الربيعية.. بلدة الشعراء وميدان معركة الصريف

الربيعية.. بلدة الشعراء وميدان معركة الصريف

تعد بلدة الرُّبَيْعِيَّة من أبرز المناطق التاريخية والأثرية بالقَصِيم، كما أنها من أهم المناطق الزراعية بالمنطقة، وتقع شرق مدينة بُرَيْدَة -حاضرة القَصِيم- وتبعد منها 27.5 كم تقريبًا بخط مستقيم أما الطريق المزفت فهو 30 كم تقريبًا، ويبلغ تعداد سكانها حسب النتائج الأولية للتعداد العام للسكان لعام 1413هـ (1987) نسمة، ووفقًا للتقسيم الإداري الذي صدر مؤخرًا صنفت الرُّبَيْعِيَّة مركزًا فئة (أ) مرتبطًا بإمارة المنطقة.

لمحة تاريخية عن الرُّبَيْعِيَّة

يعرف موقع الرُّبَيْعِيَّة إبان القرون الإسلامية الأولى (الديرتين أو روضة الزبْرَتَين)؛ إذ يقول ياقوت الحموي: الديرتان: روضتان لبني أسيد بمفجر وادي الرُّمة من التنعيم (القَصِيم) عن يسار طريق الحاج المصعد ،(معجم البلدان، ج2 ، ص495)، وابتدأ العمران فيها قبل نحو ثلاثة قرون، واستمرت تتنامى حتى وصلت إلى ما هي عليه من حاضر مُشرق.

وقد أكسب مرور وادي الرُّمة بأراضي الرُّبَيْعِيَّة أهمية بارزة لها في القديم والحديث، من جانب آخر فقد كانت المنطقة خلال العصور الإسلامية المختلفة ممرًّا للحجاج والتجار والمسافرين عبر طريق الحج العراقي البصري، الذي يتخذ من الصَّرِيف والبُرَيْكَة وقاع بولان طريقًا له (السنيدي، الرُّبَيْعِيَّة، ص17).

وعندما ظهرت السيارات في المملكة أصبحت الرُّبَيْعِيَّة من أشهر محطات طريق الرياض – الوشم – القَصِيم، ثم بعد ذلك وقوعها على طريق الرياض – سدير – القَصِيم.

ولكثرة الشعراء الذين يتمتعون بجودة الشعر وغزارته في الرُّبَيْعِيَّة فقد أطلق عليها بعض المختصين «بلدة الشعراء»، ومن هؤلاء الشعراء شاعر الجزيرة المشهور محمد بن عبدالله العوني، الذي ولد في الرُّبَيْعِيَّة في عام 1275هــ، وقد وقفتُ على منزل (العوني) في الرُّبَيْعِيَّة، الذي بناه عبدالله العوني داخل مزرعته في حدود عام 1250هــ (النقيدان، من شعراء بريدة، ج1، ص254)، ولا يزال منزله باقيًا ومزرعته قائمة في الرُّبَيْعِيَّة حتى الآن، وفيه ولد ابنه شاعر الجزيرة المشهور ، ومن أشهر قصائده (الخلوج) التي مطلعها:

خلوج تجذ القلب باتلي عوالها

ترزم بعبرات تحطم أسمالها

(السنيدي، الرُّبَيْعِيَّة، ص163)

قمتُ بزيارة ميدانية لمنطقة الرُّبَيْعِيَّة، وزرتُ عدة معالم طبيعية ومواقع أثرية مهمة، منها:

منشآت ودوائر حجرية

شاهدتُ منشآت ودوائر حجرية في عدة مواقع شرق وشمال شرق الرُّبَيْعِيَّة، وقد تتبعتُ تلك المواقع في المنطقة الواقعة من طريق الأسياح شمالًا إلى جنوب طريق الملك عبدالعزيز جنوبًا، ووقفت على عدد كبير منها، وقد لاحظت أن الفاصل بين كل وحدة وأخرى ما بين كيلو متر إلى نصف كيلو متر تقريبًا، وأغلب تلك المنشآت تمتد بمحاذاة الحافات الصخرية المتعددة في هذه المنطقة.

rab_opt

أحد أبراج الرُّبَيْعِيَّة، وُضع لمراقبة الأعداء والتصدي لهم قبل مباغتتهم البلدة، وقد جرى ترميمه مؤخرًا.

البُرَيْكَة

تُحَتِّم مكانة هذا الموقع الأثري وأهميته بيان مكوناته العمرانية ومنشآته المائية وغير ذلك مما شاهدته في الموقع، ولهذا فإنني سأخصص له حديثًا آخر.

الصَّرِيف

سبق أن خصصتُ هذا الموقع الأثري بحديث في هذه المجلة بعنوان: «مواقع أثرية في أرض معركة الصرِيف».

قاع بولان

هو مكان واسع ومستوٍ، يقع جنوب غرب الرُّبَيْعِيَّة، وكان معروفًا منذ القدم، فقد ذكره بعض الشعراء المتقدمين؛ مثل: مالك بن الريب وجرير، ويمر بهذا القاع الحجاج والمسافرون القادمون عبر طريق الحاج البصري، يقول العبودي مؤكدًا ذلك: وجدنا بقايا أعلام طريق الحاج باقية ظاهرة للعيان (مُعْجَم بلاد القَصِيم، ج5، ص 1910).

rab6_opt

شجرة (العبرية) يقدر عمرها بأكثر من 250 سنة، اشتهرت كمحطة يستظل بها المسافرون الذين يمرون بالرُّبَيْعِيَّة.

الأبراج

شاهدتُ شرقي الرُّبَيْعِيَّة في قمة الحافة الصخرية برجين، يسمي الأهالي المفرد منها صنقر، وقد وُضعت لمراقبة الأعداء والتصدي لهم قبل مباغتتهم البلدة في وقت كان الخوف وعدم الاستقرار السمة البارزة في نجد، ويطل أحد هذه الأبراج على وسط البلدة، ويشرف على قصر الإمارة القديم فيها، وقام الأهالي بترميمه سنة 1405هــ ـ أما الآخر فيقع شمال البرج السابق بنحو 1٫5 كم تقريبًا، ويطل على شمال البلدة، وهذا البرج ما زال محتفظًا بشكله رغم انهيار بعض أجزائه.

طريق الملك عبدالعزيز

في عام 1347هــ توجه الملك عبدالعزيز إلى القَصِيم، ومرّ بالرُّبَيْعِيَّة في أول رحلة له إلى المنطقة بالسيارات، ونظرًا إلى صعوبة تضاريس المنطقة الشرقية من الرُّبَيْعِيَّة على مرور السيارات قام أمير الرُّبَيْعِيَّة وأهلها عندما اقترب موكب الملك عبدالعزيز بإصلاح طريق لعبور سياراته، ومنذ ذلك الحين اشتهر هذا الطريق باسم طريق الملك عبدالعزيز، وأصبح أحد المعالم التاريخية، وقد جرى في الآونة الأخيرة تعبيد جزء منه وسفلتته.

شجرة (العبرية)

تقع في وسط الرُّبَيْعِيَّة جنوب طريق الملك عبدالعزيز.وقد اشتهرت كمحطة يستظل بها المسافرون الذين يمرون بالرُّبَيْعِيَّة بعد أن يهيئ لهم أهل البلدة سبل الراحة فيها، ويقدر عمرها بأكثر من 250 سنة.

قصر الإمارة القديم

يعد من أهم القصور الأثرية في الرُّبَيْعِيَّة وأقدمها؛ إذ أُسِّس سنة 1250هــ تقريبًا، وهو مربع الشكل، وتبلغ أطواله: 100م × 100م تقريبًا، ويحيط به سور ضخم، في كل زاوية مقصورة (برج مراقبة)، ولا تزال المقصورة الشمالية الشرقية وأجزاء من المقصورة الجنوبية الشرقية باقيتين، إضافة إلى أجزاء من أسوار القصر، وغرف وآبار للمياه، ويؤكد ما تبقى من البناء قوته ومتانته وحسن تصميمه. الجدير بالذكر أن هذا القصر من أهم القصور التي حُوصِر بها أهالي الرُّبَيْعِيَّة عندما هجم عليهم بندر بن رشيد في العقد التاسع من القرن الثالث عشر الهجري.

rab1_opt

أطلال قصر الإمارة القديم في الرُّبَيْعِيَّة، أسس سنة 1250هــ تقريبًا، وهو من أهم القصور الأثرية في الرُّبَيْعِيَّة وأقدمها، ويؤكد ما تبقى منه من بناء على قوته ومتانته وحسن تصميمه.

آثار أخرى

يقال: إن هناك آثار آبار ومبانٍ مطمورة تحت رمال عرق العويقر جنوب الركيّة عن يمين الطريق المتجه نحو النَّبْقِيَّة عبر طريق الأسياح، وأيضًا آثار زراعة طمرتها الرمال بالركية شمال الرُّبَيْعِيَّة على بعد 9.8 كم، وتحديدًا في روضة شجعان في الجزء الأوسط من شمال غرب الركيّة، وهذا ما أشار إليه الدكتور عبدالعزيز السنيدي؛ إذ يقول: ذكر لي بعض الرواة: كان هناك آثار زراعة، إضافة إلى آثار بئر قد طمرتها الرمال، وقد أعيد حفرها فوجدها مطوية بالحجارة، ولما وصلوا إلى قعرها وجدوا بعض جماجم رجال دُفنت فيها، كما ذكر أن هناك آثارًا أخرى في الجزء الغربي من الركية، مطمورة في الرمال وهي بقايا جدران ومبانٍ. إضافة إلى أن هناك العديد من القصور والأبراج والآبار القديمة في الرُّبَيْعِيَّة مما مضى عليه أكثر من قرن من الزمن لا يزال معظمها ماثلًا للعيان.

rab7_opt

عدة منازل طينية بعضها متهدم وبعضها الآخر لا يزال يحتفظ ببعض أجزائه، والأسهم تشير إلى أماكن حفظ التمر قديمًا (الجصة).

من أبرز الأحداث التاريخية التي وقعت في الرُّبَيْعِيَّة (والقريبة منها)

أولًا- نظرًا إلى موقعها المتميز اتخذها الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي في عام 1270 – 1271هــ، وكذلك عام 1277هــ مقرًّا له في رحلاته للقصيم، ومنطلقًا لعدد من عملياته الحربية آنذاك.

ثانيًا- تعرضت الرُّبَيْعِيَّة لحصار دام أكثر من شهر من بندر بن رشيد، وقد نجح أهلها في الدفاع عنها.

ثالثًا- معركة الصَّرِيف المعروفة التي وقعت أحداثها عام 1318هــ، بين ابن أمير الكويت ابن صباح ومعه أهل القَصِيم، ضد ابن رشيد. وقد كانت بداية المعركة هجوم جيش ابن رشيد على أهل القَصِيم مع ابن صباح في قُوَيْرَة الحاكم شمال الطُّرْفِيَّة بميل نحو الشرق على بعد 3.2 كم تقريبًا، وإحداثيات الموقع كالآتي:

970 , 33َ , 26ْ 395 , 02َ , 44ْ

ثم امتدت المعركة إلى الصَّرِيف، ويؤكد كبار السن من سكان الطُّرْفِيَّة أن العديد من آبارهم استخدمت كقبور جماعية، ومما يؤكد ذلك أن شواهد قبر عبدالرحمن الربدي لا تزال باقية حتى وقتنا الحاضر، وهو يقع جنوب قُوَيْرَة الحاكم على بعد 1250 مترًا تقريبًا. وإحداثيات الموقع كالآتي:

302 , 33َ , 26ْ 478, 02َ , 44ْ

رابعًا- معركة أبرق المذبح الشهيرة بروضة مهنا التي وقعت سنة 1324هــ، وتعد من أهم المعارك التي خاضها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

rab4_opt

منظر جوي يوضح جانبًا من المنازل الجميلة في الرُّبَيْعِيَّة، وبعض المزارع الرائعة، وتبدو فيها غابة نخيل كثيفة.