آثار إيجابية كاسحة

آثار إيجابية كاسحة

الغافلةقبل سنوات طويلة من اكتشاف النفط في ديارهم، عرف الرعيل الأول من أبناء الخليج النفط، أو بعبارة أدق اثنين من مشتقاته وهما: بنزين السيارات وكيروسين الطبخ اللذين كانا يصلانهم من ميناء عبدان الإيراني في براميل محملة على ظهور السفن الشراعية. منذ تلك الأيام الخوالي سرت مقولة أن الإنقريز (مفردة كانت تطلق على الغربيين عمومًا وليس على البريطانيين فقط) قادرون على المعجزات، فطالما أنهم أخرجوا من باطن الأرض سائلًا يـُصب في السيارة فتطوي الأخيرة الأرض طيًّا، فهم قادرون على الإتيان بأشياء جديدة غير مسبوقة. وقد صدقت توقعاتهم يوم أن أعلنت شركة أرامكو في عام 1957م عن قرب إطلاقها لأول بث تلفزيوني ناطق بالعربية في منطقة الخليج والجزيرة، بالتزامن مع ظهور أجهزة التلفاز في الأسواق. ذلك أن جدلًا كبيرًا دار وقتها ما بين مصدِّق ومكذِّب حول ما سموه ابتداء جهاز راديو يمكن لمقتنيه أن يسمع ويرى مطربه أو مطربته المفضلة في آن واحد.

تلفزيون-آرامكولقد استخدمنا هنا البث التلفزيوني، وهو أحد مآثر شركة أرامكو النفطية العملاقة، كمدخل للحديث عن الآثار الإيجابية الكبيرة لاكتشاف النفط وتصديره على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والثقافية والفكرية في مجتمعات الخليج وشرق الجزيرة العربية. ولا نبالغ هنا لو قلنا: إن تلك الآثار كانت كاسحة، وخلقت مجتمعات جديدة مزدهرة، ونقلت الناس من حياة البداوة إلى عصر التحضر، وعرَّفت المواطنين ما لم يكن لهم سابق معرفة به من أدوات وآلات وملابس وكماليات ومأكولات ومفردات أجنبية، إضافة إلى أنشطة ترفيهية وألعاب رياضية لم يألفوها من قبل. فالتلفزيون مثلًا أحدث زلزالًا في برنامج المواطن اليومي ووقت فراغه وساعات نومه، بل إن ما كان يـُعرض على شاشته يوميًّا من أفلام عربية ومسلسلات أجنبية مدبلجة، عرَّفه أنماط الحياة في البلاد الأسبق إلى المدنية والتحضر، وزوده بجرعة من الثقافة والمعلومات العامة في زمن كانت فيه مصادر الثقافة شحيحة، وجُلُّ الناس يعانون الأمية. والمدارس الابتدائية والمتوسطة التي تأسست بفضل مداخيل النفط، وأوكلت الحكومة إلى شركة أرامكو تصميمها وبناءها وتأثيثها منحت طلبة وطالبات شرق السعودية مثلًا في خمسينيات وستينيات القرن العشرين أجواء نموذجية وصحية لتلقي العلم وفق أحدث المعايير والوسائل وأرقى سبل الرفاهية الشبيهة بتلك التي لم تكن متوافرة إلا في الغرب والولايات المتحدة.

وطالما تطرقنا إلى أثر النفط في التعليم فلا بد من الإشارة إلى آلاف الموظفين من سكان البادية أو المجتمعات الفلاحية الذين احتضنتهم مدارس أرامكو ومعاهدها التقنية في الظهران وبقيق ورأس تنورة، ناهيك عن ابتعاث المتفوقين منهم إلى جامعة بيروت الأميركية وجامعات الولايات المتحدة من أجل التخصص العالي. فكانت النتيجة ظهور قيادات سعودية شابة حملت لواء التنمية والإدارة والتطوير بنجاح مشهود (علي إبراهيم النعيمي وزير النفط السابق مثالًا).

برامج-الطب-الوقائي-في-الأربعينيات

برامج الطب الوقائي في الأربعينيات والخمسينيات التي ساهمت بها شركة أرامكو للحد من انتشار الأمراض والأوبئة

والجهود التي قامت بها أرامكو في أعقاب اكتشافها وتصديرها النفط السعودي في مجال التوعية الصحية وتوفير العلاج في مستوصفاتها ومستشفاها المركزي بالظهران لا تقدر بثمن؛ لأنها حمت أرواح الآلاف من سكان المنطقة الشرقية وأسرهم من أمراض كثيرة كانت تفتك بهم في عقدي الخمسينيات والستينيات مثل: أمراض التراخوما والملاريا والتيفوئيد والدوسنطاريا التي كانت منتشرة آنذاك في مجتمعات الأحساء والقطيف الزراعية؛ بسبب قلة الوعي وعدم الإلمام بقواعد الوقاية. إضافة إلى ذلك، كان من مآثر النفط وشركة أرامكو برنامج تملك البيوت الذي أطلقته في عام 1951م، ثم طوِّر على يد أحد أشهر رؤساء أرامكو الأميركيين شهرة وعملًا من أجل مرؤوسيه السعوديين وهو «توماس بارقر»؛ إذ سهّل هذا البرنامج للآلاف من السعوديين تملك منازل خاصة بهم ذات تصاميم حديثة وملبية لاحتياجاتهم، وذلك من خلال أقساط ميسرة تخصم شهريًّا من رواتبهم. ومن مآثر النفط أيضًا تحول بلدات وقرى ساحلية كئيبة لا حراك ولا نشاط فيها إلى مدن عامرة تموج بالحركة ذات تخطيط هندسي رائع مستوحى من تخطيط المدن الأميركية (مدينة الخبر مثالًا التي استعارت تخطيطها من التخطيط الهندسي لمدينة نيويورك)، وتحول صحارى جرداء إلى حواضر غناء يجد زائرها كل ما تتوق نفسه إليه من مرافق ومباهج وأدوات ترفيه (مدينة الظهران مثالًا). وإذا كان تلفزيون أرامكو يجسد واحدًا من الآثار الثقافية التي ارتبطت باكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية، فإن الأثر الثقافي الآخر يتمثل في مجلة «قافلة الزيت» الشهرية التي دأبت أرامكو على إصدارها منذ عام 1953م حتى اليوم في طباعة فاخرة مع الحرص على أن تكون في متناول اليد مجانًا. فهذه المجلة الراقية مضمونًا التي جندت لها أرامكو ثلة من الكُتاب والعلماء المتميزين في شتى الحقول والمعارف، لعبت دورًا مهمًّا في تثقيف أجيال بأكملها.

تنمية المجتمع وبناء الإنسان

موظفون-سعوديون-في-آرامكو--

موظفون سعوديون ضمن برامج التطوير المهني للعمل في مجال النفط في خمسينيات القرن العشرين

في اعتقادي أن ما حدث في شرق السعودية حدث مثله بشكل أو بآخر في دول الخليج الأخرى التي اكتُشف فيها النفط ابتداء بالبحرين وانتهاء بـ«أبو ظبي». وما الرخاء الذي ينعم به الخليج وأبناؤه اليوم إلا نتيجة طبيعية من نتائج الانتقال من اقتصاد الغوص لاستخراج اللؤلؤ إلى اقتصاد النفط، ومن ثَم إنفاق مداخيله على تنمية المجتمع وبناء الإنسان وتشييد البنى التحتية الجبارة.

والحقيقة أن التحولات التي أحدثها النفط في مفاهيم أبناء المنطقة وأحوالهم ابتداء من ثلاثينيات القرن العشرين لم تغب كثيرًا في الأدب الخليجي أو الدراسات والأبحاث المكتوبة بأقلام خليجية. فهناك العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت هذا الشأن باستفاضة، ثم نُشرت في كتب (رسالة الدكتوراه التي أعدها الدكتور عبدالله ناصر السبيعي حول أثر اكتشاف النفط على الحياة الاقتصادية والعلمية والثقافية والفكرية في المنطقة الشرقية مثالًا). وهناك أيضًا عشرات الأدباء الخليجيين الذين استخدموا السرد الروائي والترميز للحديث بحرية عما شهدته مجتمعاتهم من تغييرات بفضل تدفق الذهب الأسود (روايات عبدالرحمن منيف وتركي الحمد، ومؤلفات غازي القصيبي، وعبدالله المدني مثالًا). وأخيرًا فإن النفط ارتبط عند الكثيرين من المثقفين العرب خارج حدود منطقة الخليج وعدد من مثقفي الخليج بمقولات وشعارات ودعوات مؤججة للعواطف مستمدة من توجهاتهم الأيديولوجية اليسارية أو القومية أو البعثية، مثل: «نفط العرب للعرب»، و«شركات النفط الغربية الاحتكارية»، و«البترودولار»، و«النفط نقمة وليس نعمة»، وغيرها.

مدرسة-للبنات-أنشأتها-شركة-أرامكو--قبل-70-عامًا-تقريبًا

مدرسة للبنات أنشأتها شركة أرامكو في المنطقة الشرقية قبل 70 عامًا تقريبًا

وفي اعتقادي أن هؤلاء المثقفين العرب انطلقوا في ترديد هذه الشعارات مما اعتمر قلوبهم من غيرة وحسد جراء ما نجحت فيه بلدان الخليج ولم تنجح فيه بلدانهم من جهة استثمار مداخيل النفط وثروات الوطن استثمارًا أمثل في البناء والرخاء. أما من سايرهم من مثقفي الخليج فلم يكونوا سوى حفنة من المتأثرين بالفكر القومي الانقلابي أو الفكر الاشتراكي المطالب بالتأميم.

ونختتم بالعنوان الذي اختاره عالم الاجتماع السياسي الكويتي الزميل الدكتور محمد غانم الرميحي لأحد مؤلفاته وهو «الخليج ليس نفطًا» فأحسن الاختيار؛ ذلك أنه على الرغم من التحولات الكبيرة التي أحدثها النفط في منطقة الخليج على مختلف الأصعدة، فإن الخليج، من قبل ومن بعد، هو إنسان وقيم وإباء وشيم، ومجتمع ديناميكي حيوي قادر على بناء قاعدة حضارية وإنسانية تستوعب المستجدات وتحافظ على الثوابت. والخليج من ناحية أخرى هو ذلك التاريخ العبق برجاله الميامين من أولئك الذين انتشروا، في حقبة ما قبل النفط، في بلاد الرافدين والشام والهند وشرق إفريقيا طلبًا للرزق والعلم أو جهادًا في سبيل حياة أفضل، فتأثروا وأثروا.

النخب في الخليج العربي

النخب في الخليج العربي

كأي مجتمع من المجتمعات الآهلة بالسكان والحركة والنشاط كانت مجتمعات الخليج والجزيرة العربية -ولا تزال- زاخرة بالنخب والأعلام والرواد، رجالًا ونساء، في مختلف مجالات ومناحي الحياة من دون استثناء. فمنهم التكنوقراط الذين تسلقوا سلالم العلم والتخصصات الأكاديمية العليا قبل أن ينتظموا في سلك العمل الحكومي، ويعملوا على رفعة شأن أوطانهم وبناء الدولة المدنية الحديثة. ومنهم الساسة الذين انخرطوا في الحراك السياسي والمجتمعي من أجل استقلال وسيادة بلدانهم. ومنهم من مارس التجارة والأنشطة الاقتصادية المتنوعة فغدا اسمًا مرموقًا في عوالم المال والأعمال، يرفد بثروته جهود ومشاريع بلاده التنموية، ويساهم بما حباه الله من نعمه في ضروب البر والخير والإحسان. ومنهم من استثمر علمه وجهده في الميدان الثقافي فأضحى فارسًا من فرسان الكلمة ورقمًا بارزًا في مجال التنوير والإبداعين الأدبي والإعلامي. ومنهم من سخّر مواهبه في الارتقاء بالذائقة الفنية لمواطنيه من خلال المسرح والسينما والتلفزيون والموسيقا. ومنهم من قادته خطاه إلى أرقى الجامعات الأجنبية للتخصص في الميادين العلمية الدقيقة الكفيلة بحل مشكلات ومعضلات البشرية.

ولعل ما ميـّز النخب في الخليج العربي قديمًا شيئان؛ أولهما هو انفتاحها على الآخر واستعدادها للتماهي مع كل جديد وعصري، وذلك خلافًا لما أورده بعض المستشرقين الأجانب في كتاباتهم حول وجود صدود وحذر من هذه النخب لجهة استقبالها وتعاطيها مع الظواهر العصرية، أو لجهة تماهيها مع المجتمعات الجديدة التي انتقلت إليها من أجل الرزق أو العلم أو كليهما. وثانيهما سعيها الدؤوب وحرصها الشديد على فهم الأشياء ومعرفة كنهها بأسرع وقت.

هجرات واندماج

فلو تتبعنا هجرات النخب الخليجية الأولى التي انطلقت في القرنين الثامن والتاسع عشر الميلاديين من بطون نجد باتجاه الزبير والكويت والبحرين، وصولًا إلى العراق ومصر وبلاد الشام، هربًا من القحط وقسوة الحياة، نجد أنها تمكنت بسرعة من الاندماج في تلك المجتمعات المغايرة كليًّا لمجتمعاتها، بل برزت فيها كتجار وأصحاب نفوذ وعلاقات واحترام ومكانة اجتماعية.

ويصدق الشيء ذاته على النخب الخليجية التي فرض عليها امتهانها الغوص لاستخراج اللؤلؤ الهجرةَ إلى الهند، سواء أولئك الذين قصدوا بومباي لتصريف محاصيلهم من اللؤلؤ الطبيعي في سوق «موتي بازار» الكبير للؤلؤ، أو أولئك الذين قصدوا بومباي وغيرها من مدن الهند الفيكتورية؛ مثل: كلكتا، وحيدر آباد، ومليبار، بدافع تأسيس قواعد وعلاقات تجارية دائمة لهم مع نظرائهم الهنود؛ كي يستثمروها في تصدير ما تحتاجه مجتمعاتهم من مواد غذائية وتوابل وأقمشة وعطور وأخشاب وكماليات عصرية، أو أولئك الذين أبحروا إلى هناك من أجل اكتساب المعارف الحديثة، ولا سيما اللغة الإنجليزية ومسك الدفاتر.

فعلى هامش هذه الظاهرة التي شهد القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أوضح تجلياتها، برزت بومباي كواحدة من أكبر تجمعات النخب الخليجية؛ إذ سكنتها وعملت وتعلمت بها نخب من الخليجيين ممن تركوا فيها مآثر وذكرى عطرة، لا يزال عبقها يفوح من جنبات شارعي «محمد علي رود» و«إبراهيم رحمة الله رود» ومنطقة «كولابا»؛ من هؤلاء: آل البسام، وآل القاضي، وآل القصيبي، وآل الفوزان، وآل الفضل من نجد، وآل زينل، وآل عبدالجواد، وآل الصبان، وآل باناجة من الحجاز، وآل عبدالرزاق، وآل صانع، وآل إبراهيم، وآل مشاري، وآل الشايع، وآل الخالد، وآل الغانم، وآل المرزوق، وآل الفليج، وآل الحميضي، وآل الصقر، وآل غربللي، وآل الخرافي، وآل الهارون، وآل الجسار، وآل الرومي من الكويت، وآل الزياني، وآل فخرو، وآل مطر، وآل مصطفى عبداللطيف بستكي، وآل كانو من البحرين، وآل المدفع من الشارقة، وآل الصايغ، وآل بدور، وآل لوتاه، وآل النومان، وآل نابودة من دبي، إضافة إلى الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني المؤسس الحقيقي لإمارة قطر.

وإذا ما أردنا دليلًا آخر على قدرة الإنسان الخليجي، في عصر ما بعد اكتشاف النفط، على الارتقاء بنفسه إلى مصاف النخب فهو سرعة اندماجه وتماهيه مع النقلة الحضارية التي أحدثها قدوم شركات البترول الأجنبية إلى المنطقة، وتأسيس الأخيرة لما يمكن تسميته بمدن النفط الحديثة بمظاهرها ومنشآتها العصرية، وثقافتها الغربية، وأنماط معيشتها المتمدنة، وفرصها التجارية المربحة. وسرعة الاندماج هي التي أهّلت كثيرين من أبناء المنطقة للصعود إلى رأس الهرم الاقتصادي، أو للذهاب إلى أوربا والولايات المتحدة للالتحاق بأرقى الجامعات هناك، والعودة منها بأعلى الدرجات الجامعية.

ويستوي هذا مع ما حدث في دول الخليج -عدا المملكة العربية السعودية- من سرعة قبول وانتظام وعمل مواطنيها في دوائر الدولة الحديثة من تلك التي أسستها السلطات البريطانية الكولونيالية، وبخاصة في البحرين. ومن المفيد هنا الإشارة إلى أن شيئًا من هذا الجانب حدث أيضًا يوم أنْ جاءت الإرساليات الأجنبية إلى البحرين والكويت لتأسيس أوائل المدارس والعيادات الطبية في مطلع القرن التاسع عشر.

الخليج ليس نفطًا

إن دراسة سير النخب في الخليج العربي وتسليط الضوء المكثف على مسيرتها العلمية والمهنية وأنشطتها الاجتماعية والثقافية، وما واجهتها من صعاب ومعوقات في طريقها نحو الارتقاء بنفسها، وتنمية مجتمعاتها، وتنوير مواطينها، وتوطيد دعائم دولها؛ أمر في غاية الأهمية، ويستوجب عملًا دؤوبًا وممنهجًا، وجهدًا مستمرًّا لا ينقطع، ليس لأن في سرد مثل هذه السير عبرًا وعظات فحسب، إنما لأنها -وهذا هو الأهم- تقدِّم للأجيال الشابة الصاعدة، التي أخذها الترف بعيدًا من المعلومة والقراءة الجادة- لوحات بانورامية لما كانت عليه أحوال آبائهم وأجدادهم، وما كابدوه من شظف العيش، وقسوة الحياة، وقلة الحيلة، وكيف أنهم بالرغم من كل هذا شقوا طريقهم، وحفروا أسماءهم في الصخر. ومما لا جدال فيه أن المتلقي سوف يقرأ من خلال التدوين والتوثيق لسير هذه النخب كثيرًا عن عملية الانتقال من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث بكل ما فيها من رصد لصور العمل والصبر والكفاح والاجتهاد والابتكار. كما سيقرأ صفحات من التاريخ الديناميكي الناصع للخليج. فهذا الخليج، بعد كل شيء، ليس نفطًا كما قال الصديق الدكتور محمد غانم الرميحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الكويت في كتابه «الخليج ليس نفطًا» الذي صدرت طبعته الأولى عام 1986م.

نعم، في الخليج نفط لكن فيه أيضًا حضارة وقيم وإباء وشيم وعادات أصيلة، ورجال بنوا أوطانهم من الصفر، ودافعوا عن حياضها. وفيه مجتمعات عـُرفت منذ القدم بحركة الأفراد والجماعات وتبدل الأماكن والأزمنة وتغير أنماط الحياة من حال إلى حال وتطور المدن والحواضر، وتشكل التنظيمات الاجتماعية المحلية؛ كالنخب الحاكمة، والقبيلة، والأسرة والقرية والمدينة والأسواق والموانئ.

لقد ظلت المكتبة الخليجية تفتقر طويلًا إلى مؤلفات توثق لحركة مجتمعاتها وتحولاتها المدهشة، وتسرد سير نخبها وأعلامها وروادها، بطريقة علمية رصينة، وعانى المهتمون بالتأريخ الاجتماعي الأنثروبولوجي من كثير من المثبطات التي أعاقت نشاطهم في هذا المجال. والسبب -وفقًا للأديب الإماراتي والرئيس السابق للمجلس الوطني الاتحادي الأستاذ محمد أحمد المر- هو غياب الدعم المؤسساتي والمادي، وضعف محتويات مراكز الأرشيف والمعلومات الوطنية، إضافة إلى قلة اهتمام دور النشر بهذا النوع من الإنتاج الفكري.