موسيقيون شبان يجربون إيقاعات شرقية وغربية

موسيقيون شبان يجربون إيقاعات شرقية وغربية

نداء-أبو-علي

نداء أبو علي

ما بين غياب مؤسساتي ورفض مجتمعي، يسقط الموسيقيون السعوديون في هوّة الاستنكار أو عدم التقدير؛ ما يفضي إلى إحباطات مستمرة، ومحاولات مستميتة تتطلب حفرًا بالأظافر في محاولة لإيجاد أي طريق نحو النجاح، من دون وجود ملامح تصلح لإعطاء أي قبس من الأمل بأن هناك مستقبلًا وتشجيعًا للفن والموسيقا. إنه بمثابة عزف في الظلام، أشبه بمن يصيح بأعلى صوته في فناء يرفض من بداخله الإنصات إلى أي صوت.

في كتاب المفكر والكاتب العراقي علي الشوك: «أسرار الموسيقا»، يقتبس مقولة جون بارو: «لقد وجدت حضارات بلا رياضيات، حضارات بلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة، لكن لم توجد حضارة بلا موسيقا». وقد وجد علي الشوك أن الموسيقا ليست نتاج الطبيعة، بل هي من اجتراح الإنسان.

على الرغم من الضعف المؤسساتي في احتضان المواهب الموسيقية أو تعليم الموسيقا عبر المعاهد، يظهر قبس من الاهتمام، عبر جمعيات الثقافة والفنون، كتنظيم الجمعية في الرياض برامج تدريبية ودورات عن المقامات الموسيقية لأول مرة في عام 2012م، وذلك بعد خمس وعشرين سنة من حظر للموسيقا في الجمعية، يتم تعليم العزف على آلة العود والكمان، بهدف دعم المواهب الموسيقية.

موسيقيون-شبان-يجربون-إيقاعات-شرقية-وغربية-٤

بروفيسور أميركية توثق غناء الحجاز

الضعف المؤسساتي يمتد ليصل إلى الافتقار في توثيق ورصد الموسيقا وإبراز الموسيقيين، بدءًا بالتراث والموسيقا الشعبية بشكل أكاديمي دقيق، وانتهاء بالحقبة الحالية التي تكتنفها العشوائية؛ ما يضيع محاولات تتبع ودراسة التطور الموسيقي. في عام 2012م، قامت البروفيسور ليزا أركوفيتش المختصة بالتراث والموسيقا في جامعة بوسطن بزيارة لجمعية الثقافة والفنون بجدة لحضور فعالياتها، ومن ثم قامت بتوثيق للفلكلور الغنائي الحجازي؛ لوضعه في متحف للتراث العالمي في الولايات المتحدة الأميركية الذي يحوي أغلب التراث الإنساني الدولي.

وإذا كان محترفو الموسيقا في الآونة الأخيرة ماهرين في مواكبة العصر، سواء عبر استقاء تقنيات الموسيقا العالمية أو عبر استخدام أفضل الطرائق الإلكترونية للوصول إلى أكبر عدد من المتابعين، إلا أن ذلك لا ينفي حدوث تراجع وتدهور الذائقة للموسيقا، وغياب تلك المرحلة التي كان فيها استخدام الأغاني بالصور الشعرية الرفيعة المستوى. أصبحت الموسيقا تبحث عن استقطاب جماهيري كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكّن أي شخص، وإن لم يكن يمتلك إبداعًا موسيقيًّا فعليًّا- لأن يصدح بالغناء للآخرين، ويجد من يسمعه، بدءًا من الفضاء الإلكتروني أو اقتصارًا عليه.

لقد ظهرت محاولات فردية لسد الفجوة المؤسساتية؛ كإنشاء موقع إلكتروني لرابطة الموسيقيين السعوديين؛ لمناقشة المقامات الشرقية والغربية والسلالم الموسيقية، لضمّ الموسيقيين في السعودية والتثقيف الموسيقي، إلا أن الموقع لم يستمر من دون توضيح الأسباب باستثناء وجود خلل فني في قاعدة البيانات؛ الأمر الذي أدى بالجيل الجديد من محترفي الموسيقا إلى الدراسة على حسابهم الخاص خارج الوطن، وهذا امتداد لما قام به الموسيقيون في السابق، أو الغوص في عوالم الإنترنت، وتلقي الدروس عبر برامج كاليوتيوب، أو التواصل مع الآخرين وبث الموسيقا إلكترونيًّا. أصبح الغناء والعزف عبارة عن اجتهادات فردية، يبرز من خلالها عدد من المحترفين في وسط يتفاوت ما بين إنكار تام للموسيقا، أو غياب للذائقة الموسيقية. أما الطراز الموسيقي فشديد التباين وإن كان هناك ميل نحو الموسيقا الغربية ودمجها بالموسيقا المحلية.

فرق موسيقية تدعو إلى السلام

موسيقيون-شبان-يجربون-إيقاعات-شرقية-وغربية-١في عام 2008م شهدنا تجربة فريدة لفرقة أطلقت على نفسها اسم «الفارابي» أسوة بالفيلسوف أبي نصر الفارابي الذي تضمنت رؤاه اعتقادًا بأن الإنسان استحدث الموسيقا تحقيقًا وإيفاء لفطرته التي تدعوه للتعبير عن أحواله وأن ينشد راحته. فرقة الفارابي التي نبعت من مدينة جدة جاءت نتيجة تجربة موسيقية ما بين مثنى عنبر وضياء عزوني، لتستخدم الموسيقا التجريبية مع اقتباس للأمثال والقصائد العربية القديمة لأبي نواس والمتنبي؛ لتمزج ما بين الموسيقا الشرقية والغربية. غناء هذه الفرقة بالفصحى يجعلك تستمع لأبيات من قصائد لأبي نواس مثلًا، فلا تتعجب من مثل: «سأعطيك الرضا، وأموت غمًّا / وأسكت لا أغمّك بالعتاب».

في الوقت الذي تتناغم فيه الكلمات مع موسيقا تحوي مزيجًا غرائبيًّا من أوتار العود الكهربائي والغيتار الكلاسيكي والبيانو، وذلك دلالة على التأثر بالتجربة الغربية التي جاءت نتيجة دراسة مثنى في نيو أورلينز وضياء في ليفربول. يظهر ذلك التأثر بالتغريب في نماذج سعودية عديدة كقصي خضر، وهو مغنٍّ سعودي مختص بالراب والهيب هوب، ابتدأ طريقه الغنائي حين سافر لاستكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، وتمكن بدءًا من هناك واستكمالًا في مدينة جدة من افتتاح أستوديو، وإنشاء فرقة موسيقية، وإصدار ألبوم موسيقي، فيما يهدف في أغانيه التي تميل للراب إلى نشر السلام.

ومن التجارب الفريدة تجربة الشاب علاء وردي، وهو من أصول إيرانية، ترعرع ودرس في السعودية، ثم انتقل للدراسة الجامعية إلى الأردن ليتعلم التأليف والموسيقا. وقد حاز شعبية في العالمين العربي والتركي، وفي السعودية على وجه الخصوص؛ لاحترافه فن «الأكابيلا» الذي يستعيض فيه عن الآلات الموسيقية بالصوت، كما غرق في العالم الإلكتروني؛ لينشر الموسيقا التي قام بتأليفها وعزفها.

من جهة أخرى، يبزغ محترفون للموسيقا العصرية بدؤوا بتطويرها واحترافها بقالب مختلف؛ كتجربة المنتج والموزع الموسيقي ومنسق الأغاني السعودي عمر باسعد الذي بدأ العزف على الغيتار منذ سن الثانية عشرة، وأكمل دراسته حتى حاز شهادة البكالوريوس في الهندسة الصوتية، وهو يمزج ما بين الموسيقا العربية والغربية الحديثة بطراز «التكنو»، وتم ترشيحه لجائزة «إم تي في» ليعد أول منتج سعودي وعربي يرشح لهذه الجائزة.

مادة-نداء-ابو-علي-علاء

فيما ظهرت فرق هواة تسعى لترويج معانٍ إنسانية كالسلام عبر الموسيقا، كفرقة «نغمة السلام» أو «بيس تون باند»، وقد شاركت في مهرجان الفرق المسرحية في الرياض العاصمة في أكتوبر 2015م. هذه الفرقة تجسد الغرق في بيئة لا تقدر مجال الموسيقا؛ إذ تطرَّق قائد الفرقة علي الشيحة في تصاريح عدة لوسائل الإعلام إلى صعوبة التمرس في مجال الموسيقا في ظل عدم وجود عدد كبير من الفعاليات والمهرجانات الثقافية المرتبطة بالموسيقا. وشددت الفرقة على أزمة غياب المعاهد الموسيقية، واضطرارهم لتعلم دروس الموسيقا من خلال الإنترنت واليوتيوب.

هناك أصوات بدأت تصدح بالغناء في الفضاء الخارجي لتصل إلى النجومية عالميًّا، إلا أن المحاولات تعد فردية وأحيانًا عشوائية؛ لذلك هي في حاجة إلى تقنين كبير، ودعم مؤسساتي وتعليمي لاحتضانها؛ ليتمكن المجتمع من التفريق ما بين الجيد والرديء من الموسيقا، وزيادة الوعي وإدراك فحوى الموسيقا المعبرة، والكلمات العميقة التي تعبر عن الهوية المحلية.

وسائل التواصل الاجتماعي تلغي نخبوية الأدب وتصنع  نجومية الشباب

وسائل التواصل الاجتماعي تلغي نخبوية الأدب وتصنع نجومية الشباب

نداء-ابوعليتهافت‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ،‭ ‬خصوصًا‭ ‬فئة‭ ‬الشباب،‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬تأثيره‭ ‬في‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬المعلومة‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت،‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مواراة،‭ ‬بل‭ ‬تخطَّى‭ ‬ذلك‭ ‬لِينالَ‭ ‬من‭ ‬وهج‭ ‬الصحف‭ ‬والكتب‭ ‬الورقية،‭ ‬ويخفّف‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬دورها‭ ‬تدريجيًّا‭ ‬لمصلحة‭ ‬النشر‭ ‬الإلكترونيّ‭.‬ باتت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ؛‭ ‬مثل‭:‬ «تويتر»،‭ ‬و«فيسبوك»،‭ ‬والمدوّنات‭ ‬الشخصية،‭ ‬منفذًا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬بصورة‭ ‬مختصرة،‭ ‬تأسر‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الإسهاب‭ ‬في‭ ‬الوصف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينزح‭ ‬إليه‭ ‬قُرَّاء‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد،‭ ‬من‭ ‬بحث‭ ‬عن‭ ‬الاختصار،‭ ‬والأسلوب‭ ‬السلس‭ ‬اللافت‭ ‬للانتباه؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يثقل‭ ‬كاهل‭ ‬الكاتب‭ ‬التقليديّ،‭ ‬ويبعده‭ ‬بمساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬عن‭ ‬القارئ‭ ‬الحديث؛‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬الانغمار‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الجديد،‭ ‬وتأليف‭ ‬الكتب‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬مثل‭ ‬كِتاب‭ ‬الكاتب‭ ‬والصحافي‭ ‬السعوديّ‭ ‬عبدالله‭ ‬المغلوث‭ ‬«تغريد‭ ‬في‭ ‬السعادة‭ ‬والتفاؤل‭ ‬والأمل»‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬فيه‭ ‬استخدامه‭ ‬التغريدات‭ ‬بوصفها‭ ‬بذورًا‭ ‬لمقالات‭ ‬مطولة،‭ ‬حين‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬إحباط‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬بأنواعها‭.‬

فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬التقليدية‭ ‬تواجه‭ ‬حاليًا‭ ‬سرقة‭ ‬لمكانتها‭ ‬بوساطة‭ ‬ثورة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ،‭ ‬التي‭ ‬تتَّجه‭ ‬صوب‭ ‬الاختصار‭ ‬التدريجيّ،‭ ‬والابتعاد‭ ‬من‭ ‬الورقيّ،‭ ‬فإن‭ ‬ثورة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬أعطتْ‭ ‬فرصة‭ ‬أكبر‭ ‬لظهور‭ ‬الكُتَّاب‭ ‬الشباب‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬مع‭ ‬امتلاكهم (‬الكاريزما)‬، ‬والأدوات‭ ‬المناسبة‭ ‬لخوض‭ ‬التجربة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬بالثقافة‭ ‬العنكبوتية،‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬تسويق‭ ‬أعمالهم،‭ ‬والتواصل‭ ‬المباشر‭ ‬والسريع‭ ‬مع‭ ‬القُراء‭. ‬

عالَم‭ ‬المدوَّنات‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬التجارب‭ ‬الشخصية

التدوين‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬عام ‭‬2004م،‭ ‬واشتعل‭ ‬لهيبه‭ ‬ليصبح‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الشعبيّ،‭ ‬الذي‭ ‬يكتسب‭ ‬بوساطته‭ ‬أشخاص‭ ‬عاديّون،‭ ‬وجدوا‭ ‬مساحة‭ ‬للتنفيس‭ ‬والبوح‭ ‬بالقلق‭ ‬الحياتي،‭ ‬نجوميةً‭ ‬فاقت‭ ‬تصوُّرهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العهد،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬المدونات‭ ‬التي‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬قدرًا‭ ‬استحالت‭ ‬بوساطته‭ ‬إلى‭ ‬كُتُب‭ ‬جرى‭ ‬نشرُها،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬عام ‭‬2008م‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬مدونات‭ ‬لشابات‭ ‬مصريات؛‭ ‬أولهن‭ ‬غادة‭ ‬عبدالعال‭ ‬في‭ ‬مدونتها‭ ‬التي‭ ‬استحالت‭ ‬إلى‭ ‬رواية‭ ‬«عايزة‭ ‬أتجوز»‭ ‬التي‭ ‬باحت‭ ‬فيها‭ ‬بأسلوب‭ ‬ساخر‭ ‬ذكي‭ ‬بهموم‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتزوج‭ ‬بعد،‭ ‬ومحاولتها‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬مجتمع‭ ‬محافظ‭ ‬يقدّس‭ ‬الارتباط‭ ‬ويبحث‭ ‬عنه؛‭ ‬وقد‭ ‬دفع‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهيريّ‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬تحولها‭ ‬لمسلسل‭ ‬تلفزيونيّ‭ ‬مشهور،‭ ‬ونشرتْ‭ ‬غادة‭ ‬محمد‭ ‬محمود‭ ‬كتابها‭ ‬بعنوان‭ ‬«أما‭ ‬هذه‭ ‬فرقصتي‭ ‬أنا»‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬مدونة‭ ‬إلكترونية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مدوَّنة‭ ‬رحاب‭ ‬بسام‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬كتاب‭ ‬«أرز‭ ‬باللبن‭ ‬لشخصين»،‭ ‬وتفاوتت‭ ‬المدونات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬وصف‭ ‬لأحداث‭ ‬شخصية‭ ‬ومواقف‭ ‬حياتية‭ ‬يومية،‭ ‬وقصص‭ ‬قصيرة‭ ‬بأسلوب‭ ‬يجذب‭ ‬الانتباه؛‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكترونيّ‭ ‬متنفسًا‭ ‬وهوسًا‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬الحريصين‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬خاصة؛‭ ‬ليظهر‭ ‬ذلك‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬شخصنة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬لأشخاص‭ ‬اعتياديين‭ ‬مغمورين‭.‬

ذلك‭ ‬الميل‭ ‬نحو‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬التجارب‭ ‬الشخصية‭ ‬يغلب‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬لفئة‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لاقوا‭ ‬إقبالًا‭ ‬جماهيريًّا‭ ‬صاخبًا؛‭ ‬مثل‭:‬ كتاب‭ ‬«حكايا‭ ‬سعودي‭ ‬في‭ ‬أوروبا»‭ ‬للكاتب‭ ‬عبدالله‭ ‬الجمعة،‭ ‬الذي‭ ‬يُعدّ‭ ‬رصدًا‭ ‬لرحلاته‭ ‬في‭ ‬عدّة‭ ‬دول‭ ‬أوربية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إحدى‭ ‬عشرة‭ ‬قصة،‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬إرباك‭ ‬بسبب‭ ‬تزاحم‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬حفلة‭ ‬توقيعه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دورات‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬بالرياض‭.‬ ويظهر‭ ‬التأثر‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬تقنيات‭ ‬خاصة؛‭ ‬مثل‭ ‬رواية «‬‭#‬إنستا‭_‬حياة»‭ ‬للكاتب‭ ‬المصريّ‭ ‬محمد‭ ‬صادق،‭ ‬الذي‭ ‬تطرَّق‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬اكتشاف‭ ‬أسباب‭ ‬عشرة‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استفتاء‭ ‬في‭ ‬فيس‭ ‬بوك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تشتّت‭ ‬الحبكة،‭ ‬والابتعاد‭ ‬من‭ ‬النسق‭ ‬التقليديّ‭ ‬للرواية‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتحفظ‭ ‬عليه‭ ‬النقّاد،‭ ‬فإن‭ ‬العمل‭ ‬الروائيّ‭ ‬شهد‭ ‬إقبالًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬على‭ ‬نسق‭ ‬الرواية‭ ‬السابقة‭ ‬لمحمد‭ ‬صادق‭ ‬«هيبتا»‭ ‬التي‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬سينمائيّ‭ ‬بإقبال‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الممثلين‭ ‬المشهورين؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬واختلاف‭ ‬نوعيتها،‭ ‬واختفاء‭ ‬تلك‭ ‬الانتقائية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬لمصلحة‭ ‬الإقبال‭ ‬والتعمق‭ ‬المبالغ‭ ‬فيهما‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬والتقنيات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تسويق‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال،‭ ‬لكنها‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬أو‭ ‬تغير‭ ‬نمطها؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يوسع‭ ‬من‭ ‬الشريحة‭ ‬المستهدفة‭ ‬لتشمل‭ ‬فئة‭ ‬القراء‭ ‬العاديين،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مَن‭ ‬لم‭ ‬يحبذ‭ ‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ممن‭ ‬تجذبه‭ ‬الموضوعات‭ ‬الشيقة‭ ‬والأسلوب‭ ‬المبسط،‭ ‬بعيدًا‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬النخبوية‭ ‬وطبقة‭ ‬المثقفين‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬

hand

التنميق‭ ‬اللغويّ‭ ‬واستخدام‭ ‬العامية‭ ‬

يلاحظ‭ ‬وجود‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬إغفال‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬لاستخدام‭ ‬اللغة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬والابتعاد‭ ‬من‭ ‬التقيد‭ ‬باللغة‭ ‬الفصحى‭ ‬والعبارات‭ ‬المتكلفة‭ ‬لغويًّا،‭ ‬والميل‭ ‬إلى‭ ‬اللهجات‭ ‬المحكية‭ ‬والعامية‭ ‬وإضافة‭ ‬كلمات‭ ‬إنجليزية؛‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬أدبية‭ ‬كثيرة‭ ‬لاقت‭ ‬رواجًا‭ ‬لأحمد‭ ‬مراد،‭ ‬ومحمد‭ ‬صادق،‭ ‬ورواية‭ ‬«بنات‭ ‬الرياض»‭ ‬للسعودية‭ ‬رجاء‭ ‬الصانع؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬مخالفًا‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحبّذ‭ ‬تبسيط‭ ‬اللغة‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬تسطيحها،‭ ‬أو‭ ‬تجسيد‭ ‬اللهجات‭ ‬الشبابية‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬خليطًا‭ ‬من‭ ‬عبارات‭ ‬جديدة،‭ ‬تمزج‭ ‬لغات‭ ‬ولهجات‭ ‬مختلفة‭.‬ هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬وإن‭ ‬أبعدت‭ ‬منها‭ ‬النُّقاد‭ ‬والقُراء‭ ‬التقليديين‭ ‬فإنها‭ ‬استقطبت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬القُراء‭ ‬وبخاصة‭ ‬الشباب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬تقارب‭ ‬فكريّ‭ ‬وإدراكيّ‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كيفية‭ ‬استخدام‭ ‬التقنية‭ ‬الحديثة؛‭ ‬مما‭ ‬يزيل‭ ‬تلك‭ ‬الفجوة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬والقارئ‭.‬ غابت‭ ‬الرهبة‭ ‬والافتتان‭ ‬بالكاتب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعتلي‭ ‬البرج‭ ‬العاجي،‭ ‬لينزل‭ ‬إلى‭ ‬الساحة،‭ ‬ويختلط‭ ‬بمن‭ ‬يشبهه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وقلَّت‭ ‬الأعمال‭ ‬الشبابية‭ ‬التي‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬المكثَّفة‭ ‬عاطفيًّا،‭ ‬كما‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الروائي‭ ‬السعوديّ‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬علوان،‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬الشاعرية‭ ‬لغةً‭ ‬ومضمونًا‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬روايتيه‭:‬ «سقف‭ ‬الكفاية»،‭ ‬و«صوفيا»‭.‬

qdsكُتاب‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد

والترشح‭ ‬للجوائز‭ ‬

الإقبال‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬يدعمها‭ ‬التسويق‭ ‬الإلكترونيّ،‭ ‬أو‭ ‬الحضور‭ ‬والانغمار‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬الفئة‭ ‬الأكثر‭ ‬شعبية،‭ ‬إنما‭ ‬وصل‭ ‬الإقبال‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬الشبابية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬ترشح‭ ‬فيه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬لجائزة‭ ‬البوكر‭ ‬للرواية،‭ ‬ويظهر‭ ‬فوز‭ ‬الروائي‭ ‬الكويتيّ‭ ‬الشاب‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬بجائزة‭ ‬البوكر‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬«ساق‭ ‬البامبو»‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬الهرم،‭ ‬بفكرته‭ ‬المتجددة‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬حبك‭ ‬رواية‭ ‬تشويقية‭ ‬متعمقة،‭ ‬وترشحت‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى‭ ‬لروائيين‭ ‬شباب؛‭ ‬مثل‭ ‬الروائية‭ ‬السورية‭ ‬لينا‭ ‬هويان‭ ‬الحسن‭ ‬عن‭ ‬روايتها‭ ‬«ألماس‭ ‬ونساء»،‭ ‬والروائي‭ ‬السعوديّ‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬علوان‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬«القندس»،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬يحمل‭ ‬قبسًا‭ ‬من‭ ‬التميّز‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الإشادة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الفكرة‭ ‬أو‭ ‬النسق‭ ‬الأدبيّ‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬المرشحين‭ ‬يبتعد‭ ‬من‭ ‬الأسلوب‭ ‬التقليديّ‭ ‬لطرح‭ ‬الرواية،‭ ‬واللغة‭ ‬المستخدمة،‭ ‬ويستحيل‭ ‬أن‭ ‬يتوقع‭ ‬ترشحه‭ ‬لجائزة‭ ‬عالمية،‭ ‬فرواية‭ ‬«الفيل‭ ‬الأزرق»‭ ‬للروائي‭ ‬أحمد‭ ‬مراد‭ ‬ترشحت‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬القصيرة‭ ‬من‭ ‬جائزة‭ ‬البوكر‭.‬ وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الإقبال‭ ‬الجماهيري‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬استقطبه‭ ‬ميل‭ ‬العمل‭ ‬الروائيّ‭ ‬إلى‭ ‬أسلوب‭ ‬تشويق‭ ‬ومتانة‭ ‬النص‭ ‬والفكرة‭ ‬الغرائبية،‭ ‬التي‭ ‬تضمنت‭ ‬معايير‭ ‬دفعت‭ ‬بالرواية‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬فلم‭ ‬سينمائيّ‭ ‬يستحق‭ ‬الإشادة،‭ ‬فإن‭ ‬الرواية‭ ‬لم‭ ‬تتضمن‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬اختيارها‭ ‬لتلك‭ ‬الجائزة،‭ ‬فحتى‭ ‬اللغة‭ ‬المستخدمة‭ ‬تفاوتت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامية‭ ‬شديدة‭ ‬تخالطها‭ ‬عبارات‭ ‬إنجليزية،‭ ‬بعيدة‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الأسلوب‭ ‬البديع‭ ‬للحوار‭ ‬والسرد‭ ‬المتوقع‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬مرشحة‭ ‬لجائزة‭ ‬عالمية‭.‬

لا‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬النضج‭ ‬الثقافيّ

يظهر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تمرُّد‭ ‬على‭ ‬التصوُّر‭ ‬التقليديّ‭ ‬الذي‭ ‬ينحو‭ ‬إلى‭ ‬اقتصار‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬النضج‭ ‬الثقافيّ‭ ‬أو‭ ‬السن‭ ‬المتقدّمة،‭ ‬أو‭ ‬النظرة‭ ‬النمطية‭ ‬التي‭ ‬تلتزم‭ ‬التحفظ‭ ‬على‭ ‬الكتابة‭ ‬وعدم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬المستور‭ ‬أو‭ ‬انتقاد‭ ‬الواقع‭ ‬المعيش،‭ ‬وظهرت‭ ‬منذ‭ ‬عام ‭‬2005م‭ ‬أعمال‭ ‬روائية‭ ‬تسعى‭ ‬للتمرّد‭ ‬على‭ ‬التقاليد‭ ‬بجرأة‭ ‬كهدف‭ ‬أوحد،‭ ‬وتتناول‭ ‬قضايا‭ ‬تتطرق‭ ‬إلى‭ ‬التابوهات‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬للتمرد‭ ‬على‭ ‬التقاليد‭ ‬المفروضة‭.‬ أعمال‭ ‬أدبية‭ ‬كثيرة‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدة؛‭ ‬مثل‭:‬ رواية‭ ‬إبراهيم‭ ‬بادي‭ ‬«حب‭ ‬في‭ ‬السعودية»‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬العاطفية‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬محافظ،‭ ‬ورواية‭ ‬«القران‭ ‬المقدس»‭ ‬لطيف‭ ‬الحلَّاج‭ ‬وهي‭ ‬كاتبة‭ ‬سعودية‭ ‬تحفَّظتْ‭ ‬عن‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬اسمها‭ ‬كما‭ ‬تحفظت‭ ‬دور‭ ‬نشر‭ ‬عدة‭ ‬عن‭ ‬طباعة‭ ‬روايتها؛‭ ‬بسبب‭ ‬جرأتها،‭ ‬وظهرت‭ ‬رواية‭ ‬«الآخرون»‭ ‬للسعودية‭ ‬صبا‭ ‬الحرز‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬نفسها؛‭ ‬لتتطرق‭ ‬إلى‭ ‬الميول‭ ‬الجسدية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المحافظة،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬المحاولات‭ ‬للتمرد‭ ‬على‭ ‬التقاليد‭ ‬خفَّ‭ ‬وهجها،‭ ‬وبات‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬موضوعات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬توازنًا‭.‬

الأزمة‭ ‬الوجودية‭ ‬والعلاقة‭ ‬مع‭ ‬الآخر

sn1من‭ ‬الصعب‭ ‬حصر‭ ‬الموضوعات‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حقبة،‭ ‬لكن‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬الابتعاد‭ ‬من‭ ‬النمط‭ ‬الذي‭ ‬سار‭ ‬عليه‭ ‬الكُتاب؛‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬التسعينيات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬امتدادًا‭ ‬لذلك‭ ‬التأثر‭ ‬بالقومية‭ ‬والبعثية‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك؛‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬كلاسيكيات‭ ‬عهد‭ ‬مضى؛‭ ‬مثل‭:‬ رواية‭ ‬«شقة‭ ‬الحرية»‭ ‬للمبدع‭ ‬الراحل‭ ‬غازي‭ ‬القصيبي،‭ ‬وثلاثية‭ ‬تركي‭ ‬الحمد،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انشغال‭ ‬كُتاب‭ ‬وروائيين‭ ‬بالهمّ‭ ‬السياسيّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورات‭ ‬العربية،‭ ‬فإنه‭ ‬يلحظ‭ ‬تركيز‭ ‬الروائيين‭ ‬الشباب‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تعالج‭ ‬الأزمة‭ ‬النفسية،‭ ‬مما‭ ‬يلقى‭ ‬إقبالًا‭ ‬جماهيريًّا،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تظهر‭ ‬الاهتمامات‭ ‬الفعلية‭ ‬بهم‭. ‬صار‭ ‬الهمُّ‭ ‬الأدبيّ‭ ‬ذاتيًّا،‭ ‬يتعمق‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الأزمة‭ ‬الوجودية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬الآخر؛‭ ‬ففي‭ ‬رواية‭ ‬«ساق‭ ‬البامبو»،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل،‭ ‬للروائيّ‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي،‭ ‬تظهر‭ ‬أزمة‭ ‬الهُوِيَّة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معاناة‭ ‬خوزيه‭ ‬الابن‭ ‬الكويتي‭ ‬لأم‭ ‬فلبينية،‭ ‬ويشاركه‭ ‬الروائيّ‭ ‬الشاب‭ ‬الإريتري‭ ‬حجي‭ ‬جابر‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬«سمراويت»‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية،‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬تتنقل‭ ‬أحداث‭ ‬روايته‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬جدة‭ ‬وأسمرا‭. ‬

أمَّا‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬العنصر‭ ‬الأنثويّ‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬مناسبة‭ ‬تصنيف‭ ‬الروايات‭ ‬عامةً‭ ‬إلى‭ ‬أنثوية‭ ‬وأخرى‭ ‬ذكورية،‭ ‬فإن‭  ‬طريقة‭ ‬التعامل‭ ‬المختلفة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية؛‭ ‬دفعت‭ ‬المرأة‭ ‬الكاتبة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منها‭ ‬لمعالجة‭ ‬أزمة‭ ‬إثبات‭ ‬الذات،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحايين‭ ‬محاولة‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الذكوريّ،‭ ‬إما‭ ‬عبر‭ ‬تجريم‭ ‬الرجل‭ ‬أو‭ ‬تهميشه‭.‬ لم‭ ‬يتغير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬تقنيات‭ ‬الكتابة‭ ‬وزيادة‭ ‬سقف‭ ‬الحرية‭ ‬لدى‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬العربيّ،‭ ‬إذ‭ ‬تظهر‭ ‬أعمال‭ ‬مثل‭ ‬رواية‭ ‬لينا‭ ‬هويان‭ ‬الحسن‭ ‬األماس‭ ‬ونساءب‭ ‬عام ‭‬2014م‭ ‬لتنفض‭ ‬فكرة‭ ‬الموضوعات‭ ‬التقليدية،‭ ‬فتعالج‭ ‬قضية‭ ‬المهجر‭ ‬اللبنانيّ‭ ‬والسوريّ‭ ‬في‭ ‬أميركا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وقد‭ ‬ترشحت‭ ‬الرواية‭ ‬لجائزة‭ ‬البوكر،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬عبر‭ ‬شخصيات‭ ‬أنثوية‭ ‬متعددة‭ ‬تحاول‭ ‬التخلّص‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬رجال‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬المنصاعة،‭ ‬سعيًا‭ ‬لرفض‭ ‬القيود‭ ‬والتحفظ‭ ‬على‭ ‬الوجود‭ ‬النسائيّ؛‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬أنثوية‭ ‬ظهرتْ‭ ‬من‭ ‬قبلُ؛‭ ‬مثل‭:‬ رواية‭ ‬«وجهة‭ ‬البوصلة»‭ ‬لنورة‭ ‬الغامدي‭ ‬عام ‭‬2002م،‭ ‬و«الفردوس‭ ‬اليباب»‭ ‬لليلى‭ ‬الجهني‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عام ‭‬1996م،‭ ‬روايتان‭ ‬ترفلان‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬وصفي،‭ ‬وكثافة‭ ‬لغوية،‭ ‬وتتعمق‭ ‬في‭ ‬تجريم‭ ‬الرجل‭.‬

أزمة‭ ‬غياب‭ ‬النقد‭ ‬الأدبيّ‭ ‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عمَّقت‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬غياب‭ ‬النقد،‭ ‬واضمحلال‭ ‬القراءات‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬روايات‭ ‬محدَّدة‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬يجري‭ ‬تغييب‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعُدْ‭ ‬يكترث‭ ‬له‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬القارئ‭ ‬والكاتب،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬إثبات‭ ‬الوجود‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬حشد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القُراء‭ ‬والمتابعين،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬شغف‭ ‬الكُتاب‭ ‬الشباب‭ ‬ينصبّ‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬التكيُّف‭ ‬مع‭ ‬التطوُّرات‭ ‬التقنية؛‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اختلاط‭ ‬الكتب‭ ‬القيّمة‭ ‬بأخرى‭ ‬أكثر‭ ‬شهرةً‭ ‬لكنها‭ ‬أضعف‭ ‬قيمة‭ ‬أدبية،‭ ‬كلُّ‭ ‬ذلك‭ ‬يصبُّ‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬التشكك‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬والروائية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬فمع‭ ‬الثقافة‭ ‬المختصرة‭ ‬للوقت‭ ‬والكلمات،‭ ‬تظهر‭ ‬إشكالية‭ ‬قابلية‭ ‬انقراض‭ ‬الأعمال‭ ‬الثقافية‭ ‬القيّمة،‭ ‬والإقبال‭ ‬على‭ ‬الأبسط‭ ‬والأسرع‭.‬