تبنى إسلام التنوير وكرَّمته فرنسا بينما اختزله العرب في كتب الحب والجنس مالك شبل .. في أفول العقل التنويري

تبنى إسلام التنوير وكرَّمته فرنسا بينما اختزله العرب في كتب الحب والجنس مالك شبل .. في أفول العقل التنويري

يعد المفكر الجزائري (مالك شبل: 1953-2016م)، من بين المفكرين القلائل الذين زاوجوا العلم بالعمل، والقول بالفعل، بانيًا بذلك هوية فكرية مفارقة للهويات الفكرية الأخرى التي تبني جدارًا عاليًا بين ذاتها في الحياة، وذاتها مع الفكر، فقد وعى المفكر مبكرًا بهذه الإحراج المعرفي، فقام بتذويب فكره، ليصبح فن العيش متسامحًا مع الآخر، وطريقه للتفكير الحر والمستنير في الأنا متساكنًا مع الآخر. والقارئ لسيرته الذاتية التي نقلتها عنه الروائية الفرنسية (جانين بواسار، مالك، قصة حقيقية، منشورات فايار 2008م)؛ سيدرك ما قلناه سابقًا، فهو الذي عاش يُتم المجتمع، بعد فقدانه والده وممتلكاتهم بعد الاستقلال، لولا وجود السند الأمومي الذي عوضه بعضًا من هذا اليُتم القسري، لتنفتح ملكاته الوجودية على يُتم آخر وهو في مركز الأيتام، حيث كان يدافع عن نفسه وأخيه من تعنيف بعض الأطفال في المركز، لتبدأ الأسئلة الطفولية تكبر في عقل رجل المستقبل، متجاوزًا بذلك أسئلة يُتم المجتمع إلى أسئلة يُتم المعرفة: لماذا الإنسان يتعدى على أخيه الإنسان؟ وعن الحرية المسلوبة؟ وعن الحب الضائع؟ وعن المستعمر القامع؟ وعن الدين المانع؟

العقل الجريح يُسمع هـنــ(ـا)ك

لتكبر هذه الأسئلة عنده في سنوات دراسته الثانوية في مدينة العلم قسنطينة، أين كان صوت المرأة خافتًا داخل المجتمعات العربية، ومنها المجتمع الجزائري، والحب لا تسمع همساته وراء الجدران. غير أن هذا المنع المجتمعي، أضرم في نفسه نورانية الشعر، ونارية المشاعر، وهو يتعرف إلى أولى مغامرات الحب واستيهامات الجسد في هذه المرحلة؛ هذه الاستيهامات الشبابية سرعان ما تحولت إلى هاجس وجودي قابل للتفكير، داخل أسوار الجامعة، إلا أنها غير قابلة للتدبير العلمي، داخل السياق المجتمعي في ذلك الوقت، ولم يجد متنفسًا لما كان يريده إلا بعد أن نال منحة دراسية إلى إحدى الجامعات الفرنسية؛ وهنا بدأت الانطلاقة الفعلية للعقل، واندملت بعض جراحات هذا العقل الجريح. فقد عكف شبل على دراسة علم النفس، وتحصل على دكتوراه في هذا التخصص، وأردفها بدكتوراه ثانية في الأنثروبولوجيا، ورسالة أخرى في العلوم السياسية، ليصبح هذا العقل الجريح في وطنه، عقلًا يجترح أفكارًا تنويرية جديدة عن الإسلام والمسلمين في العالم، ويُسمع صوت المسلم هنا وهناك، لتكون هذه بحق قصة حقيقية، لمفكر جعل حياته موضوعًا للتفكير المعرفي، وتفكيره آل للتدبير الحياتي.

إسلام التنوير… هو السبيل للتعايش

إmalek-2malek-1ن مالك شبل مفكر شمولي كما يقول عن نفسه، فهو لما أراد أن يعيد قراءة الإسلام قراءة جديدة، قراءة جمعية شمولية، متسلحة بمنهجيات متعددة التخصصات، لا تركن للجاهز من الأفكار، ولا إلى الأحكام السابقة، ولا إلى التصورات المتوارثة؛ فهو دائمًا ما يعرض كل هذه المقولات والأطروحات على محك النظر المعرفي، ومقياس العقل العلمي، لهذا كثيرًا ما أخذ منه المفكرون الأجانب الحذر ، على الرغم من إعجابهم بفكره المستنير، وكثيرًا أيضًا ما ارتاب منه بعض المفكرين العرب إلى حد التهجم، من أجل أفكاره المغامرة في تحليل مناطق يصعب عليهم التفكير فيها أو مقاربتها مقاربة علمية (كالجنس والشهوة، والمثلية…). فهو لم يتمكن من الحفر في بنية العقل العربي الإسلامي، إلا من خلال هذه المنهجية العلمية الشمولية المتعددة التخصصات، فهو سليل المدرسة الفكرية الأركونية (نسبة لمحمد أركون)، التي تدرس الإسلاميات في شموليتها، وهذا ما نجده في العديد من كتبه ( الجسد في الإسلام 1984م، المخيال العربي الإسلامي 1992م، قاموس الرموز الإسلامية 1995م، الذات في الإسلام 2002م، لا شعور الإسلام: تأملات حول الحظر، الخطيئة والاختراق 2015م).

لهذا نجد مالك شبل لا يكتفي بالتنظير للظاهرة، بل يشفعها بكثير من التطبيقات العملية، فالعديد من كتبه تنطلق من السؤال المشروع: كيف يمكن للعالم العربي أن يجعل من الحداثة النابعة من العقل مبدأ لمستقبله؟ لأنه يرى ديننا عظيمًا، ولكن المقاربات التي حللته لا ترقى لعظمته، لأحادية مقارباتها، فهي لا تريد أن تؤقلم تحليلاتها مع المنهجيات العلمية عقلانية كانت أو اجتماعية، وأن تواجه الإسلام بأسئلته الحقيقية كما جاء في أحد كتبه (الإسلام أمام مئة سؤال، 2015م)، فلا يمكن الإجابة عن كل ذلك في رأيه إلا بفتح كليات ومعاهد تدرس هذه المنهجية المتعددة التخصصات لفهم الأديان ومقارنتها ومقاربتها، مراهنة على دعوى الانفتاح والتنوير. ولما وجد مفكرنا بعض الصدّ والمواجهة، حمل على عاتقه منذ ثلاثين سنة، سؤال مشروعه الذي يهتم بتاريخ العقليات في العالم العربي، فاهمًا للإسلام بمقاربة أنثروبولوجية، يحاور فيها بالتحليل موضوعات جديدة غير مفكر فيها، وإن كانت هي من أسهم في تكوين العقل العربي، من قبيل: الذات، والجسد، والعشق، والمخيال…، وهذه المقاربة العقلانية الأنثروبولوجية بنية العقل الإسلامي، هي التي ولدت مفهومه الذي أصبح علامة مسجلة باسم مالك شبل في العالم الغربي قبل العالم الإسلامي وهو إسلام التنوير؛ ذلك الإسلام ذو المنابع الصافية، الذي يعلمنا مبادئ التسامح والتعايش مع الآخر في اختلافيته، بعيدًا من دعاوى العنف، وسلب الحريات الفردية، وإذكاء روح الكراهية للآخرين.

وهذا ما دافع عنه شبل في كتبه ولقاءاته، ففي كتابه عن «تغيير الإسلام: قاموس المصلحين المسلمين إلى اليوم، 2013م»، يرجع بنا إلى أصل المسألة، وهو سؤال النهضة، الذي لم يجب عنه إلى الآن، ودور المصلحين في ذلك الوقت، فعلى الرغم من جهودهم الكبيرة، فإنهم لم يتمكنوا من دفع شبهة خطر الإسلام على المسيحية، التي كان ينسجها المفكرون الغربيون في مراكز دراساتهم داخل الوطن العربي في الشام والقاهرة وقتئذ، ولم تجد من يرد على هذه الدعوى، لقصور الآلية التحليلية، والرؤية الحداثية للإسلام، وهذا المبحث الدراسي المهم الذي خاض فيه شبل كثيرًا ما تجنَّبَه الدارسون العرب.

وإيمانًا من مفكرنا أن يُسمع صوته هـنا(ك) داخل المجتمع الغربي عامة، والمجتمع الفرنسي على وجه التحديد، الحامل لهويته أيضًا، فهو يتكلم اللسانين ويحمل الهويتين ولا بد أن يدافع عن المجتمعين، فلهذا لم يتجاهل وضع الإسلام في المجتمع الفرنسي الممثل للمجتمع الغربي؛ لأنه هو المتلقي الفعلي لأفكاره، وكتاباته التي تريد أن ترسخ داخل هذا المجتمع فكرة «إسلام التنوير»، مقابل «إسلام الظلام»، ومحمولاته المفاهيمية وبخاصة العنف والإرهاب؛ وهذا ما ظهر جليًّا في كتابات ومحاورات وندوات مالك شبل بعد أحداث 11 سبتمبر، حين تعالت أصوات الكراهية ضد الإسلام، والكتابات المعادية للمسلمين، فما كان من هذا المفكر العقلاني، إلا أن يحارب ويدافع عن فكرة إسلام التنوير، ذلك الدين المتسامح والمتعايش مع كل الشعوب، فكان من حكمته أن وجه خطابه عن الإسلام التنويري منذ البداية لفئة الناشئة في المجتمع الفرنسي؛ لأنها مستقبل الشعوب والمجتمعات، فكان يحرص في محاوراته الصحفية ولقاءاته التلفزيونية على أن يوجه خطابه لها، حتى أصبح كتابه عن «القرآن للمبتدئين والناشئة، 2005م»، من أكثر الكتب مبيعًا على الإطلاق، وأعيدت طباعته العديد من المرات بعد هجمات 11 سبتمبر، إلى جانب كتابه الدال على سماحة الإسلام «بيان من أجل إسلام التنوير، 2004م».

malek-3malek-4أما أكبر تحدٍّ واجهه فهو المسيرة العلمية لترسيخ فكرة إسلام التنوير، وقضى فيها أكثر من عقدين من الزمن، لصعوبة مسالكها المعرفية، وتعقيد تركيباتها الترجمية، «ترجمة القرآن الكريم،2009م»، فهو يرى أن الترجمة المتكررة للقرآن تغني معناه لدى قارئه، فكانت ترجمة مالك للقرآن ترجمة للمعاني لا للمباني؛ لأنه يريد أن يحافظ على روح النص الأصلي، وهذا ما جعل ترجمته تختلف عن الترجمات السابقة كما يذهب في مقدمة ترجمته، وقد ساعده في ذلك معرفته الواسعة باللغة العربية وجمالياتها، واطلاعه الواسع على تفاسير القرآن، وبخاصة اهتمامه البالغ بأسباب النزول، فنجد ترجمته كثيرة الحواشي الشارحة، والهوامش الموضحة، وقد وضع قاموسًا تفصيليًّا لبعض كلماته ورموزه، وهذا لتمكين القارئ من اتباع المسار التاريخي للآية والسورة، وتنزيلها تنزيلًا خادمًا لسياق العصر ومقتضياته، محافظًا في كل ذلك على القيم الإنسانية الموجودة في سور القرآن لأنه صالح لكل فرد في كل زمان ومكان.

ولكننا نأسف أن القارئ العربي مفكرًا كان، أو مهتمًّا بالشأن الإسلامي، لم يقرأ لمالك شبل سوى تلك الاجتهادات المعرفية التي سجلها في برنامجه الفكري وهو يحفر في عقليات الثقافة العربية الإسلامية، وهو يلامس بحس المحلل النفسي الخبير بمكبوتات الذات العربية، واستيهاماتها النفسية، من مثل موضوعات «الجسد في الإسلام، 1984م»، والكشف عن رغبات الجسد الجامحة، وراء أسوار القصور والبيوتات، ليضع موسوعة خاصة بالحب والمحبين «موسوعة الحب في الإسلام، 1995م»، كاشفًا عن العقل الشهواني بكل طقوسه السوية والمثلية، وهذا ما ظهر جليًّا في كتابه المترجم للغة العربية والذي عرفه القارئ من خلاله، وقرأه قراءة المستمتع، لا قراءة المتدبر، وهو «الجنس والحريم، روح السراري، ترجمة 2010م»، غير أن القارئ العربي نسي أن هذه الكتب هي ضمن سلسلة فكرية تبحث في بنيات العقل العربي المنتج عنده لإسلام التنوير.

العقل‭ ‬التنويري‭ ‬الجريح‭.. ‬مشروع‭ ‬لم‭ ‬يكتمل

بعد طول تأمل في مشروع مالك شبل التنويري، نجد أن هذا العقل التنويري ولد جريحًا، وذهب عنا جريح اليد والوجه واللسان، هو المفكر الذي قضى كل حياته مدافعًا عن إسلام تنويري، خارج أرض الإسلام، فتسلح بروح المناظرة المتصالحة والمحاورة الحسنة؛ لكي يرسخ في العقليات الغربية في كل مكان في أرقى الجامعات، وأكبر الندوات، وأصعب الحوارات، أن الإسلام إسلام تنوير وتسامح، وليس إسلام عنف، غير أن العالم العربي واجهه بتجاهل مطبق حيًّا وميتًا، والدليل على ذلك أن فكره يختزل عند القارئ العربي بكتب الحب والجنس فقط، متجاهلين أن مشروعه التنويري أكبر من ذلك؛ بدءًا من مالك بن نبي وصولًا إلى مالك شبل اللذين دافعا عن الإسلام بلغات متعددة، ومقاربات متعددة أيضًا. ألا يحق لهذا المفكر التنويري التفاتة من المؤسسات العلمية العربية تدرس فكره في جامعاتها، ومراكز الترجمة، وأن تخرج للقارئ العربي مشروعه التنويري الأصيل، فقد تسارع الغرب قبلنا مفكرين وساسة لتكريمه بأرفع الأوسمة والجوائز، نظير تعريفه بإسلام التنوير الذي يعايش الديمقراطية ويعززها، داعين إلى تبني أفكاره في مجتمعاتهم، فمن باب أولى أن ندافع عن مفكرينا ومشروعاتهم، وأن نبقيهم أحياء بيننا فيما نقول ونعمل، وهذا هو إسلام التنوير المصالح والمتسامح مع ذاته والآخرين.

أين الثقافة في التلفزيون المعاصر؟

أين الثقافة في التلفزيون المعاصر؟

يتحسّر الفرنسيون على زمن يصفونه بالجميل؛ زمن البرنامج التلفزيونيّ «أبوستروف» Apostrophe، المتخصص في عالم الكُتَّاب، الذي كان يجمع أكثر من ثلاثة ملايين مشاهد كل أسبوع. لقد كان كثيرون يتلهّفون على متابعة آراء الكُتَّاب والشعراء الفرنسيين والأجانب فيما كتبوا، وتَرهف الأذن للعلاقة الخفية التي كانت تجمع رجال السياسة والحكم بالأدب. ولعل قليلًا منهم يتذكّر الحلقة التي حلّ فيها الرئيس الفرنسي آنذاك، فاليري جيسكار ديستان، ضيفًا على هذاالبرنامج ليتحدث عن الروائي الفرنسي «غي دو موباسان».

لقد مرَّ 26 عامًا على توقُّف هذا البرنامج التلفزيونيّ عن البث إلا أن الحديث عنه لم يتوقف في أوساط المثقفين، والكُتّاب، والناشرين، ولدى ممتهني العمل التلفزيوني. لقد وصف الكاتب والناشر الفرنسيّ «هوبرت نيسن»، في إحدى حواراته الصحفية، هذا البرنامجَ التلفزيونيّ بمفخرة فرنسا، ومحلّ تميّزها من بقية البلدان في المجال الثقافيّ. لكن الحديث عن البرنامج التلفزيونيّ المذكور يفضي، دائمًا، إلى التساؤل عن السر في تراجع مكانة الثقافة في القنوات التلفزيونية المعاصرة عامة، وليس الفرنسية فقط، وإلى النقاش عن الصعوبات التي تعانيها القنوات التلفزيونية الثقافية؛ لتستمر في الوجود، فكثير من المثقفين والفنانين يتساءلون عن مصير القناة الرابعة في تلفزيون «بي بي سي» البريطانيّ، التي توصف بأنها متخصصة في الثقافة.

زمن الحنين

لم يكن طموح البرامج الثقافية في التلفزيون في الماضي لِتكتفي بإعلام الجمهور الجديدَ في مجال الموسيقا والسينما والمسرح والفنون والرواية والشعر، إنما كانت تعمل على تأسيس نقاش ثقافيّ وفكريّ متواصل ليشكّل محركًا لعجلة الصناعات الثقافية. فالناشر الفرنسيّ «جون كلود غواسويتش»، يتذكر جيدًا أنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر، كل أسبوع، ساعة الإعلان عن الكُتّاب والشعراء والمفكرين الذين يستضيفهم صاحب البرنامج التلفزيونيّ الفرنسيّ المذكور؛ ليسرعوا إلى استخراج مؤلفاتهم من أَقْبِيَة المطابع وتوزيعها على المكتبات! كيف لا والكِتَاب الذي يحظى بالنقاش في هذا البرنامج التلفزيونيّ تقفز مبيعاته من ثلاثة آلاف نسخة إلى أكثر من ثلاثين ألف نسخة. فبعد أسبوع من استضافة الروائية الفرنسية «مارغريت دوراس» في هذا البرنامج قفزت مبيعات روايتها «العشيق الصيني» من 80 ألف نسخة إلى 240 ألف نسخة! ليس هذا فحسب، إنما اعترف الشاعر والكاتب الفرنسيّ «فيليب دلرم» أن لا أحد من محيطه العائليّ وأصدقائه كان يعُدّه كاتبًا، ويأخذ ما يكتبه مأخذ الجدّ حتى حلّ ضيفًا في البرنامج التلفزيونيّ المذكور. حتى الموسيقيّ الروسيّ الشاب راشمنوف المغمور، نال نصيبه من الشهرة بعد أن جرى اقتباس مقطع من موسيقاه في «تيتل» Title البرنامج المذكور.

لقد أصبحتْ مثل هذه البرامج في حكم الماضي لا تثير سوى الحنين إلى ما فات، والخوف مما هو آتٍ، أي: مِن مستقبل الثقافة في القنوات التلفزيونية، ليس في فرنسا فحسب، إنما في كثير من بلدان العالم. فإضافة إلى تقليص البرامج الثقافية في شبكة البرامج التلفزيونية لتصل إلى نحو 5% من جُلّ القنوات التلفزيونية العامة، جرى تأخير موعد بثّها إلى ساعات متأخرة من الليل؛ لاعتقاد راسخ في أنها برامج نخبوية، ولا توجّه إلى جميع المشاهدين. وغُيِّرت طبيعتها، فأصبحت تسمّى برامج «المنوعات»؛ للتأكيد على خفّتها وذوبانها في الترفيه؛ مثل: المسابقات التلفزيونية، والبرامج الغنائية التي تسعى للرفع من شأن الضيوف والنجوم والترويج لهم على حساب الموضوعات والمضامين.التلفزيون-المعاصر-٢

إن غاية البرامج الثقافية في التلفزيون ليس الإمتاع فحسب، إنما إثارة الفضول، والتزود بالمعرفة، وإرهاف الإحساس، والدفع إلى التفكير والتأمل. إنها تتطلب قدرًا من الانتباه والتركيز، بينما تسعى كثير من القنوات التلفزيونية المعاصرة للاستحواذ على أكبر نسبة مشاهدة؛ لِجَنْي أكبر حصة من سوق الإعلانات؛ لذلك تَستبعد البرامجَ الثقافيةَ؛ لاعتقادها أنها عسيرة الهضم، وتنفّر قطاعًا واسعًا من الجمهور الذي لا يملك المستوى التعليميّ والمعرفيّ الذي يؤهّله لفهمها، وتُقصي بعضًا ممن يَملك هذا المستوى لجمودها. وتنصرف القنوات التلفزيونية إلى بث البرامج الجماهيرية والتوافقية التي تحظى بإجماع، فتجمع المشاهدين ولا تفرّقهم، وهذا ما يفسّر تزايد مدة البثّ التلفزيونيّ المخصّص للرياضة والألعاب والمسلسلات التلفزيونية؛ أي أنها تساير المنطق الاستهلاكيّ في المجتمع.

وهكذا اختفت مواعيد المسرح من الشاشة الصغيرة في كثير من القنوات التلفزيونية، وزالت نوادي السينما من خارطة البرامج التلفزيونية. لقد طبعت هذه النوادي البرامج التلفزيونية، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فكانت تبثّ الأفلام السينمائية الرائدة، وتستضيف مخرجيها أو بعض ممثليها في أستوديو التلفزيون؛ لمناقشة طريقة إخراجها وقيمتها الفنية، وإن أبقت على بعض البرامج الثقافية فقد غيَّرت بنيتها، وأسلوب تقديمها، وغايتها. فالبرامج التلفزيونية القليلة الخاصة بالكتاب، التي لا تزال صامدة ومستمرة في شبكة البرامج التلفزيونية؛ أصبحت تروم الترويج المحض للكتاب، وانزاحت عن مناقشة موضوعه، وتحليل مضمونه وأسلوبه؛ الانزياح الذي لا يشترط من المذيع قراءة معمّقة للكُتب التي يروجها.

كائن يتطور بتطور المجتمع

يعتقد بعض المتخصصين أن التلفزيون كائن حيّ يتطور بتطور المجتمع. فمُعِدّ البرنامج التلفزيونيّ ومقدمه الفرنسيّ المذكور أعلاه يؤكد أن العمل التلفزيونيّ فقد الصبر، ولم يعد يتحمل منح الكلمةِ الأديبَ أو المفكرَ؛ للحديث مدة خمس دقائق متواصلة؛ ليشرح في هدوء آراءه من دون أن يقاطعه المذيع، أو تغيير لقطة التصوير.

بالفعل لم يتغير البرنامج التلفزيونيّ على صعيد التصوير فحسب، ولا في الإيقاع الذي أصبح سريعًا ليواكب سرعة العصر، إنما تغيَّر في نوعية الديكور.

لقد كان ديكور البرامج الثقافية في السابق بسيطًا ومتقشفًا كثيرًا، ويقتصر على كراسِيَّ وطاولة، وحُزْمة من الكُتب أو الصور لأفلام أو مسرحيات؛ لأن هاجس هذه البرامج كان النقاش، ودَفْع المشاهِد إلى التركيز فيه. أما اليوم فالنقاش ذاته تغيّر إن لم يكن فقد مضمونه. لقد كفّ كثير من القنوات التلفزيونية في كثير من بلدان العالم عن استضافة الأدباء والمفكرين في ساعة ذروة المشاهدة، وفتح أذرعه لاستضافة نجوم الفن والطرب والأزياء والرياضة والطبخ الذين يتوددون للجمهور ويمازحونه في ديكور فاخر كثير البذخ، ومبهر إلى حد السحر.

وهناك من يعتقد أن الأمر يتجاوز التلفزيون؛ لأن النظام الإعلاميّ أصبح مكونًا أساسيًّا من مكونات الصناعات الثقافية التي تخضع لمنطق السلعة، وليس الخدمة. فلم يكن للقنوات التلفزيونية أن تنجرف إلى «تسليع» الثقافة إن لم تحظَ برضا الجمهور. وهذا الجمهور هو ابن المجتمع الذي تغيَّر هو الآخر، فتناقص فيه تعداد المكتبات في الأحياء السكنية والمدارس، وقلَّت دُور النشر فأصبحت تطبع نُسخًا أقل من الكتب، وتبيع كميات قليلة جدًّا مما تطبعه. واختفت النوادي الثقافية أو جفّ نشاطها، وتقلّص تعداد رُواد المحاضرات والندوات الثقافية أمام تزايد جمهور الحفلات الغنائية، ورواد ملاعب كرة القدم.

لقد تكاثرت وفرة البرامج التلفزيونية، وتعدّدت حوامل الثقافة وقنوات توزيعها، وتشذّر الجمهور، وتراجعت المشاهدة الجماعية لبرامج التلفزيون في ظلّ استشراء «المشاهدة التلفزيونية المؤجلة» الفردية سواء في مواقع القنوات التلفزيونية في شبكة الإنترنت أم في بعض منصّات التواصل الاجتماعيّ.

حقيقة لقد انتشرت شرائط الفيديو وحوامله، في نهاية السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فحرّرت المشاهد من إكراهات توقيت البث التلفزيونيّ. أما اليوم فقد اتسع هامش الحرية كثيرًا في ظل انفصال المحمول الثقافيّ والاتصاليّ عن الحامل، وفي زمن التلفزيون الاستدراكيّ Catch up TV أو الفيديو تحت الطلب (video on demand (VOD.

كل هذه العناصر تفسّر جزئيًّا تراجع البرامج الثقافية في التلفزيون المعاصر. لكن لماذا جزئيًّا فقط؟ لأنها تحمّل الجمهور مسؤولية انصرافه عن متابعة البرامج الثقافية، وتبرئ ساحة التلفزيون والمسؤولين عن إدارته من تراجع هذه البرامج، وتتستّر على العقل المدبّر الذي ضاعف البحوث المتعلقة بالإعلان التلفزيونيّ، وأشكال تسويق برامج (الفُرْجة) والترفيه، واستطلاعات الجمهور لإعادة توجيه رغباته وصقلها، ورسم إستراتيجيات البرمجة التلفزيونية في ظلّ المنافسة الضارية بين القنوات التلفزيونية.

زمن المراجعة

يعتقد كثير من المفكرين والمثقفين أن ما سبق قوله لا يشخّص بكل دقّة العلاقة الملتبسة بين الثقافة والتلفزيون؛ إذ يرون أن التلفزيون يتعارض جوهريًّا مع الثقافة؛ لأنه يميل ميلًا كبيرًا إلى الاستعراض و(الفرجة)، ويروم التسلية والمتعة، ويشجّع الآني، ووليد اللحظة، بينما الثقافة وليدة فكر يستثمر في الزمن، ونتيجة صبر وعناد. وتعتقد الفيلسوفة الأميركية المنحدرة من أصول ألمانية حنا أرنت في كتابها الموسوم بـــ«أزمة الثقافة» أن الثقافة المعاصرة تعيش أزمة حقيقية ترجعها إلى عملية إضفاء الطابع الجماهيريّ عليها. فجمهرتها تَعْني بالضرورة «إعادة إنتاجها، وتسطيحها، وتكيّفها في الصور حتى تصبح مادة قابلة للتسويق؛ أي سلعة ذات استهلاك واسع».

التلفزيون-المعاصر-٣ولا يمكن تناسي دَوْر التلفزيون في جمهرة الثقافة. والنتيجة، كما تقول الفيلسوفة في الكتاب ذاته، لم تعُدْ هناك ثقافة بالمعنى الدقيق للكلمة، إنما يوجد ترفيه جماهيريّ يتغذّى من المواد الثقافية. فالشعر -حسب الصحافيّ الفرنسيّ توماس يادان- تحوّل في بعض الأحيان إلى شعار إعلانيّ، والموسيقا أصبحت موضوعًا للتنافس ومادةً للتدافع، وأضحى الفنان تاجرًا يتاجر بفنّه في التلفزيون. ربما يمكن تصنيف هذا الأمر بأنه حكم، وليس توصيفًا لواقع يتضمن نوعًا من المبالغة، ولا ينطبق على كثير من القنوات التلفزيونية، وبخاصة في المنطقة العربية، إلا أنه يعبّر عن حالة من خيبة الأمل فيما آل إليه التلفزيون في نظر كثير من المثقّفين والفنانين. لقد احتفوا به في الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي، واعتقدوا أنه سيكون أداة فعّالة في خدمة المعرفة والتربية، ووسيلة لنشر الثقافة وتحرير البشر، لكنه سقط في مخالب التجارة والترفيه الذي يسطّح الوعي ويبلّد الإحساس، وسقط معه الأمل.

إنها الخيبة ذاتها التي جعلت بعض الفلاسفة والمفكرين، بل الكُتّاب يرون أن الثقافة لا تجني كثيرًا من التلفزيون؛ لذلك نلاحظ أن ريجست دو بري، وجيل دولوز، وفيليب موراي، على سبيل التمثيل، شنُّوا هجومًا كبيرًا على برنامج «أبوستروف» .

فالروائي الفرنسيّ موراي يعتقد أن هذا البرنامج أضرَّ بالأدب أكثر مما نفعه، وخرَّبه لأنه خدم منطق «النجومية»، ودفع بالكاتب إلى الشهرة عوضًا من أن يركّز في الكتاب، وحاول أن يتطرّق إلى الإنتاج الأدبيّ انطلاقًا من موضوعات عامة تبدو أنها بعيدة من الأدب؛ مثل: الشوكولاتة، وآلام المسيح عليه السلام، والأحذية، ومنظمة الدول الناطقة باللغة الفرنسية، والموت، والطفولة، وغيرها من الموضوعات.

بالطبع، إن هذا النقد يعجز عن إخفاء النوايا في محاكمة التلفزيون، وتجريم الترفيه، والتزام التصور النخبويّ للثقافة، وحصر البرامج الثقافية في التلفزيون فيما يسمّيه المختصون بالثقافة الراسخة والمؤسسة؛ أي الثقافة العالِمة؛ مثل: الكتاب والمسرح والسينما.

ويربط انحطاط التلفزيون بغياب هذه الثقافة في برامجه، وهذا ما يفضي إلى النقاش العميق الذي عمر طويلًا، وحاول الإجابة عن السؤالين التاليين: ما معنى تلفزيون ذي نوعية جيدة؟ ومن يملك شرعية الحكم على جودة التلفزيون؟ وهو النقاش الذي أشار إليه الكاتب الفرنسيّ جون أرسي عام 1959م، عندما أكَّد أنه «من الخطأ أن نطلب من التلفزيون أن يقدّم لنا برنامجًا ترفيهيًّا خالصًا، وبرنامجًا إعلاميًّا جافًّا، وبرنامجًا تربويًّا صارمًا وأبويًّا، بالعكس أعتقد أن البرنامج الجيّد هو الذي يمزج الفئات الثلاث؛ أي البرنامج الترفيهيّ والإعلاميّ في الوقت ذاته، والتربويّ والترفيهيّ في آنٍ واحد». من المحتمل جدًّا أن يكون هذا الرأي مقبولًا، ويحظى بإجماع في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن اليوم تداخلت هذه الفئات الثلاث، وأضحى من الصعوبة بمكان فصل الترفيه والإعلام والتربية عن التسلية.

ثقافة تلفزيونية أم برامج ثقافية؟

بين اليأس من مساهمة التلفزيون في خدمة الثقافة؛ لسماته التي تتعارض مع مفهوم الثقافة حسبما ذهب إليه أنصار الثقافة العالِمة، والتعامل مع كل ما يبثّه على أساس أنه ثقافة مثلما يؤكّد الأنثربولوجيون؛ اتّجه كثير من الدول إلى إنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة في الثقافة، ومن المحتمل أن تكون آخرها قناة روسيا الثقافية، التي قال عنها رئيس تحرير مجلة «فن السينما» دانيل دوندوري: إنها بمنزلة مطعم رفيع يقدم وجبات غذائية جيّدة خلافًا للقنوات التلفزيونية العامة الأخرى، التي تعدّ شبيهة بمطاعم «ماكدونالدز» التي تتميز بأكلاتها الاصطناعية غير اللذيذة والمضرّة بالصحة. لكن هناك من يأخذ على القنوات التلفزيونية الثقافية أنها لا تستقطب جمهورًا عريضًا، وأن متابعي برامجها محدود جدًّا. فمجمل مشاهدي القناة المذكورة لا يتجاوز 5 % من مجمل مشاهدي التلفزيون في روسيا.

تنخفض هذه النسبة لدى جمهور القناة الفرنسية – الألمانية «آرتي» الثقافية ليصل إلى 3 % فقط. إنه المأخذ الذي حدا الباحثَ الفرنسيَّ «دومنيك ولتن» على القول: إن هذه القنوات التلفزيونية الثقافية لا تخدم الثقافة! لقد أكّد أن غاية وجود قناة تلفزيونية متخصّصة في الثقافة ليس محض سدّ حاجة أقلية متميزة من الناس إلى الثقافة، بل يجب أن تعمل على تقريب قطاع واسع من الجمهور من الأعمال الثقافية التي لا يصلها بسُبُل أخرى، وجعلها في متناوله. إذًا إن هذه القنوات التلفزيونية تُبعِد، في نظر هذا الباحث، الثقافةَ من أغلبية مشاهدي التلفزيون؛ لأن قليلًا منهم فقط يتابعها.

وتُبعِد، في الوقت ذاته، متابعيها من بقية المشاهدين؛ أي تحرمهم اقتسام ما يشاهده القسم الأكبر من المشاهدين في القنوات التلفزيونية غير المتخصصة.

إبداع وابتكار وليس بثًّا وتوزيعًا

ربما النظرة إلى علاقة التلفزيون بالثقافة تتغير عما سبق عرضه إذا استخدمنا مفهوم «الثقافة التلفزيونية»، الذي يجعل من التلفزيون أداتَيْ إبداع وابتكار ثقافيين، وليس قناة بث وتوزيع فحسب. في هذا الإطار سعت دول الاتحاد الأوربيّ لفرض مجموعة من القيود القانونية على البثّ التلفزيونيّ، ضمن سياساتها الثقافية. بدأتها بفك الارتباط بين التلفزيون التجاريّ -التابع للقطاع الخاص- والتلفزيون التابع للقطاع العامّ أو الدولة؛ إذ ترى أنه من غير المعقول أن يقدم التلفزيون الذي تموّله خزينة الدولة المضامينَ ذاتها التي يقدمها التلفزيونُ التجاريّ، الذي يعتمد على عائدات الإعلان في تمويله. وإلزام التلفزيون التابع للدولة بتخصيص وقت من بثّ نشرات أخباره للأحداث والتظاهرات الثقافية، وفرض نسبة من الإنتاج التلفزيونيّ الثقافيّ المحليّ المتنوع، ونسبة من بث البرامج الثقافية الأوربية؛ للتخفيف من لجوء القنوات التلفزيونية الأوربية إلى البرامج المستوردة من الدول الأجنبية، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية، مع تنويع مواعيد بثها؛ وعدم إدراجها في الساعات المتأخرة من الليل. وتحديد المدة الزمنية المخصصة لبث الإعلانات؛ سواء أكانت المدة مخصصة للقنوات التجارية أم مخصصة للقنوات التابعة للدولة؛لتحرير القنوات التلفزيونية من قبضة الإعلان، وما يمارسه من ضغوط على نوعية البرامج التلفزيونية وبخاصة الثقافية. وتعتقد دول الاتحاد الأوربيّ أن هذه الإجراءات تشكل الحدّ الأدنى الذي يمكّن التلفزيون من تطوير «الثقافة التلفزيونية».

الثقافة التلفزيونية والفهم المغاير

تختلف نظرة الأنثربولوجيين إلى علاقة التلفزيون بالثقافة عن نظرة الكُتَّاب والمثقفين النقديين؛ إذ يرون أن هذه العلاقة تتوقف على تعريفنا الثقافةَ، فالعالِم البريطانيُّ دين إدوارد تايلور عرّفها عام 1870م بالقول: «إنها الحضارة بمعناها الإنسانيّ الأوسع؛ أي ذلك المُركّب الكُلِّيّ الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوًا في المجتمع». فلو اعتمدنا على هذا التعريف، فالتلفزيون ذاته يتحوّل إلى مؤسسة ثقافية، وكل ما ينتجه أو يُقدّمه يندرج تحت الثقافة: برامج الطبخ،والأزياء، والرياضة، والمسابقات، والأفلام، والمسلسلات التلفزيونية، وغيرها؛ لذلك نلحظ أن كثيرًا من الدارسين والباحثين سعَوْا للكشف عن مساهمة المسلسلات التلفزيونية في إعادة بناء الهوية الوطنية، فالباحثة إميلي سياسكا تعاملت مع المسلسلات الأرجنتينية بوصفها مادة ثقافية تسعى لإعادة صياغة هُوِيّة الأرجنتين. والباحث بتراكيم لويس كارلوس بيّن في كتابه الموسوم بـ«وسائل الإعلام والسلطات والهويات» كيفية مساهمة المسلسلات في تشكيل الهوية البرازيلية.

ويمكن النظر إلى تجربة التلفزيون الأستراليّ من هذه الزاوية. لقد تبنّى هذا البلد نظامين للتلفزيون: النظام الأميركيّ، وهو نظام تجاريّ، والنظام البريطانيّ الذي يستند إلى تجربة قناة «بي بي سي» التي تتميّز من غيرها بخضوعها لشروط الخدمة العامة. فقناة إيه بي سي ABC الأسترالية وجّهت مسلسلاتها التلفزيونية في الثمانينيات من القرن الماضي إلى خدمة الذاكرة الشعبية، وتعزيز الشعور الوطنيّ بتاريخ أستراليا. ونعتقد أن بعض المسلسلات العربية التي بثّت في أكثر من فضائية عربية تصبّ في اتجاه تعزيز الذاكرة الجماعية، وتعضيد الهوية الوطنية.