لست أنا لكنها الريح… رسائل د. هـ. لورانس إلى فريدة

لست أنا لكنها الريح… رسائل د. هـ. لورانس إلى فريدة

ديفيد هربرت لورانس، أو كما نعرفه د. هـ. لورانس من أبرز العبقريات الأدبية الإنجليزية في القرن العشرين. كتب في حياته القصيرة (1885-1930م) الرواية والقصة القصيرة والشعر والمقالة. ونتاجه، في رأيي، ثروة حقيقية لعبقري حقيقي. وفيما يلي بعض الرسائل التي كتبها إلى زوجته، فريدة لورانس، بعد تعرفهما مباشرة في 1912م، وقبل زواجهما. لم يكمل لورانس حينها عامه السابع والعشرين، وكانت فريدة، في عامها الحادي والثلاثين، زوجة وأمًّا لثلاثة أطفال؛ ومن هنا نفهم ما تشير إليه الرسائل. وتقول فريدة: إنها «وجدت هذه الرسائل صدفة في مكتب أمي بعد وفاة لورانس. حين كتبها، كنت في حيرة، لم يلمسني عمق شعورها، كل ما أردته أن أكون معه وأن أحظى بالسلام. ولم أجد رسائلي إليه». وهذه الرسائل موجودة ضمن كتاب فريدة لورانس عن حياتهما معًا، بعنوان: «لست أنا لكنها الريح»، وتصدر ترجمة الكتاب قريبًا عن دار يسطرون في السعودية.

إستود – الثلاثاء

أشعر بالفزع والعجز. أعلم أن هذا يزعجك تمامًا، وأنك ما عدْتِ تحتملين تقريبًا. وما كان لائقًا أمس ربما يكون غير لائق بشكل مخيف اليوم. لكن الأمر يشبه المرض: لا يوجد أمام المرء ما يفعله إلا أن يغلق فمه وينظر إلى الحائط وينتظر.

تقولين: إنك ذاهبة إلى جي(١)… غدًا. لكن حتى هذا غير مؤكد. ويجب أن أعرف مواعيد القطارات. في أي وقت تذهبين إلى ألمانيا، أي يوم، أي ساعة، أي خط سكة حديد، أي درجة؟ هل تخبرينني بأسرع ما يمكن، وإلا ماذا يمكن أن أفعل؟ سآتي في أي وقت تخبرينني به- لكن أعلميني بالموعد.

لا بد أن عقلك في دوامة جنونية. أشعر بالعجز وعدم القدرة على تحديد الاتجاه، وأنني أحمق وغبي ومشتت. بحق الرب قولي لي شيئًا، شيئًا محدَّدًا. سأفعل أي شيء على الأرض من أجلك، ولا يمكن أن أفعل أي شيء. أمس عرفتُ أنه قد يكون لائقًا، لكنني لا أحب شعوري اليوم- شعوري بشأن ما يأتي. أخشى شيئًا حقيرًا، مثل ثعبان البحر الذي يلدغ من الوحل ويتدلى من أسنانه. أشعر وكأنني لا أستطيع التنفس في أثناء وجودنا في إنجلترا. أتمنى أن أتمكن من المجيء ورؤيتك، أو أن تأتي أنت إليَّ.

د. هـ. لورانس
ميدان الملكة

إستود، نوتنغهام شاير(٢)

2 مايو 1912

سأكون في محطة كنغز كروس(٣) غدًا في الساعة 1:25. هل يناسبك؟ كما ترين لم أستطع الحضور اليوم؛ لأنني كنت أنتظر الغسيل وبعض الملابس من الخياط. كنت أستعد ليوم الجمعة، لكن الخميس مستحيل. آسف إذا كان ذلك يزعجك. هل تقابلينني، أم تدعين شخصًا ما يقابلني، في كنغز كروس؟ أم ترسلين إليَّ برقية مبكرًا جدًّا، ماذا تفعلين. من المزعج أن نكون في هذا الوضع. قلقت عليك بلا حدود. هل هذه إهانة؟ لكنني لن أتنفس بسهولة حتى أراك. هذه المرة غدًا بالضبط أكون في لندن.

آمل أن يكون لديك بعض المال لنفسك. يمكنني توفير أحد عشـر جنيهًا فقط. يدين لي شخص بخمسة وعشـرين جنيهًا، لكنه هو نفسه في وضع سيئ، ولا أجرؤ على إزعاجه. على أي حال، تأخذنا الجنيهات الأحد عشر إلى ميتز، وهناك أجهد عقلي المسكين.

يا رب، يجب أن أقول: إن «صناعة التاريخ»، كما قال جارنيت، ليست أكثر شيء مريح على وجه الأرض. لن أهتم كثيرًا إذا عرفْتُ كيف تسير الأمور معك. في هذا الوضع، الأمور سيئة بالنسبة لي. حتى الغد، حتى الغد، حتى الغد (أوشكت على وضع إلى الغد)(٤).

د. هـ. لورانس

ملحوظة. لم أخبر أي شخص بأي شيء. يا إلهي، لكني أتساءل كيف حالك.

د. هـ. ل.

ميتز

اللعنة على المطر! أفترض أنك لن تخرجي والمطر يتدفق بغزارة. سأغامر بالخروج خلال دقيقة- 9:15 بالفعل. لا أعرف أين تعيشين بالضبط؛ لذا إذا لم أجدك سأضع هذا في رقم 4. هذا هو أقرب ما يمكنني الوصول إليه؛ هل هذا صحيح؟ إذا لم ألتقِ بك، أعتقد أنني لن أراك اليوم؛ لأنه يوم المهرجان. لا أمانع. على الأقل أفعل ذلك، لكنني أفهم أنه لا حيلة لي في الأمر. سأذهب إلى الريف إذا بقي الأمر على ما يرام، وأعود إلى البيت هنا حوالي الساعة 2:30، على ما أظن. يمكنني العمل بأسرع ما يكون.

لنبتعد من ميتز. أخبري إلزا أنني لست نزقًا. كيف أكون؟ أنت حسنة النية، فكيف يمكن للمرء أن يكون نزقًا معك؟ لكنني أتمنى لو كانت إدارة شؤوننا بيدي. لا تحبيني لأشياء ليست فيَّ، ولا تقولي لي أيضًا إنني وضيع. تساءلت عما حل بك هذا الصباح. هل تتحلين بالحكمة والطيبة وتحافظين على صحتي؟ لا تحتاجين إلى ذلك. لست حريصًا على القدوم إلى مكانك لتناول الغداء غدًا -لكنني في يدك- «فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلهَ الْحَقِّ»(٥)، إلخ. أريدك أن تفعلي ما تريدين، بشأن أشياء صغيرة مثل مجيئي إلى بيت أبيك. في النهاية، إرادتك إرادتي.

أحبك، لكن عليّ دائمًا أن أعض لساني قبل أن أقولها. إنها لغتي الإنجليزية.

أوصي أختك عليَّ. أنا أستأنف الأمر معها. سأقول لها -ليس من الجيد أن تقول لك ذلك- «ارحميني»(٦). لا، أنا أمزح. لا يهم على الإطلاق ما يحدث- أو ما لا يحدث، وهذا أكثر أهمية في هذه الأيام القليلة. ولكن إذا رفعت أصابعك، وعددْتِ أيامك في ألمانيا، وقارنتها بالأيام التي ستتبعها في نوتنغهام، فسوف ترين، أنك (لا أعني ذلك) تبيعين جنيهات ذهبية، كل جنيه بفِلْسٍ. لا، أنت لا تفعلين ذلك، لكنه يحدث.

لا تتأذي، أو سأذهب -دعيني أرَ- أذهب إلى دير- هذا الفندق رائع.

هذا هو اليوم الأخير الذي أتركك فيه؛ لذا استفيدي منه إلى أقصى درجة وامرحي.

الثلاثاء

الآن لا أستطيع أن أتحمل أكثر، لا أستطيع. لساعتين لم أحرك عضلة- جلسْتُ وفكرْتُ. كتبْتُ رسالة إلى إي… لسْتِ في حاجة، بالطبع، إلى إرساله. لكن يجب أن تقولي له كل ما قلْتُه. كفى خزيًا، كفى كذبًا. دعيهم يمارسون -أسخف- لكن كفى ذرائع، الأكاذيب والأوساخ والخوف. أشعر وكأن الأمر يخنقني. هذا كله مجرد تسويف. لا، لا أستطيع أن أتحمله؛ لأنه سيئ. أحبك. دعينا نواجه أي شيء، ونفعل أي شيء، ونتحمل أي شيء. لكنني لا أستطيع أن أتحمل هذا الزحف تحت الوحل.

أظن أنني حققت سلسلة بطولات. حاولت جاهدًا أن أعمل، لكني لا أستطيع. هذا الوضع يخنقني مثل الحبل. لا ينبغي أن يستمر. سأبتعد على الفور، إذا أحببْتِ. سأتوقف في ميتز حتى تحصلي على رد إي… على الحقيقة. لكن لا، لن أنطق أو أتصـرف أو أتركك تتكلمين أو تتصرفين بإرادتي، كذبة واحدة أخرى متعمدة. لن أمزح، لن أضحك، لن أستهين بالأمور من أجلك. هذا الوضع يعذبني كثيرًا. إنه وضع، موقف لا يمكن تحمله- لا، ولن أتحمله. أحبك كثيرًا جدًّا.

لا تُظهري هذه الرسالة لأي من أختيك- لا. لنكن طيبين. أنت نظيفة، لكنك وسخْتِ قدميك. سوف أوقع كما قلت لي- مستر لورانس.

لا تبتئسي، لو لم أكن أحبك لم أكن لأبالي حين كذبْتِ.

لكني أحبك، وأدفع الثمن، يا إلهي.

فندق راينيش هوف، ترير(٧)

8 مايو 1912م

أنا هنا -تناولت العشاء- يبدو المكان لطيفًا إلى حدٍّ ما. الفندق صغير، الرجل هو المالك والنادل والمسؤول عن المكتب، وكل شيء آخر. على ما يبدو، يتحدث الإنجليزية والفرنسية والألمانية بشكل لطيف تمامًا. من الواضح أنه عمل في مطاعم فخمة في الخارج، يتمتع بغريزة الإنجاز بشكل مهذب، بلمسة تباهٍ -رخيص- مكان لطيف جدًّا. تبلغ تكلفة غرفة النوم ماركين ونصفًا في اليوم، وتشمل وجبة الإفطار، للفرد. وهي لا تزيد عن تكلفة غرفتي في دويتشـر هوف، وهي أجمل بكثير. إنها في الطابق الثاني، بسـريرين، ولطيفة إلى حد ما. الآن، يجب أن تكوني هنا، يجب أن تكوني هنا. تذكري، يجب أن تكوني زوجتي. لاحظي أنهم لا يرسلون إليكِ أي رسائل، أو يرسلونها مغلفة إليَّ. لكنك لست هنا بعد. تعجبني ترير، إنها ليست مزيجًا مروِّعًا مثل ميتز، بلدة جديدة، بلدة قديمة، ثكنات، ثكنات، كاتدرائية، مونتيني. إنها جميلة، قديمة، والبلدة مليئة بالأشجار. أتمنى أن تكوني هنا. الوادي زاخر طوال الوقت بأشجار التفاح المزهرة، نفثات وردية مثل دخان انفجار، ثم فروع كروم منتصبة، والتلال بالتالي قنافذ غاضبة.

أحبك كثيرًا جدًّا. لا شك أنه سيكون هناك طبق تراجيديا آخر في الصباح، وليس معنا من المال إلا ما يكفينا لأسبوعين، ولا نعرف من أين يأتي بعد ذلك، لكنني سعيد، أنا سعيد. وأتمنى لو كنت هنا. لكنك ستأتين، وهي ليست ميتز. اللعنة على ميتز.

كل من في هذا الفندق رجال، رجال أعمال. إنهم خبراء الراحة والسعر المعتدل. تأكدي من أن الرجال يحصلون على الأفضل مقابل المال. أعتقد أن المكان سيكون لطيفًا بالنسبة لك. وأعلم أنك لا تبالين
بالأجواء الذكورية.

بدأت أشعر تمامًا بأنني خبير بالعالم. يجب أن أفترض، مع هذا الوضع السيئ، انتظار زوجة رجل آخر في قلبي. لا يهم، في الجنة لا زواج ولا عروض للزواج.

لا بد لي من الإسراع إلى مكتب البريد- تأخر الوقت. تعالي مبكرًا صباح السبت. اسألي بلاك هوسي في دويتشـر هوف إذا كان هناك أي رسائل لي. أحبك -وإلزا- أفعل أكثر من أن أشكرها. أحبك.

د. هـ. لورانس

ترير- الخميس

يوم آخر على وشك الانتهاء- إنه وقت الغروب. ترير بلدة لطيفة. والفندق لطيف. الرجل نحيف مغرور، لكنه طيب. عاش في كل البلاد ويتبجح بشأن اللغات التي يتقنها. يتحدث الإنجليزية بشكل جيد. في الخامسة والثلاثين، على ما أعتقد. حين دخلْتُ للتو -وقت الغروب- قال: «أنت مُتعَب؟» فضحكْتُ بالطبع. وأضاف بلطف: «إلى حد ما». يسليني. يفعل ما يريد أصدقائي الرجال أن يفعلوه دائمًا، ويعتني بي إلى حد ما في الأمور المادية التافهة.

كتبت مقالًا صحفيًّا لن ينشـره أحد على وجه الأرض؛ لأنه واضح وصريح جدًّا. ومع ذلك، لا يهمني. قمت بنزهة مدهشة أعلى تل شديد الانحدار خلف النهر مثل جرف تقريبًا. سآخذك إليه يوم السبت- جميل جدًّا: التفاح يزهر في كل مكان، والوقواق، وأشجار الزان الرائعة. يبدو أن أوراق الزان تكثر في الربيع، بشكل جميل. يمكنك تناول القهوة في مكان لطيف، وإلقاء نظرة على البلدة، مثل حفنة من الرماد والقمامة ملقاة بجانب النهر. وهناك الطيور دائمًا. وقد مررْتُ بمادونا بين الزهور، وراء قمة التل، بين كل ثنايا التلال وركامها: جميلة مثل الجنة. ودخنت سيجارةَ متأملٍ، وتفلسفت عن الحب والحياة والمعركة، وأنت وأنا. وفكرت في موضوع لروايتي القادمة. ونسيت الكلمة الألمانية التي تطلق على الثقاب؛ لذلك كان علي أن أتسول ولاعة من كاهن شاب، بالفرنسية، فقدم لي الطرف الأحمر من سيجاره. لا يوجد الكثير من الجنود هنا. يجب ألّا أكره ترير أبدًا. عدد الكهنة يفوق عدد الجنود. من النوع الذي رأيته- لا يوجد أي يسوعي- أُفضِّلهم. الكاتدرائية غريبة: مغارة، وليست كاتدرائية، من الداخل- باروك، باروك. البلدة ممتعة دائمًا، والناس.

يوم آخر، وتكونين هنا. فجأة أرى ذقنك. أحب ذقنك. في هذه اللحظة، يبدو أنني أحبك؛ لأن ذقنك جميل. ألا يبدو ذلك سخيفًا؟

يجب أن أنزل لتناول العشاء. أنا متعب. كانت نزهة طويلة. ثم توتر هذه الأيام. حلمت بإي… كان شرسًا معي بشدة -لن أخبرك بالتفاصيل- ثم هدأ، واضطررت إلى مواساته. أنا شيطان في الحلم. هذا لأنني استيقظت متأخرًا جدًّا. يحلم المرء دائمًا بعد السابعة صباحًا.

انتهى اليوم. سأتحدث قليلًا مع النادل، وأرسل هذه الرسالة. هل تأتين يوم السبت؟ بحق جوبيتر، إذا لم تأتي! يجب علينا دائمًا أن نحارب الحياة، وبالتالي لن نتقاتل معًا أبدًا، نتعاون دائمًا.

أراكِ السبت، أحبك كثيرًا.

د. هـ. لورانس

بطاقة بريدية مع صورة ترير، البوابة السوداء(٨)

ها هي بوابتك السوداء، التي فاتتك ثلاث مرات. أعتقد أنني ماهر جدًّا. إنها رحلة غريبة وغير مباشرة إلى فالدبرول- سبع ساعات. أنا الآن في نيدرلنشتاين -ريكترنيتش- بعد أن أتيت مباشرة من كوبلنتز! ذهبت إلى ترويسدورف -سمعت عن مثل هذه الأماكن دائمًا!- ثم إلى هينيف، وأخيرًا فالدبرول، أربعة تغييرات، انتقالات(٩)، رحلة سبع ساعات. لكن أليس وادي الموزيل جميلًا؟ الراين هو الأكثر فظاعة في ألمانيا. يضحكني. يبدو مناسبًا للخوف في المسـرح. أرسلي لي طرف فراو كارل كرينكو، فالدبرول راينبروفينز. هل حدث أي شيء جديد مقرف؟ هذه هي رحلتي العاطفية.

أحبك
د. هـ. لورانس

بطاقة بريدية مع صورة ترير، باسيليكا

الآن، أنا في هينيف، آخر مكان أغيره. إنها ٨:٣٠، ولا تزال هناك ساعة انتظار؛ لذا أجلس مثل عاشق حزين بجانب نهر صغير لطيف يغرد، في انتظار الشفق، وآخر قطار قادم. لن أصل إلى فالدبرول إلا بعد الساعة 11:00 -تسع ساعات في الطريق- وهذا أسرع ما يمكن القيام به. لكنه مكان جميل، هينيف، مثل إنجلترا تقريبًا. الظلام يحل. الآن ولأول مرة خلال اليوم، يفارقني الشعور بالعزلة، وأعرف أنني أحبك فقط. وكل ما عدا ذلك لا شيء على الإطلاق. والوعد بالحياة معك كله ثراء. الآن أعرف.

د. هـ. لورانس

فالدبرول – راينبروفينز

المكان هنا رائع حقًّا، هَنَّا متألقة جدًّا ولطيفة جدًّا معي. زوجها «رجل طيب جدًّا»- ممل. لم تحبه قط، تزوجتْه لأنها كانت في الثلاثين والوقت يمر. إنها مغرمة بي بالفعل، لكن لا تبالي، إنها محترمة تمامًا، أقصـى درجات الاحترام. ثم هناك «أوبر-أوبا»- كيف تتهجينها؟- ستولشن. إنه في الثالثة والسبعين -رجل عجوز جميل- شخص لطيف حقًّا، وليس أحمق. وهو الآن محبوب حقًّا. كان مهرجان كرميسـي في إحدى القرى أمس، الأحد، وذهبنا للفرجة. كان ممتعًا. اشترى لنا العم ستولشن قلبًا(١٠) رائعًا من الكعك، مغطى بالسكر، وعنب السكر، وورود سكر، وطائر، حمامة، وثلاث مقطوعات شعرية. شعر غريب إلى حد ما. غريب، الرمزية عميقة جدًّا في تربتك. ربي الهر ستولشن هَنَّا منذ كانت في الخامسة. قُتل أبوها، أو توفي بعد مدة قصيرة من الحرب الفرنسية البروسية. الآن أنا مغرم به.

هُنَا، أنا محترم جدًّا وفي حالة طيبة جدًّا، إنها راحة لا بأس بها. لا نشعر بالملل. هَنَّا ذكية حقًّا. نتسلى كثيرًا بلغتي الألمانية. في غضون ثلاثة أشهر هنا يجب أن أعرف الكثير.

إنها قرية صغيرة ميتة وهادئة، تبعد أميالًا عن أي مكان، جميلة وأليفة بشكل ما، إنجليزية إلى حد ما. بمجرد السماح لي بالبدء، سأفعل الكثير. هناك تلك الرواية التي تشغلني.

أكتب في الصباح، حين يكون عقل المرء في حالة رائعة. فالدبرول مفيدة لصحتي، فهي أكثر برودة وتنشيطًا. كانت ترير مثل الحمام التركي الدائم. أحب هذا الهواء.

إذا كان عليكِ أن تذهبي إلى إنجلترا- هل ينبغي؟- اذهبي قبل أن أغادر فالدبرول. لا تتركيني عالقًا في بلدة ألمانية غريبة. كيف حالك؟ لن أقلق عليك، أنا قلق إلى حد ما. قد تكتبين لي وتخبرينني ببعض التفاصيل المهمة. أعتقد أن المأساة ستبدأ في الخفوت من الآن.

كتبْتُ إليك أمس، لكنها لم تكن رسالة لطيفة؛ لذا لم أرسلها. الأمور أفضل، بالتأكيد، وتنمو بشكل أفضل- أوه، نعم!

فالدبرول- ميتوتش

تسلمتُ رسائلك الثلاث كلها بأمان تام. نسير بسـرعة الآن. أخبريني إذا استطعْتِ بالقرار النهائي لإي… سيطلِّق، على ما أعتقد، لاعتقاده بأنك يجب أن تتزوجيني. هذه نتيجة رسالتي إليه. سأصيح صيحتي الخافتة، معارضًا لك. وبعد ستة أشهر نتزوج- أليس كذلك؟ قريبًا نذهب إلى ميونخ. لكن امنحينا بعض الوقت. لنتماسك قبل أن نبدأ معًا. تعيدني فالدبرول إلى عقلي بشكل لطيف. هل ما زالت ميتز سيئة بالنسبة لك- أليس كذلك؟ من الأفضل لي أن أبقى هنا، ربما حتى نهاية الأسبوع المقبل. يجب أن نقرر ما نفعله تحديدًا. إذا حضـرْتُ إلى ميونخ الأسبوع المقبل، فبِمَ نعيش؟ هل يمكننا تسيير الأمور معًا بما يكفي للاستمرار حتى وصول مستحقاتي؟ لن أخبر أهلي بأي شيء إلى أن يتم الطلاق. إذا تمكنا من المضـي بشكل لائق خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأولى -ماليًّا- أعتقد أنني سأكون قادرًا على الاستمرار في بقية الأمور. لا تقلقي بشأن الرضيع. إذا كان يجب أن يأتي، سنكون سعداء، ونتحرك لتوفير متطلباته، وإذا لم يأتِ، سأشعر بالأسف. لا أُومِنُ بالتدخل في ذلك، حين يتبادل الناس الحب. أشعر أنه أمر شرير. أريد أن تنجبي لي أطفالًا، لا يهمني متى. لم أعتقد قط أنني سأشعر بهذه الرغبة المحددة. لكن كما ترين، يجب أن يكون لدينا أساس مستقر إلى حد ما إذا كنا سنواجه أخطار مسؤولية الأطفال، ليست أخطار الأطفال، ولكن أخطار المسؤولية.

أعتقد أنني سأكتب بعد مدة وجيزة إلى إي… مرة أخرى. ربما يرى أن من الأفضل أن يراسلني.

ألا تشعرين بمدى يقيني من حبي لك ويقيني من أننا سنتزوج؟ فقط لننتظر مدة قصيرة، لنصبح أقوياء مرة أخرى. سيكون وجود شخصين مهزومين، معتلين إلى حد ما، معًا بداية سيئة. لننتظر قليلًا، لأنني أحبك. أم إن الانتظار يجعلك أسوأ؟ – لا، ليس حين يكون الانتظار للاستعداد فقط. هل تعلمين، أنني أريد على ما يبدو، مثل الفرسان القدامى، وقتًا معينًا لإعداد نفسي، وقفة احتجاجية مع نفسـي؛ لأن زواجي منك أمر عظيم، إنه ليس لقاءً عاطفيًّا سريعًا. أعرف يقينًا «أنه زواجي». يبدو فظيعًا إلى حد ما؛ لأنه شيء رائع في حياتي، إنها حياتي، أشعر بالرهبة إلى حد ما، أريد التعود عليه. إذا اعتقدْتِ أنه خوف وتردد، فأنت تظلمينني. أنت التي تسـرعين، ولم تحسمي أمرك. تفرض عليَّ قوة القادم وحتميته الانتظار حتى أتناغم معه. يا إلهي، أتزوجك الآن، لا ترين. إنه أعظم بكثير مما عرفته في أي وقت. أعطيني مهلة حتى نهاية الأسبوع المقبل، على الأقل. إذا كنت تحبينني، فسوف تفهمين.

إذا بدوْتُ خائفًا ومترددًا تجاهك، يجب أن تسامحيني.

أحاول، سأحاول دائمًا، حين أكتب إليك، أن أكتب الحقيقة بقدر ما أستطيع. أنزعج خوفًا من أن تكوني محبطة مني، وخوفًا من أن تتأذي كثيرًا. لكنك قوية عند الضرورة.

أدرك أشياء لم أفكر مطلقًا في إدراكها. انظري إلى القصيدة التي أرسلتها إليك، ما كان لي أن أكتب لك ذلك أبدًا. سأحبك طوال حياتي. هذه أيضًا فكرة جديدة بالنسبة لي. لكنني أُومِنُ بها.

إلى اللقاء(١١)
د. هـ. لورانس

طرف

فالدبرول- الخميس

عملْتُ بجد في روايتي اليوم. ذهبنا هذا الصباح لمشاهدة موكب عيد الصعود، وقد تدفق المطر مثل الجحيم على الشياطين المساكين. أمس، ونحن عائدون إلى البيت، لحسن الحظ في عربة مغلقة، تساقط البَرَد حصى هائلًا، أكبرها بحجم الجوز. بدا المكان وكأنه مغطى بكتل من السُّكَّر.

أنت الآن أكثر انزعاجًا بكثير مني. ألا يمكن أن تبدئي في التحسن؟ أشعر بالبؤس حين أفكر في أنك في هذا الوضع السيئ للغاية. لا، أنا بخير هنا. أنا بخير دائمًا. لكنني شعرت بالغرابة الأسبوع الماضي- في روحي غالبًا- وأريد أن أفهم ذلك جيدًا قبل أن أبدأ مشـروعًا جديدًا للعيش معك. هل يبدو لك هذا غريبًا؟ أمهليني حتى الغد أو السبت القادم، هل تمهلينني؟ أعتقد أنه أفضل لكلينا. أمهليني حتى يوم 24 أو 25. هل يبدو لك هذا غير محبب وغير طبيعي؟ لا؟ انظري، حين سقط الطيار(١٢) كنت مجرد نقطة ضعف في روحك. كل خوفك حول تفكيري. لا داعي لذلك. صدقيني، كفى.

ربما يكون جزءًا من الراهب بداخلي. لا ليس كذلك. إنها ببساطة رغبة في أن أبدأ معك، وأن أتمتع بروح قوية وسليمة. يبدو أن رسائلي إليك تستغرق وقتًا طويلًا. قولي لي: إنك تتفهمين الأمر، وتعتقدين أنه كذلك- ربما الأفضل على الأقل. صفقة جيدة تعتمد على البداية. لم تتخطي بدايتك السيئة مع إي…

إذا كنت تريد إتش…، أو أي شخص آخر، اتصلي به. لكني لا أريد أحدًا، حتى أراك. لكن كل الطبائع ليست متشابهة. ولا أعتقد حتى أنك في أفضل أحوالك، حين تستخدمين إتش… كجرعة من المورفين، إنه ليس شيئًا آخر بالنسبة لك. لكن المرء يحتاج أحيانًا إلى جرعة من المورفين، كثيرًا ما احتجْتُ إليها. وأنت أعلم. فقط يا عزيزتي، لأنني أحبك، لا تنزعجي، افعلي ذلك لتكون بخير وعقل.

هذا أيضًا انتظار طويل. أنا أيضًا جثة بدونك. لكن بروح مريضة إلى حد ما، سأتركها تنهض وتكون أقوى قبل أن أطلب منها الركض والعيش معك مرة أخرى.

لأنني لن آتي إليك الآن للراحة، ولكن لنبدأ حياة. إنه زواج وليس لقاء. يا له من شيء لا مفر منه على ما يبدو. وحدها الأشياء الحتمية، الأشياء التي تبدو حتمية، هي الصحيحة. ما زلْتُ خائفًا إلى حد ما، لكنني أعلم أننا على حق. أنا متأكد من أن المرء يخشى أن يولد.

لقد كتبت وكتبت كثيرًا. يسعدني أن أعرف أنك تتفهمين الأمر. أتساءل عما إذا كنت ستنزعجين. لا تنزعجي، إذا استطعتِ. ولكن إذا كنت بحاجة لي- فريدة!

إلى اللقاء!
د. هـ. لورانس

فالدبرول- الجمعة

وصلتني الرسالة التي توقعتها، وقد كرهْتُها. لا تبالي. أعتقد أنني أستحقها تمامًا. سأسجل، عدد المرات التي أتركك فيها تترنحين: هذه عبارة تاريخية أيضًا. إنها أول مرة. «الجرذان» وصف صعب بعض الشـيء، كوصف جماعي لكل رجالك- وأنت السفينة. إتش… المسكين، شيطان مسكين! تضغطين عليه تمامًا بين أسنانك(١٣). لا أستغرب حين يكره إي… رسائلك، يمكن أن تدفع أي إنسان على وجه الأرض إلى الجنون. ليس لدي أدنى نية في الموت: أتمنى ألا يكون لديك المزيد منها. لسْتُ طاغية. إذا كنْت طاغية، فلديك دائمًا طريقتك الخاصة؛ لذا فإن نطاق استبدادي ليس واسعًا. أحاول التفكير في أشياء أخرى ساخرة إلى حد يمكن أن أقولها. أوه، صوت هَنَّا، عزيزتي، صوت امرأة تضحك على زوجها المتزوج حديثًا حين يكون غبيًّا بعض الشيء وأحمق جدًّا. توبخين إتش… بشدة. سأقول: إن هَنَّا ازدادت ولعًا بي. إنها تعطيني أفضل ما في المنزل. هذا كل ما في الأمر!

أعتقد أنني استنفدت كل السبل. تتحسنين، شكرًا للرب. أنا أفضل تمامًا. لدينا كلينا، على ما أعتقد، قدرة رائعة على التعافي.

هل تعتقدين حقًّا بجدية وصدق أنني يمكن أن آتي إلى ميونخ السبت المقبل، وأبقى شهرين، حتى أغسطس؟ هل تعتقدين أننا يمكن أن ندير كل شيء بشكل مناسب، بقدر ما يتعلق الأمر بالجانب العملي؟ بدأت أشعر بالرغبة في التحليق مرة أخرى. أنا قادم(١٤).

سوف نتزوج، كأناس محترمين، لاحقًا. إذا كنت من ممتلكاتي، لكان علي أن أعتني بك، وهو ما لم يقسمه الرب.

أحب الطريقة التي تمسكين بها ببندقيتك. إنها رائعة إلى حد ما. لن نتقاتل؛ لأنك ستفوزين، نتيجة عدم الشعور بالخطر تمامًا. أعتقد أنك مُفْزعة إلى حد ما لإتش… تجعلينه فَزِعًا كطفل رضيع. أم تتركينه أكثر رجولة؟

اكتبي لي سريعًا من ميونخ، وسأخبرهم هنا. يمكنني العودة إلى هنا في أغسطس. كوني بخير وسعادة، أتهمك (طغيان)

د. هـ. لورانس


هوامش:

(١) من سياق الرسالة يمكن أن نفهم أن جي G اختصار ألمانيا Germany.

(٢) إستود مدينة تعدين الفحم السابقة في نوتنغهام شاير، إنجلترا.

(٣) محطة سكة حديد على حافة وسط لندن.

(٤) إلى الغد: بالفرنسية في الأصل.

(٥) المزامير، 31-5، عن الترجمة العربية للكتاب المقدس.

(٦) ارحميني: بالفرنسية في الأصل.

(٧) مدينة على نهر الموزيل، في جنوب غرب ألمانيا.

(٨) بورتا نيجرا (أو البوابة السوداء): بوابة مدينة رومانية كبيرة في ترير، ألمانيا. أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

(٩) انتقالات: بالألمانية في الأصل، والمدن المذكورة في الرسالة مدن ألمانية.

(١٠) قلب: في الأصل بالألمانية ثم بالإنجليزية.

(١١) إلى اللقاء: بالألمانية في الأصل.

(١٢) الإشارة إلى حادث سقوط طائرة في 4 أغسطس 1912م بطيار أسترالي ومقتله.

(١٣) تضغطين عليها تمامًا بين أسنانك: بالفرنسية في الأصل.

(١٤) أنا قادم: في الأصل بالألمانية ثم الفرنسية ثم الإنجليزية ثم اللاتينية.