السعودية وإيران لا ضوء في آخر النفق

السعودية وإيران لا ضوء في آخر النفق

البدر شريف شيخ الشاطري

البدر شريف شيخ الشاطري

تشهد منطقة الشرق الأوسط حربًا باردة على صفيح ساخن منذ ما يزيد على عقد من الزمن لا تختلف كثيرًا عما شهدته المنطقة في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم. وتعد السعودية ومعها دول الخليج القطب الرئيس في الصراع مع إيران والذي يتباهى بتسمية نفسه: قوى الممانعة.

البعد الطائفي: يخطئ من يظن أن الصراع القائم بين السعودية وإيران مرده صراع مذهبي أو عقائدي صرف. مع أن قطبي الصراع يمثلان الإسلام السني بالنسبة للمملكة العربية السعودية وإيران تحمل راية المذهب الشيعي الاثني عشري، إلا أن الصراع في مجمله صراع جيوسياسي يتدثر في كثير من الأحيان بلباس طائفي وعقائدي. مع أن الهوية الطائفية اكتسبت دورًا متقدمًا منذ الغزو الأميركي للعراق وسيطرة التيارات الشيعية السياسية على مقاليد الأمور؛ حيث تم إقصاء الطائفة السنية التي كانت تتحكم في البلاد منذ أن بزغ العراق الحديث تحت القيادة الهاشمية في عشرينيات القرن الماضي.

الصراع الجيوستراتيجي: لعبت المملكة العربية السعودية دورًا موازنًا لإيران إبان حكم الشاه في صيغة حفظت أمن واستقرار الخليج. ولكن الثورة الإيرانية قلبت ذلك التفاهم السائد. وقد بشر نظام الخميني بتصدير الثورة إلى خارج إيران. ولعل الحرب الإيرانية العراقية التي استعر أُوارها ثماني سنوات ولفحت تداعياتها بقية دول الخليج، أوقفت النزعة إلى تصدير الثورة، ومهدت إلى انقسام في الرؤى الإيرانية بين إيران الثورة وإيران الدولة.

الجمهورية الثانية وصعود التيار البراغماتي والإصلاحي

تزامنت عوامل أدت إلى ما يمكن تسميته بالجمهورية الثانية، وتغلب تيار الدولة على الثورة. العامل الأول يكمن في قبول إيران وقف إطلاق النار مع العراق عام 1988م، والعامل الثاني تغييب الموت لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الخميني عام 1989م، وأخيرًا انتخاب الرئيس البراغماتي أكبر هاشمي رافسنجاني إلى الرئاسة الإيرانية عام 1989م. وكان لهذه العوامل أثر في أن تقنع النخبة الإيرانية والشعب الإيراني بعبثية تصدير الثورة، وأن إيران بإمكانها تحقيق نظام إسلامي من خلال اتباعها نهجًا براغماتيًّا وتحسين علاقتها بجيرانها العرب. وقد عزز من هذا التوجه صعود التيار الإصلاحي بقيادة سيد محمد خاتمي عام 1997م. وقد شهدت حقبتا حكم رافسنجاني وخاتمي تحسنًا وانفراجًا في العلاقات السعودية الإيرانية. وقد قامت الرياض بتنسيق سياستها النفطية مع طهران لوقف تدهور أسعار النفط في الأسواق العالمية؛ ويدلل هذا التعاون على استعداد الطرفين للتعاون إذا ما تطلبت المصالح الإستراتيجية ذلك. ويدل هذا التعاون على محدودية العامل الطائفي في تفسير حدة المواجهة بين السعودية وإيران. فقد شهدت التسعينيات وبداية الألفية أحسن حقبات العلاقات السعودية الإيرانية منذ سقوط الشاه.

تغير السياق الدولي: كان لأحداث سبتمبر 2011م الإرهابية أثر كبير في تغير السياسة الأميركية في المنطقة. وقد تبنت إدارة بوش حينها سياسة تغيير الأنظمة في المنطقة. وقد استهلت الإدارة الأميركية سياستها الجديدة بقلب نظام الحكم في أفغانستان أولًا، والعراق ثانيًا بالتعاون مع إيران. وقد ابتعدت واشنطن من الرياض؛ بسبب اختلاف الطرفين في فهم الإشكالية الرئيسة في المنطقة التي تسببت في تفشي ظاهرة الإرهاب وبروز تنظيم القاعدة.

وقد وجدت إيران ضالتها في الاندفاع الأميركي الذي أزاح عن كاهل طهران نظامين معاديين هما: طالبان في كابول، ونظام صدام حسين في بغداد. كما أن أنصار إيران من الطائفة الشيعية تقلدوا مفاصل السلطة في العراق بعد سقوط النظام البعثي في العراق. وما فتئ هذان المنجزان يمنحان إيران مجالًا واسعًا في أن تتوسع غربًا عبر تعزيز نفوذها في العراق وعبر شبكة من العلاقات مع جماعات تعادي الأنظمة الخليجية أو حلفاءها؛ كحزب الله في لبنان، والمعارضة الشيعية في البحرين، وحماس في فلسطين، إضافة إلى التحالف الإستراتيجي مع سوريا الذي تجاوز أربعة عقود.

شتاء الغضب أو ربيع العرب

أدت هذه التطورات إلى قلق دول الخليج، وباتت تتوجس من التوسع الإيراني إلى قلب العالم العربي. وقد زادت الاضطرابات التي بدأت في تونس وعمت أصقاعًا كثيرة من الدول العربية التي عرفت بـ«الربيع العربي» من حساسية دول المنطقة الأمنية. ويبدو أن إيران أرادت أن تصطاد في الماء العكر وأطلقت تصريحات بأن الثورات العربية ما هي إلا امتداد للثورة الإسلامية في إيران. بيد أن اقتراب الاضطرابات إلى ضفاف الخليج في البحرين وتدخل إيران في الشأن الداخلي لمملكة البحرين تحت دواعي نصرة المستضعفين الشيعة أجّج الصراع بين الرياض والعواصم الخليجية وطهران. ولم تر السعودية والإمارات بدًّا من التدخل العسكري لإعادة الاستقرار إلى البحرين. وأصبحت المواجهة مع إيران مفتوحة على مصراعيها.

تتنازع السعودية وإيران على عدة قضايا في المنطقة تشكل لب ديناميكية النظام الإقليمي. ولعل من أهم هذه القضايا الإقليمية الصراع في اليمن الذي دخل فيه مجلس التعاون الخليجي في مواجهة مع الحوثيين حلفاء إيران. وتعد دول الخليج اليمن حديقتها الخلفية ومصدر تهديد في حالة وقوعها في دائرة النفوذ الإيراني. وتحاول دول المجلس من خلال تدخلها المباشر في اليمن منع تكرار الحالة اللبنانية من توسع نفوذ ميليشيا مسلحة موالية لإيران على مقدرات البلاد. والقضية الأخرى تتعلق بسوريا التي أضحت بلا شك ميدان صراع إقليمي ودولي. وثالثة الأثافي لبنان حيث تمارس إيران نفوذها فيه من خلال حزب الله اللبناني. والحال لا يختلف بالنسبة للعراق؛ إذ تتدخل إيران من خلال حلفائها العراقيين، وتمارس سلطتها على الشأن العراقي. وقد أدى تصاعد المواجهات بين السعودية وإيران إلى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، وقد ساندت بعض دول مجلس التعاون السعودية في اتخاذ خطوات دبلوماسية مثيلة أو مقتربة من الرياض.

إلا أن دول مجلس التعاون تختلف في إدراكها لمخاطر التدخل الإيراني في الشؤون العربية؛ فالإمارات والبحرين تساندان بقوة الموقف السعودي تجاه إيران؛ بينما تتخذ الكويت وقطر موقفًا مواربًا، أما عمان فإنها تتمتع بصداقة جيدة مع إيران.

تمر العلاقات السعودية الإيرانية بأصعب مراحلها نتيجة لتغير البيئة الدولية والإقليمية. ولا يبدو أن هناك ضوءًا في نفق العلاقات الثنائية بين البلدين. ولا شك أن هذا الصراع الإقليمي يلقي بظلاله القاتمة على مجمل قضايا المنطقة، ويعمق الشرخ الطائفي، ويغذي المواجهات الإقليمية. ولكن ليس من المستحيل أن تتلاقى مصالح الأطراف في الخليج على المدى المتوسط مرة أخرى كما حصل في حقبة التسعينيات؛ إذ بالإمكان أن يكون الخليج العربي أداة وصل لا فصل، كما يقول أحد الدبلوماسيين في الإمارات.