تقنية كنوز المعرفة

تقنية كنوز المعرفة

أرسل لي صديق رابط «موقع أرشيف المجلات الأدبية والثقافية العربية» يضم الدوريات، وبعضها مما ساد ثم باد، منذ أوائل القرن الماضي (الفيصل لم تكن من بينها)؛ إنه كنز للباحثين والطلبة.

بعد شكر من أسس الموقع، وبذل الجهد في تجميع صفحاته التي زادت على مليون وخمسمئة ألف صفحة، وتزويده بباحث في عناوين 238 ألف مقالة، يساعد على الوصول إلى أعمال عتيقة لنحو 15 ألف كاتب، فإنه لا يزال أمامنا كعرب كثير مما يجب فعله لتحويل هذه الكنوز المترامية في مواقع عدة، إلى ثورة معرفية.

الإنترنت يعج بمئات الآلاف من الكتب العربية، والمجلات، والأبحاث، وشتى أشكال الإنتاج الثقافي والمعرفي العربي، لكن في فوضى، لا رابط تنظيمي بينها، ولا برتوكول تقني يجمعها، مع مخالفات صريحة لحقوق النشر والملكية الفكرية، رغم أن مؤسسات رسمية عربية عدة نشطت في هذا المجال، إضافة إلى الهواة والمتطوعين الذين لا يجوز إنكار فضلهم ومساهمتهم، فهؤلاء جمعوا حتى الطريف الغريب من الإنتاج الثقافي العربي، الذي له باحث يبحث عنه.

لكن الأسوأ في قائمة التقصير، ما يستدعي تحركًا جادًّا من جهة قادرة، هو عدم وجود «آلة بحث عربية» تمكن من الغوص في ملايين الصفحات المتناثرة، وجل اعتمادنا على غوغل الذي يبدو أن عليه الرجاء والأمل في أن يلتفت لتطوير البحث باللغة العربية، لكنه بالطبع مشغول أولًا بأهله وقومه الأقربين، أي العالم الغربي ومعه اليابان وكوريا وغيرهما من الديمقراطيات؛ حيث انتظمت صناعة النشر واستقرت حقوق الملكية الفكرية، والأهم «الأدوات المالية» التي يمكن أن تترجم جهده إلى كسب من خلال الإعلان أو البيع.

فالموقع المستهل به المقال يبحث فقط في عناوين المقالات وأسماء كتابها، لكنه عاجز عن البحث في نص المقالات الذي بلغ تعداد صفحاته في ذلك الموقع وحده أكثر من مليون وخمسمئة ألف صفحة، لكن جميعها صور بنسخة بي دي إف ، وفي ذلك قصور يحتاج إلى مبادرة من جهة مقتدرة لعلاجه.

دعوة إلى عقد مؤتمر

لقد حان الوقت للدعوة إلى مؤتمر جامع للبحث في هذه المسألة من جهة قادرة؛ كجامعة أو مكتبة عامة، بل أدعو ناشر هذه المجلة الراقية؛ مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إلى القيام بهذه المهمة، فيدعو المهتمين بتجميع الإنتاج الثقافي العربي أيًّا كانوا مؤسسات أو أفرادًا وأيًّا كانت اهتماماتهم، ، ليكن لقاء أوليًّا تعارفيًّا، فهؤلاء منتشرون بانتشار اللغة العربية، فلعل من بينهم من هو منخرط في تطوير آلة بحث عربية تفي بالغرض، لكن ينقصه دعم وتمويل، ولعل آخر لديه حل تقني لتحويل نصوص المجلات والكتب التراثية المصورة إلى نصوص يمكن التعامل معها والبحث فيها.

فكلفة تحويل الأعداد السابقة من مجلة الفيصل مثلًا إلى نصوص إلكترونية باهظة، وبحل هذه المعضلة سينهمر سيل من النتاج المعرفي يحيي أرض الثقافة والمعرفة العربية ويثري اللغة.

كما يمكن خلال اللقاء إثارة ومعرفة مواطن الضعف ومسائل الخلاف، واختلاف وجهات النظر، كما يتعرّف الحضور تجارب كل منهم، فثمة تنوع في هذا الحقل الجديد؛ ما بين فقيه يعيش بأصول البحث العلمي المتوارثة عبر قرون، وشاب طوّع التقنية وأدوات بحثها لتقليب الحقائق وحصر المعلومات التي يحتاجها.

من بعد هذا اللقاء، قد يتطور اتحاد أو هيئة ما تنهض بتقنية الناتج المعرفي العربي، وتسهم في حالة التحول التي يعيشها العرب، فمن مزايا هذه التقنية أنها «ديمقراطية شعبية» تنساب إذا ما نظمت لكل المجتمعات، وتتجاوز الحدود من دون رسوم أو اتفاقيات، سيكون تأثيرها أبلغ من ذات اليوم الذي أُسست فيه جامعة الملك فؤاد بالقاهرة أو جامعة الملك سعود بالرياض. إنها أعظم تأثيرًا من مجلات الرسالة والعربي والفيصل، من دون أن نغفل فضل هذه المجلات وغيرها على المعرفة العربية، لكننا نتحدث عن ساحة كبيرة في الاتصال، وكذلك في الإنتاج؛ لذلك فإن مؤتمرًا مثل هذا ضروري.