بابٌ مضرّجٌ بالمجهول

بابٌ مضرّجٌ بالمجهول

تخلّتْ عنهُ الجدران،

وتركته أسيرًا للفراغ..

مضرّجًا بالمجهول

ومثخنًا بالنوايا السيئة

لصيادي الظلال القديمة،

وحرائق النسيان المفاجئة..

تخلّتْ عنه الأركان

وتركته مُواربًا على كآبتهِ

يقطّر زفراته المعتّقة

حسب التوقيت الخشبي للقلق..

تركته عاريًا في الريح

يشكو من عُواء الوحشة

وأصداء الأسئلة العقيمة..

يشكو من يبوسة مفاصله

وذبول قامته المتهالكة..

تخلّتْ عنه العتبات

وتركته في دروب الاغتراب

يحترق من اليُتم،

ويتأوّه بعمقٍ

من كوابيس المعاول الجائلة..

تخلّتْ عنه المفاتيح

وتركته في الحيرة،

يتحسر على ذكرياته المشردة

في المدن الصماء..

تركته يختنق بغبار الصمت

ورذاذ الظلام

يعاني من أرْضة الفقدان

وثقوب المناخ الغادرة..

البابُ، صار وحيدًا

بلا هيلمان

لم يعد ينتمي إلى قبيلة الأشجار،

لم يعد ينتمي

إلى فتوّة الجدران

وصداقة المدى..

صار وحيدًا

وفقيرًا.. بلا عابرين

بلا ظلال، بلا أنامل حميمة

تُوشمه بالمودة

وتبث فيه بهجة اللقاء..

الباب المزهو بضجة الماضي

صار يعاني من أنياب البطالة

ومن الفراغ المخيف

وقوارض البهتان!!

دكتاتورية القلق..!

دكتاتورية القلق..!

القلقُ المتشدّق بحقوق «المقلوقين»

يعتقلني في زنزانة لُغوية

جدرانها الحذف والجزم والسكون..

يمنع عني تناول «أسبرين» الهدنة

والإدلاء بأي تصريح للصمت

ويحذرني من الإصغاء

إلى نشيد العصافير المرحة

ومتابعة نشرة الأمل الصباحية..!!

القلق.. يقيدني بأغلال القانون المغلول

ويمنع عني زيارة الخيال والاطمئنان..

القلقُ.. يجلس بجواري في المقهى،

يختطف من يدي «فنجان» القهوة،

ويرتشفه بصوتٍ مزعجٍ للمارة..

يشعل ملامحي سيجارة يمجّها

بطريقة حشّاشٍ عتيقٍ،

ويلقي عليَّ محاضرة طويلة

عن الحوار الحضاري بين شعوب القلق

وعن فوائد البلاهة

ورياضة الركض حول الفراغ..

القلقُ.. يصادر راتبي الشهري

ويذهب إلى أقرب فندقٍ

ليرقص وينام مع عشيقته الأجنبية،

على حساب مشاعري المنهوبة..!!

القلقُ يشي بي لأجهزة الذباب الطنانة

كي تحوم حولي،

وتقبض على كل إغفاءة عابرة..

القلقُ يفتش ذكرياتي السعيدة

ويمنحها جرعة من التعاسة الثقيلة!!

القلقُ ينجب صغاره

ويتركهم يعبثون ويلعبون في أعماقي

وتلقى شغبهم الدائم

برحابة صدر أبويّة..!!

القلقُ يتوعدني بالكثير من ضربات الجزاء

وبمصادرة جميع سكينتي

إن أقدمت على العمل لدى العزلة،

أو طلبتُ اللجوء الإنساني للصمت

أو حملتُ هدوئي

وانسحبت من جهة الصراع/ الصداع

نحو حقول تأملاتي..!!

القلق المسلّح بصواريخ «الشك»

يترصّدني خلف كل عبارة

وخلف كل شرودٍ..

ويصنّفني في خانة الإرهاب الدولي

إن أعلنت عن شجني

أو سرتُ في مظاهرة سلمية

تطالب ببعض حقوقي في اللاشيء..!