العرضة النجدية من ساحات الرقص  إلى قائمة اليونسكو

العرضة النجدية من ساحات الرقص إلى قائمة اليونسكو

مها-السنانلا‭ ‬نقوم‭ ‬كلنا‭ ‬بأعمال‭ ‬عظيمة،‭ ‬لكن‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بأشياء‭ ‬بسيطة‭ ‬للغاية‭ ‬بحب‭ ‬كبير‭          ‬الأم‭ ‬تيريزا‭ ‬

من‭ ‬ويندهوك‭ ‬عاصمة‭ ‬دولة‭ ‬ناميبيا،‭ ‬أُعلن‭ ‬ضمّ‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬العالميّ‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬العاشر‭ ‬للّجنة‭ ‬الحكومية‭ ‬الدولية‭ ‬لصون‭ ‬التراث‭ ‬الثقافيّ‭ ‬غير‭ ‬الماديّ‭ ‬لمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلم‭ ‬والثقافة‭ ‬االيونسكوب‭.‬

ومع‭ ‬إعلان‭ ‬تسجيل‭ ‬االعرضة‭ ‬النجديةب‭ ‬تسارعنا‭ ‬إلى‭ ‬هواتفنا‭ ‬نرسل‭ ‬الرسائل‭ ‬والصور‭ ‬والتباشير،‭ ‬مبشرين‭ ‬بهذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬الوطنيّ‭ ‬عبر‭ ‬هاشتاغ‭ #‬العرضة‭_‬النجدية‭_‬في‭ ‬التراث‭_‬العالمي‭ ‬في‭ ‬تويتر،‭ ‬الذي‭ ‬اكتظّ‭ ‬بالمهنّئين،‭ ‬وبعض‭ ‬المشككين‭ ‬في‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭!‬

لم‭ ‬أردّ‭ ‬شخصيًّا‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬حينها،‭ ‬لكن‭ ‬سأترك‭ ‬لهذه‭ ‬المساحة‭ ‬المجال‭ ‬لشرح‭ ‬معنى‭ ‬تسجيل‭ ‬عنصر‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬السعوديّ‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬التمثيلية‭ ‬للتراث‭ ‬العالميّ‭ ‬لدى‭ ‬اليونسكو،‭ ‬ودورنا‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬السعودية‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬وكيف‭ ‬جرى‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الوفد‭ ‬السعوديّ‭ ‬طوال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬إقناع‭ ‬اللجنة‭ ‬لتعديل‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬االترحيلب‭ ‬إلى‭ ‬االقبولب‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬النهائيّ،‭ ‬عبر‭ ‬مناقشات‭ ‬ومفاوضات‭ ‬حثيثة‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬المحاولة،‭ ‬مع‭ ‬التعبير‭ ‬بشغف‭ ‬وبمحبة‭ ‬عميقة‭ ‬للوطن‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬عنصر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تراثنا‭ ‬الغنيّ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المحفل‭ ‬العالميّ‭ ‬المهمّ‭ ‬للتراث‭ ‬غير‭ ‬المادي‭.‬

.


2مها-السنانرقصة
‭ ‬السيوف ووحدة‭ ‬الصفوف

ليس‭ ‬ثمة‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬العناية‭ ‬بتراثها‭ ‬وتهمش‭ ‬موروثها‭ ‬الثقافيّ‭ ‬في‭ ‬أبعاده‭ ‬العلمية‭ ‬والفنية،‭ ‬وتتنكر‭ ‬لإيجابيات‭ ‬ماضيها‭ ‬بحجة‭ (‬العصرنة‭) ‬والتقدم،‭ ‬إنما‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬لمشروعها‭ ‬المعرفيّ‭ ‬والثقافيّ‭ ‬المستقبليّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬التطورات‭ ‬التقنية‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الإنسانيّ،‭ ‬وكما‭ ‬قيل‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬ماضي‭ ‬له‭.‬

ومن‭ ‬إيجابيات‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نحافظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬ريح‭ (‬العصرنة‭)‬؛‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تقتلعها‭ ‬من‭ ‬جذورها،‭ ‬وتنجرف‭ ‬مع‭ ‬تسونامي‭ ‬متغيرات‭ ‬الحداثة؛‭ ‬الفنونُ‭ ‬الشعبية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الرقصات‭ ‬والأهازيج‭ ‬العريقة،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬تزخر‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الفنون‭ ‬الاستعراضية،‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬مساحاتها‭ ‬الهائلة‭ ‬نجد‭ ‬مختلف‭ ‬الرقصات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬مفاهيم‭ ‬متعددة‭ ‬المقاصد‭ ‬والأهداف،‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬حول‭ ‬الحروب‭ ‬والانتصارات،‭ ‬حسب‭ ‬أطياف‭ ‬وثقافات‭ ‬المناطق؛‭ ‬مثل‭: ‬العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬أو‭ ‬العرضة‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬إدراجها‭ ‬مؤخرًا‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬التراث‭ ‬الثقافيّ‭ ‬العالميّ‭ ‬غير‭ ‬الماديّ‭ ‬لدى‭ ‬اليونيسكو؛‭ ‬لتوثيقها‭ ‬بوصفها‭ ‬تراثًا‭ ‬مهمًّا،‭ ‬يجب‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه‭ ‬هويةً‭ ‬وطنيةً‭ ‬تستدعي‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بها‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬الاندثار‭.‬

العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬تشتهر‭ ‬بها‭ ‬منطقة‭ ‬نجد،‭ ‬وتُعَدُّ‭ ‬أيقونة‭ ‬التراث‭ ‬الفنيّ‭ ‬السعوديّ،‭ ‬وتحرص‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬العناية‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬إدخالها‭ ‬ضمن‭ ‬المناهج‭ ‬الرياضية‭ ‬في‭ ‬المدارس،‭ ‬وقلَّما‭ ‬تجد‭ ‬احتفالًا‭ ‬من‭ ‬الاحتفالات‭ ‬المهمَّة‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬فيه‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية‭. ‬ويحرص‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬والعائلة‭ ‬المالكة‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬ومشاركة‭ ‬محبي‭ ‬العرضة‭ ‬في‭ ‬تأدية‭ ‬هذه‭ ‬الرقصة‭ ‬الحماسية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬الوطنية‭ ‬والمهرجانات‭ ‬التراثية؛‭ ‬مثل‭: ‬مهرجان‭ ‬الجنادرية‭ ‬الذي‭ ‬يجسّد‭ ‬ذلك‭ ‬التوجه‭ ‬والولع‭ ‬بالموروث‭ ‬الوطنيّ؛‭ ‬ويكتمل‭ ‬المشهد‭ ‬برفع‭ ‬السيوف‭ ‬على‭ ‬إيقاعات‭ ‬الطبول،‭ ‬وترديد‭ ‬القصائد‭ ‬الحماسية‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬أخّاذة،‭ ‬ويتحلّى‭  ‬المشاركون‭ ‬فيها‭ ‬بلباس‭ ‬العرضة‭ ‬التراثيّ‭ ‬المزركش‭ ‬الجميل‭ ‬المُحَاك‭ ‬من‭ ‬أجود‭ ‬الأقمشة‭ ‬وأنفسها‭ ‬ذات‭ ‬الألوان‭ ‬المتنوعة،‭ ‬ويتمنطق‭ ‬الرجال‭ ‬عادة‭ ‬حزامًا‭ ‬جلديًّا‭ ‬لحمل‭ ‬الأسلحة‭ ‬النارية‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬التباهي‭.‬

.

6مها-السنانوتُؤَدَّى‭ ‬العرضةُ‭ ‬بشكل‭ ‬جماعيّ‭ ‬في‭ ‬صفٍّ‭ ‬أو‭ ‬صفَّينِ‭ ‬وبتلاحم‭ ‬الأيدي‭ ‬والأكتاف؛‭ ‬إذ‭ ‬تبدأ‭ ‬الأجساد‭ ‬بالرقص‭ ‬الرجولي‭ ‬على‭ ‬إيقاعات‭ ‬الطبول‭ ‬التي‭ ‬عادةً‭ ‬يحملها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬فيرفعونها‭ ‬تارةً،‭ ‬وينزلونها‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬بطريقة‭ ‬تلهب‭ ‬حماسة‭ ‬الفرسان‭. ‬واختلف‭ ‬في‭ ‬سبب‭ ‬تسمية‭ ‬العرضة‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬بسبب‭ ‬عرض‭ ‬الرجال‭ ‬أنفسهم‭ ‬وما‭ ‬يرتدونه‭ ‬من‭ ‬ألبسة‭ ‬استعراضية،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬عرض‭ ‬جياد‭ ‬الحرب،‭ ‬ومن‭ ‬أشهر‭ ‬قصائد‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬القصيدةُ‭ ‬الحماسية‭ ‬المشهورة‭ ‬التي‭ ‬اعتدنا‭ ‬سماعها‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬وتثير‭ ‬داخلنا‭ ‬حرارة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتدغدغ‭ ‬مكامن‭ ‬الفَخَار‭ ‬بوطننا‭ ‬الحبيب‭:‬

نحمد‭ ‬الله‭ ‬جـت‭ ‬على‭ ‬مـا‭ ‬نتمنـــى

من‭ ‬ولي‭ ‬العرش‭ ‬جزل‭ ‬الوهايب

خبّــر‭ ‬اللي‭ ‬طـــامـعـــا‭ ‬فـي‭ ‬وطــنــا

دونهـا‭ ‬نثني‭ ‬إلـى‭ ‬جــات‭ ‬طلايب

.

للحديث‭ ‬عن‭ ‬تسجيل‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬قصة،‭ ‬نبدأ‭ ‬بها‭ ‬من‭: ‬لماذا‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية؟‭ ‬

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬مفهوم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التحديد،‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬العرضة‭ ‬التي‭ ‬تؤديها‭ ‬مجتمعات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬بمناطقها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وفي‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬أيضًا،‭ ‬مع‭ ‬اختلافات‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬واللُّبْس‭ ‬والعناصر‭ ‬الثقافية‭ ‬الأخرى‭ ‬المرتبطة‭ ‬بممارسة‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬الأداء،‭ ‬أراد‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬بالمبادرة‭ ‬نوعًا‭ ‬من‭ ‬التخصيص‭ ‬بسبب‭ ‬الاختلافات؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬تسجيل‭ ‬العنصر‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخصوصية‭ ‬المحلية‭ ‬والتفرُّد‭ ‬الوطنيّ،‭ ‬لا‭ ‬ينتقص‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬تسجيل‭ ‬عناصر‭ ‬التراث‭ ‬المشتركة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الشقيقة‭ ‬أو‭ ‬المجاورة‭ ‬ذات‭ ‬الثقافة‭ ‬المشابهة‭. ‬

ولأنه‭ ‬لا‭ ‬يسع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬إلا‭ ‬تسجيل‭ ‬عنصر‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬إعداد‭ ‬ملف‭ ‬لعنصر‭ ‬واحد‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬أو‭ ‬العناصر‭ ‬الثقافية‭ ‬المحلية‭.‬

ويأتي‭ ‬السؤال‭ ‬الثاني‭: ‬متى‭ ‬بدأ‭ ‬العمل؟‭ ‬باقتراح‭ ‬من‭ ‬سفيرنا‭ ‬لدى‭ ‬اليونسكو،‭ ‬المندوب‭ ‬الدائم‭ ‬الدكتور‭ ‬زياد‭ ‬الدريس؛‭ ‬عملت‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬عدة‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الملف،‭ ‬وجرى‭ ‬تقديمه‭ ‬مرتين‭ ‬لكنه‭ ‬رُفض؛‭ ‬لاعتبارات‭ ‬عدة؛‭ ‬منها‭ ‬منهجية‭ ‬إعداد‭ ‬الملف،‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬دور‭ ‬المجتمعات‭ ‬المدنية‭ ‬والأفراد؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الملفات،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬القطاع‭ ‬الحكوميّ‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬رفعها‭ ‬إلى‭ ‬المنظمة‭ ‬تعدّ‭ ‬مشاركة‭ ‬المجتمعات‭ ‬عنصرًا‭ ‬أساسيًّا‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬ونطاق‭ ‬عمل‭ ‬اليونسكو‭ ‬لأن‭ ‬أيّ‭ ‬عنصر‭ ‬يجري‭ ‬تسجيله‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬بين‭ ‬سطوره‭ ‬قيمة‭ ‬مجتمعية،‭ ‬ورغبة‭ ‬أفراد‭ ‬وممارسي‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬في‭ ‬توثيقه؛‭ ‬لأن‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ -‬أيضًا‭- ‬مسؤولية‭ ‬الجميع‭ ‬لا‭ ‬القطاع‭ ‬الحكوميّ‭ ‬وَحْدَه؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬تشكيل‭ ‬الهوية‭ ‬مرتبط‭ ‬بالتنوّع‭ ‬الثقافيّ‭ ‬والتراثيّ‭ ‬للمجتمع‭ ‬بجميع‭ ‬طوائفه‭. ‬

وأتذكر‭ ‬أني‭ ‬قابلت‭ ‬الدكتور‭ ‬الدريس‭ ‬قبل‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أعضاء‭ ‬الجمعية‭ ‬المؤسسين،‭ ‬وتحدثنا‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬حال‭ ‬التراث‭ ‬وأهمية‭ ‬اتّباع‭ ‬منهجية‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬تراثنا‭ ‬غير‭ ‬المادي،‭ ‬وسألته‭ ‬عما‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬تسجيل‭ ‬العرضة‭ ‬في‭ ‬اليونسكو‭ ‬وماهيته‭ ‬وعقباته‭… ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭, ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬الملف‭ ‬قيد‭ ‬الإعداد،‭ ‬وأنه‭ ‬رُفض‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭. ‬توقفنا‭ ‬هنا،‭ ‬وعملنا‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬في‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬خبراء‭ ‬معتمدين‭ ‬لدى‭ ‬اليونسكو،‭ ‬وبالتواصل‭ ‬مع‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬أعددنا‭ ‬ورشة‭ ‬عمل،‭ ‬وقَّع‭ ‬الحاضرون‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬صون‭ ‬التراث‭ ‬غير‭ ‬المادّيّ‭. ‬وبعد‭ ‬انتخابات‭ ‬الدورة‭ ‬الثانية‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الجمعية،‭ ‬وانتخاب‭ ‬الدكتور‭ ‬زياد‭ ‬ضمن‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬ولجنة‭ ‬مشروع‭ ‬حال‭ ‬التراث‭ ‬المعنية‭ ‬بالتراث‭ ‬غير‭ ‬المادّيّ‭ ‬وتوثيقه،‭ ‬بادر‭ ‬بعرض‭ ‬مستجدّات‭ ‬ملف‭ ‬العرضة،‭ ‬وعرضتْ‭ ‬حينها‭ ‬رئيسُ‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميرة‭ ‬عادلة‭ ‬بنت‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬مقترح‭ ‬تبنّي‭ ‬الجمعية‭ ‬الملف‭ ‬ضمن‭ ‬دورها‭ ‬بوصفها‭ ‬منظمة‭ ‬مجتمع‭ ‬مدنيّ،‭ ‬وأيّد‭ ‬المقترح‭ ‬بقية‭ ‬الأعضاء‭ ‬وخرج‭ ‬القرار،‭ ‬وبدأنا‭ ‬العمل‭. ‬كان‭ ‬دور‭ ‬الجمعية‭ ‬حلقة‭ ‬الوصل‭ ‬بين‭ ‬الوزارة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المدنية‭ ‬والممارسين،‭ ‬واعتمادًا‭ ‬على‭ ‬منهجية‭ ‬اليونسكو،‭ ‬أقمنا‭ ‬ورش‭ ‬عمل،‭ ‬وخرج‭ ‬فريق‭ ‬العمل؛‭ ‬لاستكمال‭ ‬ملف‭ ‬كان‭ ‬الزملاء‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭ ‬قد‭ ‬عملوا‭ ‬على‭ ‬إنجازه،‭ ‬وتضافرت‭ ‬الجهود‭ ‬بدعم‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬الجمعية‭.‬

4مها-السنان

رفعت‭ ‬الوزارة‭ ‬الملف‭ ‬قبل‭ ‬١٨‭ ‬شهرًا‭ ‬من‭ ‬موعد‭ ‬التصويت،‭ ‬وانتظرنا‭ ‬الموعد،‭ ‬وحزمنا‭ ‬الحقائب‭ ‬بنية‭ ‬المفاوضات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وصلَنا‭ ‬ردّ‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬قيّمت‭ ‬الملف‭ ‬بملاحظات‭ ‬قد‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تأجيل‭ ‬التسجيل‭ ‬سنتين‭ ‬أُخريين،‭ ‬وهنا‭ ‬جاء‭ ‬دور‭ ‬الشرح‭ ‬والتوضيح‭ ‬لأعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬قبيل‭ ‬التصويت‭ ‬بـ‭ ‬٧٢‭ ‬ساعة،‭ ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬الحظ،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬اقتنعت‭ ‬بسلامة‭ ‬الملف‭ ‬وقَبوله‭ ‬للتسجيل،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬الجلسة،‭ ‬وتداول‭ ‬عناصر‭ ‬الملف‭ ‬مع‭ ‬رأي‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬قيّمته،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تحدّث‭ ‬الوفد‭ ‬السعوديّ‭ ‬شارحًا‭ ‬وجهة‭ ‬نظره؛‭ ‬جاء‭ ‬التصويت‭ ‬لصالح‭ ‬التسجيل‭!‬

ثلاثون‭ ‬دقيقة‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬أثنائها‭ ‬النقاش‭ ‬والتسويغ‭ ‬والتصويت؛‭ ‬انتهت‭ ‬برفع‭ ‬علم‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وترديد‭ ‬انحمد‭ ‬الله‭ ‬جت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نتمنىب؛‭ ‬الآن‭ ‬أصبحت‭ ‬العرضة‭ ‬النجدية‭ ‬عنصرًا‭ ‬مسجلًا‭ ‬في‭ ‬القائمة‭ ‬التمثيلية‭ ‬للتراث‭ ‬الثقافيّ‭ ‬العالميّ،‭ ‬بفضل‭ ‬إيمان‭ ‬وحب‭ ‬وعمل‭ ‬أشخاص،‭ ‬ودعم‭ ‬آخرين‭.‬

كان‭ ‬العمل‭ ‬نموذجًا‭ ‬للفعل‭ ‬التكامليّ‭ ‬بين‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬والمجتمعات‭ ‬المدنية‭ ‬والأفراد،‭ ‬ضمن‭ ‬منهجية‭ ‬اليونسكو،‭ ‬وهي‭ ‬منهجية‭ ‬عالمية‭ ‬مقننة‭ ‬ذات‭ ‬ضوابط‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬عناصر‭ ‬التراث‭ ‬الثقافيّ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬وَفْقَ‭ ‬محدّداتها؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬وإبرازها‭ ‬وتطويرها،‭ ‬وهذا‭ ‬جوهر‭ ‬عملنا‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬السعودية‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬ومنهجنا‭ ‬لتوثيقه‭. ‬وأختم‭ ‬بقول‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميرة‭ ‬عادلة‭ ‬بنت‭ ‬عبدالله‭: ‬اإن‭ ‬دورنا‭ ‬بوصفنا‭ ‬منظمة‭ ‬مجتمع‭ ‬مدنيّ‭ ‬هو‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬توثيق‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬المهمّ‭ ‬من‭ ‬حضارتنا،‭ ‬ونشر‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بالهوية،‭ ‬والسعي‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬إرثنا‭ ‬الوطنيّ‭ ‬الغنيّ‭ ‬والمميّز،‭ ‬والعمل‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬المسؤول‭ ‬والمهتمّ‭ ‬والممارس‭ ‬وحافظ‭ ‬التراثب‭.‬

5مها-السنان