المقالات الأخيرة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

جائزة العويس تكرم الفائزين في فروعها المختلفة

 احتفلت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الخميس الماضي، بتوزيع جوائز الفائزين في الدورة الـ 18 بحضور شخصيات فكرية وثقافية إماراتية وعربية، بينهم الشيخ سالم بن خالد القاسمي وزير الثقافة، والدكتور أنور محمد قرقاش رئيس مجلس الأمناء، ومحمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة...

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

عبدالسلام بنعبد العالي… بورتريه صيني لفيلسوف مغربي!

لو كنتُ بورتريهًا، فلأكُن بورتريهًا صينيًّا ليست كتابة البورتريه بأقلّ صعوبةً من رسمِه، في الحالتين كلتيهما نحن مهدّدون بأن نخطئ تقديرَ المسافة، أن نلتصق بالمرسوم إلى درجة المطابقة، بحيث نعيد إنتاجَه إنتاجًا دقيقًا يخلو من أيّ أصالةٍ؛ أو أن نجانِبه، فنرسم شيئًا آخر......

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

الموريسكيون ومحاولات محو الذاكرة

تظل قضية الموريسكيين واحدة من أبرز القضايا المتعلقة بتاريخ الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، وهي التي شهدت كثيرًا من الأحداث الدراماتيكية منذ سقوط غرناطة عام 1492م حتى طردهم من الأندلس عام 1609م في عهد الملك فيليب الثالث، فالأحداث التي ترتبت على سقوط «غرناطة» آخر...

الاغتراب والرواية المقيّدة

الاغتراب والرواية المقيّدة

تتوزع حياة الإنسان على وضعين: وضع أول يدعوه الفلاسفة: الاغتراب، يتسم بالنقص والحرمان، ووضع ثان يحلم به ويتطلع إليه وهو: عالم التحقق أو: اليوتوبيا. يتعرف الاغتراب، فلسفيًّا، بفقدان الإنسان لجوهره، وتوقه إلى استعادة جوهره المفقود بعد أن يتغلب على العوائق التي تشوه...

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

نص الصحراء واللامفكر فيه عند إدمون جابيس وبلانشو ولفيناس

يصف موريس بلانشو الأدب كمنفى في الصحراء، حيث يصبح الكاتب ضعيفًا تسكنه المخاوف مثل تلك المخاوف التي سكنت بني إسرائيل عندما قادهم النبي موسى، امتثالًا لطلب «يهوه»، في رحلتهم عبر صحراء سيناء إلى أرض كنعان؛ فالصحراء فضاء هندسي مناسب لاحتواء مفاهيم من قبيل العزلة...

تشاو جي بينغ: يجب أن يكون لموسيقانا صوتها الوطني

بواسطة | نوفمبر 1, 2021 | موسيقا

تشاو جي بينغ مؤلف موسيقي، وأستاذ جامعي. يشغل في الوقت الحالي منصب الرئيس الفخري لرابطة الموسيقيين الصينيين، ورئيس اتحاد مقاطعة شانشي للدوائر الأدبية والفنية، ورئيس اتحاد حقوق الطبع والنشر للموسيقا الصينية. ألّف كثيرًا من الأعمال الموسيقية الرائعة في أثناء مسيرة امتدت لسنوات طوال، وحصل على عدد مهم من الجوائز المرموقة. وفي عام 1997م، عُرض في أنحاء العالم كافة الفِلْم الوثائقي «المُوسيقِي الصيني تشاو جي بينغ» من إنتاج مشترك بين كل من الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا، وإنجلترا، وصوره المخرج الأميركي الشهير ألان ميلر.
وفي عام 2000م، دُعي من أوركسترا برلين الفيلهارمونية بألمانيا للمشاركة في حفلة «الغابة الموسيقية»، وكانت تلك هي المرة الأولى لعرض الأعمال الصينية على هذا المسرح الموسيقي الشهير رفيع المستوى… يتسم جي بينغ في مجال تأليف الموسيقا الصينية بتفرده، ويعرف في الوسط الموسيقي الصيني بأنه الموسيقار ذو الطراز الصيني، والسمات الصينية، والروح الثقافية الوطنية، وهو حاليًّا أحد ألمع الموسيقيين الصينيين في الأوساط الموسيقية العالمية.

هنا حوار معه:

  ذكرت مرات عدة أن إبداعاتك الموسيقية كانت بفضل تأثرك بوالدك السيد تشاو وانغ يون، هل يمكنك التحدث عن المواضع التي تتجلى فيها هذه التأثيرات تحديدًا؟
  لقد تأثرت جمالياتي الفنية وموسيقاي على نحو مباشر بوالدي تشاو وانغ يون؛ حيث نشأت وترعرعت بجوار طاولة الرسم الخاصة به، وهذا النوع من التأثير الفني هو الأكثر مباشرة. لقد ارتبطت أعماله ارتباطًا وثيقًا بحياة الناس، فقد كان العوام دائمًا محط اهتمامه. لا تحتوي أعماله تقريبًا على الجبال المشهورة والأنهار العظيمة، بل إن أكثرها سهول جيتشونغ، وأراضي قوانتشونغ، وممر خهشي، وجبال تشيليان، والسكان المحليين. يمكن القول: إن العوام كانوا محط انتباهه، اتسمت نظرته إلى العوام بالمباشرة، كما تخللها الدفء وغمرتها المحبة. بينما استُمدت نظرتي الموسيقية مباشرة من جماليات والدي الفنية القائمة على مبدأ «التمحور حول الشعب». ما زلت أتذكر أنه قد رسم لي غلاف كتاب في عام 1972م، حيث كتب عليه عبارة «ممارسة الحياة هي منبع الفن». كان شغفه ذلك بالحياة بلا شك هو التأثير الأكثر مباشرة فيّ.
بعد التخرج من الجامعة، كُلِّفْتُ في مركز بحوث الأوبرا الصينية التقليدية بشانشي. في تلك الآونة، عوقب والدي بإرساله إلى قرية يونيانغ في محافظة جينغيانغ. أتذكر أنني استقللت حافلة الصباح وذهبت هناك بحثًا عن والدي، وقد كان في الحقل يقطف القطن. عندما علم والدي بتكليفي في مركز بحوث الأوبرا الصينية، قال لي مبتهجًا: «هذا المكان جيد، وهو بمثابة صفك الدراسي الآخر، ينبغي عليك أن تحتكَّ بالموسيقا الشعبية، وتدرسها بجدية، سيكون ذلك حتمًا مفيدًا في المستقبل». كان لكلمات أبي تأثير كبير فيّ، ومن حينها، مكثت في أكاديمية الأوبرا الصينية لمدة 21 عامًا، حيث أفادتني الموسيقا الشعبية التي ظلت تتردد في آذاني خلال هذه السنوات الـ 21 طوال حياتي.
من الجدير بالذكر، أن أوبرا خنان وأوبرا بكين كانتا محبوبتين جدًّا في شيأن في أربعينيات القرن المنصرم، كان مؤسس أوبرا خنان صديقًا حميمًا لوالدي، وكذلك الأمر كان ممثل أوبرا بكين الشهير شيانغ شياو يون وأبي صديقين حميمين. لقد نشأت في مثل هذه البيئة، وطالما كنت أستمع لأوبرا خنان وأوبرا بكين، ليغمرني شعور بود استثنائي. يمكن القول: إن نظرة والدي الفنية قد أثرت فيّ طوال مرحلتي طفولتي وشبابي.

  قلتَ ذات مرة: «يلزم الإبداع استخدام روح الواقعية ومشاعر الرومانسية حال التطلع للحياة الواقعية، فيستخدم الضوء لتبديد العتمة، والجمال لقهر القبح، ومن ثم، يسمح للناس برؤية الجمال، والأمل والأحلام البادية أمامهم». هل يمكنك الحديث عن العلاقة بين الإبداع والحياة في ضوء ممارساتك الإبداعية؟
  في كل مرة ألَّفت فيها موضوعًا كبيرًا، أهتم بالواقع المعيش، حيث ينبغي أن يعكس إبداعي فهمي للحياة الواقعية، والشعور الذي ينبغي لمؤلف الموسيقا أن يبثه في الناس. على سبيل المثال، كتبت «أنشودة السلام»، و«سيمفونية أنشودة فنغ يا»، لتوافق اهتمامات الناس في الوقت الحالي. آمل أن أغرس في نفوس العوام الشعور بعصر الأمة الصينية. وبغض النظر عن الوقت، لا يمكن أن تتبدد روح «الذات الكبرى» لدى الصينيين، فلا يمكننا أن نتحاشى الواقع، وننغمس فحسب في مشاعر «الذات الصغرى» التي تتغنى بالجماليات الظاهرة الخاوية من المعاني.
هناك بعض الانفصال بين الفن والحياة في مجال الإبداع الموسيقي في الوقت الحاضر، فثمة من يتقوقع في برج عاجي بعيدًا من الناس، وأعتقد أن تلك مشكلة كبيرة في حد ذاتها. دائمًا ما أعتقد بضرورة مشاركة عامة الناس المصير ومقاسمتهم الهواء. وبهذه الطريقة فحسب يمكن أن تكون أعمال الفنان أصيلة. وبالطبع، لدي عبارة أخرى، فحواها «يجب أن تكون لأعمالنا قيمة أكاديمية». ومثال على ذلك «سيمفونية أنشودة فنغ يا»، يمكن تحليل تناغمها التقني، وتعدد الأصوات فيها، وتنسيقها، وغيرها من الأشياء. إن إبداعنا لا يهدف لاقتباس الأشياء الأجنبية دونما تمحيص، بل يهدف إلى استيعابها ثم تحويلها إلى لغتنا الخاصة، حيث يجب أن يرتبط التعبير عن هذه اللغات الفنية ارتباطًا وثيقًا بحياة الناس، وهذا أمر مهم للغاية.
اعتقد أنه لا يزال يتعين على مؤلفي الموسيقا في الصين في الوقت الراهن أن يعيشوا «الحياة». فتجربة الحياة تُكتسب فحسب من التغلغل في حياة العوام، وهو ما يمنح الأعمال المكتوبة صفة الأصالة والاتصال بالبيئة. اتسمت أعمال بيتهوفن، وموتسارت، وتشايكوفسكي وغيرهم من مؤلفي الموسيقا في تاريخ الموسيقا بخصائصها اللحنية الفريدة، وأساليبها الوطنية، وهو ما يمثل تبلور تجربتهم العميقة في الحياة. أنا لا أؤيد السعي الأعمى لمحاكاة رواد الموسيقا الغربية المعاصرة في إبداعاتي الخاصة، فالكتابة انطلاقًا من أساس ينقصه أي خبرات حياتية، تولد أعمالًا تفتقر إلى التناغم وسلاسة التلحين. تعد هذه الظاهرة في الواقع مظهرًا من مظاهر عدم الثقة الثقافية. أعتقد أنه لا يزال يتعين علينا أن نتمتع بالثقة وحس المسؤولية حيال ثقافة الموسيقا الوطنية الخاصة بنا.

«أنشودة السلام» والوحشية

  تتسم أعمالك الإبداعية بخصائصها الواقعية؛ إذ يعكس معظمها التاريخ حقًّا، ليعبر عن المشاعر الإنسانية لعوام الناس بما تنطوي عليه من تقلبات. على سبيل المثال، الرائعة التاريخية «أنشودة السلام» التي تعد عملًا تمثيليًّا، وبحسب فهمي، يولي هذا العمل مزيدًا من الاهتمام للمسات الإنسانية من المنظور التاريخي، كيف تقيم هذا العمل؟
  كتبت أعلى صفحة البداية بالنوتة الموسيقية لسيمفونية «أنشودة السلام» عبارة «إهداء لضحايا مذبحة نانجينغ». فالعمل يجسد صفحة من صفحات الوحشية التي عاناها أبناؤنا وبناتنا الصينيون جراء الغزو الياباني لنانجينغ في أثناء تلك الحقبة التاريخية المظلمة التي عاشتها نانجينغ. وهذا مشابه لما شهدته أوربا من تاريخ مظلم خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كتب مؤلفو الموسيقا الأوربيون كثيرًا من الأعمال التي تعكس هذا النوع من التاريخ. غير أننا ما زلنا مقصرين في هذا الصدد؛ لذا أعتقد أننا في حاجة لاستكمال هذا الدرس التاريخي عبر أعمال موسيقية تعكس تاريخ مذبحة نانجينغ، وترثي ضحاياها.
في عام 2002م، ذهبت إلى نانجينغ مرات عدة لجمع المعلومات، وقد قرأت كثيرًا من المواد التاريخية في القاعة التذكارية لضحايا مذبحة نانجينغ التي اقترفها الغزاة اليابانيون، فشعرت بانسحاق روحي. وفي أحد أيام عام 2003م، وبينما كنا نستمع إلى أمين القاعة السيد تشو تشنغ شان عند الضريح الثامن الخاص بصن يات سين بنانجينغ، حيث أكد على الدوام القصص التي حدثت على طول نهر اليانغتسي. وفي ذلك الوقت، لاحت لي فجأة خاطرة الكتابة عن نهر اليانغتسي بجينلينغ (الاسم القديم لنانجينغ) في أعمالي؛ لأن النهر نفسه كان رمزًا للإنسان. وفي مارس من عام 2004م انتهيت من كتابة النوتة كاملة.
وفي العرض الأول لـ«أنشودة السلام» في نانجينغ، حضر في ذلك الوقت مجموعة من الناجين من المذبحة للاستماع للعرض، حيث استمعوا والدموع تغرق وجوههم. تتكون سيمفونية «أنشودة السلام» من خمس حركات، وهي: «جينلينغ. نهر اليانغتسي»، و«دموع النهر»، و«شكوى النهر»، و«غضب النهر»، و«أنشودة السلام». ففي الحركة الأولى «جينلينغ. نهر اليانغتسي» يمكنك أن تقدر من خلال الموسيقا جمال تلك الرقعة من الأرض، حيث يعيش في نانجينغ الصينيون المحبون للسلام؛ الحركة الثانية وهي «دموع النهر»، ويمكنك من خلال التقدم بطبقة الصوت العميق أن تشعر بهبوب الرياح الباردة، حيث الاقتحام المفاجئ للغزاة اليابانيين، وفي ذروة الارتفاع، يرن صوت آلة الأرهو؛ لتلقي حديثًا مفعمًا بالدموع يحمل بين أنغامه شهادة على التاريخ ورواية له؛ وصولًا للحركة الثالثة «شكوى النهر»، نسمع وقع الخطى الثقيلة التي تمثل إذلال الأمة الصينية ومعاناتها الشديدة خلال مئة العام الماضية، لتتشابه مع الخطى المتثاقلة لساحبي القوارب بالحبال خلال تقدمهم إلى الأمام؛ وفي الحركة الرابعة المسماة «غضب النهر» يمكن بمجرد البدء أن نسمع صرخة، فالأمة كلها تقاتل ضد اليابان؛ لتحقق النصر في نهاية المطاف.
وبعد انتصارنا، لم نسع للانتقام، بل تغنينا بأنشودة السلام؛ الحركة الخامسة هي «أنشودة السلام»، عندما دقت الأجراس تصدح بالسلام، تعالت بلطف أصوات الأطفال النقية الملائكية، يعقب ذلك دمج مادة الأغنية الصينية «زهرة الياسمين»؛ لتدفع بالموسيقا إلى الذروة في خضم زخم رائع. وفي النهاية ستستمع للآلات الوترية وقد استحالت آلات منخفضة الصوت. في البداية ثمة عديد من الأشخاص يهمهمون، ليستحيلوا فيما بعد جماعة، وأخيرًا حشد من المهمهمين. ذلك هو الحب الإنساني النابع من أعماق القلب، الذي ينبه العالم بالتعلم من التاريخ عبر تحريك القلوب؛ لينادي بالسلام الأبدي في العالم.
باختصار، لا يمكن نسيان تاريخ الغزو الياباني للصين، لكننا ندعو للسلام، وهذه هي اللمسات الإنسانية التي يجب أن يتمتع بها مؤلف الموسيقا الصيني حيال التاريخ.

  إضافة إلى إبداعك الشخصي لأعمال من مختلف الأنواع، فقد شاركت في إبداعات تقوم على التعاون الجماعي، مثل «جذور الصين» (2004م)، و«معزوفة دونهوانغ المصورة » (2012م)، و«موسيقا قوانغدونغ عبر طريق الحرير» (2015م) وغيرها من الأعمال، هل يمكنك التحدث عن مشاعر المشاركة في الإبداع الجماعي التي واكبت هذه الأعمال؟

  كنا مجموعة من مؤلفي الموسيقا المتقاربين في العمر، لنا الفكر والطموح نفسهما، والتوجه الفني نفسه. إن مسيرة العمل الجماعي ممتعة للغاية، حتى ولو وجدنا مشكلة في الترابط بين الحركات أو في اتصال بنية الحركات الداخلية، يمكننا التواصل وتعديلها بشكل جيد. على سبيل المثال، عندما كتب فريقنا سيمفونية «جذور الصين»، كنا قد ذهبنا إلى شانشي لجمع المادة الثقافية، وعبرنا النهر الأصفر، وسرنا في مدينة يونتشنغ، فحققنا نتائج عظيمة.
كنت مسؤولًا عن كتابة موسيقا «اتبع شجرة الباغودا بحثًا عن جذور الأسلاف»، وهذا العمل يجب أن يكون أحد الذخائر الضرورية للأوركسترا الوطنية في الصين ودول العالم الأخرى، وقد أهديت مكتبة معهد شانغهاي للموسيقا مخطوطتها. وفي يوم الإهداء، ذهب السيد تشو شياو يان حيث يجري ذلك، وألقى خطابًا مشحونًا بالعاطفة الجياشة. كانت أفكارنا العامة بشأن الإبداع الموسيقي واضحة جلية، والإبداعات الجماعية المتمثلة في «جذور الصين»، تليها «معزوفة دونهوانغ المصورة»، ثم «موسيقا قوانغدونغ عبر طريق الحرير»، كلها تتحلى بروح الفريق، وجميعها أمثلة للتعاون الناجح.

سعي لتحقيق تكامل بين السينما والموسيقا

  منذ تأليفك موسيقا فِلْم «الأرض الصفراء»، ألفت موسيقا عدد من الأفلام، مثل: «الذرة الرفيعة الحمراء»، و«ارفع الفانوس الأحمر»، و«وداعًا محظيتي»، و«كونغ فانسن»، وغيرها من الأفلام التي حصدت الجوائز في المهرجانات السينمائية الوطنية والدولية. لقد أصبحت موسيقا الأفلام التي أبدعتها ذاكرة ثقافية للعديد من الأجيال. هل بإمكانك التحدث عن تجربتك التي لا تُنسى، أو تجربتك في إبداع موسيقا الأفلام؟
  في نهاية عام 1983م، كان أستديو أفلام قوانغشي يضم طاقم تصوير شبابيًّا، يتألف من تشن كاي قه، وتشانغ يي موه، وخه تشيون وغيرهم من الأشخاص، وكانوا حينها يستعدون لتصوير فِلْم «الأرض الصفراء». قدموا إلى شيأن للتحضير لتصوير وجمع المشاهد في شمال شانشي، وقد أرادوا العثور على شخص يقاربهم في العمر، ويتوافق معهم فيما يتعلق بالأفكار الفنية والرؤى الجمالية لكتابة موسيقا هذا الفِلْم.
أتذكر أنها كانت الثالثة أو الرابعة مساء، حيث جاؤوا لطرق باب المبنى، أنبوبي الشكل حيث كان منزلنا. كانت تلك هي المرة الأولى التي ألتقيهم فيها، أسمعتهم «لحن فانتازيا طريق الحرير» الذي اكتمل عام 1981م، رأيت تشين كاي قه وقد ارتسمت على ملامحه ابتسامة تفهُّم، ومنذ ذلك الحين بدأ تعاوننا المستقبلي، وفي الثاني من يناير عام 1984م، انطلقنا من شيأن في الصباح الباكر، وتوجهنا إلى شمال شانشي لجمع المواد المرجوة لمدة زادت على الشهر. كانت تجربة جمع الأغاني الشعبية تلك ممتعة للغاية، فقد كانت مسيرة شاقة جدًّا، غير أنها حققت العديد من المكاسب. كنا نستقل شاحنة مكسورة السطح يتسرب الهواء إليها من جميع الجهات، وقد كان الطقس قارس البرودة، فقد بلغت درجة الحرارة بشمال شانشي 20 درجة تحت الصفر.
وفي أنساي، وجدنا مصادفةً المغني الشعبي خه يوي تانغ، كان في ذلك الوقت يعمل موظفًا في قسم التقاضي المدني في محكمة المقاطعة، ولما علم برغبتنا في الاستماع إلى الأغاني الشعبية، غنى لنا في المدة من بعد الظهر حتى حلول الظلام، وقد أخبرني بحماسة أن بمقدوره أن يغني لنا مثل هذه الأغاني لمدة يومين وليلتين. وفي تلك الليلة، غنى بصوت يخالطه البكاء أغنية «أعزب يبكي زوجته»، تأثرنا بغنائه بشدة؛ لذلك، أصبحت الأغاني الشعبية التي غناها خه يوي تانغ والموسيقا الشعبية الأخرى التي جمعناها على طول الطريق هي المادة المهمة لتأليفي موسيقا الفِلْم. ذهبنا فيما بعد لمحافظة ميتشي لجمع الأغاني الشعبية، ومن يويلين اتجهنا صوب محافظة جياشيان. كنت متأثرًا جدًّا لأننا تناقشنا حول النص، كنا نتناقش كل ليلة حتى الساعة الواحدة تقريبًا. لقد تجولنا معًا في القرى لجمع الأغاني الشعبية، ومراقبة حياة العوام. وفي مثل هذه البيئة، انتهينا معًا من إبداع «الأرض الصفراء».
كانت الأغنية الأولى التي كتبناها بعد قضاء شهر معًا في جمع الأغاني الشعبية بشمال شانشي هي «أغنية الابنة»، تأثر تشانغ يي موه بشدة بسماع هذه الأغنية لأن ابنته كانت قد ولدت للتو. وبعد تسجيل الأغنية، استمعت إليها للمرة الأولى في مشهد خارجي ببلدة تشينغهوابيان التابعة ليانآن، طلب تشن كاي قه من الجميع إطفاء الأنوار، كانت البَرِّيَّة كلها يغشاها الظلام، وبعدها شغَّل «أغنية الابنة». وبعد أن استمع الجميع وبمجرد إضاءة الأنوار، انفجر العديد من أفراد الطاقم بالبكاء.
وفي عام 1987م، جاءني تشانغ يي موه بسيناريو «الذرة الرفيعة الحمراء»؛ لذا وُجِدت موسيقا فِلْم «الذرة الرفيعة الحمراء». ومنذ عام 1983م، بدأنا التعاون في سلسلة من الأعمال. وفي عام 1988م، كنت أنا وتشن كاي قه وتشانغ يي موه ثلاثتنا نتسلّم جائزة الديك الذهبي بمدينة شنتشن. تعاونت مع تشانغ يي موه لاحقًا، وأكملت تأليف موسيقا فِلْم «جيوي دو»، وفِلْم «ارفع الفانوس الأحمر» وغيرهما من الأفلام. وفي عام 1992م، أنهيت موسيقا فِلْم «وداعًا محظيتي» لتشن كاي قه. كان تعاون جيلنا هذا أمرًا نادرًا جدًّا، ويمكن عدّه أسطورة نجاح.

  تعكس بعض أعمال الموسيقا السينمائية والتليفزيونية الخاصة بك خصائص تحول الموسيقا نفسها أو موسيقا مختلفة، بمعنى إبداع أنماط جديدة منبثقة من الأنماط الموسيقية نفسها. على سبيل المثال، ابتكرت كونشرتو الأرهو «أوتار القلب» استنادًا على موسيقا فِلْم «أوتار القلب»؛ كما حولت موسيقا المسلسل التليفزيوني «فناء عائلة تشياو» إلى المتتالية السيمفونية «فناء عائلة تشياو». لماذا تريد تحويل هذه الأعمال الموسيقية إلى أنواع متعددة؟
  أولًا قبل كل شيء، أَحَبَّ الجمهور هذه الموسيقا السينمائية والتليفزيونية بشدة، وكان لدى الناس المزيد من التطلعات الجمالية والنداءات العاطفية. أتذكر أنني تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من أحد الأصدقاء من فور الانتهاء من عرض الحلقة الأولى من الدراما التليفزيونية «فناء عائلة تشياو» ممتدحًا الموسيقا التي أبدعتها. ومع رواج عرض هذه الدراما، أحب الناس الموسيقا والأغاني الموجودة فيها بشدة. اقترح العديد من الرفاق بمن فيهم يوي تشينغ شين نائب رئيس التحرير السابق لمجلة «موسيقا الشعب» بعد الاستماع للأغاني الأساسية بالدراما أن أكتب هذه الموسيقا لتصبح أعمالًا موسيقية لمتتاليات تعزفها آلات موسيقية خالصة.
وفي ذلك الوقت، كانت لدي فكرة كتابتها كعمل موسيقي متعدد الحركات. لقد جمَّعتُ موضوعات الموسيقا في الدراما، ثم استخدمت تفكير التحويل الموسيقي لإبداع الخلق الثاني لهذه الموسيقا. وفي وقت لاحق، تعاقب ظهور هذه الأعمال حسب مقتضيات الأمر. وقد سمّيت هذه العملية بعملية التحول الإبداعي وفقًا لتحول موسيقا الآلات. تمتعت هذه الأعمال المحولة أيضًا بمعدل أداء مرتفع، ولاقت تقويمًا جيدًا فيما يتعلق بالصناعة، وصارت بمنزلة نوع آخر من التقدير لأعمالي الموسيقية السينمائية والتليفزيونية.

الثقة الثقافية تكمن في الإرث والحوار

  استحسن الناس ما أبدعته من موسيقا تحوي بين جنباتها أغاني فنية من الشعر القديم. مثل: سلسلة «ثماني قصائد من أسرة تانغ»، وقصيدة «قوان جيوي» المأخوذة من «كتاب الأغاني»، والقصائد القديمة «عزف الأوركيد»، و«وداعًا دونغ الكبير»، و«أغنية جولة يونغ وانغ باتجاه الشرق»، وقصيدة «انسجام السماء والأرض» التي تتميز بـ«أسلوب تشو تسي» وغيرها. معظم هذه الأغنيات صدحت بها أصوات نسائية منفردة، وتعكس هذا الجمال والسحر الأنثوي الكامن بين كلمات القصائد الكلاسيكية. ماذا كان هدفك من إبداع أغانٍ من الشعر الكلاسيكي؟ هل يمكنك الحديث عن انتشار هذه الأغاني الفنية؟
  يكمن هدفي الأصلي من تأليف موسيقا الأغاني الفنية للشعر القديم في أملي أن يُورث شعر أسرتي سونغ وتانغ القديم وغيره من روائع الثقافة التقليدية الأخرى، وينتشر على نحو أفضل. أما مؤلفو الموسيقا، فيمكننا استخدام الموسيقا لتفسير وفهم دلالات القصائد، فنخلق للموسيقا أجنحة، لتنتشر فيما بعد على نحو أفضل عبر شدو المطربين. لحسن الحظ، راجت هذه الأغاني الفنية التي أبدعتها والمأخوذة من الشعر القديم، وبخاصة في المعهد المركزي للموسيقا، ومعهد شانغهاي للموسيقا، ومعهد الموسيقا الصينية وغيرها من المعاهد المتخصصة، فضلًا عن المزيد من تعميمها في الجامعات الشاملة، والجامعات العادية وغيرها من الكليات. على سبيل المثال، نشرت دار نشر المعهد المركزي للموسيقا في عام 2011م العمل «ثماني قصائد لأسرة تانغ»؛ لتصبح هدفًا دائمًا للعروض المختلفة والمسابقات الموسيقية الصوتية. أعتقد أن هذا مهم جدًّا؛ فقد أتاح لنا إيلاء المزيد من الاهتمام بالثقافة التقليدية العظيمة للأمة الصينية، وقد تبدت هذه الأشياء عبر تأليف الموسيقا، والعروض الغنائية، ونشر النوتات الموسيقية، ومثال على ذلك القصائد القديمة التي أبدعتها مثل: «قوان جيوي»، و«عزف الأوركيد»، التي جعلت ثقافتنا التقليدية الممتازة تنتقل على نطاق أوسع وتُورث عبر انتشار الموسيقا.
وفي بروفة هذا العمل، أكدت أن العمل ليس مدحًا بالمعنى العام، لكنه تعبير عميق على المستوى الدلالي. فالأمة الصينية لديها تراث ثقافي يمتد لآلاف السنين؛ لذا كان من الواجب أن تعبر «الأغنية» عن الروح الفريدة للأمة الصينية. على سبيل المثال، تمثل سيمفونية «عزف الأوركيد» صياغة المشاعر الروحية للأدباء، بينما «عِبر الممالك» هي نوع من التعبير عن عظم قوة الدلالة الإنسانية.

  فيما يتعلق بنشر الموسيقا الصينية عالميًّا، أنت هو رائد «انطلاق الموسيقا الصينية صوب العالم». في رأيك ما الذي يجب أن تنشره الموسيقا الصينية عالميًّا؟ وما الجوانب التي يحتاج مبدعو الموسيقا الصينيون العمل عليها؟ وما أهم ما يجب القيام به في مجال النشر العالمي؟
  عزفت أوركسترا لشبونة السيمفونية في البرتغال عام 1994م «السيمفونية الأولى» لي وسجلت على أُسطوانات، لتنتشر في العالم كله. وفي يونيو عام 2000م، أدّت أوركسترا برلين الفيلهارمونية سيمفونيتي «طائر الشمس»، وكذلك سيمفونية «وداعًا محظيتي» وذلك في «حفلة الغابة الموسيقية» السنوية، وقد لاقت ترحيبًا حارًّا. وهذا هو العرض الأول غير المسبوق للأعمال الموسيقية الصينية في هذا الحدث. إضافة إلى ذلك، عُرِضَ عملي الموسيقي «قمر الجبل الساطع – انطباع عن طريق الحرير»، والمصنف من موسيقا الحجرة لأول مرة في الولايات المتحدة الأميركية بنجاح.
في 15 أكتوبر 2014م، تشرفت بحضور منتدى العمل الأدبي والفني الذي عقد في قاعة الشعب الكبرى، وفي رأيي، أن هذا المنتدى كان بمنزلة مخطط للارتقاء بالأدب والفن في العصر الجديد وفقًا لرؤية الأمين العام للحزب الشيوعي شي. وفي السنوات الأخيرة، كنت غالبًا ما أذكر جملة في المقابلات، ألا وهي: «لا يمكنك التعبير عن موقفك فحسب، فممارساتك هي الأهم». وهذه الممارسة وفقًا لما قاله الأمين العام في منتدى العمل الأدبي والفني تكون بضرورة الهدوء، والتخلص من التهور؛ والاستعداد لكتابة الأشياء في عزلة، لتكتب أعمالًا يمكنها البقاء، فتحكي قصة الصين بصوتها.
فيجب أن يكون لموسيقانا صوتها الوطني. فبغض النظر عن القومية، فلكل أمة خصائصها الموسيقية ولغتها. على سبيل المثال، تتميز أعمال بعض مؤلفي الموسيقا الروس المشهورين عالميًّا بخصائص وطنية مميزة، مثل بروكوفييف، وشوستاكوفيتش، وتشايكوفسكي وغيرهم. حيث تتميز أعمالهم بأسلوب روسي قوي. ونحن كذلك الأمر، ينبغي أن يكون لدينا أسلوبنا الصيني الخاص. أعتقد ذلك دائمًا، وأمارسه كذلك بهذه الطريقة.
على مستوى الانتشار العالمي، فإن أهم شيء هو إبداع المزيد من الأعمال التي يمكن أن تعكس الروح الصينية والثقة الثقافية. وبعد عام 2014م، كتبت «كونشرتو الكمان الأول» الذي عرض لأول مرة على خشبة المسرح الوطني الكبير عام 2017م.
استخدمت شكل كونشرتو الكمان للتعبير عن الأخوة والمشاعر الإنسانية، حيث ستعود جميع التقلبات في النهاية لطريق التسامح والسلام. جاب المسرح الوطني الكبير بهذا العمل بلدان أميركا الشمالية جميعها، حيث لاقى استجابة واسعة. وبعد ذلك، عرضت أوركسترا هانغتشو الفيلهارمونية العمل عبر جولة شملت كوريا الجنوبية واليابان. كما كتبت كونشرتو التشيلو «أحلام تشوانغ تشو»، وهو عمل يقوم على فرضيات فلسفية، من بينها نسخة الموسيقا الشعبية التي جابت 14 دولة. وعلى نحو عام، كنت منهمكًا في ممارسة إبداعية متعمقة على مدار هذه السنوات، وآمل في نهاية الأمر أن أنقل الصوت الصيني للعالم أجمع.


المصدر : مجلة «النقد الأدبي والفني الصيني» العدد العاشر نوفمبر 2019م.

المنشورات ذات الصلة

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *