هل تتغير  خريطة العالم العربي؟

هل تتغير خريطة العالم العربي؟

waheed-1كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الشواهد‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬إثارة‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬تغير‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ؛‭ ‬نتيجة‭ ‬الصراعات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تُمزق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬بلاده،‭ ‬وبخاصة‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا. ‬ويحظى‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬باهتمام‭ ‬واسع‭ ‬كلما‭ ‬حدثت‭ ‬تطورات‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬ملامح‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كثافة‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬ديموغرافيّ،‭ ‬واقترانها‭ ‬بتحركات‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬العراق. ‬فقد‭ ‬ازدادت‭ ‬وتيرة‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬ميليشيا‭ ‬‮«‬الحشد‭ ‬الشعبيّ‮»‬؛‭ ‬لإفراغ‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ديالى‭ ‬من‭ ‬قاطنيها‭ ‬السُّنَّة،‭ ‬ومَنْع‭ ‬عودة‭ ‬المهجّرين‭ ‬إليها. ‬وتزامن‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬شروع‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬في‭ ‬حفر‭ ‬خندق‭ ‬يمتدّ‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬ربيعة‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬خانقين. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬الكردية‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬يظل‭ ‬مثارًا‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬غرضه‭ ‬الحقيقيّ‭ ‬هو‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬حدود‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كرَّر‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬مسعود‭ ‬بارزاني‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬استفتاء؛‭ ‬لتقرير‭ ‬مصير‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭.‬

إن‭ ‬المصاعب‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬السعي‭ ‬لحلّ‭ ‬سلميّ‭ ‬للصراع‭ ‬الذي‭ ‬تحوَّل‭ ‬حربًا‭ ‬أهلية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬والمشاكل‭ ‬المتعاقبة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬محاولات‭ ‬التوصُّل‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحلّ،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعثُّره‭ ‬المرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬ليبيا؛‭ ‬تجعل‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬وفي‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ،‭ ‬مطروحًا. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬دلائل‭ ‬كافية‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشواهد‭ ‬وغيرها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بداية‭ ‬لتغير‭ ‬نهائيّ‭ ‬في‭ ‬الخريطة. ‬والمقصود‭ ‬بالتغيّر‭ ‬النهائيّ‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬قبولًا‭ ‬إقليميًّا‭ ‬ودوليًّا،‭ ‬ويحظى‭ ‬برضا‭ ‬قاطني‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬ستُرسم‭ ‬فيها‭ ‬حدود‭ ‬جديدة‭. ‬

ويصعب‭ ‬منهجيًّا‭ ‬توقُّع‭ ‬حدوث‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التغيُّر،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬حالة‭ ‬سيولة‭ ‬تتَّسم‭ ‬بها‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدِّي‭ ‬إليه. ‬فلا‭ ‬يتيسَّر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬السيولة‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالمواقع‭ ‬التي‭ ‬ينتزعها‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬طوال‭ ‬الوقت. ‬ولا‭ ‬يُسلّم‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭ ‬بسيطرة‭ ‬غيره‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬من‭ ‬‮«‬مناطق‭ ‬التَّماسّ‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬معظم‭ ‬المعارك،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬هذه‭ ‬السيطرة‭ ‬مُدَّة. ‬والنمط‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬أو‭ ‬عليها،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أغلبية‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬طرف‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬يظلّ‭ ‬هدفًا‭ ‬يسعى‭ ‬غيره‭ ‬لانتزاعه‭ ‬منه،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬اختلاف‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬إلى‭ ‬آخر. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬يبدو‭ ‬مختلفًا؛‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬تمركز‭ ‬مذهبيّ‭ ‬وعرقيّ‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬محددة‭ ‬ومعروفة،‭ ‬فقد‭ ‬خلطت‭ ‬هجمة‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬بعضَ‭ ‬الأوراق،‭ ‬وأدَّت‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬أوراق‭ ‬غيرها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الصراعات‭ ‬المتفاوتة‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المكونات‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭ ‬الثلاثة ‭)‬الشيعية،‭ ‬والكردية،‭ ‬والسُّنية) ‬التي‭ ‬تَقُوم‭ ‬أطروحةُ‭ ‬تغيير‭ ‬خريطة‭ ‬العراق‭ ‬عليها. ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬قدر‭ ‬معقول‭ ‬من‭ ‬الاتفاق،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التوافق‭ ‬العامّ،‭ ‬داخل‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬المقسَّمة‭ ‬بدورها‭ ‬إلى‭ ‬أحزاب‭ ‬وحركات‭ ‬وجماعات‭ ‬وعشائر‭ ‬وغيرها‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمدُّد‭ ‬قوات‭ ‬‮«‬البيشمركة‮»‬‭ ‬الكردية‭ ‬خارج‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تصدَّت‭ ‬لهجمات‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام ‭‬2014م؛‭ ‬يجعل‭ ‬انفصال‭ ‬إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬أقلّ‭ ‬–وليس‭ ‬أكثر–‭ ‬احتمالًا؛‭ ‬لأنه‭ ‬سيثير‭ ‬صراعًا‭ ‬أشدّ‭ ‬حِدَّة‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭.‬

Map2

هبوب‭ ‬ريح‭ ‬عاتية

وقُلْ‭ ‬مثلَ‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬الذي‭ ‬يؤدِّي‭ ‬اختزاله‭ ‬في‭ ‬طرفين‭ ‬متصارعين‭ ‬إلى‭ ‬تبسيط‭ ‬مُخِلّ‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مكونات‭ ‬كلّ‭ ‬منهما‭ ‬موحَّدة،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬متنافسة‭. ‬هكذا‭ ‬يبدو‭ ‬الطابع‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬هبوب‭ ‬ريح‭ ‬عاتية‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬وسرعتها‭ ‬أنها‭ ‬ستعصف‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬وهي‭ ‬كذلك‭ ‬بالفعل،‭ ‬لكنها‭ ‬ليست‭ ‬مما‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬أيّ‭ ‬تغير‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬واستقراره‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يسمح‭ ‬بتقنينه،‭ ‬وستظل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬سنواتٍ‭ ‬قادمةً‭.‬

إذا‭ ‬افترضنا‭ ‬توافر‭ ‬مقومات‭ ‬داخلية‭ ‬حاسمة‭ ‬تؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬خرائط‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬سيظل‭ ‬صعبًا‭ ‬تصور‭ ‬حدوث‭ ‬توافق‭ ‬إقليميّ‭ ‬عليه‭. ‬waheed-2

فمن‭ ‬الصعب‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة‭ ‬أن‭ ‬نتخيل‭ ‬تغييرًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخرائط‭ ‬يحقّق‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬الرئيسة‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن،‭ ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شهية‭ ‬إيران‭ ‬المفتوحة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬النفوذ؛‭ ‬سعيًا‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭. ‬ولا‭ ‬يَعْني‭ ‬ذلك‭ ‬استبعاد‭ ‬احتمال‭ ‬حدوث‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬زمنيّ‭ ‬بعيد‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬السيولة‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬صراعات‭ ‬المنطقة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬توقّع‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬يتجاوز‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬وثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬حين‭ ‬نتمسك‭ ‬بمناهج‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ونبتعد‭ ‬من‭ ‬التكهّن‭ ‬والتخمين‭ ‬والتنجيم‭. ‬