المقالات الأخيرة

الفن وحقوق الإنسان والتهديدات من أعلى

الفن وحقوق الإنسان والتهديدات من أعلى

يمكن للفن، بمساعدة الصور أو الفيديوهات المقنعة، أن يعرض للناس المخاطر القادمة من أعلى، مثل: المراقبة المفرطة والهجمات العسكرية وتغير المناخ، التي تهدد جميعها سلامة الناس الجسدية والعقلية. وقد يساعد الفن أيضًا الأشخاص على التعامل مع الصدمات التي يعانونها بسبب هذه...

الحداثة بين سردي «النهاية» و«البداية»

الحداثة بين سردي «النهاية» و«البداية»

يأتي كتاب «لا شيء قيل من قبل»(1) ليتوج الجهد الذي كرسه المؤلف فيليب فوريست للتعريف بمنجز «النظرية الفرنسية» وأصولها وغاياتها وخلفياتها المعرفية وروافدها(2). يسعى الكتاب عمومًا إلى مناقشة من يزعم أن الحداثة انطفأت جذوتها، وأن الأدب لم تعد له جدوى في حياتنا الراهنة...

بورخيس، نزيل الغرفة 10… حكاية حوار

بورخيس، نزيل الغرفة 10… حكاية حوار

كانت الساعة الواحدة والنصف تقريبًا حين انتهت نشرة الظهيرة على القناة الثانية الفرنسية، وكان الخبر الأخير فيها عن وصول خورخي لويس بورخيس إلى باريس آتيًا من إيطاليا حيث حاز على جائزة «تشينو ديل دوكا» التي تهدف إلى تعزيز دور الفنون والآداب والعلوم. اتصلتُ من فوري...

في المخيال تولد الأديان ولادة ثانية

في المخيال تولد الأديان ولادة ثانية

المخيلة منجم الإبداع البشري، كل شيء يضيق فيه الواقع يتمكن الإنسان من تخيله. لا ينفرد الإنسان بالعقل وحده، بل ينفرد بملكة الخيال أيضًا. بواسطة التخيل أصبح الإنسان كائنًا يتطلع للمستقبل، ويرسم خريطة لتطوير أحواله والتقدم للأمام. يؤكد غاستون باشلار «أهمية المخيال...

بين الجمال والبروباغندا… آراء في وظيفة الفن

بين الجمال والبروباغندا… آراء في وظيفة الفن

دائمًا ما يُطرح سؤال متعلق بالوجهة التي يمكن أن تتخذها الأشكال التعبيرية التي تجد نفسها في سياقات معينة تفرض عليها خدمة أغراض شتى. وتنبع وجاهة السؤال من الإيمان بما تملكه الأشكال التعبيرية من قوة التأثير من جهة، ومن توازي القيم الجمالية التي تنطوي عليها مع قيم أخرى لا...

قصص

بواسطة | مارس 3, 2019 | نصوص

الأبوان

لا يعرف من ينظر من بعيدٍ إليهما؛ هل يجرّ الأب ابنه أم أن الولد هو من يدفع أباه مثل سجين؟
بدت ذراع الأب المشعرة مثل حبلٍ يطوّق عنق حيوانٍ فارّ بينما كان ساعد الولد أشبه بعقب بندقية تقود الأب إلى زنزانته. كانت ذراع الأب وساعد الولد متساويين في الطول. يبلغ طولهما عشرين سنة تقريبًا. كلما اشتد ساعد الولد تهدّلت ذراع الأب.
يقطع الفتى بزهوٍ كعكة الميلاد فيقطع الأب بالسكين نفسها من لحمه سنةً كاملة. يقطع لابنه دون قصد بعضًا من سحنته وأحلامه وفضائحه. لن يشُبّ الولد حتى يشيب الأب، ولن يغدو أبًا حتى يغدو أبوهُ جدًّا. لن يكونا أخوين أيضًا مهما تظاهرا بذلك، ولن تنقص تلك الأعوام التي بينهما ما لم يُقتل الأب. على الابن عندئذ ليبلغ سنّ أبيه أن يحذر السنوات وهي تتدافع مثل قطيعٍ من الثيران. سيكون حينها الأب والابن معًا، وعندما يكبر قليلًا سيصبح أبًا لأبيه. ربما زار المقبرة وبكى أباهُ الطائش. ولكن الكبار يتلكؤون أحيانًا، قد يموت الابن أولًا ويترك أباه يتيمًا. لكن هذه حكاية أخرى.

الجدّتان

تنام الأم، فتصحو ابنتها اللعوب لتمشي على أطراف أصابعها، تتسلل إلى الشارع فتجد الأم النائمة هناك. تكبر يومًا فتكبر أمها يومًا هي الأخرى. تكبر سنة فتكبر الأم سنةً بالضبط. ربما لو حاولت أن تصغر لصغرت أمها أيضًا، لكنها لا تكف عن اللحاق بها، عن مطاردتها، عن دفعها إلى الشيخوخة. هي هنا والأم دائمًا هناك، وعندما تصلها البنت أخيرًا لن تجدها بالطبع، فالأم تحمل فوق رأسها أينما ارتحلت حرف الكاف الذي في «هناك» لتجد البنت نفسها مهما كبرت هنا، والأم هناك. تعرف الأم جيدًا هذه الطريق التي تسلكها البنت. تعرفها معرفة العميان. قطعتها مرارًا على قدميها ثم على يديها ثم على أسنانها الأمامية. أخذتِ البنت من ملامحها الفم الصغير، واعوجاجه اللطيف حين تبكي وتضحك. وعندما يحين الوقت ستأخذ الطمث والحليب والشيب والخرف. ستغدو أُمًّا ثم ستغدو جدّة ولن يتذكر أحد -حتى هي- أنها الطفلة هنا.

ألبوم العائلة

حين يتصفح الموت ألبوم العائلة، أي عائلة، وليكن أفرادها الأم وطفلتها في النص السابق، وزوجها وابنهما في النص قبل السابق، سينزع الصورة التي يقف فيها الأب مزهوًّا بنفسه، يلفّ ذراعه حول زوجته المشغولة بطفلتها، بينما يتطاول رأس الابن مستعجلًا المستقبل. كم تبدو العائلة سعيدة ومثالية في هذه الصورة، لكن الصور تكذب، خصوصًا عندما تكون ملونة. سيطوي الصورة في جيبه ويعود بعد سنوات. هل يبدأ من الأب؟ بوسع الجد أن يحل محل ابنه لبضع سنوات، أو يتقدم العم الصغير رسميًّا ليصبح الأب الجديد، أو ربما يأتي رجلٌ غريب أو لا يأتي أحد. لكن الأمور لا تسير على هذه الطريقة دائمًا، ربما يبدأ بالعكس، من الأصغر، يخطف الطفلة في غفلةٍ من أمها، ويجرب بلا توقف؛ لأنها ستجري خلفه على الفور. لطالما صلّت لتكون أول الموتى، تظن أنها لن تعيش إذا رحل أحد أبنائها. ستأتي بعدها امرأةٌ أخرى، أكثر شبابًا وأقل مهارةً في الطبخ والقلق.
أو لعل الولد هو يموت أولًا فتتوقف السلالة عند الأب، فيندم؛ لأنه لم يرغب في إنجاب الكثير من الأبناء. قال: إنه سيكتفي بالطفلين حتى يتمكن من منحهما كل الرعاية والاهتمام. هل فات الوقت؟ أو ربما ينسّق لهم موتًا جماعيًّا صادمًا فيتذكر الأقارب لبعض الوقت أنهم ليسوا في مأمن. على كل حال، العائلة كاملة اليوم، وستبقى كذلك حتى تعود تلك الصورة إلى الألبوم.

* من مجموعة قصصية جديدة، تصدر قريبًا.

المنشورات ذات الصلة

سكرات الصداقة

سكرات الصداقة

في غرة شهر آب حينما بدأت الشمس تلتهب وتذيب ما تحتها، اخترق ضوؤها زجاج أحد مقاهي مدينة الرياض واستقر على منضدة الشابين...

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *