تصدّع العراق وسوريا  خطر مرشَّح للتعميم

تصدّع العراق وسوريا خطر مرشَّح للتعميم

Bdrkhanطرحت‭ ‬الأحداث‭ ‬المتلاحقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربيّ‭ ‬منذ‭ ‬خمسة‭ ‬أعوام‭ ‬جملة‭ ‬إشكاليات‭ ‬تتعلَّق‭ ‬أولًا‭ ‬بتعايش‭ ‬مكوِّنات‭ ‬المجتمعات‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬بلدانها،‭ ‬وثانيًا‭ ‬باستهدافات‭ ‬القُوى‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭ ‬وطبيعة‭ ‬روابطها‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬المكوّنات. ‬وما‭ ‬بدأ‭ ‬كحراكات‭ ‬داخلية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬تصحيح‭ ‬أوضاع‭ ‬الحكم‭ ‬وحقوق‭ ‬الجماعات،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انزلق؛‭ ‬إمّا‭ ‬بصراعات‭ ‬دامية،‭ ‬أو‭ ‬بانقسامات‭ ‬عمودية. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬شهد‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬تمزُّقات‭ ‬عميقة؛‭ ‬أظهرت‭ ‬بدورها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يُعتقد‭ ‬أنه‭ ‬تعايش‭ ‬سلميّ‭ ‬إنما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هُدنة‭ ‬انتظار‭ ‬أيّ‭ ‬فرصة‭ ‬تسنح‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع،‭ ‬ليس‭ ‬سياسيًّا‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬جغرافيًّا‭ ‬أيضًا‭.‬

إن‭ ‬الإخفاق‭ ‬التاريخيّ‭ ‬الكبير‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬هذا‭ ‬التعايش‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الدولة،‭ ‬دولة‭ ‬لجميع‭ ‬أبنائها،‭ ‬تعاملهم‭ ‬بمعايير‭ ‬مُواطَنة‭ ‬واحدة،‭ ‬وتعترف‭ ‬بمساواتهم‭ ‬بموجب‭ ‬القوانين. ‬أدَّى‭ ‬هذا‭ ‬الإخفاق‭ ‬إلى‭ ‬هشاشة‭ ‬مزمنة‭ ‬في‭ ‬الانتماء‭ ‬والولاء،‭ ‬وإلى‭ ‬داء‭ ‬عُضَال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أوصال‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع. ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬يَكُن‭ ‬العامل‭ ‬الخارجيّ،‭ ‬وبخاصة‭ ‬الدور‭ ‬الأميركيّ،‭ ‬عنصرًا‭ ‬مساعدًا‭ ‬في‭ ‬تدعيم‭ ‬السلم‭ ‬الأهليّ،‭ ‬إنما‭ ‬اشتغل‭ ‬كالعادة‭ ‬على‭ ‬التناقضات‭ ‬الداخلية‭ ‬لأيّ‭ ‬بلد،‭ ‬داعمًا‭ ‬الأنظمة؛‭ ‬لأنها‭ ‬تلبّي‭ ‬مصالحه،‭ ‬ومخاطبًا‭ ‬المجتمعات؛‭ ‬لتحريضها‭ ‬على‭ ‬التحرُّك‭ ‬‮«‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‮»‬. ‬وعندما‭ ‬فعلت‭ ‬أخيرًا،‭ ‬أو‭ ‬خُيّل‭ ‬إليها‭ ‬أنها‭ ‬تفعل،‭ ‬أخفق‭ ‬الدور‭ ‬الأميركيّ‭ ‬إخفاقًا‭ ‬ذريعًا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬حركاتها‭ ‬وملاقاة‭ ‬طموحاتها،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬‮«‬إدارة‮»‬‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭.‬

أثبتت‭ ‬الوقائع‭ ‬أنه‭ ‬حيثما‭ ‬توافرت‭ ‬عناصر‭ ‬داخلية ‭)‬مؤسسة‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدنيّ‭ ‬في‭ ‬تونس) ‬أمكن‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬الفوضى،‭ ‬ووضع‭ ‬أُسُس‭ ‬لاستعادة‭ ‬الاستقرار،‭ ‬ومقاومة‭ ‬الأجندات‭ ‬الخارجية. ‬أما‭ ‬البُؤَرُ‭ ‬الثلاثُ‭ ‬الأخرى: ‬(سوريا،‭ ‬واليمن،‭ ‬وليبيا)‭ ‬التي‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬فخّ‭ ‬الاقتتال‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬فعانت‭ ‬زمنًا‭ ‬طويلًا‭ ‬هيمنةَ‭ ‬فئة‭ ‬واحدة‭ ‬أقلّية؛‭ ‬قَبَلية‭ ‬أو‭ ‬مذهبية،‭ ‬صادرت‭ ‬الجيش‭ ‬والأمن،‭ ‬واستخدمتهما‭ ‬ضد‭ ‬أغلبية‭ ‬الشعب؛‭ ‬لذلك‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬نهج‭ ‬التغيير‭ ‬الجراحيّ،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬طرح‭ ‬الكيان‭ ‬الجغرافيّ‭ ‬للبلد. ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬يدٌ‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مباشر (‬معاهدة‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬عام ‭‬1916م،‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬بسوريا. ‬ضغوط‭ ‬الاستعمار‭ ‬الإيطاليّ‭ ‬لترسيخ‭ ‬الأقاليم‭ ‬الثلاثة‭ ‬الليبية. ‬ترجيح‭ ‬الاستعمار‭ ‬البريطانيّ‭ ‬وجود‭ ‬يمنيْنِ: ‬شماليّ‭ ‬وجنوبيّ)‬‭.‬

عدا‭ ‬البلدان‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬شملتها‭ ‬خريطة‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬الاسم‭ ‬الجميل‭ ‬لحقبة‭ ‬بائسة،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬بلغه‭ ‬‮«‬الربيع‮»‬‭ ‬الدمويّ‭ ‬عبر‭ ‬الغزو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الأميركيين‭ ‬عام ‭ ‬2003م‭. ‬وسواء‭ ‬أكانت‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬خطوة‭ ‬أميركية‭ ‬أم‭ ‬لا،‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬واضحًا‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬دقّت‭ ‬المسمار‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬نعش‭ ‬‮«‬استقرار‮»‬‭ ‬إقليميّ‭ ‬هُلاميّ؛‭ ‬إذ‭ ‬حرّكت‭ ‬كل‭ ‬الرواسب‭ ‬الطائفية‭ ‬والقومية‭ ‬والإثنية،‭ ‬ووضعت‭ ‬كل‭ ‬الخرائط‭ ‬تحت‭ ‬المراجعة،‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الحدود‭.‬

وأتاحت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬للحلفاء‭ ‬المنتصرين‭ ‬التصرُّف‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‮»‬‭ ‬العربية‭ – ‬العثمانية،‭ ‬بوساطة‭ ‬فرضها‭ ‬الانتدابيْنِ‭ ‬البريطانيّ‭ ‬والفرنسيّ،‭ ‬ورسْم‭ ‬خرائط‭ ‬الدول،‭ ‬ومنها‭ ‬العراق،‭ ‬وكذلك‭ ‬تركيا،‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأكراد‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬دول،‭ ‬وإصدار‭ ‬‮«‬وعد‭ ‬بلفور‮»‬‭ ‬بوطن‭ ‬قوميّ‭ ‬لليهود،‭ ‬فإن‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬أدَّت‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذه‭ ‬الوقائع‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى: ‬زرْعها‭ ‬جسمًا‭ ‬غريبًا‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربيّ؛‭ ‬مما‭ ‬أفسد‭ ‬عمليًّا‭ ‬انطلاقة‭ ‬الدول‭ ‬‮«‬المستقلّة‮»‬‭ ‬حديثًا،‭ ‬وشغلها‭ ‬بالحروب‭ ‬عوضًا‭ ‬من‭ ‬انكبابها‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسات،‭ ‬والتنمية،‭ ‬وبلورة‭ ‬عقودها‭ ‬الاجتماعية‭.‬

وأسهمت‭ ‬الحروب‭ ‬الخمسة‭ ‬ضدّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬بَلْبَلة‭ ‬التماسك‭ ‬داخليًّا‭ ‬وعربيًّا،‭ ‬فإن‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تطمس‭ ‬التباينات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بصدد‭ ‬بناء‭ ‬علاقة‭ ‬وئام‭ ‬وسلام؛‭ ‬لا‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬ولا‭ ‬بين‭ ‬الفئات‭ ‬والمكوّنات. ‬لكن‭ ‬ها‭ ‬هي‭ ‬الحرب‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬فجّرت‭ ‬الألغام،‭ ‬بل‭ ‬أضافت‭ ‬إليها،‭ ‬وإذا‭ ‬بأبرز‭ ‬نتائجها‭ ‬يتمثّل‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬نواة‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬كُردية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعم‭ ‬الأميركيّ‭ ‬الاستثنائيّ‭ ‬لـ«إقليم‭ ‬كردستان‭ ‬العراق»؛‭ ‬مما‭ ‬أدَّى‭ ‬إلى‭ ‬تشظّ‭ ‬واقعيّ‭ ‬لوَحْدَة‭ ‬العراق‭ ‬شعبًا‭ ‬وأرضًا‭ ‬ودولةً،‭ ‬لتتولّى‭ ‬إيران‭ ‬إدارة‭ ‬هذا‭ ‬التشظّي،‭ ‬سواء‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬السوريّ‭ ‬في‭ ‬تغذية‭ ‬الإرهاب‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬وجود‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أم‭ ‬بتعميمه‭ ‬بعد‭ ‬انسحابهم‭ ‬بوساطة‭ ‬دفع‭ ‬حكومة‭ ‬بغداد‭ ‬إلى‭ ‬نهج‭ ‬‮«‬إرهاب‭ ‬الدولة‮»‬‭.‬

map5شكّلت‭ ‬الواقعتان‭ ‬التاريخيتان‭: ‬إنشاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬غيرها‭ ‬بالقوة،‭ ‬وضرب‭ ‬الكيان‭ ‬العراقيّ‭ ‬وخلخلته‭ ‬بالغزو‭ ‬والاحتلال،‭ ‬نموذجيْنِ‭ ‬كارثيين‭ ‬للسعي‭ ‬الخارجيّ‭ ‬لاستثناء‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أيّ‭ ‬ثبات‭ ‬أو‭ ‬استقرار. ‬فالأُولى‭ ‬رسَّخت‭ ‬‮«‬وفاقًا‭ ‬دوليًّا‮»‬،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مراحل‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬سخونةً،‭ ‬قوامُه‭ ‬عدمُ‭ ‬سريان‭ ‬القانون‭ ‬والمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬وضعية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وتأمين‭ ‬تفوُّقها‭ ‬العسكريّ‭ )‬بما‭ ‬فيه‭ ‬النوويّ)‬؛‭ ‬مما‭ ‬أسّس‭ ‬علاقة‭ ‬مبتورة‭ ‬وغير‭ ‬سليمة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والنظام‭ ‬الدوليّ،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬وداخل‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربيّ. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬الدوليّ‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬أبواب‭ ‬المنطقة،‭ ‬ويحصّن‭ ‬الظلم‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فكيف‭ ‬لـ«ثقافته‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تَجِد‭ ‬لها‭ ‬مكانًا‭ ‬في‭ ‬محيطها. ‬

أما‭ ‬الواقعة‭ ‬الثانية،‭ ‬فجعلت‭ ‬من‭ ‬‮«‬إقامة‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬بوصفها‭ ‬مشروعًا‭ ‬أميركيًّا‭ ‬معلنًا‭ ‬للعراق‭ ‬بعد‭ ‬تخليصه‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الدكتاتوريّ،‭ ‬جسرًا‭ ‬إلى‭ ‬حلّ‭ ‬الدولة‭ ‬وتفكيكها،‭ ‬وإلى‭ ‬زعزعة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتفتيته،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ‭ ‬إيقاظ‭ ‬فيروسات‭ ‬الانقسام‭ ‬والتقسيم‭ ‬وتنشيطها،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬فحسب،‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬عامة؛‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُبقي‭ ‬أيّ‭ ‬بيت‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬المخاطر،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬موجات‭ ‬لاجئين،‭ ‬أم‭ ‬تنظيمات‭ ‬إرهابية،‭ ‬أم‭ ‬تدخُّلات‭ ‬لتحريك‭ ‬الضغائن‭ ‬المذهبية‭ ‬والعرقية‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬الموبوءة‭ ‬بكل‭ ‬أنماط‭ ‬السياسات‭ ‬غير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وغير‭ ‬الإنسانية؛‭ ‬انطلقت‭ ‬الحَرَاكاتُ‭ ‬الشعبيةُ‭ ‬باحثةً‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬تستثمره‭ ‬في‭ ‬مستقبلها،‭ ‬لكنها‭ ‬وقعت‭ ‬سريعًا‭ ‬في‭ ‬المستنقعات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتهيّأ‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬واصطدمت‭ ‬بنقص‭ ‬مناعة‭ ‬المجتمعات‭ ‬إزاء‭ ‬الأمراض‭ ‬الكامنة‭ ‬أساسًا‭ ‬في‭ ‬داخلها. ‬وفي‭ ‬اللحظة‭ ‬الحالكة‭ ‬اكتشفت‭ ‬‮«‬الأمة‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تَعُدّ‭ ‬نفسَها‭ ‬لهذه‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تُعِيد‭ ‬المنطقةَ‭ ‬مئةَ‭ ‬عام ‭-‬بل‭ ‬أكثر- ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬وإِذِ‭ ‬احتاجتْ‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬إقليمية‭ ‬عربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صَوْن‭ ‬كياناتها‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬كافةً،‭ ‬فقد‭ ‬اصطدمت‭ ‬أولًا‭ ‬بحقيقة‭ ‬ضياع‭ ‬عقود‭ ‬عِدَّة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تضامن‭ ‬عربيّ‮»‬‭ ‬مستحيل،‭ ‬وثانيًا‭ ‬بواقع‭ ‬الْتِقاء‭ ‬الإستراتيجيات‭ ‬والأجندات‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬والإيرانية‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الضعف‭ ‬والضياع‭ ‬العربييْنِ. ‬حتى‭ ‬قاعدة‭ ‬‮«‬المصالح‭ ‬الدائمة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬الصداقات،‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬لم‭ ‬تستقم‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وأميركا،‭ ‬بدليل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬حاليًا‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬عامة،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬ابتزازات‭ ‬أميركية،‭ ‬تتعلّق‭ ‬بمتطلبات‭ ‬أَمْنها‭ ‬الإقليميّ. ‬ولولا‭ ‬‮«‬عاصفة‭ ‬الحزم‮»‬‭ ‬التي‭) ‬فرملت) ‬التسلُّل‭ ‬الإيرانيّ‭ ‬لمحاصرة‭ ‬المملكة؛‭ ‬لَكانت‭ ‬واشنطن‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بوصفها‭ ‬مُعْطًى‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬مُقبِلة‭ ‬على‭ ‬تغييرات‭ ‬شتّى‭ ‬في‭ ‬خريطتها؛‭ ‬فالإقليم‭ ‬الكرديّ‭ ‬أَحْدَث‭ ‬الصدعَ‭ ‬الأولَ‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والإقليم‭ ‬الكرديّ‭ ‬المرشَّح‭ ‬لتطوير‭ ‬الصدع‭ ‬الحاصل‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬قد‭ ‬يتخذه‭ ‬النظام‭ ‬وحليفه‭ ‬الإيرانيّ (‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬الدولية) ‬ركيزةً‭ ‬للتقسيم‭ ‬ولإنشاء‭ ‬أقاليم‭ ‬عِدَّة. ‬ولا‭ ‬يَعْني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬التقسيم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تَجْرِي‭ ‬بسهولة‭ ‬وسلاسة،‭ ‬بصفقات‭ ‬أو‭ ‬تفاهمات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قرارات‭ ‬دولية،‭ ‬إنما‭ ‬بإدامة‭ ‬الصراعات‭ ‬مدة‭ ‬زمنية‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬كأنه‭ ‬علاج‭ ‬مقبول. ‬لأجل‭ ‬ذلك‭ ‬يُستخدَم‭ ‬وباء‭ ‬الإرهاب‭ ‬‮«‬الداعشيّ‮»‬‭ ‬ضدّ‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬مشاريع‭ ‬التقسيم‭ ‬لتهديدها‭ ‬وإقلاقها؛‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصير‭ ‬اللاحقةَ‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬التفكيك‭ ‬والتفتيت؛‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعميم‭ ‬الحزم‭ ‬ليصبح‭ ‬نهجًا‭ ‬عربيًّا؛‭ ‬لأن‭ ‬السكوت‭ ‬والاستكانة‭ ‬لا‭ ‬يُبعِدانِ‭ ‬المخاطرَ،‭ ‬إنما‭ ‬يُفَعّلانها‭.‬