الحدود  في العالم العربي.. المتغيِّر والثابت – عبدالعزيز بن صقر

الحدود في العالم العربي.. المتغيِّر والثابت – عبدالعزيز بن صقر

AbdulAziz-Saqrحدود‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬القائمة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬لازمت‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬والظروف‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتحكّم‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬أساسية‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ. ‬فالخلافة‭ ‬العثمانية‭ ‬لم‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬باسم‭ ‬الاستعمار‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬إنما‭ ‬باسم‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬إطار‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬أسّست‭ ‬أصلًا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬واستمرّت‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬بصيغ‭ ‬وأسماء‭ ‬مختلفة. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقسيم‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬حقبة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬ومنها‭ ‬الخلافة‭ ‬الأموية‭ ‬والعباسية‭ ‬والعثمانية‭ ‬وغيرها،‭ ‬كان‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬أُسُس‭ ‬الولايات،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الولايات‭ ‬مثَّلت‭ ‬كيانات‭ ‬جغرافية‭ ‬وسياسية‭ ‬وحضارية‭ ‬مختلفة‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض؛‭ ‬فالعراق‭ ‬والشام‭ ‬ومصر‭ ‬والحجاز‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬ولايات‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬المعروفة‭ ‬كانت‭ ‬تُمثِّل‭ ‬ولايات‭ ‬تطوَّرت‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬سياسية‭ ‬مستقلَّة‭ ‬مثلما‭ ‬نعرفها‭ ‬اليوم،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬جغرافية‭ ‬تقارب‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬لاحقًا‭.‬

بدأت‭ ‬قضايا‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مايو ‭‬1917م،‭ ‬يوم‭ ‬توقيع‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬Sykes–Picot Agreement‭ ‬(أو‭ ‬اتفاقية‭ ‬آسيا‭ ‬الصغرى‭ (‬Asia‭ ‬Minor Agreement‭ ‬كما‭ ‬تُعرَف‭ ‬رسميًّا،‭ ‬ومثلت‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬أول‭ ‬خطوة‭ ‬لتقسيم‭ ‬مناطق‭ ‬النفوذ‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬وليس‭ ‬اتفاقية‭ ‬لرسم‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لكيانات‭ ‬سياسية‭ ‬ناشئة. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬وضعت‭ ‬بذور‭ ‬ما‭ ‬تطور‭ ‬لاحقًا‭ ‬إلى‭ ‬كيانات‭ ‬سياسية‭ ‬متميزة‭ ‬من‭ ‬بعضها. ‬وجاءت‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام ‭‬1918م،‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطانيّ‭ ‬لويد‭ ‬جورج‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفرنسيّ‭ ‬جورج‭ ‬كليمنصو؛‭ ‬لِتُنهِي‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬حُلم‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬موحَّدة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة. ‬وتجاوزت‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الأخيرة‭ ‬جميع‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬قطعت‭ ‬للعرب‭ ‬بإنشاء‭ ‬كيان‭ ‬سياسيّ‭ ‬عربيّ‭ ‬موحَّد‭ ‬في‭ ‬مراسلات‭ ‬سابقة،‭ ‬جَرَتْ‭ ‬بين‭ ‬قيادات‭ ‬عربية‭ ‬والقوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مراسلات‭ ‬الشريف‭ ‬حسين‭ ‬واللورد‭ ‬مكماهون‭ ‬بين‭ ‬عامَيْ (‭ (م‬1915‭ – ‬1916‬التي‭ ‬تضمّنت‭ ‬هذا‭ ‬الوعد‭.‬

منذ‭ ‬عام ‭‬1920م،‭ ‬بدأت‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬المستقلة‭ ‬بالظهور‭ ‬والتبلور‭ ‬التدريجيّ،‭ ‬ومعها‭ ‬ظهرت‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لكل‭ ‬كيان‭ ‬عربيّ‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحدود‭ ‬لا‭ ‬تمثّل‭ ‬الواقع‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬بل‭ ‬تعكس‭ ‬بشكل‭ ‬أساسيّ‭ ‬حدود‭ ‬نفوذ‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬المتصارعة‭ ‬في‭ ‬المنطقة. ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬ترسَّخت‭ ‬خطوط‭ ‬هذه‭ ‬الحدود،‭ ‬وتحوَّلت‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬رسمتها‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬قانونية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلال‭.‬

تحدٍّ‭ ‬‭ ‬فِعليّ‭ ‬لحدود‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ

كان‭ ‬أول‭ ‬تحدّ‭ ‬فعليّ‭ ‬لحدود‭ ‬وخارطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬قد‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬طبيعة‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭. ‬فقيام‭ ‬أنظمة‭ ‬عربية‭ ‬تتبنّى‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬الثورية‭ ‬والانقلابية‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬قضايا‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ. ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬الوحدة‭ ‬الاندماجية‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬رسميًّا‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬فبراير‭ ‬عام ‭‬1958م؛‭ ‬ليزيل‭ ‬الحدود‭ ‬القائمة‭ ‬والمعترف‭ ‬بها‭ ‬لدولتي‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا،‭ ‬ويعلن‭ ‬قيام‭ ‬كيان‭ ‬سياسيّ‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬الجمهورية‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬بحدود‭ ‬سياسية‭ ‬تضمّ‭ ‬أراضي‭ ‬الدولتيْنِ. ‬وبالتزامن‭ ‬جرى‭ ‬إعلان‭ ‬قيام‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬العربيّ‭ ‬الهاشميّ‮»‬؛‭ ‬ليضمّ‭ ‬أراضي‭ ‬دولتَي‭ ‬العراق‭ ‬والأردن،‭ ‬ويزيل‭ ‬خط‭ ‬الحدود‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قائمًا‭ ‬بينهما. ‬لكنَّ‭ ‬الكيانيْنِ‭ ‬الجديديْنِ‭ ‬لم‭ ‬يتمكَّنا‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحياة. ‬فقد‭ ‬انهارت‭ ‬الوَحْدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام ‭‬1961م،‭ ‬وقبلها‭ ‬انهار‭ ‬كيان‭ ‬الاتحاد‭ ‬العربيّ‭ ‬العراقيّ‭ ‬الأردنيّ‭ ‬في‭ ‬يوليو ‭‬1958م،‭ ‬وعادت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬إلى‭ ‬حدودها‭ ‬السابقة،‭ ‬وعاد‭ ‬خط‭ ‬الحدود‭ ‬السابق‭ ‬يمثل‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭.‬

في‭ ‬عام ‭‬1990م،‭ ‬جاءت‭ ‬أهم‭ ‬محاولة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ؛‭ ‬لتغيير‭ ‬الخارطة‭ ‬السياسية‭ ‬باستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬القوة‭. ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬أغسطس‭ ‬عام ‭‬1990م،‭ ‬بغزو‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬المستقلة‭ ‬وضمّها‭ ‬إليه‭ ‬بالقوة. ‬وهذه‭ ‬المحاولة‭ ‬لم‭ ‬تَدُمْ‭ ‬طويلًا؛‭ ‬إذ‭ ‬جرى‭ ‬تحرير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬عام ‭‬1991م،‭ ‬وعودتها‭ ‬دولةً‭ ‬مستقلةً،‭ ‬بحدودها‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬قبل‭ ‬عملية‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬والضمّ‭. ‬

هنا‭ ‬يمكننا‭ ‬القول: ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬هدفت‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬طبيعة‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬القيادات‭ ‬العربية‭ ‬أخفقت،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تعمر‭ ‬زمنًا‭ ‬طويلًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنهار،‭ ‬ويعود‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬القول: ‬إن‭ ‬ما‭ ‬تطوَّر‭ ‬منذ‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ولم‭ ‬تشهد‭ ‬قضية‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬تغيرات‭ ‬وقتية،‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬واقع‭ ‬الحدود‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الذي‭ ‬أمسى‭ ‬مبدأً‭ ‬راسخًا‭ ‬في‭ ‬الذهنية‭ ‬العربية‭ ‬والدولية. ‬

اللاعبون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول

خلال‭ ‬العقود‭ ‬الزمنية‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬حدث‭ ‬تطور‭ ‬خطير‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬امتلاك‭ ‬القوة،‭ ‬واستخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭. ‬فنتيجة‭ ‬لتطورات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬برزت‭ ‬قوى‭ ‬جديدة،‭ ‬أَنْهَت‭ ‬احتكار‭ ‬الدولةِ‭ ‬التقليديةِ‭ ‬القوةَ،‭ ‬حين‭ ‬تبلورت‭ ‬ظاهرة‭ ‬التنظيمات‭ ‬والميليشيات‭ ‬السياسية‭ ‬والعَقَدية‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تُنازِع‭ ‬الدولةَ‭ ‬والسلطة‭ ‬التقليدية‭ ‬السيطرةَ‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والمواطنين‭ ‬والموارد. ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬ظاهرةَ‭ ‬بروز‭ ‬دور‭ ‬‮«‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬،‭ ‬ويشمل‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬جميع‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الدولة‭ ‬الرسميّ،‭ ‬ومنها‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وجماعات‭ ‬المعارضة‭ ‬المسلحة،‭ ‬وجماعات‭ ‬المقاومة‭ ‬للاحتلال،‭ ‬والجماعات‭ ‬المدافعة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭… ‬وغيرها‭.‬

حرب‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التقليدية

‮«‬اللاعبون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬وجميع‭ ‬أصنافهم‭ ‬وانتماءاتهم‭ ‬يقودون‭ ‬اليوم‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬وينجحون‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬القائمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أَخْفقت‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬الرسمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الهدف‭ ‬بجميع‭ ‬الوسائل‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية. ‬والتغيير‭ ‬المُهم‭ ‬للحدود‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬انتصار‭ ‬حركة‭ ‬تحرير‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وعبر‭ ‬توظيف‭ ‬ميليشياتها‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬حدود‭ ‬دولة‭ ‬السودان،‭ ‬والإعلان‭ ‬عن‭ ‬استقلال‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬يوليو ‭‬2011م،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬الدوليّ‭ ‬بأمر‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭.‬

الحركة‭ ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬العراق‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬خُطَا‭ ‬حركة‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬فالميليشيات‭ ‬الكردية‭ ‬المسلحة‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬تمكَّنت‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬يُجرّد‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬في‭ ‬الشمال ‭)‬كردستان‭ ‬العراق). ‬والتطورات‭ ‬سائرة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬خارطة‭ ‬العراق،‭ ‬وخط‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬الدوليّ‭. ‬

في‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أغسطس ‭‬2014م،‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والشام‮»‬‭ ‬أو‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬كما‭ ‬يعرف‭ ‬اصطلاحًا،‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬بُثَّ‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬إلى‭ ‬الأبد. ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬إزالةِ‭ ‬التنظيمِ‭ ‬الإرهابيّ‭ ‬حواجزَ‭ ‬الحدود‭ ‬الدولية‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬دولتَيِ‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭. ‬

وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬قيادة‭ ‬التنظيم‭ ‬الإرهابيّ‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬أهداف‭ ‬التنظيم‭ ‬هو‭ ‬إلغاء‭ ‬آثار‭ ‬ونتائج‭ ‬اتفاقية‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو،‭ ‬وإلغاء‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬أجزاء‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬الاتفاقية‭. ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬عام ‭‬2014م،‭ ‬كان‭ ‬زعيم‭ ‬داعش‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬البغداديّ‭ ‬قد‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬خُطبته‭ ‬المشهورة‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬النور‭ ‬بمدينة‭ ‬الموصل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬زحف‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬حتى‭ ‬يضع‭ ‬المسمار‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬مؤامرة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭. ‬

خلاصة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬قوة‭ ‬‮«‬اللاعبين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬وقدراتهم‭ ‬ستكون‭ ‬المعوّل‭ ‬الذي‭ ‬يهدم‭ ‬الكيانات‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربيّ،‭ ‬ويُغيِّر‭ ‬خارطة‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قائمة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬عقد‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬فهذه‭ ‬القوى‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬والقدرات‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُهدّد‭ ‬‮«‬الأمر‭ ‬القائم‮»‬‭ ‬بالزوال‭ ‬السريع،‭ ‬ومنها‭ ‬الحدود‭ ‬السياسية‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬بشكلها‭ ‬التقليديّ‭ ‬الذي‭ ‬اعتدناه. ‬