موسيقيون شبان يجربون إيقاعات شرقية وغربية

موسيقيون شبان يجربون إيقاعات شرقية وغربية

نداء-أبو-علي

نداء أبو علي

ما بين غياب مؤسساتي ورفض مجتمعي، يسقط الموسيقيون السعوديون في هوّة الاستنكار أو عدم التقدير؛ ما يفضي إلى إحباطات مستمرة، ومحاولات مستميتة تتطلب حفرًا بالأظافر في محاولة لإيجاد أي طريق نحو النجاح، من دون وجود ملامح تصلح لإعطاء أي قبس من الأمل بأن هناك مستقبلًا وتشجيعًا للفن والموسيقا. إنه بمثابة عزف في الظلام، أشبه بمن يصيح بأعلى صوته في فناء يرفض من بداخله الإنصات إلى أي صوت.

في كتاب المفكر والكاتب العراقي علي الشوك: «أسرار الموسيقا»، يقتبس مقولة جون بارو: «لقد وجدت حضارات بلا رياضيات، حضارات بلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة، لكن لم توجد حضارة بلا موسيقا». وقد وجد علي الشوك أن الموسيقا ليست نتاج الطبيعة، بل هي من اجتراح الإنسان.

على الرغم من الضعف المؤسساتي في احتضان المواهب الموسيقية أو تعليم الموسيقا عبر المعاهد، يظهر قبس من الاهتمام، عبر جمعيات الثقافة والفنون، كتنظيم الجمعية في الرياض برامج تدريبية ودورات عن المقامات الموسيقية لأول مرة في عام 2012م، وذلك بعد خمس وعشرين سنة من حظر للموسيقا في الجمعية، يتم تعليم العزف على آلة العود والكمان، بهدف دعم المواهب الموسيقية.

موسيقيون-شبان-يجربون-إيقاعات-شرقية-وغربية-٤

بروفيسور أميركية توثق غناء الحجاز

الضعف المؤسساتي يمتد ليصل إلى الافتقار في توثيق ورصد الموسيقا وإبراز الموسيقيين، بدءًا بالتراث والموسيقا الشعبية بشكل أكاديمي دقيق، وانتهاء بالحقبة الحالية التي تكتنفها العشوائية؛ ما يضيع محاولات تتبع ودراسة التطور الموسيقي. في عام 2012م، قامت البروفيسور ليزا أركوفيتش المختصة بالتراث والموسيقا في جامعة بوسطن بزيارة لجمعية الثقافة والفنون بجدة لحضور فعالياتها، ومن ثم قامت بتوثيق للفلكلور الغنائي الحجازي؛ لوضعه في متحف للتراث العالمي في الولايات المتحدة الأميركية الذي يحوي أغلب التراث الإنساني الدولي.

وإذا كان محترفو الموسيقا في الآونة الأخيرة ماهرين في مواكبة العصر، سواء عبر استقاء تقنيات الموسيقا العالمية أو عبر استخدام أفضل الطرائق الإلكترونية للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين، إلا أن ذلك لا ينفي حدوث تراجع وتدهور الذائقة للموسيقا، وغياب تلك المرحلة التي كان فيها استخدام الأغاني بالصور الشعرية الرفيعة المستوى. أصبحت الموسيقا تبحث عن استقطاب جماهيري كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكّن أي شخص، وإن لم يكن يمتلك إبداعًا موسيقيًّا فعليًّا- لأن يصدح بالغناء للآخرين، ويجد من يسمعه، بدءًا من الفضاء الإلكتروني أو اقتصارًا عليه.

لقد ظهرت محاولات فردية لسد الفجوة المؤسساتية؛ كإنشاء موقع إلكتروني لرابطة الموسيقيين السعوديين؛ لمناقشة المقامات الشرقية والغربية والسلالم الموسيقية، لضمّ الموسيقيين في السعودية والتثقيف الموسيقي، إلا أن الموقع لم يستمر من دون توضيح الأسباب باستثناء وجود خلل فني في قاعدة البيانات؛ الأمر الذي أدى بالجيل الجديد من محترفي الموسيقا إلى الدراسة على حسابهم الخاص خارج الوطن، وهذا امتداد لما قام به الموسيقيون في السابق، أو الغوص في عوالم الإنترنت، وتلقي الدروس عبر برامج كاليوتيوب، أو التواصل مع الآخرين وبث الموسيقا إلكترونيًّا. أصبح الغناء والعزف عبارة عن اجتهادات فردية، يبرز من خلالها عدد من المحترفين في وسط يتفاوت ما بين إنكار تام للموسيقا، أو غياب للذائقة الموسيقية. أما الطراز الموسيقي فشديد التباين وإن كان هناك ميل نحو الموسيقا الغربية ودمجها بالموسيقا المحلية.

فرق موسيقية تدعو إلى السلام

موسيقيون-شبان-يجربون-إيقاعات-شرقية-وغربية-١في عام 2008م شهدنا تجربة فريدة لفرقة أطلقت على نفسها اسم «الفارابي» أسوة بالفيلسوف أبي نصر الفارابي الذي تضمنت رؤاه اعتقادًا بأن الإنسان استحدث الموسيقا تحقيقًا وإيفاء لفطرته التي تدعوه للتعبير عن أحواله وأن ينشد راحته. فرقة الفارابي التي نبعت من مدينة جدة جاءت نتيجة تجربة موسيقية ما بين مثنى عنبر وضياء عزوني، لتستخدم الموسيقا التجريبية مع اقتباس للأمثال والقصائد العربية القديمة لأبي نواس والمتنبي؛ لتمزج ما بين الموسيقا الشرقية والغربية. غناء هذه الفرقة بالفصحى يجعلك تستمع لأبيات من قصائد لأبي نواس مثلًا، فلا تتعجب من مثل: «سأعطيك الرضا، وأموت غمًّا / وأسكت لا أغمّك بالعتاب».

في الوقت الذي تتناغم فيه الكلمات مع موسيقا تحوي مزيجًا غرائبيًّا من أوتار العود الكهربائي والغيتار الكلاسيكي والبيانو، وذلك دلالة على التأثر بالتجربة الغربية التي جاءت نتيجة دراسة مثنى في نيو أورلينز وضياء في ليفربول. يظهر ذلك التأثر بالتغريب في نماذج سعودية عديدة كقصي خضر، وهو مغنٍّ سعودي مختص بالراب والهيب هوب، ابتدأ طريقه الغنائي حين سافر لاستكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، وتمكن بدءًا من هناك واستكمالًا في مدينة جدة من افتتاح أستوديو، وإنشاء فرقة موسيقية، وإصدار ألبوم موسيقي، فيما يهدف في أغانيه التي تميل للراب إلى نشر السلام.

ومن التجارب الفريدة تجربة الشاب علاء وردي، وهو من أصول إيرانية، ترعرع ودرس في السعودية، ثم انتقل للدراسة الجامعية إلى الأردن ليتعلم التأليف والموسيقا. وقد حاز شعبية في العالمين العربي والتركي، وفي السعودية على وجه الخصوص؛ لاحترافه فن «الأكابيلا» الذي يستعيض فيه عن الآلات الموسيقية بالصوت، كما غرق في العالم الإلكتروني؛ لينشر الموسيقا التي قام بتأليفها وعزفها.

من جهة أخرى، يبزغ محترفون للموسيقا العصرية بدؤوا بتطويرها واحترافها بقالب مختلف؛ كتجربة المنتج والموزع الموسيقي ومنسق الأغاني السعودي عمر باسعد الذي بدأ العزف على الغيتار منذ سن الثانية عشرة، وأكمل دراسته حتى حاز شهادة البكالوريوس في الهندسة الصوتية، وهو يمزج ما بين الموسيقا العربية والغربية الحديثة بطراز «التكنو»، وتم ترشيحه لجائزة «إم تي في» ليعد أول منتج سعودي وعربي يرشح لهذه الجائزة.

مادة-نداء-ابو-علي-علاء

فيما ظهرت فرق هواة تسعى لترويج معانٍ إنسانية كالسلام عبر الموسيقا، كفرقة «نغمة السلام» أو «بيس تون باند»، وقد شاركت في مهرجان الفرق المسرحية في الرياض العاصمة في أكتوبر 2015م. هذه الفرقة تجسد الغرق في بيئة لا تقدر مجال الموسيقا؛ إذ تطرَّق قائد الفرقة علي الشيحة في تصاريح عدة لوسائل الإعلام إلى صعوبة التمرس في مجال الموسيقا في ظل عدم وجود عدد كبير من الفعاليات والمهرجانات الثقافية المرتبطة بالموسيقا. وشددت الفرقة على أزمة غياب المعاهد الموسيقية، واضطرارهم لتعلم دروس الموسيقا من خلال الإنترنت واليوتيوب.

هناك أصوات بدأت تصدح بالغناء في الفضاء الخارجي لتصل إلى النجومية عالميًّا، إلا أن المحاولات تعد فردية وأحيانًا عشوائية؛ لذلك هي في حاجة إلى تقنين كبير، ودعم مؤسساتي وتعليمي لاحتضانها؛ ليتمكن المجتمع من التفريق ما بين الجيد والرديء من الموسيقا، وزيادة الوعي وإدراك فحوى الموسيقا المعبرة، والكلمات العميقة التي تعبر عن الهوية المحلية.

الحملة الإعلامية على السعودية في الصحافة الغربية؛ هل هي ممنهجة؟

الحملة الإعلامية على السعودية في الصحافة الغربية؛ هل هي ممنهجة؟

فضيلة-الجفال

فضيلة الجفال

حين نتحدث عن الهجوم الغربي ضد المملكة، بصفته حملة ممنهجة أو غير ممنهجة، يجب أن نتأكد من كونها «حملة» فعليًّا. الهجوم لا يمكن تعريفه فحسب كهجوم غربي إعلامي عام. هناك الإعلام الأميركي والبريطاني والفرنسي وبقية الإعلام الأوربي، اتفقت أم اختلفت الأسباب وراء ذلك. فإذا شئنا تقسيم الهجوم عامة، فالمسألة قديمة وربما غير ممنهجة كما يمكن أن نراها اليوم. وهو يحدث بشكل روتيني مع كل زيارات الرؤساء الغرب الرسمية للمملكة، الأميركيين والأوربيين والبريطانيين، ومن تلك الزيارات زيارة الأمير تشارلز الأخيرة للمملكة، وزيارات أوباما، أو حتى أولاند. والقضايا هي نفسها متكررة ومعروفة؛ مثل: قضايا الحقوقيين المثارة، وقضايا معتقلين في أمور تتصل بالرأي والدين والحريات، وبالطبع ملف حقوق المرأة وغير ذلك، حتى إنه حين ظهرت سيدة سعودية تتحدث في مجلس الأمن حول إسرائيل، انبرى بعض الغرب ومن بينهم إسرائيليون، في السخرية بإظهار صور إسرائيليات يقدن مقاتلات F16 والتعليق أسفل الصور: «تقود الإسرائيليات F16 أكثر مما تقود السعوديات سيارة».

على سبيل المثال، كانت ردة فعل الصحافة الغربية وبخاصة البريطانية تجاه قضية البريطاني المُسنّ في جدة الذي حُكم عليه بـ 350 جلدة محل اهتمام. وعلى الرغم من أن القضية «قانونية» مثل أي قانون في بريطانيا يجب احترامه من الجميع، فإن المسألة كانت متداخلة مع حكم الجلد نفسه لتطبيقه في حق رجل مسن، إذن المسألة هي أن بعض الأحكام المبنية على الشريعة الإسلامية توصف –من وجهة نظر بعض الغربيين- بأنها أحكام قمعية وقروسطية تهدر حقوق الإنسان، وبخاصة مع تواتر الأخبار والتغطيات حول قصصنا المحلية التي لطالما كانت مادة خصبة للصحافة العالمية طوال العام، وغالبًا ما يكون سببها شخصيات متشددة من الداخل تحارب أي نزعة انفتاح أو حقوق للمرأة في المملكة. هناك صورة نمطية حول المملكة؛ بسبب ملفات بسيطة يمكن وصفها بالتافهة؛ لأنها تستهلك من سمعة المملكة الكثير بلا طائل.

في العامين الأخيرين، غطّت الصحافة البريطانية قضايانا المثيرة باهتمام شديد، المسألة ليست الأخبار والتقارير المتعلقة بحدث؛ إذ لم توفر الصحافة البريطانية مقاطع فيديو أشبه بالتعليمية، وبعناوين تلقت تفاعلًا جماهيريًّا مثل: لقد عرفنا خمسة أشياء عن السعودية هذا الأسبوع: المرأة السعودية، وولي أمرها… إلخ. بطبيعة الحال لا يمكن أن نختلف في أن دول الغرب متقدمة من حيث الحريات وحقوق الإنسان. والصحافة منابر حرة مشاكسة وينبغي في عامة الأحوال ألّا نتابع ذلك بحساسية مفرطة، لكن الأوضاع السياسية الراهنة وتداعياتها بطبيعة الحال مختلفة جدًّا.

شفافية تصل إلى حد الفضائح

وعادة ما تتناول الصحف قضايا الدول عامة بشفافية تصل إلى حد الفضائح وكشف الأوراق، مثل عنصرية في أميركا، وفضائح سياسية في بريطانيا وويكيليكس ووثائق بنما وغيرها، فالصحافة الغربية حرة، لكن ذلك لا يؤثر سلبيًّا في صورة أميركا أو بريطانيا كدولتين عظميين. لكن التناول المتهكم والممنهج يصنع صورة عامة من الصعوبة التخلص منها، كما أن لها بطبيعة الحال أبعادًا سياسية. ووسائل الإعلام تتبنى الهجوم الخاص على المملكة مؤخرًا لنفس الأسباب المتكررة مع تحديث أسباب جديدة، منها حرب اليمن، دون أدنى اعتبار للأهمية الجيوسياسية للمملكة، وباقي ملفات الشرق الأوسط الساخنة، وبالطبع موضوع النفط الشائك، والعلاقات الأميركية، وصفقات الأسلحة، وليس موضوع ربط السعودية بإرهاب 11 سبتمبر من خلال قضية الـ28 ورقة من التقرير، سوى مناورة سياسية إعلامية أيضًا. وبالتالي فهذا النوع من الهجوم يأتي إما من صحافة مدفوعة ومأجورة من قبل سياسات لها أهداف وتمارس ضغطًا معينًا لأسباب ما، أو دول لها مصالح في استمرار الهجوم على المملكة كإيران، أو لأسباب حقوقية من قبل المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية وجماعات حقوق الإنسان… إلخ.

بالإمكان تحديد الصحف الأكثر هجومًا على المملكة من خلال متابعة التغطيات الخبرية وغير الخبرية. واللافت ليس الهجوم الإعلامي فحسب، بل تأثيره أيضًا في السياسات، مثال على ذلك حينما ألغت بريطانيا عقدًا لتدريب موظفي مصلحة السجون السعودية بعد هجوم إعلامي، ربما كان منظمًا. كذلك وكجزء من هجوم الصحافة البريطانية، نشرت الإندبندنت والغارديان مقالات هجومية مختلفة واصفة السعودية بعدوّ حقيقي للغرب، وبأن سياسة العداء مع إيران لا تخدم المجتمع الدولي، منتقدة سياسة إدارة كاميرون في بيع الأسلحة للسعودية. وذلك على الرغم من وجود بعض المقالات القليلة الداعمة للعلاقات مع المملكة، كمقال نشر في ديلي تليغراف ذات التوجه السياسي المحافظ على سبيل المثال.

والهجوم الواسع الذي يشنه أغلب الإعلام الأميركي ضد المملكة مؤخرًا، يدفع أحيانًا إلى التساؤل عما إذا كان البيت الأبيض يقف خلف ذلك، لا سيما من جهات إعلامية مقربة من البيت الأبيض. مثال على ذلك نيويورك تايمز، التي تمارس هجومها بشكل مستمر وواضح، فقد دبجت افتتاحية متبوعة بسلسلة مقالات لكتاب من بينهم إيرانيون إبان إعدام نمر النمر. لذا فالهجوم المنظم والمخصص في تغطيات على CNN الأميركية وBBC البريطانية وRT الروسية في موضوع إعدام نمر النمر من بين الإرهابيين ليس اعتراضًا على مسألة حقوقية وإنسانية كما يُزعم، إنما هو استثمار في القضية سياسيًّا، وذلك في تجاهل متعمّد لثبوت تورط إيران في دعم مجموعة من التنظيمات الإرهابية. وكذلك الأمر في صحيفة واشنطن بوست، ومن بين ذلك ما كتبه نائب رئيس التحرير نفسه.

الجدير بالذكر أن التنسيق بين فريق إدارة أوباما واللوبي الإيراني ومناهضي الحرب على العراق حشد الإعلام لحث الكونغرس على القبول بالاتفاقية النووية مع إيران، لدرجة استعراض صارخ لتحسين صورة إيران من قبل الإعلام الأميركي قبل توقيع الاتفاقية وإبانها. وقد يكون هذا الهجوم جزءًا من ثمن الاتفاق النووي مع إيران. وهذا يشير إلى حجم هجوم مؤسسات العلاقات العامة المتعاونة مع الصحف وكتابها ضد السعودية، والذي بدا واضحًا بالتزامن مع هجوم الإيرانيين على سفارة السعودية وقنصليتها في إيران.

ولم يكن نشر صحيفة نيويورك تايمز مقالًا لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يهاجم فيه المملكة سوى جزء من بين كم من المقالات التي تلمع إيران على حساب السعودية، وقد حدث ونشر على إثرها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في نفس الصحيفة ردًّا على الهجوم. وليست المقالات فحسب، فبمتابعة بسيطة نرى حجم التعليقات التفاعلية أسفل المقالات والتي تمتلئ بشكل لافت بردود ضد المملكة، وتبقى في الصدارة بين الردود بفلترة على موقع الصحيفة كآراء مرشحة. وبعد أحداث باريس الإرهابية نشرت صحيفة لوموند مقالًا يدعو الغرب لقطع علاقاته مع السعودية، بوصفها «أهم أسباب انتشار التطرف الإسلامي». ولا يعمل الإعلام بطبيعة الحال بمعزل عن مراكز الأبحاث، يتصدرهم في ذلك ولي نصر وتريتا بارسي وباربرا سلافين ولورا روزن وغيرهم. وقد نشرت فايننشال تايمز مقالًا للكاتب اليهودي جدعون راشمان، وهو المعلق في الشؤون الخارجية، اعترف فيه صراحة بتصاعد الهجوم الإعلامي والسياسي الغربي ضد المملكة. في المقابل هناك أصوات مؤيدة لمواقف الرياض تجاه إيران خصوصًا من اليمين الأميركي المعارض لأوباما، وقد كتبوا في وسائل عدة مثل: لي سميث في ويكلي ستاندرد وفيليب سميث في فورين بوليسي.

أميركا وسياسة المملكة النفطية

أمام كل السياسات الخارجية والداخلية المذكورة، لا ننسى عاملًا مهمًّا وحيويًّا في الهجوم، وهو سياسة السعودية الاقتصادية في النفط، وتأثير ذلك سلبيًّا في استثمار النفط الصخري الأميركي ونفط القطران الكندي. كما أن تأثر اقتصاد المملكة يؤثر بطبيعة الحال في حجم استثماراتها في أميركا؛ الأمر الذي أخرج كثيرًا من التقارير التي تروّج انهيار السعودية واقتصادها، وقد سخر البريطاني أليستر سلون في مقال على موقع ميدل إيست مونيتور من خبر في برنامج News Night على BBC، حذر فيه محرر البرنامج للشؤون الدبلوماسية والدفاع مارك أوربان من أن اقتصاد السعودية بات على وشك الانهيار قبل نهاية العام؛ إذ أشار في إحدى شرائح العرض التي قدمها إلى أن احتياطي السعودية النقدي قد تراجع إلى 650 مليار دولار أميركي؛ «أتعرفون كم هو احتياطي المملكة المتحدة؟ إنه عشر ذلك المبلغ، وما هي نسبة الاقتراض إلى الناتج المحلي الإجمالي؟ إنها 90%. أما بالنسبة للسعودية، فذلك الرقم يحوم حول نسبة 2%، وهي أقل نسبة اقتراض بالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم.. آل سعود أكثر شعبية بكثير مما يصوره الإعلام الغربي، وهذا ليس دفاعًا ولا كذبًا».

في المحصلة، إنها دعوة إلى مراجعة جادة لإستراتيجيتنا الإعلامية، والعمل على خلق توازن لدى الرأي العام الغربي، بوساطة «صقور» لها كاريزما وثقة وقدرة على الاتصال. قائمة الاتهامات في هذا الهجوم ليست قصيرة، وهي في المحصلة تنميط للسياسة السعودية والأسرة الحاكمة والشعب؛ من اتهام بنشر التطرف وتمويله ونشر الطائفية. ويمكن لكائن من كان أن يهاجم السعودية من دون سؤال عن موقف الكاتب السياسي، بل الأمر أشبه بصناعة كراهية ممنهجة عمياء. الجبهة الإعلامية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية. ويبقى جانب من المسألة يتجاوز توضيح وجهات نظرنا للغرب إلى تغيير بعض الجوانب التي تختص بالسياسات الداخلية؛ كالانفتاح، وملف حقوق المرأة على سبيل المثال، وذلك قبل جهود العلاقات العامة، فالعلاقات العامة تقابلها سياسات وحملات علاقات عامة شديدة الهجوم. ونعوّل كثيرًا على الرؤية الحكيمة التي تسير في سبيل إحداث التغيير المأمول، وتعمل على خلق صورة عالمية أفضل؛ وهي إجمالًا مهمة أشبه بمن يمشي في حقل ألغام.

الحياة ليست صديقة للجميع

الحياة ليست صديقة للجميع

لديها جدارٌ أثير تسحبه خلفها ككلب منزليّ كلما اضطرت إلى الخروج. تحب لعزلتها أن تكون ثابتة، صارمة، ولا مجال لتخطيها. تقيس المسافات بعناصر التجهّم الأولية؛ بعدد المرّات التي كشّرت فيها، والتي زمّت شفتيها فيها، والتي أرسلت فيها بصرها بنظرة معدنية ثابتة على نقطة وهمية في الفراغ. تفزع من كلمة «مرحبًا»؛ لأن لها جدار مهابة قصيرًا يمكن القفز فوقه بسهولة، وتخشى الضلوع في مشاهد الحياة اليومية التي فقدتْ منطقيتها كأن هناك مَن جمع كلّ الكلمات المطموسة في المسوّدات وألقى بها وسط الحوار، وتخشى -أيضًا- التعثّر في خيوط الكلام، والنظرات الملفوفة بين الناس. داخل كل هذا الصخب، هي كالليل الذي مهما غمرناه بالمصابيح، يبقى هادئًا ينجز فكرته.

تكتفي حياتها بوحداتها الصغيرة، وبهيكلها الخالي من الزوائد. هذه الصيغة الأولية للحياة تبدأ دائمًا من حيث بدَأتْ. وعلى عكس المعتاد، تؤمن بأنـه عندما تتسع الحـياة، يضيق النفس؛ لذلك تعيش الحياة بمفهوم الشذرة؛ أي خوض تجربة يتيمة موجزة ذاتية مضغوطة وبلا طموح، وتنتهي بحكمة كما لو كانت مرحلة طويلة وغنية مـن التـعـاطي مـع وضع أو شخص. ثـمّ ترتب هذه الخلاصات (الحياتية) فيما يشبه دليل المستخدم لشدّة إيمانها بفاعليتها ودقتها.

بقيت وحيدة دائمًا؛ لأنها لم تنسَ عبارة مفزعة لصديقتها: أن تكوني أمّا، أن يقدر أصغر أمر على إخافتك. الصديقة التي سألتها مرّة لمَ لم تسمعها قط تشتكي من سوء يومها، فردّت بأنها لا تحب عبارة «أفّ.. هذا يوم سيّئ»؛ لأنها تفترض أن بقية الأيام ليست كذلك. عندما يزورها الحظ في لحظات نادرة لا تكون مستعدة، وتركله حتى تصادفه في يوم آخر. وتعتقد أنه في النهاية ليس سيئًا أن يكون لأيامك نفس القافية.

تجهز جملتها الأخيرة، جملة قصيرة ونافذة؛ لأن هذا العالم المتروك كنسخة تجريبية تعمل في الكون بلا أي محاولة لتفادي الأخطاء، يقودنا إلى الحافَة، حيث لن يتبقى لدينا هناك وقت كثير للكلام.