك حضورك، كن متأكدًا، صداقتك ونوع الأمل الذي تفترضه. إنني محظوظ كثيرًا بأنني التقيتُك.

أراك قريبًا أليس كذلك؟ أتصور أنك ستأتي مع قصائد الصيف وأنتظرها أيضًا.

بمودة جدًّا لك.

ألبير كامو

مع مودتي للأتريديين! أعني لآل ماتيز بالطبع.

من ألبير كامو إلى رينيه شار

سوريل – موسيل

أور لو سوار 30 في سوريل – موسيل

17 سبتمبر 1957م

أنا في النورماندي مع الأطفال، باختصار بالقرب من باريس، وأقرب إليك بالقلب. الزمن يفصل بيننا، هو جبان فقط للمتباعدين- وإلا فإنه النهر الذي يحمل الحركة ذاتها. نحن متشابهان جدًّا، وأنا أعلم أننا نريد أن «نختفي»، وألا نكون شيئًا في النهاية. لكنك لو تختفي مدة عشر سنوات، ستجد في نفسي لك الصداقة نفسها، شابة يانعة كما كانت حالتها قبل سنوات عندما اكتشفتك في الوقت ذاته الذي اكتشفت فيه عملك. وأنا لا أعرف لماذا، لدي شعور بأن الأمر هو ذاته لك، تجاهي. في أي حال، أريد منك أن تشعر دائمًا بالحرية الواثقة معي.

كلما ازددت سنًّا، كلما وجدت أنه لا يمكن العيش إلا مع البشر الذين يحررونا، الذين يحبوننا بعاطفة خفيفة حين نحملها بمقدار ما هي قوية حين نشعر بها. الحياة اليوم قاسية جدًّا، ومريرة جدًّا، ومنهكة جدًّا؛ كي نتحمل عبوديات جديدة من الذين نحبهم. في النهاية سنموت من الحزن، حرفيًّا. وعلينا أن نعيش، وأن نجد الكلمات والزخم والتفكير والتأمل الذي يؤسس للفرح، الفرح. لكن هكذا أنا صديقك، أحب سعادتك أحب حريتك. مغامرتك في كلمة واحدة، وأود أن أكون لك الصاحب الذي تثق فيه دائمًا.

سأعود في غضون أسبوع. لم أفعل شيئًا خلال هذا الصيف، والذي كنت أعتمد عليه كثيرًا مع ذلك، ولكن هذا العقم، هذه اللاحساسية المفاجئة والمستمرة، تؤثر فيَّ كثيرًا. إن كان لديك الوقت في نهاية الأسبوع المقبل (الخميس أو الجمعة، وقت عودتي)، يمكننا تناول الغداء أو العشاء. ضع كلمة في صندوق بريدي وسنتفق. أفرح من أعماق قلبي، لرؤيتك مرة أخرى.

صديقك ألبير كامو

النورماندي الحزينة! حكيمة، فقيرة وضيعة، وشعرها مسرح بعناية. ثم صيف من الحلزونات. أموت من العطش، محروم من الضوء (مكتوب في الهامش الأيسر من الرسالة).

عند ميشيل غاليمار

في سوريل- موسيل،أور أي لوار

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *