بلاك ووتر.. حروب بلا كلفة أخلاقية

بلاك ووتر.. حروب بلا كلفة أخلاقية

بلاك وترفي‭ ‬عالمنا‭ ‬الرأسماليّ‭ ‬الذي‭ ‬تتقلّص‭ ‬مسافاته‭ ‬الجغرافية‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬جرى‭ ‬تسليع‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬الحرب‭.‬ خصخصة‭ ‬الجيوش‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬معالم‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬والخصخصة‭ ‬هنا‭ ‬تَعْني‭ ‬تسليم‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصّة‭ ‬مهمّة‭ ‬صناعة‭ ‬جيوش‭ ‬صغيرة‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬على‭ ‬مقاتلين‭ ‬مرتزقة،‭ ‬لا‭ ‬يهمّ‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أتَوْا،‭ ‬ولا‭ ‬أين‭ ‬سيذهبون،‭ ‬فالمال‭ ‬يمتلك‭ ‬كلّ‭ ‬الأجوبة‭ ‬هنا‭.‬

خطورة‭ ‬الجيوش‭ ‬المرتزقة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬عامل‭ ‬اضطراب‭ ‬آخر‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬غير‭ ‬المستقرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬تسهّل‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والسياسيين‭ ‬التدخّل‭ ‬وإشعال‭ ‬الحروب،‭ ‬بلا‭ ‬كُلفة‭ ‬أخلاقية،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬توريط‭ ‬مواطنيها،‭ ‬أو‭ ‬تحمُّل‭ ‬عبء‭ ‬وثقل‭ ‬سياسيّ‭. ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يدفع‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬الحروب‭ ‬لوجود‭ ‬مَن‭ ‬يدفع‭.‬ واستخدام‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬ظاهرة‭ ‬قديمة،‭ ‬بل‭ ‬وسابقة‭ ‬على‭ ‬جيوش‭ ‬الدول‭ ‬الحديثة؛‭ ‬إذ‭ ‬استخدمهم‭ ‬الملوك‭ ‬والبابوات‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭.‬

وقد‭ ‬اضمحلّت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مع‭ ‬حرص‭ ‬الدول‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬المنطق‭ ‬السياسيّ‭ ‬في‭ ‬احتكارها‭ ‬القوة‭ ‬والعنف،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬نَمَتْ‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وازدهرت‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬في‭ ‬أزمات‭ ‬متنوعة‭ ‬اليوم؛‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬لمواجهة‭ ‬بوكو‭ ‬حرام‭ ‬في‭ ‬نيجيريا،‭ ‬إلى‭ ‬مرتزقة‭ ‬شيشانيين؛‭ ‬لدعم‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وفَضْلُ‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬وإشعال‭ ‬الحروب،‭ ‬يعود‭ ‬تحديدًا‭ ‬إلى‭ ‬حربَيْ‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬حين‭ ‬مثّلت‭ ‬هذه‭ ‬الجيوش‭ ‬الخاصة‭ ‬ركيزة‭ ‬مهمة‭ ‬للحرب‭ ‬الأميركية،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك،‭ ‬إلى‭ ‬هجمات‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭.‬

في‭ ‬العاشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام ‭‬2001م،‭ ‬وقبل‭ ‬هجمات‭ ‬سبتمبر‭ ‬بيوم‭ ‬واحد،‭ ‬وقف‭ ‬دونالد‭ ‬رامسفيلد،‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش؛‭ ‬ليلقي‭ ‬خطابًا‭ ‬رئيسيًّا‭ ‬في‭ ‬البنتاغون،‭ ‬وأمام‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين،‭ ‬والمشرفين‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬الدفاع‭ ‬الضخمة؛‭ ‬انتقد‭ ‬رامسفيلد‭ ‬بيروقراطية‭ ‬سياسات‭ ‬البنتاغون‭ ‬وبطأها،‭ ‬وطالب‭ ‬بإجراء‭ ‬تحوُّل‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬سياسات‭ ‬الدفاع‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الخاصّ‭.‬ في‭ ‬اليوم‭ ‬اللاحق‭ ‬تمَّت‭ ‬مهاجمة‭ ‬البنتاغون‭ ‬في‭ ‬هجمات‭ ‬سبتمبر‭ ‬المشهورة،‭ ‬ووُضِعت‭ ‬خطة‭ ‬رامسفيلد‭ ‬فورًا‭ ‬في‭ ‬حيّز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تُعرَف‭ ‬بما‭ ‬يسمّى‭ ‬عقيدة‭ ‬رامسفيلد‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬ملامحها‭ ‬التركيز‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬الخاصة‭ ‬والمقاولين،‭ ‬والتشديد‭ ‬على‭ ‬السرية،‭ ‬واستخدام‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭.‬ هذا‭ ‬الانطلاق‭ ‬إلى‭ ‬الصناعة‭ ‬وازدهارها‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬العقد‭ ‬الماضي،‭ ‬أتى‭ ‬تتويجًا‭ ‬لنشاط‭ ‬فعليّ‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات؛‭ ‬فديك‭ ‬تشيني‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬آنذاك،‭ ‬والحليف‭ ‬الوثيق‭ ‬لرامسفيلد،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬شرع‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬الحملات‭ ‬لدعم‭ ‬الهدف‭ ‬ذاته‭.‬

blackمئة‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عائد‭ ‬سنويّ

من‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬تعداد‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬فلم‭ ‬تتوافر‭ ‬للحكومات‭ ‬والإعلام‭ ‬فرص‭ ‬جيدة‭ ‬لتحصيل‭ ‬المعلومات؛‭ ‬بسبب‭ ‬الغموض‭ ‬وسياسات‭ ‬التكتّم‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬أرباب‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ .‬وراوحت‭ ‬تقديرات‭ ‬العائدات‭ ‬السنوية‭ ‬لهذه‭ ‬الصناعة‭ ‬بشكل‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬بضعة‭ ‬مليارات،‭ ‬وأوصلتها‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬مئة‭ ‬مليار،‭ ‬وفي‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬قُدّر‭ ‬تعداد‭ ‬المقاولين‭ ‬الأمنيين،‭ ‬وهي‭ ‬تسمية‭ ‬أخرى‭ ‬للجنود‭ ‬المرتزقة،‭ ‬ممن‭ ‬عملوا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القوات‭ ‬الأميركية‭ ‬بثلاثين‭ ‬ألفًا‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وسبعين‭ ‬ألفًا‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭.‬

بلاك‭ ‬ووتر،‭ ‬هي‭ ‬أشهر‭ ‬شركات‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭.‬ بعد‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬العقد‭ ‬على‭ ‬إنشائها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينيات؛‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬فرس‭ ‬الرهان‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭.‬ مؤسس‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬إريك‭ ‬برنس،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬ثرية‭ ‬يمينية،‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬قيادات‭ ‬من‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوريّ،‭ ‬وقد‭ ‬غادر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية؛‭ ‬بسبب‭ ‬المحاكمات‭ ‬والفضائح‭ ‬التي‭ ‬لاحقته‭ ‬مع‭ ‬شركته،‭ ‬واتّجه‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬والآن‭ ‬تزدهر‭ ‬أعماله‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة؛‭ ‬منها‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭.‬

إن‭ ‬تجربة‭ ‬وجود‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬مريرة،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتواصل‭ ‬تداعياتها؛‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬تمَّت‭ ‬محاكمة‭ ‬أربعة‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬منظمة‭ ‬بلاك‭ ‬ووتر‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬بأحكام‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬المؤبد‭ ‬والثلاثين‭ ‬عامًا؛‭ ‬لقتلهم‭ ‬14‭ ‬مدنيًّا‭ ‬عراقيًّا‭.‬ وأول‭ ‬مرة‭ ‬سمع‭ ‬العالم‭ ‬بالجنود‭ ‬المرتزقة،‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬كمين‭ ‬الفلوجة‭ ‬المشهور‭ ‬عام ‭‬2004م‭ ‬الذي‭ ‬قُتل‭ ‬فيه‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬مرتزقة‭ ‬بلاك‭ ‬ووتر،‭ ‬وقد‭ ‬استشرى‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة‭.‬ وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قال‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬الغرب‭:‬ إن‭ ‬الأمن‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬صادراتنا‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬إدارة‭ ‬بريمر‭ ‬العراق،‭ ‬ثلاثون‭ ‬بالمئة‭ ‬من‭ ‬مال‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬العراق‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬شركات‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬تتبّع‭ ‬الكاتب‭ ‬روبرت‭ ‬بينغ‭ ‬بيلتون‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقةَ‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أماكن‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محايدًا‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬الحقائق‭ ‬حولهم‭ ‬أمام‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬كتابه‭» ‬المُصرَّح‭ ‬لهم‭ ‬بالقتل»،‭ ‬ويتضح‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬عدة‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الخطّ‭ ‬الفاصل‭ ‬بين‭ ‬العمليات‭ ‬السرية‭ ‬والعمليات‭ ‬الإجرامية‭ ‬ليس‭ ‬موجودًا؛‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬عمليات‭ ‬سرية‭ ‬قابلة‭ ‬للإنكار‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات؛‭ ‬لأنها‭ ‬أعمال‭ ‬قذرة‭.‬ لقد‭ ‬صدرت‭ ‬مذكرات‭ ‬تحميهم‭ ‬من‭ ‬الاعتقال‭ ‬والمحاكمة،‭ ‬وفرّوا‭ ‬بجرائم‭ ‬مهولة‭ ‬يضيق‭ ‬المكان‭ ‬هنا‭ ‬بذكرها‭.‬ وكشفت‭ ‬تحقيقات‭ ‬فيدرالية‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬(كواتم) ‬صوت‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أسلحة‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهذا‭ ‬سلاح‭ ‬اغتيال‭ ‬هجوميّ‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬يزعم‭ ‬الدفاع،‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬بأحد‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬أن‭ ‬أدار‭ ‬هو‭ ‬وزملاؤه‭ ‬سجنًا‭ ‬كاملًا،‭ ‬يديرون‭ ‬فيه‭ ‬عمليات‭ ‬التعذيب‭ ‬والسجن‭ ‬تحت‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭. ‬

إن‭ ‬الدعم‭ ‬الأميركيّ‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬حسب‭ ‬قوانين‭ ‬أميركا‭ ‬نفسها‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬عولمتها‭ ‬وتمدُّدها،‭ ‬وأصبح‭ ‬أهل‭ ‬القوة‭ ‬والمال‭ ‬يتساهلون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬استئجار‭ ‬قوات‭ ‬خاصة،‭ ‬فالعروض‭ ‬وافرة،‭ ‬ويحرص‭ ‬دائمًا‭ ‬أرباب‭ ‬صناعة‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬كثيرًا‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬صورتهم،‭ ‬والملاحظ‭ ‬أن‭ ‬مستنقعات‭ ‬الأزمات‭ ‬خلقت‭ ‬حالات‭ ‬حاجة‭ ‬متجددة‭ ‬لهم؛‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬اليوم‭ ‬يتمددون،‭ ‬وينتصرون‭ ‬على‭ ‬شعار‭ ‬سياسيّ‭ ‬يقول‭:‬ «لا‭ ‬للمرتزقة»‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ساد‭ ‬قرونًا‭. ‬

خطر‭ ‬تمدد‭ ‬الحروب

إن‭ ‬ضعف‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ونشاطها‭ ‬كمناطق‭ ‬أزمات،‭ ‬يضعها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الرأسماليّ‭ ‬المطالب‭ ‬بتمدّد‭ ‬الحروب‭.‬ إن‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬شركات‭ ‬الجنود‭ ‬المرتزقة‭ ‬أنها‭ ‬تهدّد‭ ‬استقرار‭ ‬الدول،‭ ‬وتجدّد‭ ‬الأزمات،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬فاعل‭ ‬واضح‭ ‬خلف‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬محاسبته‭ ‬والقبض‭ ‬عليه‭.‬ ودائمًا‭ ‬ما‭ ‬تعزّز‭ ‬الأنظمة‭ ‬المُخفِقة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الصناعة،‭ ‬عبر‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬جلب‭ ‬أجهزة‭ ‬أمنية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬وحماية‭ ‬مصالحها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الجهة‭ ‬الأمنية‭ ‬للبلد‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

الجيوش‭ ‬الوطنية‭ ‬الفاعلة،‭ ‬والوعي‭ ‬السياسيّ‭ ‬والأُمميّ،‭ ‬هو‭ ‬الحلّ‭ ‬أمام‭ ‬تسرّب‭ ‬لوثة‭ ‬الجيوش‭ ‬الخاصة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهو‭ ‬الحلّ‭ ‬ذاته‭ ‬أمام‭ ‬معضلة‭ ‬مشابهة،‭ ‬وهي‭ ‬ظاهرة‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الدولة،‭ ‬فالجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الأزمات‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬العربيّ‭ ‬اليوم‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬نشاط‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬وقوتها‭.‬ إن‭ ‬ازدهار‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬للجيوش‭ ‬الخاصة،‭ ‬برعاية‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬ودعمها،‭ ‬هو‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬عقلية‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬مرتزقة‭ ‬المال‭ ‬هم‭ ‬القوة‭ ‬الضاربة‭ ‬التي‭ ‬تفعل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لمن‭ ‬يدفع‭.‬