الحيل البابلية للخزانة الكاملية

الحيل البابلية للخزانة الكاملية

صدر عن مكتبة الإسكندرية تحقيق لمخطوط «الحيل البابلية للخزانة الكاملية» من تأليف الحسن بن محمد الإسكندري القرشي، والكتاب الذي يحقق لأول مرة حققه الدكتور لطف الله قاري المحقق السعودي المرموق في التراث العلمي العربي، الكتاب يتناول ألعاب الخفة والتي تعرف الآن بالألعاب السحرية وخدع السيرك، وهذا الكتاب يكشف عن معرفة مؤلفي هذه الكتب بقوانين العلوم المختلفة من ميكانيكا وفيزياء وكيمياء ونبات وحيوان وبالصناعات المختلفة، لذا فهذه المؤلفات مهمة للباحثين في مجالات التراث الشعبي والأنثروبولوجيا الثقافية، والمعنيين بتاريخ الأساطير.

ألعاب الخفة تسمى قديمًا بأسماء مختلفة، مثل الدكّ والنيرنجات والشعبذة والمشاتين. وحديثًا نسميها بأسماء أخرى، مثل الألعاب السحرية وخدع السيرك وحيل الحواة. ولم تلقَ الكتب التراثية التي أُلِّفَت في هذا الموضوع الضوءَ الكافي، برغم احتوائها على ثروة من المعلومات، التي تعتمد على معرفة مؤلفيها بقوانين العلوم المختلفة من ميكانيكا وفيزياء وكيمياء ونبات وحيوان وبالصناعات المختلفة. فنشرها يهم مؤرخي التقنيات والصناعات، كما يهم الباحثين في التراث الشعبي والأنثروبولوجيا الثقافية (علم الإنسان الثقافي أو الأناسة الثقافية) وما يتصل بها، كالإثنوغرافيا (علم الأناسة الاجتماعية أو وصف أحوال الناس) والإثنولوجيا (علم الأعراق أو علم الثقافات المقارن) والميثولوجيا (تاريخ الأساطير) وغيرها. ويهم كذلك المهتمين بالمصطلحات العلمية، وكل ما يتصل بهذه المجالات.

ويحتوي كتاب «الحِيَل البابلية» على معلومات قيّمة ذكر المحقق منها: أولًا، استخدام خواص النباتات، مثل صمغ الكثيراء وصمغ الأشراس وخاصية نبات البلاذر لتثبيت الكتابة. ثانيًا، استخدام إطفاء الجير لينتج عنه دخان من تحت الأرض يخيف به الناس، وأيضًا استعمال الحرارة الناتجة عن العملية لسلق البيض، واستعمال حرارة التفاعل لإشعال لهب. ثالثًا، استخدام سلاح بحري، وهو النفط الذي يظل مشتعلًا فوق سطح الماء دون أن يطفئه الماء. رابعًا، مقذوف ناري للمنجنيق، له خاصية التدمير التام، بحيث يترك المباني ركامًا بعد تدميرها.  خامسًا، المواد المقاومة للنار. سادسًا، الكتابة على داخل البيض دون تقشيره، باستعمال خاصية حمض الكبريت. سابعًا، باب كامل حول الزراعة وتلقيح النباتات ببعضها، أي التراكيب. ثامنًا، باب كامل عن التعمية أو التشفير. تاسعًا، وبعدها الكتابة السِّرّيّة.

عاشرًا، يذكر المؤلف حجرًا بداخله حجر، والحجر الداخلي «النواة» حرّ الحركة يتقلقل داخل الحجر «القوقعة» وتسمع صوت ارتطام الصغير بجدار الأكبر. وهي معلومة صحيحة كما سيأتي. حادي عشر، يذكر الحجر الذي يتحرّك فوق الخلّ. وأيضًا نبيّن أن هذه ظاهرة صحيحة. ثاني عشر، خاصية تحرك قشر بيض النعام في الخل. ثالث عشر، العدد الكبير من أسماء النباتات والحيوانات التي كانت معروفة للمؤلف، وبالتالي متداولة في الثقافة الشعبية. وهذه يجدها القارئ في الكشافات في آخر الكتاب، مع بيان أسمائها العلمية في الحواشي. فكشّاف أسماء النباتات يوضح أنها بلغت مئة وأربعين نباتًا. رابع عشر، الكتاب يشتمل على النصوص الوحيدة التراثية التي نعرفها حول استعمال المؤثرات الضوئية. وذلك باستعمال صندوق ينبعث منه في الظلام ضوء شبيه بالهلال والكواكب وغيرها، ليوهم المتفرجين بحصول معجزات (الفقرات 5 إلى 8).

خامس عشر، تركيب مواد تشتعل ذاتيًّا. سادس عشر، استخدام العملية الكيميائية المعروفة بالاستقطار أو التصعيد (أو التقطير في عصرنا). وقد شُرِحَ معناها في حواشي النص. وممن ميّزوا الفرق بين السحر وألعاب الخفة القاضي الباقلاني (ت 403هـ/ 1013م) الذي قال إن السحر هو إيهام الآخرين بحدوث شيء لم يحدث في الواقع.

سحرة فرعون

وذكر مثالًا على ذلك الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن أن سحرة فرعون جعلوا الناس يخيّل إليهم أن عصيهم حيّات تسعى. ثم قال: «فأما ما يعمله المشعبذون فإنه ضرب من الحيلة والخفة، لأنهم يخبّئون حيّة ويخرجون أخرى من جوفها، ويدكّون (أي يخفون) ذلك، فيجنون الخرقة (أي يحصلون على عمل خارق) بخفة ودُربة (أي مران) ويطلقون الحية. وكذلك ربما خاتلوا فأخفوا العقور الميت والمذبوح وأطلقوا الحي، وأوهموا أن الميت هو الذي صار حيًّا- في أمثال ذلك مما يعملونه، ووجوه الحيل فيه معروفة. فما ذكرنا أولًا (أي سحرة فرعون) ضرب من السحر، وهذا ضرب من النارنجات والشعبذ».

وبسبب اختلاف مفهوم وتعريف ألعاب الخفة بين الفقهاء اختلفوا في تحريمها وإباحتها. فروى الونشريسي فتويين متناقضتين: «وسئل (ابن أبي زيد القيرواني، أبو محمد، ت 386هـ/ 996م) عن هؤلاء الذين يجلسون في الطرقات، ولهم ملاعب: يظهرون للناس أنهم يقطعون رأس الإنسان، ثم يدْعونه فيجيبهم حينًا، ويجعلون من التراب دراهم ودنانير، ويقطعون السلسلة، فهل تراهم بهذا الفعل سحرة؟ فأجاب: إن لم يكن فيها كفر فلا شيء عليه. وهذا إنما هو خفة يد ملاعب. قيل: وكان الشيخ أبو عبدالله بن عرفة رحمه الله (ت 803هـ/ 1400م) يقول في الحركات العجائب إنها من عمل السحر». وممن أباحها السقطي، لكن بشرط أن تتم ممارستها في الشوارع السالكة وعند تجمعات النار.

وممن حرّمها ابن عبدالرؤوف قائلًا: «وكذلك يُمنع أهل التخييل الذي يظهر أنه يفعل شيئًا من غير فعله، ويخيّل به، مثل النواريج وقلب العين وما أشبه ذلك. وهو من باب السحر».

ذكرت المصادر التراثية أسماء كتب في هذا المجال، مما وصل إلينا بعضه وما لم يصل إلينا. ومنها الكتب التي نقلنا أسماءها عن كتاب «الفهرست» في الأسطر السابقة. ومن المؤلفات التي وصلت إلينا: أولًا، كتاب النارنجيات، الباهر في عجائب الحيل، لأبي عامر أحمد بن عبد الملك الأندلسي المعروف بابن شُهَيد (ت 426هـ). وهو الشاعر والأديب المشهور، صاحب رسالة «التوابع والزوابع». ورسالة النارنجيات هذه جزء من كتابه «كشف الدك وإيضاح الشك». وقد نشرت محققة. ثانيًا، عيون الحقائق وإيضاح الطرائق، لأبي القاسم السيماوي العراقي (ت 580هـ)، منه نسخ كثيرة حول العالم. وقد طبعت نسخة مختصرة منه بمصر سنة 1321هـ في 48 صفحة، وهي طبعة حجرية. ثالثًا، إرخاء الستور والكلل في كشف المدكّات والحيل، تأليف محمد بن محمد أبي حلة الرهاروزي أو ابن الدهان.

كلمات غامضة

ولا نعلم شيئًا عن حياة المؤلف، إلا أن المخطوطة الوحيدة التي وصلت إلينا مؤرخة سنة 591هـ/ 1195م. والكتاب من ضمن المصادر التي اعتمد عليها الجوبري. وقد قال العلامة فؤاد سيد -رحمه الله- إن الكتاب يدور حول الحروف والأوفاق، وإنه حول تفسير كلمات غامضة يستعملها مدعو الزهد والعلم. لكن اعتماد الجوبري عليه يدل على اشتماله شيئًا من ألعاب الخفة. وقد وضع فؤاد سيد كتاب ابن شهيد أيضًا ضمن كتب الحروف والأوفاق. لكن عندما نُشر وجدنا أنه في مجال ألعاب الخفة. رابعًا، المختار في كشف الأسرار للجوبري. والمؤلف كان على قيد الحياة سنة 613هـ/ 1216م. ويستفاد من مقدمة مؤلفه أسماء كتب أخرى اعتمد عليها، ولم تصل إلينا، فيما عدا كتاب «إرخاء الستور» وكتاب ابن شُهَيد السابق ذكره. خامسًا، «زهر البساتين في علم المشاتين»، تأليف محمد بن أبي بكر الزرخوني، المتوفى نحو 808هـ/ 1406م. حققه كاتب هذه الأسطر. سادسًا، عيون الحقائق والغرائب في اللُّعوب والكيمياء، لمجهول، منه نسخة مخطوطة في تركيا. سابعًا، في الدك والنيرنجيات والملاعيب والسيمياء والبخورات، لمجهول أيضًا، ومنه كذلك نسخة في تركيا.

في التراث العلمي كتب مهمة لا نعرف تراجم مفصّلة عن مؤلفيها. ومن أشهرها كتاب «الفهرست» لمحمد بن إسحاق النديم الذي نستخلص ترجمته من كتابه، وكل من ذكروه بترجمة موجزة استنتجوا تلك الترجمة من كتاب «الفهرست» نفسه. وتنطبق الحالة نفسها على مؤلف كتابنا هذا. فالوحيد الذي ترجم له هو إسماعيل باشا البغدادي الباباني، اعتمادًا على محتويات الكتاب الذي بين أيدينا. فقال عنه: «الإسكندري: الشيخ حسن بن محمد الإسكندري القرشي العدوي (العبدري في مخطوطتنا) المتوفى في حدود سنة 640 (أربعين وستمائة). صنّفَ من الكتب الحيل البابلية للخزانة الكاملية أعني الملك الكامل الأيوبي. موضح أستار الكلل وفاضح أسرار الحيل. ألفه حين قدومه إلى بغداد للناصر لدين الله أحمد العباسي». فمؤلف كتابنا هذا يذكر كتابه الآخر «موضح أستار الكلل وفاضح أسرار الحيل» في الفقرتين 2 و8 من النصّ المحقق هنا. وأيضًا يذكر كتابًا ثالثًا لم يذكره البغدادي، فيقول في الفقرة 197: «وهذا الباب قد استوعَبتُه في كتابي الذي سميتُه بـ«الملحمة في حل الترجمة». فيه ما يُغنِي عن أكثر كتب الأوائل في هذا الفن، وما وضعوه من هذا العِلْم. بل أذكره في هذا الباب ما يليق به، ويكمل الوضع بسببه». وحسب سياق تلك الفقرة فإن ذلك الكتاب في مجال التعمية والتشفير.

مما سبق يتضح أن المؤلف كان بارعًا في مجاله، ومتصلًا بأكبر الحكام في زمانه، كالخليفة العباسي الناصر، والملك الكامل الأيوبي، وأنه ألَّف ثلاثة كتب على الأقل.

صناعة الكتاب العربي في أزمة

صناعة الكتاب العربي في أزمة

تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي صعوبات جمة منذ عام 2011م حتى الآن؛ لذا فقد أُعِد هذا الموضوع لكي يكون كاشفًا ومناقشًا لمشكلات صناعة الكتاب في الوطن العربي، التي وإن كانت قد شهدت نموًّا مطردًا في دولة كالجزائر نتيجة برنامج وزارة الثقافة الجزائرية الذي يدفع بحركة النشر بصورة كبيرة، وبخاصة عند الاحتفاء بمدن كالجزائر وتلمسان وقسنطينة كعواصم ثقافية أو عبر تحفيز القراءة على الصعيد الوطني أو من الجامعات الجزائرية التي باتت معنية بحركة التزويد.

لكن المذهل هو أنه أثناء قيامي بمسح لحركة النشر في الوطن العربي وجدت دولة مثل الصومال تنتج سنويًّا 300 عنوان، لكن ما يحزن هو غياب الوطن العربي بصورة غير كاملة من التقرير السنوي لاتحاد الناشرين الدولي. إن عدم وجود سياسات في الدول العربية لتزويد المكتبات بالكتب وبخاصة العامة منها أدى إلى تحجيم حركة النشر في الوطن العربي، وبخاصة الكتب العلمية والدراسات الإنسانية. الحقيقة المذهلة أيضًا في صناعة النشر العربية هي افتقاد دور النشر العربية لمدير النشر الذي هو من يقيم الكتاب ويعدّ دراسة جدوى له وخطة تسويقية، بل ويبحث عن مؤلفين في موضوعات محددة يراها مهمة وناقصة في حركة النشر، وبالتالي لدينا في الوطن العربي طباعون للكتب وموزعون، هذا ما يجعل النشر في الوطن بلا سياسات محددة إلا ما ندر في مؤسسات رسمية.

_ماكينات-الطباعة-القديمة

أرقام غير واقعية

في محاولة لتتبع أرقام جادة وتحليلية لحركة النشر في الوطن العربي، تؤدي بنا كافة الدروب والمسالك إلى أرقام غير حقيقية؛ فحجم النشر في الوطن العربي يراوح بين 50 و75 ألف عنوان، ما بين مجلة وكتاب ودورية وسلسلة… إلخ، لكن تقف عقبة أمام تحديد الرقم بدقة هي عدم دقة أرقام الإيداع وعدم اكتراث عدد من المؤسسات بفكرة الإيداع الوطني؛ فالمنشور رسميًّا في الوطن العربي خلال عام 2012م يراوح بين 30 و40 ألف عنوان، ونفس الرقم عام 2013م، والرقم ذاته أو يزيد قليلًا عام 2014م. نستدل على ذلك من أن مصر وحدها في عام 2014م سُجل لديها 22 ألف عنوان طبقًا لأرقام الإيداع بدار الكتب المصرية، بينما بلغ عدد الكتب والمجلات التي لم تحصل على أرقام إيداع 4 آلاف، هذا يعني أن مجمل النشر في مصر وحدها 26 ألف عنوان. وعليه، فإن هناك فارقًا كبيرًا بين الرسمي وغير الرسمي، وهذا الاستنتاج نستطيع أن نبنيه من ملاحظات عدة أبرزها:

– حجم النشر في دولة مثل الإمارات العربية المتحدة التي شهدت نموًّا في حجم الكتب المنشورة بين عامي 2010 -2014م، وتكشف النظرة الفاحصة لحركة النشر هذه عن عدم دقة تقديرات حجم النشر في الإمارات العربية، ونعود إلى تقسيم النشر إلى نشر حكومي تتولاه مؤسسات داعمة للنشر على النحو الآتي:

– هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث.

– مركز الإمارات للدراسات السياسية والإستراتيجية.

– دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة.

– مؤسسات الأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة.

– المؤسسات الصحفية؛ كالبيان والاتحاد والخليج.

تنتج هذه المؤسسات الثلاث مع غيرها من دور النشر ومؤسسات الأوقاف إضافة إلى النشر باللغة الإنجليزية وبخاصة في دبي وأبو ظبي ما لا يقل عن 500 عنوان، وهو رقم أكبر مما هو مقدر لإنتاج دولة الإمارات من الكتب. وإذا أضفنا لهذا الرقم ما تنتجه دور النشر ومؤسسات المجتمع المدني، ودعم رجال الأعمال إلى حركة النشر، سنجد أن هناك مؤسسات فاعلة في حركة النشر بقوة على النحو الآتي:

– ندوة الثقافة والعلوم (دبي).

– مؤسسة سلطان العويس (دبي).

– مركز جمعة الماجد (دبي).

– مركز زايد للتراث (العين).

– دار مدارك (دبي).

دورة-الكتاب-المستعمل

تكمن أكبر المشكلات هنا في أن عددًا لا بأس به من هذه الكتب يطبع خارج الإمارات العربية المتحدة، وبخاصة في بيروت، بل نرى اتجاهًا للطبع في الهند، ولكننا نرصد نموًّا مطردًا للطباعة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتسمت مطبوعاتها بالجودة والدقة، وتأخذ في بعض الأحيان أرقام إيداع لبنانية، وهو ما يمثل حالة من حالات الرصد غير الدقيق لحجم المنشور من كتب في الإمارات العربية.

– حجم النشر في قطر: تعددت في العشرين عامًا الماضية المؤسسات المنتجة للكتب في دولة قطر، وكانت وزارتا الثقافة والأوقاف هما أكبر مؤسستين ناشرتين للكتب في قطر، يليهما نادي الجرة، لكن برز في السنوات العشر الأخيرة المزيد من المؤسسات المعنية بالنشر، ومنها:

– مؤسسة قطر التي أسست دار نشر مع بلومزبري، إضافة إلى النشر الذي تقوم به كليات ومراكز المؤسسة.

– هيئة المتاحف والآثار التي بدأت برنامجًا للنشر باللغتين العربية والإنجليزية.

– مؤسسة كتارا التي تنشر بالعربية والإنجليزية.

– المركز العربي لدراسات وأبحاث السياسات الذي شكلت مطبوعاته نقلة في حركة النشر في قطر.

ويقدر وفقًا لما سبق عدد العناوين المنشورة في قطر سنويًّا ما لا يقل عن 300 عنوان، وهو أيضًا رقم أكبر من الحجم المقدر للمطبوعات الصادرة في دولة قطر.

من ناحية أخرى تمثل المملكة المغربية الجانب الآخر في رصد حركة النشر في الوطن العربي. هنا نتحدث عن حجم أكبر من النشر؛ إذ لا يقل عدد المطبوع في المملكة المغربية سنويًّا عن 4 آلاف عنوان، لكن هناك مشكلات في هذا النشر وحركته والتعريف به، منها:

– ضعف التوزيع خارج التراب الوطني المغربي.

– قلة عناوين النسخ المطبوعة؛ إذ تراوح النسخ ما بين 200 و1000 نسخة من العنوان الواحد.

– ارتفاع سعر الكتاب المغربي.

ترتكز حركة النشر في المملكة المغربية على المجتمع المدني العلمي الذي يتم التغاضي عن دوره في كثير من التقارير، فمجتمعات المؤرخين والتراث في الجمعيات الدينية والأكاديمية تلعب دورًا غير منظور خارج النطاق الأكاديمي، فيما يتعلق بحركة النشر في المملكة المغربية، ولكن خلال الأعوام من 2010 إلى 2014م، برزت الرابطة المحمدية للعلماء كناشر بدأ ينشر بكثافة ما لا يقل عن 100 عنوان سنويًّا، إضافة إلى ثلاث مجلات دورية، وهذه الأرقام آخذة في التزايد. وتتميز الرابطة المحمدية بأن مطبوعاتها أكبر من حيث عدد المطبوع في كل طبعة، وأكثر توزيعًا على الصعيد المغاربي، واكتسبت مصداقية من حيث جودة المضمون والدقة وجودة الطباعة. ولكن إذا عدتَ إلى ركائز النشر في المغرب ستجد أنها من:

– وزارة الثقافة (دار المناهل ودائرة الكتاب).

– وزارة الأوقاف.

– الأكاديمية المغربية.

– مكتبة الملك عبدالعزيز (الدار البيضاء).

– الجامعات.

إن العديد من دور النشر المغربية نجحت في تثبيت أقدامها في حركة النشر المغاربية، وأبرزها دار توبقال التي احتفلت عام 2015م بمرور 30 عامًا على إنشائها، وتعددت مطبوعاتها بين المعرفة التاريخية والفلسفة والروايات والنشر العام. وقد أسسها عدد من الكتاب وأساتذة الجامعات؛ لدعم حركة النشر في المملكة المغربية.

دورة-الكتاب

النشر العابر للحدود

تبرز هنا قضية النشر العابر للحدود، وهل يمكن احتسابه ضمن النشر الوطني، أم يجب إدماجه داخل تقارير النشر ضمن النشر الوطني للدولة المقر؟ وهنا نقصد بصورة محددة المنظمات الإقليمية، ومنها:

– المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو ومقرها تونس).

– المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإسيسكو ومقرها المغرب).

– معهد المخطوطات العربية، مصر.

– رابطة العالم الإسلامي، السعودية.

– منظمة المدن العربية ومقرها الكويت.

ينشر بعض هذه المنظمات الإقليمية بصورة موسعة؛ فعدد العناوين الصادرة عن الإسيسكو لا يقل سنويًّا عن 150 عنوانًا، فهل تحسب ضمن النشر الوطني المغاربي؟ أم أنه من الواجب إفراد رقم مستقل للنشر العابر للحدود في مثل هذه التقارير، باعتبار أن هذه المنظمات هي منظمات إقليمية عابرة للحدود.

إن الرأي الأصوب هو قياس النشر العابر للحدود في الدول العربية برقم مستقل؛ ويكشف مثل هذا الرقم عن حجم التمويل العربي المشترك للنشر، واتجاهات حركة النشر المشترك، وقد يساهم هذا التعاون كرافد في نمو حركة المعرفة والنشر في العالم العربي، كما أنه يحسب ضمن النشر الوطني في دولة المقر باعتباره منجزًا على التراب الوطني لهذه الدولة.

ويرتبط بهذا وجود مؤسسات مجتمع مدني أنشئت في السنوات الأخيرة، كمؤسسة الفكر العربي التي تتخذ من بيروت مقرًّا لها، فهل نحتسب إنتاجها ضمن النشر العابر لحدود العالم العربي، أم يحسب على النشر اللبناني؟ وهل يمكن أن ينطبق عليها المعيار السابق، أي إدراجها ضمن الرقم العابر للدول واعتباره جزءًا من النشر الوطني؟ مع أخذ ملاحظة على كل دولة بشأن النشر العابر المنشور بها.

وهنا لا بد من مراجعة النشر في لبنان كأحد أكبر الدول العربية المنتجة للكتاب؛ فلبنان تقوم بدور الطابع بشكل أساسي بحكم جودة الطباعة ورخصها في ذات الوقت؛ لذا تلجأ العديد من المؤسسات العربية للنشر عبر بيروت؛ فالسعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والمغرب تطبع في بيروت، وبالتالي فإن أرقام الإيداع في بعض الأحيان لا تعكس الحجم الحقيقي للنشر في لبنان. وهذه ملاحظة لا بد من أخذها في الحسبان. لذا على الناشر من هذه الدول أن يحرص على النشر بأرقام إيداع تعود إلى بلده حتى مع طباعة الأعمال في بيروت؛ لأن هذه المسألة تخلق اضطرابًا في احتساب طبيعة حركة النشر في كل دولة.

ماكينات-الطباعة

الكتاب الديني والرواية

إن أكثر الأمور التي جرى بحثها مضمون النشر ومدى تقديمه خدمات للباحثين والقراء، بل مدى امتداده إلى نقل وترويج المعرفة. وفي حقيقة الأمر، إن قوائم دور النشر العربية التي توزع في المعارض، كانت هي محل التحليل للوصول إلى نتائج محددة في هذا الاتجاه.

هناك نسبة محددة هي 60% من حجم ما ينشر في الوطن العربي، ينحصر بين 40% للكتاب الديني، و20% للروايات الأدبية. ويعني هذا أن الكتب الدينية خلال الأعوام 2012 و2013 و2014م احتلت المرتبة الأولى في مضمون النشر العربي. وهذه النسبة ليست ثابتة بل كانت في عام 2012م 43%، وفي عام 2013م 40%، وفي عام 2014م 44%.

ويعود تصاعد هذه النسبة ليس فقط إلى وزارات الأوقاف العربية والمؤسسات الدينية التي تمتلك برامج نشر وميزانيات كبيرة، بل إلى ظهور رغبة عربية عارمة لفهم ظاهرة الإسلام السياسي والتيارات الدينية المتطرفة، والفكر الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والصراعات السياسية الإسلامية، والتصوف، والحركات الإسلامية وغيرها من الموضوعات؛ كالجدل السني الشيعي، كل هذه الموضوعات كانت سببًا في زيادة عدد الكتب الدينية وحجم ما يطبع على الصعيد العربي.

وحققت دور نشر مثل الشبكة العربية للأبحاث، ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، والمركز العربي في الدوحة، وسلسلة مراصد التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية وغيرها إقبالًا من القراء العرب، وبخاصة في ظل حالة التقاذف الإعلامي بين أنصار الحركات الإسلامية ومناوئيها، وانعكس ذلك أيضًا على نشاط كتب محددة لاقت إقبالًا لدى القراء على غرار مؤلفات الدكتور رضوان السيد، وعبدالجواد ياسين، وطه عبدالرحمن، ومحمد الحداد، والطاهر سعود، وعبدالغني عماد، وهشام جعيط وغيرهم.