تقسيم العراق..  صخب الإعلام وعقبات الأرض

تقسيم العراق.. صخب الإعلام وعقبات الأرض

amarينقسم‭ ‬العراقيون‭ ‬بشكل‭ ‬حادّ‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬تصوُّرات‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الحُكم‭ ‬المركزيّ‭ ‬أو‭ ‬وَحْدَة‭ ‬بلادهم. ‬الدستور‭ ‬ينصُّ‭ ‬على‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬لكن‭ ‬يُتَّهَم‭ ‬الكُردُ‭ ‬بأنهم‭ ‬يمارسون‭ ‬صلاحيات‭ ‬واسعة‭. ‬وتتجه‭ ‬أطراف‭ ‬من‭ ‬السُّنة ‭-‬أيضًا- ‬إلى‭ ‬الفيدرالية. ‬أما‭ ‬الشيعة‭ ‬فإنهم‭ ‬الطرف‭ ‬الأقل‭ ‬حديثًا‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬هيمنتهم‭ ‬على‭ ‬النسبة‭ ‬الكبرى‭ ‬من‭ ‬الحكم‭. ‬مشروع‭ ‬إقامة‭ ‬الأقاليم‭ ‬يوصف‭ ‬بأنه‭ ‬المُمهّد‭ ‬للانفصال،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬تجربة‭ ‬كردستان‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬الترويج‭ ‬لها؛‭ ‬للانفصال‭ ‬وتقرير‭ ‬المصير‭ ‬بشكل‭ ‬مستمرّ. ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الخلاصة‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬واضحة،‭ ‬فإن‭ ‬التعقيد‭ ‬هو‭ ‬جوهر‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

‮«‬لو‭ ‬انفصل‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان،‭ ‬فإن‭ ‬الحرب‭ ‬الداخلية‭ ‬ستعود،‭ ‬ولن‭ ‬تنطفئ،‭ ‬فقيادات‭ ‬الكرد‭ ‬موحَّدة؛‭ ‬لأن‭ ‬مصلحتها‭ ‬ضد‭ ‬المركز‭ ‬تحتم‭ ‬ذلك‮»‬‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬لي‭ ‬سياسيّ‭ ‬مخضرم‭ ‬من‭ ‬كردستان‭. ‬

الكلام‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يدفع‭ ‬رئيس‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وَفْق‭ ‬الصيغة‭ ‬الراهنة؛‭ ‬لأن‭ ‬طموحات‭ ‬الزعامة‭ ‬تحجب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬ومخاطر‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الانفصال. ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬يستدعي‭ ‬إجماعًا‭ ‬مفقودًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬فصوت‭ ‬الانفصال‭ ‬لا‭ ‬يعلو‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬السليمانية‭ ‬حيث‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطنيّ‭ ‬الكردستانيّ،‭ ‬وحركة‭ ‬التغيير؛‭ ‬هذان‭ ‬الحزبان‭ ‬هما‭ ‬العقبة‭ ‬الداخلية‭ ‬الرئيسة‭ ‬أمام‭ ‬انفراد‭ ‬البارزاني‭ ‬بقرار‭ ‬مصير‭ ‬الإقليم. ‬

يلاحظ‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الاتحاد،‭ ‬عدم‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الاستفتاء‭ ‬أو‭ ‬الانفصال،‭ ‬فهناك‭ ‬تأكيد‭ ‬متتابع‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬لخيارات‭ ‬بديلة. ‬القياديّ‭ ‬‮«‬الاتحاديّ‮»‬‭ ‬برهم‭ ‬صالح ‭-‬على‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل- ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬تحدَّث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬اللجوء‭ ‬للنظام‭ ‬الكونفدراليّ‭.‬ هذا‭ ‬الحديث‭ ‬سابقة‭ ‬سياسية،‭ ‬وهو‭ ‬الحلّ‭ ‬الوسط‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الفيدراليّ‭ ‬الراهن‭ ‬والانفصال‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬بارزاني. ‬أما‭ ‬حركة‭ ‬التغيير‭ ‬التي‭ ‬تشكَّلت‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬فهي‭ ‬الأخرى‭ ‬تبدو‭ ‬متحفّظة،‭ ‬أو‭ ‬باردة‭ ‬تجاه‭ ‬الانفصال‭.‬ وهذا‭ ‬التصوُّر‭ ‬ليس‭ ‬جديدًا‭ ‬على‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬اليساريّ‭ ‬المخضرم‭ ‬نوشيروان‭ ‬مصطفى،‭ ‬إنما‭ ‬سبقه‭ ‬تصريح‭ ‬لزعيمها‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬قال‭ ‬فيه‭:‬ ‮«‬الحركة‭ ‬تساند‭ ‬قرار‭ ‬بارزاني‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬مشاكل‭ ‬وضرر‭ ‬للشعب‭ ‬الكرديّ،‭ ‬لكنها‭ ‬تقف‭ ‬ضده‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬خلاف‭ ‬ذلك‮»‬‭. ‬

السُّنة‭..‬ بديل‭ ‬حكم‭ ‬العراق‭ ‬المستحيل‭!‬

الطموح‭ ‬الكرديُّ‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬وتكوين‭ ‬دولة‭ ‬كردستان‭ ‬الجنوبية‭ ‬أو‭ ‬الكبرى،‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬سُنيًّا‭. ‬سُنة‭ ‬العراق‭ ‬يُصنَّفون‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬بالمدافعين‭ ‬عن‭ ‬العراق‭ ‬بنسخته‭ ‬العربية‭ ‬الموحدة؛‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يسجِّل‭ ‬أيُّ‭ ‬تصريح‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬علنيّ‭ ‬عن‭ ‬الانفصال‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬وحتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬فالمشروع‭ ‬المطروح‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬إقليم‭ ‬سُنيّ‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الكرديّ،‭ ‬وهو‭ ‬موقف‭ ‬جدليّ‭ ‬تبلور‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬حكومة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭.‬ وقد‭ ‬تبنّاه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬رسميّ‭ ‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬‮«‬إخوان‭ ‬العراق‮»‬،‭ ‬وجرى‭ ‬الترويج‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬الأنبار‭.‬ وعمليًّا‭ ‬ظهرتْ‭ ‬أُولى‭ ‬الخطوات‭ ‬عندما‭ ‬قدمت‭ ‬محافظة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬مشروعًا‭ ‬للتحوُّل‭ ‬إلى‭ ‬إقليم‭…‬ لكنه‭ ‬أُجهِض‭.‬

Iraq-map-2وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬السُّنية،‭ ‬والتفكير‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وسط،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يشهد‭ ‬بعض‭ ‬المعارضة؛‭ ‬إذ‭ ‬تَرَى‭ ‬بعضُ‭ ‬القوى‭ ‬فيه‭ ‬تهديدًا‭ ‬لوَحْدة‭ ‬العراق‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التمثيل‭ ‬ظل‭ ‬صالح‭ ‬المطلك‭ ‬يعارض‭ ‬إقامة‭ ‬الأقاليم،‭ ‬ويدافع‭ ‬عن‭ ‬اللامركزية‭ ‬بصيغة‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الفيدرالية‭.‬ عبدالرحمن‭ ‬اللويزي،‭ ‬وهو‭ ‬نائب‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى،‭ ‬يُعَدّ‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المناوئين‭ ‬لإقامة‭ ‬مشروع‭ ‬الإقليم،‭ ‬وهدفُه‭ ‬الرئيسُ‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬السياسية‭ ‬مواجهةُ‭ ‬ما‭ ‬يسمِّيه‭ ‬التغييرَ‭ ‬الديمُوغرافيّ‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬وَحَدَات‭ ‬كردية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬المُحرَّرة‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬الموصل‭.‬ بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬يُعارِضُ‭ ‬مشروعَ‭ ‬توسيع‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬جديدة‭.‬

الحزب‭ ‬الإسلامي‭ ‬يمثّل‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬المتناثرة‭ ‬الأخرى؛‭ ‬مثل‭:‬ القوميّ‭ ‬التكريتيّ‭ ‬ناجح‭ ‬الميزان،‭ ‬الطرف‭ ‬الأكثر‭ ‬دفعًا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬ الباحث‭ ‬والنائب‭ ‬العلمانيّ‭ ‬السابق‭ ‬حسن‭ ‬العلوي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زيارات‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬والقياديّ‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬سليم‭ ‬الجبوري‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭.‬ ويشير‭ ‬العلوي‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬صحفية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحزب‭ ‬الإسلاميّ‭ ‬هو‭ ‬الطرف‭ ‬الأقوى‭ ‬والأكثر‭ ‬حماسًا‭ ‬لإقامة‭ ‬الإقليم‮»‬‭.‬ النائب‭ ‬السُّنيّ‭ ‬عن‭ ‬محافظة‭ ‬ديالى‭ ‬رعد‭ ‬الدهلكي،‭ ‬أشار ‭-‬أيضًا- ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خيار‭ ‬الإقليم‭ ‬أحد‭ ‬الخيارات‭ ‬المطروحة‭.‬

المفارقة‭ ‬الأهمّ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشروعًا‭ ‬بديلًا،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬أطرافًا‭ ‬سُنية‭ ‬تدعمه،‭ ‬وهو‭ ‬مقترح‭ ‬أثيل‭ ‬النجيفي،‭ ‬محافظ‭ ‬نينوى‭ ‬السابق،‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬المنصرم،‭ ‬وهو‭ ‬إقامة‭ ‬أقاليم‭ ‬جغرافية؛‭ ‬أي‭:‬ لا‭ ‬تعتمد‭ ‬الطائفية‭ ‬إنما‭ ‬التشابه‭ ‬الجغرافيّ‭.‬ ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬سعي‭ ‬آل‭ ‬النجيفي‭ ‬لزعامة‭ ‬الموصل؛‭ ‬لصعوبة‭ ‬الطموح‭ ‬إلى‭ ‬تزعُّم‭ ‬السُّنة‭.‬

أول‭ ‬مشروع‭ ‬لإقامة‭ ‬الأقاليم‭ ‬خارج‭ ‬كردستان،‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬الزعيم‭ ‬الشيعيّ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الحكيم،‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الإٍسلاميّ‭ ‬الأعلى؛‭ ‬إذ‭ ‬طالب‭ ‬الحكيم‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بإقامة‭ ‬إقليم‭ ‬الوسط‭ ‬والجنوب،‭ ‬حيث‭ ‬يضم‭ ‬تسع‭ ‬محافظات‭ ‬شيعية‭ ‬سوى‭ ‬بغداد‭ ‬التي‭ ‬يحظر‭ ‬الدستور‭ ‬العراقيّ‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬إقليم‭.‬ الانقسام‭ ‬الشيعيّ‭ ‬حول‭ ‬المشروع‭ ‬منع‭ ‬تطبيقه‭ ‬آنذاك،‭ ‬فحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬والزعيم‭ ‬المناوئ‭ ‬الآخر‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬يعارض‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭.‬ الأخير‭ ‬عُرِف‭ ‬عنه‭ ‬ميوله‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬غير‭ ‬الفيدرالي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬العربيّ‭.‬ في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التوجّه‭ ‬الشيعيّ‭ ‬معارِض‭ ‬لأيّ‭ ‬أقاليم‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬غير‭ ‬مناسبة‭.‬ لكن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الشيعية‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأقاليم‭ ‬بعين‭ ‬الريبة،‭ ‬وتعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تُمهّد‭ ‬للانفصال‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬رفضِ‭ ‬الأطراف‭ ‬كافة‭ ‬الحكمَ‭ ‬الشيعيَّ‭.‬ وليس‭ ‬واضحًا‭ ‬ماذا‭ ‬حل‭ ‬بمشروع‭ ‬الحكيم،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المصادر‭ ‬المطلعة‭ ‬تقول‭:‬ إن‭ ‬وريث‭ ‬زعامة‭ ‬المجلس‭ ‬عمار‭ ‬الحكيم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المشروع‭ ‬بوصفه‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬منهاج‭ ‬حزبه‭.‬