المرأة السعودية.. تحوُّل الفضاء العام أزمة أم فرصة؟

المرأة السعودية.. تحوُّل الفضاء العام أزمة أم فرصة؟

تخطو المرأة السعودية اليوم بحذر وربما ببعض الخوف في طرقات الفضاء العام الذي بدأ أفق منحنياته ‏يلوح قريبًا ومتاحًا وآمنًا. هي لم تعتد على ذلك، وما زالت غير مصدِّقة أنه بإمكانها الخروج من منزلها من ‏دون أن تتلفت حولها ما إن كانت هناك هيئة تراقبها أو شباب يتحرشون بها أو رجل آمر يمنعها ‏تخطِّيَ العتبات المقدسة. فضاء آمن، إلى حد ما، كيف ذاك؟

لقد ضُبط تدخل بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحياة الناس ‏العامة والإبقاء على سلطتهم داخل سياراتهم وهم في مكانهم ابتداءً من 13 إبريل عام (2016م)، ‏وسنّ قانون لمن يتعدى على المرأة ، وإن كان ما زال «ليس» لمن يتحرش بها، لكنه قابل لأن تصل به المرأة إلى ‏الشرطة لتُحاسبه وقد أخذ مفعوله يسري منذ أكتوبر 2013م. فضاء متاح بالتشديد على فتح كل سبل عمل ‏النساء، بفتح مغلق الأبواب والتخصصات. ‏يلوح لها متاحًا أن تتحرك، إلى حد ما، طليقة بحصولها على وثائقها الأساسية الخاصة بها وبأبنائها التي ‏تسمح لها منذ 2014م، على أقل تقدير، السفر داخل الحدود من دون قيود. أتيح لها الوصول إلى بعض المواقع ‏القيادية.. الأميرة ريما بنت بندر التي تحتل اليوم منصب وكيلة رئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي ‏بالمرتبة الخامسة عشرة منذ أغسطس 2016م، وحديث جاد حول كسر «محرّمة» الرياضة عن النساء، لكن ‏وسط كثير من المخاوف والتردد والتصريحات المتضاربة، هل هذا يكفي؟ وتحل دورة جديدة لدخول ‏النساء مجلس الشورى، وبمنتهى الفاعلية تنتهي دورة وتصدر أسماء معيني ومعينات الدورة التالية ‏وينخرط ثلاثون امرأة، ثلثاهن لأول مرة، إلى عضوية مجلس الشورى، وينخرطن في التجربة التي أصبح ‏لها تاريخ، وأصبح لهن بها من ينقل إليهن تجربة وخبرة من شوريات سابقات وشوريات جُدد لهن، ولكن ‏كما نعلم، الكوتا غير كافية والتجربة بحاجة لتوسعة وتمثيل حقيقي. ‏

وتأتي رؤية 2030م لتنشر آمالًا ووعودًا للنساء بالعمل والتعليم والمشاركة في اتخاذ القرار وسط إدراك ‏الحالة الصعبة؛ إذ تضع إحصاءات مشاركة المرأة  السعودية في المرتبة 141 من 144 ‏على مستوى الفجوة بين الجنسين في تقرير دافوس الدولي لعام 2016م على سبيل المثال. ‏فأين الطريق اليوم؟ فجأة وجدت المرأة نفسها وهي تُدعى إلى المناسبات العامة، والاحتفالات الوطنية، و‏الثقافية والترفيهية، بل إلى حفلات الغناء، بعد أن كنا نتدارى في مناسبات الجنادرية من تسرب صوت ‏دق الدفوف من قاعة النساء في أثناء أيام النساء التي قد تصل إلى مسامع رجال الهيئة المرابطين على مداخل ‏القرية وقاعة الاحتفالات في تجريم لاستماع النساء للموسيقا وحرمانهن من حضور الأوبريت في تلك ‏الأيام من التسعينيات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة. ‏

اليوم غير.. هناك تغيرًا ما في الأجواء، هو تحول، لكن كيف له أن يستوعب كل القيود وقرون التفرقة ‏والتمييز وأشكال الحصار الاجتماعي والنظامي المفروضة على النساء؟ التحدي كبير والتردد قائم ‏والمصالح شتى، فعلى الرغم من أن المطالب الاجتماعية لا تفتأ تطالب بالتغيير وبإعطاء النساء مساحة ‏كبيرة في المجتمع، في العمل وفي اتخاذ القرار، فإن الاستجابة كانت وما زالت مترددة، وتعتقد أنها ‏بترددها تكسب وقتًا ووجاهةً، في حين أنها في الواقع تهدر الكثير. لكن السلطة هي التي بيدها القرار، سلطة ‏الدولة هي التي يصدر عنها كل تغيير، هي التي تأمر وتنهى، وتعطي وتمنع، وبوسعها أن تجعل من ‏هذا التحول واقعًا بقرار وليس برضى اجتماعي. ‏والمطلوب معروف ولا يُعرَّف.. المطلوب تغيير في القوانين وجعلها أمرًا واقعًا.. المطلوب رفع سيطرة ‏الولي على مقدرات النساء والاعتراف بأهليتهن القانونية على كل المستويات الرسمية والنظامية.. ‏المطلوب رفع القيد عن حركة المرأة وجعلها مسؤولة عن نفسها وعن مقدراتها.. عن مركبتها وعن ‏طائرتها، وتحتاج الدولة أيضًا إلى سنّ قوانين جادة تجرِّم التحرش، فدولة المستقبل هي دولة ‏المؤسسات والقانون والحريات. ‏