ما الذي حدث للكويت؟

ما الذي حدث للكويت؟

لا‭ ‬يخلو‭ ‬مجلس‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬اليوم،‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬بحسرة‭ ‬عن‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين،‭ ‬وطالت‭ ‬الفكر‭ ‬والحريات‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬مفهومها‭ ‬الشامل‭.‬ كأنما‭ ‬الكويت‭ ‬لم‭ ‬تَعُد‭ ‬المنارة‭ ‬التي‭ ‬فاض‭ ‬إشعاعها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العرب،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬التذمر‭ ‬يتعالى‭ ‬من‭ ‬فنانين‭ ‬ومثقفين‭ ‬وناشطين‭.‬

‮«‬الفيصل‮»‬‭ ‬وجَّهت‭ ‬مجموعةً‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬عما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬إلى‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مجالاتها؛‭ ‬سعيًا‭ ‬لمعرفة‭ ‬أسباب‭ ‬التراجع،‭ ‬وبحثًا‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬لإشكالية‭ ‬تتفاقم،‭ ‬وتؤثر،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما ‭ -‬أيضًا‭-‬ في‭ ‬المناخ‭ ‬الثقافيّ،‭ ‬وفضاء‭ ‬الحريات‭ ‬والإبداع‭ ‬العربي‭.‬

سعود-السنعوسي

سعود السنعوسي

سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬(روائي)‭ :‬

رِدَّة‭ ‬ثقافية‭ ‬ولا‭ ‬نعرف‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ستقودنا‭ ‬القيود

هي‭ ‬رِدَّة‭ ‬ثقافية‭ ‬إن‭ ‬أمكننا‭ ‬القول،‭ ‬ليس‭ ‬الأمر‭ ‬حكرًا‭ ‬على‭ ‬الكويت،‭ ‬إنما‭ ‬المنطقة‭ ‬كلها‭ ‬تمرّ‭ ‬بالمشكلة‭ ‬نفسها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الفارق‭ ‬واضحًا‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الكويت؛‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬زمنين؛‭ ‬الأول‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الكويت‭ ‬منبرًا‭ ‬للحريات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عبر‭ ‬برلمانها،‭ ‬وصحافتها،‭ ‬وفنونها‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬والزمن‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬ارتدَّت‭ ‬فيه‭ ‬الحريات‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬السمعة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبتها‭ ‬الكويت‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭.‬ لا‭ ‬أدري‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تقودنا‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬أسوأ‭ ‬لا‭ ‬أتخيل‭ ‬شكله،‭ ‬لكنني‭ ‬أرى‭ ‬بَصِيص‭ ‬أمل‭ ‬بعد‭ ‬الإيغال‭ ‬في‭ ‬تقييد‭ ‬الحريات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حركة‭ ‬مضادة،‭ ‬وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬بوادرها‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التجمعات‭ ‬والندوات‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬تعيد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬بصدد‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬أعمالهم‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬المجحفة،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إسقاطها‭.‬ لولا‭ ‬هذا‭ ‬التضييق‭ ‬الذي‭ ‬نشكو‭ ‬منه‭ ‬اليوم‭ ‬لَمَا‭ ‬وجدنا‭ ‬المثقف،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادة،‭ ‬يتحرَّك‭ ‬وفق‭ ‬خُطَط‭ ‬مدروسة،‭ ‬وبشكل‭ ‬جماعيّ،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬قانونيّ؛‭ ‬لاستعادة‭ ‬حقوقه‭ ‬المسلوبة‭.‬
الأمر‭ ‬معقد‭ ‬جدًّا،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬ما‭ ‬يؤهلهم‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحريات‭ ‬التي‭ ‬نصَّ‭ ‬عليها‭ ‬الدستور،‭ ‬لكن‭ ‬مصيبتنا‭‬–‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭-‬ في‭ ‬برلماننا؛‭ ‬إذ‭ ‬صرنا‭ ‬نشاهد‭ ‬نوَّابًا‭ ‬يطالبون‭ ‬بمنع‭ ‬الكتب‭ ‬ومساءلة‭ ‬الحكومة،‭ ‬وسبق‭ ‬أن‭ ‬جرى‭ ‬استجواب‭ ‬وزير‭ ‬إعلام؛‭ ‬بسبب‭ ‬أربعة‭ ‬كُتُب‭ ‬بِيعَتْ‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬لم‭ ‬تحظَ‭ ‬باستحسانٍ‭ ‬من‭ ‬نائب؛‭ ‬مما‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬استقالة‭ ‬الوزير،‭ ‬وإقالة‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطنيّ‭ ‬للثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬واستقالة‭ ‬الحكومة‭ ‬كلها‭ ‬قبل‭ ‬يومٍ‭ ‬واحدٍ‭ ‬من‭ ‬جلسة‭ ‬طرح‭ ‬الثقة‭ .‬مشكلتنا‭ ‬مع‭ ‬الرقابة؛‭ ‬نعم،‭ ‬لكن‭ ‬حين‭ ‬نقول‭ ‬الرقابة‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬الرقيب‭ ‬هو‭ ‬موظف‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬وحسب،‭ ‬إنما‭ ‬الرقيب‭ ‬هو‭ ‬أنا‭ ‬وأنت‭ ‬وهو،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬نغضّ‭ ‬عنها‭ ‬الطرف،‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬الرقيب‭ ‬الحقيقيّ،‭ ‬الأفراد‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬صاروا‭ ‬يسائلون‭ ‬المكتبات‭ ‬وأصحاب‭ ‬دُور‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب‭:‬ إنْ‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬العناوين ‭)‬مفسوحة) ‬من‭ ‬الوزارة‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬ والرقيب‭ ‬الحكوميّ‭ ‬إزاء‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬ردّ‭ ‬فعل‭ ‬قارئ‭ ‬يقوم‭ ‬بحماية‭ ‬نفسه‭ ‬أولًا،‭ ‬وحماية‭ ‬الوزير‭ ‬المختصّ‭ ‬من‭ ‬تحميله‭ ‬مسؤولية ‭)‬فسح) ‬بعض‭ ‬الكتب،‭ ‬المنع‭ ‬هو‭ ‬الحلّ‭ ‬الأسهل‭ ‬لتجنُّب‭ ‬أي‭ ‬مشكلة؛‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬الكتاب‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬غلافه‭ ‬أو‭ ‬عنوانه‭ ‬أو‭ ‬وَفْق‭ ‬تأويلٍ‭ ‬لا‭ ‬يحتمله‭ ‬النص‭.‬

الكويت-تخلت-من-الغزو

.
.

طلال-الرميضي

طلال الرميضي

طلال‭ ‬الرميضي‭) ‬رئيس‭ ‬رابطة‭ ‬أدباء‭ ‬الكويت)‭:‬

‭ ‬الشأن‭ ‬السياسيّ‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬التنويرية

كان‭ ‬للسياسة‭ ‬الدور‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬الثقافية‭ ‬التنويرية‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الكويت،‭ ‬وقد‭ ‬أبرز‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬جوانب‭ ‬ومنحنيات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد؛‭ ‬جعلت‭ ‬الكاتب‭ ‬المثقف‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬فيما‭ ‬يخصّ‭ ‬إبداء‭ ‬آرائه‭ ‬وتصنيفه‭ ‬حسب‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والتيارات‭ ‬الموجودة؛‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬كثيرًا‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬صدام‭ ‬عنيف؛‭ ‬بسبب‭ ‬اختلاف‭ ‬الرؤى‭ ‬والأفكار‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭.‬ وضربت‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬المريرة‭ ‬سقوط‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬السياسة،‭ ‬وتأثير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتاباتهم‭ ‬الإبداعية؛‭ ‬إذ‭ ‬ساهم‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عزوفهم‭ ‬عن‭ ‬الحضور‭ ‬الثقافيّ‭.‬ ولا‭ ‬شكَّ‭ ‬أن‭ ‬وقوع‭ ‬الغزو‭ ‬العراقيّ‭ ‬الغاشم‭ ‬على‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الزمن؛‭ ‬سبَّبَ‭ ‬صدمة‭ ‬عنيفة‭ ‬لرجال‭ ‬الثقافة‭ ‬بالكويت،‭ ‬وأثَّر‭ ‬سلبيًّا‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬التنويرية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬خاصة؛‭ ‬إذ‭ ‬أدركنا‭ ‬تخاذل‭ ‬أسماء‭ ‬ثقافية‭ ‬عربية‭ ‬كبيرة‭ ‬تجاه‭ ‬أزمة‭ ‬الكويت،‭ ‬وبخاصةٍ‭ ‬إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬وفاق‭ ‬مع‭ ‬الكويتيين‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭.‬ وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية،‭ ‬ومدى‭ ‬تأثير‭ ‬الشأن‭ ‬السياسيّ‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬التنويرية،‭ ‬واختلاط‭ ‬المثقف‭ ‬الواعي‭ ‬بالشخص‭ ‬السياسيّ‭ ‬السطحيّ،‭ ‬وأثر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الحال‭ ‬الثقافية‭.‬ ولا‭ ‬شكّ‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬الأزليّ‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والسلطة‭ ‬نحو‭ ‬الحقوق‭ ‬والحريات‭ ‬قد‭ ‬خفَّت‭ ‬حِدَّته‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بعد‭ ‬حدوث‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬الربيع‭ ‬العربيّ،‭ ‬ووجود‭ ‬نماذج‭ ‬مجاورة‭ ‬للعنف‭ ‬والبطش‭ ‬والظلم‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬فيها،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تقلص‭ ‬حدة‭ ‬التوتر،‭ ‬فإنها‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬يومنا،‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التعاون‭ ‬بينهما‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬سمعة‭ ‬الكويت‭ ‬الثقافية‭.‬

مجلة-العربي

‭#‬أنقذوا‭_‬مجلة‭_‬العربي

أطلق‭ ‬مغردون‭ ‬كويتيون‭ ‬وعرب‭ ‬وسمًا (‬هاشتاغ‭( ‬على‭ ‬موقع‭ ‬تويتر‭ ‬يناشدون‭ ‬فيه‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬فيما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬العربي‭ ‬الكويتية‭ ‬الرائدة،‭ ‬وكان‭ ‬باعث‭ ‬هذه‭ ‬المناشدات‭ ‬مقالة‭ ‬نشرتها‭ ‬القبس‭ ‬الكويتية‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬النداء‭ ‬الأخير‭ ‬لإنقاذ‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬إلغاء‭ ‬ندوة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬السنوية‭ ‬لأسباب‭ ‬لم‭ ‬تتضح،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مثقفين‭ ‬رأوا‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬إلغاء‭ ‬الندوة‭ ‬إلى‭ ‬أجل‭ ‬غير‭ ‬مسمى‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ترشيد‭ ‬النفقات‭ ‬الحكومية‭ ‬والأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بعد‭ ‬تراجع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬أوضحوا‭ ‬أن‭ ‬ترشيد‭ ‬النفقات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬مجلة‭ ‬رائدة‭ ‬ولا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطال‭ ‬العمل‭ ‬الثقافي،‭ ‬وشارك‭ ‬مثقفون‭ ‬عرب‭ ‬المغردين‭ ‬بذكرياتهم‭ ‬وتجاربهم‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬العربي.

 

 

 

 

 

إقبال-الأحمد

إقبال الأحمد

إقبال‭ ‬الأحمد‭  ‬(كاتبة)‭:‬

عمَّت‭ ‬الفوضى‭ ‬وبهت‭ ‬القانون‭ ‬

أهم‭ ‬ما‭ ‬يميّز‭ ‬دستور‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬هو‭ ‬باب‭ ‬الحريات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات؛‭ ‬تلك‭ ‬الحريات‭ ‬التي‭ ‬أصرّ‭ ‬الدستور‭ ‬على‭ ‬احترامها‭ ‬والتأكيد‭ ‬عليها،‭ ‬عندما‭ ‬منع‭ ‬أو‭ ‬قنَّن‭ ‬تغيير‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬فيه‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحريات‭ .‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يؤكّد‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتيّ‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬الحكومات ونظام‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬تطوَّر‭ ‬معه،‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الحرية‭.‬ وهذا‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬فإن‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬ظاهرة‭ ‬الديوانية‭ ‬وهي‭ ‬مكان‭ ‬يجتمع‭ ‬فيه‭ ‬جمع‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬يتبادلون‭ ‬فيه‭ ‬الرأي‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬البلد‭ .‬وهذا‭ ‬الحديث‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الانتقاد‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬بكل‭ ‬شفافية‭ ‬ووضوح‭ ‬وجرأة،‭ ‬ثم‭ ‬يذهب‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬لينام‭ ‬قرير‭ ‬العين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يزوره‭ ‬زائرُ‭ ‬فَجْرٍ‭ ‬أو‭ ‬ليلٍ‭.‬

الكويت-مرت-بمراحل-تاريخية

فى‭ ‬الكويت‭ ‬ولخصوصيتها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية؛‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تتمتّع‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحريات،‭ ‬وبسبب‭ ‬طبيعة‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬كله‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬مضت؛‭ ‬بهت‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬القانون،‭ ‬وكان‭ ‬للحريات‭ ‬نصيب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬والتراجع‭. ‬وفي‭ ‬الأغلب‭ ‬كان‭ ‬يعلو‭ ‬صوت‭ ‬المنتقدين‭ ‬داخل‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المدة،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بعودة‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فلت‭ ‬زمامه‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مفاصل‭ ‬الحياة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بحرية‭ ‬القول‭ ‬والانتقاد‭ ‬التي‭ ‬تبدَّلت‭ ‬إلى‭ ‬لغة‭ ‬هجوم‭ ‬وقذف‭ ‬وسبّ‭ ‬واتهام‭. ‬

تُرِكتْ‭ ‬ساحةُ‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬ولم‭ ‬يُسأَل‭ ‬أحد‭ ‬عما‭ ‬يقوله،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬تدنّي‭ ‬لغة‭ ‬النقد‭ ‬والاحتجاج‭ ‬التي‭ ‬يعبّر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬رأيه،‭ ‬فضاعت‭ ‬هيبة‭ ‬الوطن‭ ‬ومسؤوليته،‭ ‬وضاع‭ ‬حقّ‭ ‬الإنسان‭ ‬المظلوم،‭ ‬فكانت‭ ‬الضرورة‭ ‬للجوء‭ ‬إلى‭ ‬القانون؛‭ ‬لتدارك‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تداركه‭ .‬ولا‭ ‬أتفق‭ ‬أبدًا‭ ‬مع‭ ‬مقولة‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬متأخرة؛‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬عواصم‭ ‬خليجية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬رصيد‭ ‬ثقافيّ‭ ‬كبير‭ ‬يُذكَر‭ ‬في‭ ‬الماضى،‭ ‬تصير‭ ‬في‭ ‬الصدارة؛‭ ‬لأنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحريات،‭ ‬ما‭ ‬زلتُ‭ ‬متأكدة‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الحريات‭ ‬داخلها‭.‬

خليفة الوقيان

قوى‭ ‬التخلف‭ ‬تستهدف‭ ‬الكويت

أكد‭  ‬الدكتور‭ ‬خليفة‭ ‬الوقيان‭ ‬رئيس‭ ‬رابطة‭ ‬الأدباء‭ ‬الكويتيين‭ ‬الأسبق،‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الفكرية‭ ‬المستنيرة،‭ ‬وتقدُّم‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الأصولية‭ ‬المتشددة،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬عهودها‭ ‬السابقة،‭ ‬‮«‬كانت‭ ‬مميزة‭ ‬حقًّا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وجود‭ ‬طبقة‭ ‬مستنيرة‭ ‬تعي‭ ‬أهمية‭ ‬مواكبة‭ ‬العصر‭ ‬ومستجدَّاته‭ ‬ومنطقه،‭ ‬وتبذل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬القناعات‭ ‬تضحياتٍ‭ ‬كبيرةً؛‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬الكويت‭ ‬مستهدفةً‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬التخلف‭ ‬والغلوّ،‭ ‬فقد‭ ‬مرَّت‭ ‬البلاد‭ ‬بمراحل‭ ‬تاريخية‭ ‬اشتدّ‭ ‬فيها‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬ثقافة‭ ‬الغلوّ‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬وثقافة‭ ‬الانفتاح‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتيّ،‭ ‬وكيفية‭ ‬نشأة‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‮»‬‭ .‬وقال‭ ‬الوقيان‭ ‬لــ‭ ‬‮«‬الفيصل‮»‬‭: ‬إن‭ ‬دعاة‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتنوير‭ ‬بذلوا‭ ‬‮«‬جهودًا‭ ‬مضيئة،‭ ‬وتعرضوا‭ ‬إلى‭ ‬مصاعب‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكنهم‭ ‬انتصروا‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يُرْسُوا‭ ‬قواعد‭ ‬مجتمع‭ ‬حديث‭ ‬مستنير،‭ ‬يؤمن‭ ‬بحقّ‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬المعرفة‭ ‬كافة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حقّه‭ ‬في‭ ‬الحرية،‭ ‬ويعود‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تحوُّل‭ ‬كويت‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬منارة‭ ‬ثقافية‭ ‬إلى‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يحملون‭ ‬مشروعًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬نهضويًّا‭ ‬تقدُّميًّا‭ ‬مستنيرًا‮»‬‭.‬

أحمد الخطيب

أحمد الخطيب

وفيما‭ ‬يخص‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الكويت‭ ‬التي‭ ‬تميَّزت‭ ‬بالتنوير‭ ‬والانفتاح،‭ ‬فلن‭ ‬تتحقّق‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬‮«‬إلا‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الكفاح،‭ ‬ومواجهة‭ ‬التخلُّف‮»‬،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬الأدباء‭ ‬والكتاب‭ ‬‮«‬ارتضَوا‭ ‬الاستسلام‭ ‬إلى‭ ‬الواقع،‭ ‬وإيثار‭ ‬السلام‮»‬‭ .‬وأوضح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬المواطن‭ ‬ليس‭ ‬حرية‭ ‬انتقاد‭ ‬وزير‭ ‬وشتمه،‭ ‬‮«‬إنما‭ ‬حرية‭ ‬البحث‭ ‬العلميّ‭ ‬والإبداع،‭ ‬وتناول‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬المتصلة‭ ‬بحياته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬خشية‭ ‬من‭ ‬أحد‮»‬‭.‬

 

لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬أمل

على‭ ‬حين‭ ‬دعا‭ ‬الناشط‭ ‬الدكتور‭  ‬أحمد‭ ‬الخطيب‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬لأبرز‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬المنصرم،‭ ‬مثلا،‭ ‬ولفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭ ‬‮«‬يُعَدّ‭ ‬حرية‭ ‬مقدّسة‭ ‬كفلها‭ ‬الدستور‭ ‬الكويتيّ‭ ‬في‭ ‬المادتين‭ ‬36‭ ‬و37‬‮»‭.‬ وقال‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الفيصل‮»‬: ‬‮«‬إن‭ ‬حرية‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬سلميًّا‭ ‬شيء،‭ ‬والسبّ‭ ‬والبذاءة‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬يعاقب‭ ‬عليهما‭ ‬مرتكبهما‮»‬،‭ ‬مضيفًا‭ ‬أن‭ ‬ضحايا‭ ‬قضايا‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬‮«‬التي‭ ‬يُحاكَم‭ ‬بموجبها‭ ‬المتهمون،‭ ‬وفق‭ ‬قوانين‭ ‬تنصّ‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬دستورية‮»‬‭.‬ وتساءل‭ ‬الخطيب‭:‬ ‮«‬‭‬هل‭ ‬نَيأس‭ ‬من‭ ‬ترنُّح‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية؟‭!‬ لا‭ ‬يمكن،‭ ‬فنحن‭ ‬نرى‭ ‬هلالًا‭ ‬شبابيًّا‭ ‬بزغ‭ ‬في‭ ‬مسيرته؛‭ ‬ليكون‭ ‬بدرًا‭ ‬متكاملًا‭ ‬يضيء‭ ‬سماءنا‭ ‬المعتمة‮»‬‭.‬

 

 

علي‭ ‬العنزي‭ ‬(ناقد)‭‬‭:‬

‭ ‬مواهب‭ ‬كويتية‭ ‬مهدورة‭ ‬

قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬نظَّمت‭ ‬رابطة‭ ‬أعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬تدريس‭ ‬المعهد‭ ‬العالي‭ ‬للفنون‭ ‬المسرحية،‭ ‬ندوة‭ ‬نوعية‭ ‬تحدَّث‭ ‬فيها‭ ‬النائبان‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬جوهر‭ ‬وصالح‭ ‬الملا،‭ ‬وتداخل‭ ‬فيها‭ ‬المستشار‭ ‬الدكتور‭ ‬يوسف‭ ‬الإبراهيم،‭ ‬واتَّسم‭ ‬الحوار‭ ‬فيها‭ ‬بالصدق،‭ ‬واعترف‭ ‬الجميع‭- ‬سياسيون‭ ‬ومثقفون‭-‬ بأن‭ ‬الهمّ‭ ‬الثقافيّ‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬المؤخرة‭ ‬تشريعًا‭ ‬وتنفيذًا،‭ ‬وحمدًا‭ ‬لله،‭ ‬أن‭ ‬الندوة‭ ‬لم‭ ‬تشبه‭ ‬الندوات‭ ‬الانتخابية،‭ ‬وحكاية‭ ‬‮«‬البيضة‭ ‬والدجاجة»؛‭ ‬إذ‭ ‬نوقش‭ ‬تراجع‭ ‬اهتمام‭ ‬الدولة‭ ‬بالحراك‭ ‬الثقافيّ،‭ ‬وعلاقة‭ ‬ذلك‭ ‬بتراجع‭ ‬قيم‭ ‬الاختلاف‭ ‬طبعًا‭.‬ لكل‭ ‬مجتمع‭ ‬خصوصيته‭ ‬التي‭ ‬تعكسها‭ ‬ثقافته‭ ‬السائدة‭ ‬بين‭ ‬أبنائه،‭ ‬لكن‭ ‬الكويت‭ ‬مرَّت‭ ‬بحالة‭ ‬بعد‭ ‬توهُّج‭ ‬ثقافيّ‭ ‬دام‭ ‬سنين‭ ‬لا‭ ‬يباريها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬أحد؛‭ ‬إذ‭ ‬اتَّسمت‭ ‬الكويت‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬الخمسينيات‭ ‬ببناء‭ ‬شبابيّ‭ ‬جديد،‭ ‬ونواة‭ ‬كويتية‭ ‬صغيرة‭ ‬تتكون‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬المثابر،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الجميع‭ ‬قد‭ ‬أُعجب‭ ‬بتوهُّج‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة،‭ ‬فبسبب‭ ‬محاولات‭ ‬حثيثة‭ ‬ومهمة‭ ‬لبناء‭ ‬النفوس‭ ‬الكويتية‭ ‬الشابة‭ ‬بوساطة‭ ‬المشاريع‭ ‬والمطبوعات‭ ‬واللقاءات‭ ‬والاجتماعات‭ ‬داخل‭ ‬المدارس،‭ ‬وفي‭ ‬أروقة‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعيّ‭ ‬وفي‭ ‬الخارج؛‭ ‬لفهم‭ ‬الواقع،‭ ‬ومحاولة‭ ‬بناء‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬واعٍ‭ ‬وناضج‭. ‬

كان‭ ‬ثمة‭ ‬حركة‭ ‬فكرية،‭ ‬وليست‭ ‬غوغائية،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬لا‭ ‬ينكرها‭ ‬أحد،‭ ‬لكنها‭ ‬–مع‭ ‬الأسف–‭ ‬أَفَلَتْ‭ ‬وفق‭ ‬احتكاكي‭ ‬بشبابنا‭ ‬الطلاب،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مواهب‭ ‬كويتية‭ ‬مهدورة‭ ‬موجودة‭ ‬بيننا،‭ ‬فإن‭ ‬الشاب‭ ‬العربيّ‭ ‬حاليًا‭ ‬ممسوس‭ ‬بالاستهلاك‭ ‬والتسكع‭ ‬للأسف‭!‬

‭ ‬ومن‭ ‬المؤكّد،‭ ‬أن‭ ‬قِيَم‭ ‬الصدق‭ ‬والشفافية،‭ ‬والتعددية‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وتجاوز (‬الشخصانية)‭‬،‭‬ لا‭ ‬تتفتح‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المتحضرة،‭ ‬المهتمة‭ ‬بمفاهيم‭ ‬الجمال؛‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تنعم‭ ‬بالاستقرار،‭ ‬وخبزها‭ ‬الأدب‭ ‬والعلوم‭ ‬والثقافة،‭ ‬وأنا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الكويت‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬مَن‭ ‬يعاني‭ ‬تلك‭ ‬التحولات،‭ ‬وأعتقد‭ ‬بوجود‭ ‬خطرين‭ ‬مزدوجين‭ ‬على‭ ‬الشباب‭ ‬العربيّ؛‭ ‬الأول‭ ‬منهما‭ ‬طغيان‭ ‬الفكر‭ ‬الاستهلاكيّ‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والوعي،‭ ‬وثانيهما‭ ‬‮«‬الفكر‭ ‬الأصوليّ‮»‬‭ ‬المتشدّد،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أيضًا،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬التكفيرية‭ ‬العنيفة‭ ‬المثقلة‭ ‬بالكراهية‭ ‬التي‭ ‬استشرت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬طردية‭ ‬مع‭ ‬انتشار‭ ‬الاستهلاك‭.‬

وكلاهما‭ ‬يغذي‭ ‬الآخر‭ !‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬سَبْق‭ ‬معرفتنا‭ ‬النمط‭ ‬الاستهلاكيّ،‭ ‬وتفشي‭ ‬الأصولية‭ ‬من‭ ‬قبلُ،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬موجات‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬بالواقع‭ ‬الراهن‭ .‬فهذا‭ ‬الواقع‭ ‬الوصوليّ‭ – ‬الأصوليّ‭ ‬المُركَّب،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭‬–‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬اطلاعي–‭ ‬نتاج‭ ‬الاختلال‭ ‬النفسيّ‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تفشي‭ ‬العقلية‭ ‬السطحية‭ ‬في‭ ‬التفكير‭.‬

‭ ‬الكويت‭ ‬ليست‭ ‬وحدها‭ ‬مَن‭ ‬يعاني‭ ‬التحولات،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الشبابيّ‭ ‬العربيّ‭ ‬كله‭ ‬ضحية؛‭ ‬لذلك‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬تحديث‭ ‬يجري‭ ‬الشروع‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬منظَّم،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬مختصين؛‭ ‬لمحاولة‭ ‬بناء‭ ‬جديد‭ ‬لوعي‭ ‬الشباب،‭ ‬وأذكر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬نبض‭ ‬شباب‭ ‬السبعينيات‭ ‬والثمانينيات‭ ‬المثقف‭ ‬الواعي،‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬بالحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬عادل‭.‬

‬أما‭ ‬ذلك‭ ‬الاستهلاكيّ‭ ‬ونظيره‭ ‬المتشدّد‭ ‬فشغلُهما‭ ‬الشاغل،‭ ‬ينحصر‭ ‬في‭ ‬تقسيم‭ ‬الامتيازات،‭ ‬والحلول‭ ‬محلّ‭ ‬الأغنياء‭ .‬أما‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬الكويت،‭ ‬فالحكومة‭ ‬ومثقفو‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتبهوا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شبابنا‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬قوانين‭ ‬تحدّث‭ ‬المجتمع‭ ‬وتشجّع‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬لا‭ ‬قوانين‭ ‬تقزّم‭ ‬وجود‭ ‬المبدعين‭ ‬منهم‭.‬

سعد‭ ‬الفرج‭ ‬(ممثل)‭:

جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسيّ‭ ‬وراء‭ ‬تراجع‭ ‬المسرح

من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تقيّد‭ ‬الفِرَق‭ ‬المسرحية‭ ‬الأهلية‭ ‬أنها‭ ‬جمعيات‭ ‬نفع‭ ‬عامّ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بأن‭ ‬تخوض‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬بحكم‭ ‬القانون،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يُقيّد‭ ‬دورها‭ ‬التنويريّ‭ .‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تعاونتُ‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬عبدالأمير‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬‮«‬حرم‭ ‬سعادة‭ ‬الوزير‮»‬‭ ‬و«ممثل‭ ‬الشعب‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬أعمال‭ ‬سياسية‭ ‬جادّة‭ ‬جرى (‬تكويتها) ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬العالميّ،‭ ‬وبعدها‭ ‬‮«‬دقت‭ ‬الساعة‮»‬،‭ ‬و‮«‬حامي‭ ‬الديار‮»‬،‭ ‬و«مضارب‭ ‬بني‭ ‬نفط‮»‬‭ ‬و«هذا‭ ‬سيفوه‭ ‬وهذي‭ ‬خلاجينه‮»‬،‭ ‬وبسببها‭ ‬قامت‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسيّ‭ ‬وأعضاء‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬التجارة‭ ‬بشنّ‭ ‬حملة‭ ‬ضدّنا،‭ ‬وجرى‭ ‬تحويلنا‭ ‬إلى‭ ‬المحاكمة،‭ ‬ثم‭ ‬الإفراج‭ ‬عنا‭ ‬بكفالة‭ ‬300‭ ‬دينار،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬عبدالحسين‭ ‬عبدالرضا‭ ‬الذي‭ ‬حُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر؛‭ ‬بسبب‭ ‬جُمْلة‭ ‬خَرَج‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬النصّ‭ ‬المُجاز‭ ‬مِن‭ ‬الرقابة‭.‬ تعرَّضت‭ ‬المسرحية‭ ‬للهجوم‭ ‬من‭ ‬التيار‭ ‬الدينيّ‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬الإصلاح،‭ ‬ووصفوني‭ ‬بأوصاف‭ ‬شنيعة؛‭ ‬لأن‭ ‬المسرحية‭ ‬طالبت‭ ‬بفصل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭.‬

سعد الفرج

سعد الفرج

جمعية‭ ‬الإصلاح‭ ‬طلبت‭ ‬مني‭ ‬عام ‭‬1974م‭ ‬تقديم‭ ‬مسرحية‭ ‬إسلامية‭ ‬يكون‭ ‬أبطالها‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬فقط،‭ ‬واعتذرت‭ ‬لهم؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نجاح‭ ‬عمل‭ ‬مسرحيّ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬المرأة‭. ‬هم‭ ‬يؤمنون‭ ‬بدور‭ ‬المسرح‭ ‬وأهميته،‭ ‬لكنهم‭ ‬يريدون‭ ‬مسرحًا‭ ‬وفق‭ ‬فكرهم‭ .‬المسرح‭ ‬السياسيّ‭ ‬جرى‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المسرح‭ ‬يُعَدّ‭ ‬من‭ ‬جمعيات‭ ‬النفع‭ ‬العامّ،‭ ‬ومن‭ ‬شروط‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬عدم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكّن‭ ‬أيّ‭ ‬مسؤول‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬المسرح‭ .‬هناك‭ ‬رقابة‭ ‬موازية‭ ‬للرقابة‭ ‬الحكومية؛‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬لأيّ‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬قضية‭ ‬ويوقف‭ ‬عرض‭ ‬المسرحية،‭ ‬فيكون‭ ‬النصُّ‭ ‬مُجَازًا،‭ ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬مشكلة،‭ ‬فتتراجع‭ ‬رقابة‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬إجازته‭.‬

بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬العراقيّ،‭ ‬تخلّصنا‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬السياسيّ‭ ‬الجادّ،‭ ‬فمنذ‭ ‬عام‭ ‬1991م‭ ‬وهو‭ ‬غائب؛‭ ‬أين‭ ‬المسرح‭ ‬السياسيّ‭ ‬الجادّ؟‭ ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬تجربة‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬في‭ ‬‮«‬عنبر‭ ‬و11‭ ‬سبتمبر‮»‬‭ ‬مع‭ ‬الفنان‭ ‬القطريّ‭ ‬غانم‭ ‬السليطي،‭ ‬قدَّمناها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬شهر‭ ‬ونصف‭ ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬المتواصل‭ ‬والبروفات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أجر‭. ‬وخسرنا ‭)‬بوصفنا‭ ‬شريكين‭( ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬والدعاية‭ ‬والإعلانات؛‭ ‬لأن‭ ‬المسرح‭ ‬الجادّ‭ ‬لا‭ ‬يُدَعم،‭ ‬وغير‭ ‬مطلوب‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬الكويت؛‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬سلطة‭.‬

من‭ ‬أسباب‭ ‬تراجع‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬عقدين‭:‬ المتأسلمون،‭ ‬والرقابة،‭ ‬والتخلّي‭ ‬عن‭ ‬الدعم،‭ ‬فالمسرح‭ ‬بات‭ ‬الآن‭ ‬يتيم‭ ‬الأب‭ ‬والأم؛‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬دعم‭ ‬ولا‭ ‬تشجيع‭.‬ إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬نهضة‭ ‬مسرحية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬الأوقات،‭ ‬فهي‭ ‬بفضل‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬السالم‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ضاحية‭ ‬مسرحًا‭.‬
الكويت‭ ‬تخلّصت‭ ‬من‭ ‬الغزو‭ ‬العراقيّ،‭ ‬وطردت‭ ‬المحتلّ،‭ ‬لكنها‭ ‬طردت‭ ‬معه‭ ‬المسرح‭ ‬السياسيّ‭ ‬والمسرح‭ ‬الجادّ،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬إفساح‭ ‬المجال‭ ‬لمسرح‭ ‬التهريج‭ ‬التجاريّ‭.‬

تعرَّضتُ‭ ‬شخصيًّا‭ ‬إلى‭ ‬المضايقات‭ ‬والتهديد،‭ ‬فتركت‭ ‬المسرح‭ ‬السياسيّ،‭ ‬واتّجهت‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬الاجتماعيّ‭.‬ من‭ ‬ناحية‭ ‬الدعم‭ ‬الماديّ،‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الذهبيّ‭ ‬للمسرح،‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬دعم‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬بــ‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دينار،‭ ‬والتلفزيون‭ ‬كان‭ ‬يدعم‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإعلانات،‭ ‬لكن‭ ‬الدعم‭ ‬توقّف،‭ ‬وأصبح‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعم؛‭ ‬مما‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭.‬