أصول الظواهر: تطورها وخواتمها

أصول الظواهر: تطورها وخواتمها

تُعَدُّ العلوم الإنسانية الأصغرَ سنًّا بين كل العلوم الأخرى؛ فهي لم تتجاوز قرنين، على امتدادها أصبحت ملاحظة الأحداث، والمراقبة المباشرة، والتجربة والمختبر، علامتها اللصيقة بها، والعلوم الطبيعية بوصلتها. لكن طلاقهما مع الفلسفة لم يدفعها إلى الاستغناء عن قطع طريقها في كل مرّة شغلها همُّ الاكتشاف الذي يفرض معرفة ما تبحث عنه بالدرجة الأولى. كل يتّفق، في مجال الثقافة العلمية العامّة، على أن القرن التاسع عشر هو قرن التاريخ والتقدّم. لكن مع القرن العشرين تأكّدت حقول علمية أخرى: علم الاجتماع، اللسانيات، الاقتصاد، التحليل النفسي، الأنثروبولوجيا، التي عرفت عصرها الذهبي الكلاسيكي. اشتهرت في هذا القرن مدارس كثيرة، تيارات وسرود كُبرى: الفلسفة الوضعية، الماركسية، السلوكيّة، الليبرالية، البنيوية… فكانت تتنافس أحيانًا وتتابع على مقدمة مسرح الأفكار، قبل أن تدع المكان للشكّ الكبير: ماذا لو كان التقدّم الظاهر للعلم ليس في العمق سوى وهم، أو أسوأ من ذلك، قناعًا خادعًا للمنفعة المظلمة؟ أمام هذا النقد الذاتي ظهرت العلوم الإنسانية قادرة على المقاومة وردّ الصدمة، عن طريق منفذ نجاة كان حتميًّا: التخصّص. لكن كل الدارسين لم يفكروا في تقديم استقالتهم، فبدا الطموح نحو أطروحات جديدة حاضرًا على الدّوام.

لتقديم بانوراما تطورية لكل هذه العلوم الإنسانية قدمت مجلة «علوم إنسانية» الفرنسية، ضمن عدد خاص ضخم، مئة مفكّر ومئة عمل طبعوا هذه المغامرة، التي يبدو أن نهايتها ليست وشيكة. صنّفت المجلة المفكّرين العالميين الكبار حسب جدول زمني، فـ(1800-1914م) هي مرحلة الآباء المؤسسين، وتبدأ بالمفكر الاقتصادي «آدم سميث» (1723-1790م)، وهو أبو الليبرالية، وفيلسوف ومؤرخ، بدأ مساره الفكري سنة 1759م بكتاب «نظرية العواطف الأخلاقية»، ثم تلاه بعد ذلك بـ«بحث في الطبيعة واغتناء الأمم» سنة 1776م. وتنتهي مرحلة الآباء المؤسسين بـ«إدموند هوسرل»، وهو مفكر كرّس أبحاثه لتوضيح مسار إيقاع التفكير؛ لذلك فقد عُدَّ أبا الفينومينولوجيا.

وتمتدُّ مرحلة الفكر الثانية بدءًا من 1914م إلى 1945م، وهي مرحلة النظريات الفكرية الكبرى في القرن العشرين. ووضعت لها المجلة كبداية اللساني فرديناند دي سوسير (1857-1913م)؛ لأن مع دي سوسير عرفت الدراسات اللغوية واللسانية منعطفًا علميًّا جديدًا؛ منعطفًا وُلدت معه اللسانيات الحديثة. وقد عَدَّ «نيكولا جورني» أن أهمية دي سوسير تكمن فيما أسماه «التغاضي عن الفيلولوجيا التاريخية» من أجل خلق علم جديد للغة. وتنتهي المرحلة الثانية بالمفكر الاقتصادي البريطاني «جون مينارد كينز» (1883-1946م). وقد اشتهر هذا المفكر، حسب جان فرانسوا دورتيي، بتأثيره في السياسات الاقتصادية في العالم الحرّ في المدة الممتدّة بين 1945م و1980م.

وتمتد المرحلة الثالثة من سنة 1945م إلى 1960م، وقد وُضعت تحت عنوان «التقدّم يتقدّم». وتبدأ بعالم الاجتماع الأميركي «غريغوري باتيسون» (1904-1980م) الذي يعود إليه الفضل في تأسيس مدرسة «بالو ألتو» التي أنتجت نظريات حول النسيج الاجتماعي والأسري. وتنتهي هذه المرحلة بعالم النفس الألماني «كورت لوين» (1890-1947م) الذي افتتح في أربعينيات القرن العشرين دراسةً تجريبية حول نشاط المجموعات التي فتحت الطريق أمام علوم التدبير.

دراما الحياة اليومية

أما ما أسمتْها هيئة تحرير المجلة بـ«زمن البنيات والتفاعل»، وهي المرحلة الفكرية العالمية الرابعة، فإنها تمتدُّ من 1960م إلى 1975م. وتبدأ بعالم الاجتماع الكندي «إيرفينغ غوفمان» الذي تغلغل إلى أعماق ما أَطلق عليه دومينيك بيكار: «دراما الحياة اليومية». وتنتهي بعالم اجتماع الأحياء ورائده «إدوارد ويلسون» الذي أكّد سنة 1975م أن الاختيار الطبيعي، عند الإنسان كما عند الحشرات، هو محرّك تكوّن المجتمعات والتصرفات الثقافية.

فرديناند دي سوسير

ومن 1975م إلى 2006م تمتدّ المرحلة الأخيرة، مرحلة ما بعد الحداثة التي تبدأ بالفيلسوف الأسترالي «بيتر سينغر» الذي اقترح مدّ الأخلاق إلى مملكة الحيوان؛ ففي سنة 1970م اكتشف «ب. سينغر» أنه لا يمكن إنتاج اللحوم والحليب والبيض دون جعل الحيوانات تتألّم، ولاحظ في المقابل أننا لا يمكن أن نأكل جيدًا ونتمتَّع بصحة سليمة بالاستغناء عن هذه المواد. ولجعل الأفكار توافق الفعل أصبح سينغر نباتيًّا، هذا القرار الجدي دفعه إلى تأليف كتاب «تحرير الحيوان» سنة 1975م. وتنتهي هذه المرحلة بعالمة الاجتماع الإيرلاندو-أميركية «ساسكيا ساسّن» صاحبة نظرة «المدن الشاملة»؛ فقد دافعت عن أطروحة أنه عوض البلدان، والأمم والأوطان ستوجد المدن الكبرى والشاملة؛ وهي عبارة عن عواصم اقتصادية تعمل على التحكّم في الترويج العالمي للسلع ورؤوس الأموال.

لقد اجتمعت الأسماء والتيارات والكتب التي كان هدفها إعادة تشكيل العالم والإنسان في كل المجالات والحقول العلمية. ولفهم هذا المسار الفكري الذي دام قرونًا، ومازال يخوض مغامرته الكبرى، لا بدّ من تتبُّعه من كتاب إلى آخر؛ فثمّة عناوين دراسات ومقالات وكتب صارعت أطروحات قبلها، فكّرت بها وخارجها، انتقدتها وصحّحت مضمونها؛ فآدم سميث مثلًا لم يقبل قطّ أن يحجب الاقتصاد فكر الفيلسوف. وهي قضية تدافع عن وجود فيلسوف داخل رجل الاقتصاد. ومثل هذه الأجراس كانت تدقّ قبل أوانها.

يشكّل المئةُ المفكر المنتخبون أساسًا للمجتمع الأوربي والأميركي الحديث. وقد بدأ ذلك التأسيس من نقطة كبرى يمكن إيجازها في ربط المجالات المختلفة بوشائج قوية؛ ربط الاقتصاد بالفلسفة، ربط السياسة بالأخلاق والنفس…إلخ. فالفرنسي «ألكسيس توكفيل»، الرجل الليبرالي والديمقراطي قبل الأوان أيضًا، ظلّ يذكّر بالأخطار الناجمة من عزل المواطنين سياسيًّا واجتماعيًّا؛ لذلك يجد الفرنسيون، والأوربيون عمومًا، ضرورة قصوى في إعادة قراءته من جديد. والسبب يعود إلى وعي المجتمع الفرنسي والنخب الفرنسية بأن الديمقراطية، مهما كانت عراقتها، لا تنجو من الاستبداد.

لعل أشهر النظريات هي تلك التي وضعها «شارلز داروين»، هي نظرية «أصل الأنواع». وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على نجاحها وانتشارها العلمي المبهر، ألّف داروين سنة 1871م دراسة في ستمئة صفحة عنوانها «أحفاد الإنسان». لكن هذه النظرية شُكِّك في صحتها ومراجعتها. فلا يمكن القول بكل حصانة بأن الإنسان منحدر من سلالة القِرَدة، فقانون التطور الطبيعي يبيِّن أن الإنسان ليس مختلفًا فقط في شكله، بل في تصرُّفاته أيضًا؛ فالإنسان كائن «متحضّر»، والأمر هنا لا يتعلّق فقط بالطابع الأناني، بل لأنه «مثقّف»؛ أي أنه يمتلك أحكامًا أخلاقية، واجتماعية، وجمالية، وفي كل الأحوال يمارس أنواع الأنشطة كافة التي بإمكانها مساعدته على البقاء. ومن الأشياء المثيرة حقًّا هو ازدهار المرحلة الثالثة (1945-1960م) بمساهمات فكرية نسائية: الطبيبة الإيطالية «ماريا مونتيسوري»، والمحللة النفسية الألمانية «ميلاني كلاين» التي وضعت نظريات حول نفسية الأطفال الرُّضَّع، والفيلسوفة الروائية الفرنسية «سيمون دي بوفوار»، والفيلسوفة الألمانية «حنّة آرنت» التي درست أخطاء مجتمع الاستهلاك وبحثت عن أصل الشرّ المطلق.

ألكسيس توكفيل

مغامرة تطورية مفتوحة

إن الطابع الكرونولوجي الذي اعتمدته المجلة في تناول الفكر العالمي، يبيّن أن ما يجعل من العالِم عالِمًا هو بحثه ورصده الجانبَ التاريخي والتطوري للشيء والظاهرة. إن مسار الظاهرة هي مغامرة تطوّرية مفتوحة على تغيرات كثيرة غير متوقعة. ونظرًا لهذا الطابع التحوّلي فإنها تكون غير مرئية إلا لعين العالم؛ فمثلًا: ما أصل لجوء الدولة للسوق بالدرجة الأولى في الوقت الذي كان يجب أن تبقى محصورة في حقلها الأصلي؟ يبدو أن التفكير في اللغات أخذ مكانته اللائقة في عالم العلوم الإنسانية. بدأت المغامرة مع «فرديناند دي سوسير» مؤسس علم اللغة العام، وواصلت حيويتها وتعرّجاتها مع «نعوم تشومسكي» الذي كرّس مجهوده الفكري الأساسي في تأمل العمليات التي يخضع لها تكون الجملة في كل اللغات الموجودة في العالم؛ فكان طموح اللساني يتلخّص في وضع نموذج نحوي يكون في الآن نفسه عالميًّا «شاملًا». عالمي لأنه يوجد في كل الأنحاء وفي المساحة الخاصة بكلّ لغة قواعدُ تركيبية مشتركة، وشامل لأن هذه القواعد يجب أن تكون قادرة على اشتمال كل الملفوظات في لغة معينة، وكل الجمل الأكثر تعقيدًا أو بساطة. وقد أصبح تشومسكي، بعد أبحاثه اللغوية، معروفًا عند الجمهور في صورة مثقف ليبرالي.

اشتمل الملف، في كل أبعاده، على مغامرات فكرية متشعّبة طبعت القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين، محاولًا تصنيف كل مرحلة حسب حاجة مجتمعاتها التاريخية والابستمولوجية. ومن خلال الاطلاع على المواد يتبيّن أن المجلة اكتفت فقط بالعناوين الكبرى، والتحولات الحاسمة في العلوم الإنسانية، وفي الفكر الإنساني عمومًا؛ إذ يمكن الإشارة إلى غياب العديد من المفكرين في مجالات المعرفة المختلفة مثل: «جاك لاكان، وألبير كامي، وإدوارد سعيد، وكارل غوستاف يونغ، جوليا كريستيفا، بول ريكور، أمبرتو إيكو، غريماس…». كما أن الكلمة الافتتاحية للملف لم تقدّم أي معيار للاختيار أو الإقصاء؛ فـ«سيمون دي بوفوار» التي اقترن اسمها بالفلسفة الوجودية، نابت عن سارتر لكنها حضرت في الملف كصاحبة نظرية «قوة الجنس الضعيف»، كما أنها الوحيدة التي نابت عن الروائيين. فقد تم قُدِّمت كفيلسوفة وروائية وصديقة للتيار الوجودي، وصاحبة كتاب طبع تجديد الحركة النسوية في فرنسا والعالم أجمع.

ألف ليلة وليلة أو صوت شهرزاد

ألف ليلة وليلة أو صوت شهرزاد

لا نستطيع أبدًا فهم «ألف ليلة وليلة» والحضارة الإسلامية من دون أن نتذكر وجود نوعين من الخلق؛ الأول هو خلق آدم، الذي ننحدر منه جميعًا، والثاني، الأكثر غنى وغموضًا، ويشمل كل عجيب وشيطاني وسحري: إنها مملكة سليمان. هذه المملكة تجاور عالمنا؛ تحيا حياة موازية، وتمتلك قوانينها الخاصة، وتتسرّب أحيانًا داخل وجودنا. كما أنها مباركة ومحمية من طرف الإسلام (النبي محمد يعلن وحيه للجن)، في حين أن الوعي المسيحي يعده شيطانًا وشريرًا.

الحاكم هو سليمان، الملك الساحر، الحكيم الكتوم، الذي يسيطر على المرئي والخفي، يسمع كلّ الكلمات الملفوظة فوق الأرض وفي السماوات، يعرف لغة الطيور الغريبة، ويضع في يده خاتمًا نُقش عليه الاسم السري لله الذي يضمن له إمبراطورية الكون. مات بعد ذلك، وبقي فوق عرش من الذهب، وفي إصبعه ذلك الضوء الساطع من خاتمه، في جزيرة الزمرُّد البعيدة. لكن تلك المخلوقات، على الأقل في ألف ليلة وليلة، بقيت خاضعة لقوانينه؛ لأنه في فضاء السرد سليمان رجل خالد، ومخلوقاته غير محدودة؛ الجنّ الطيب والشرير، المتوحش أو الرائع ذو الجسد المصنوع من الهواء والنار؛ الشعوب النصف بشرية في الهواء والبحر؛ الحيوانات، خصوصًا الأفاعي؛ الأشياء السحرية (حصان الآبنوس الذي يحلّق في السماوات، الطاووس المذهّب الذي يشير إلى الساعات، النظّارة التي تساعد على رؤية مئات الأميال)؛ الأحجار الكريمة في اليابسة والبحر، الأضواء المبهرة، الشرق؛ رُواة الحكايات والخرافات، ونحن، جمهورهم، الذي يتلقى بركة سليمان الغامضة.

مملكة سليمان هوائية، خفيفة، تتجاهل الفضاء والزمن وتتلاعب بالحدود التي تفرضها، بواسطة أجنحتها، وسجاداتها الخارقة، وقصورها التي تظهر في وقت واحد. التحوّل هو سحرها المفضّل. اليد، التي هي دومًا يد امرأة، ترسم إشارة وها هي الأشكال تبدأ في التحوّل: بسرعة مدوّخة يصبح الجني أسدًا، عُقابًا، أفعى، قطًّا، عقربًا، ذئبًا، دودة، ديكًا، رُمّانة أو نارًا مستعرة؛ ويمكن للتحوّل، إلهيًّا كان أو شريرًا، أن يصبح إما سعادة (يتغير الشكل، هل يوجد ما هو أجمل؟) أو خطرًا شيطانيًّا، لا نفلت منه إلا عن طريق الموت. أما أبناء آدم فإن علاقتهم بمملكة سليمان معقّدة؛ ينبغي لهم حبّها مثل الخوف منها، ومداهنتها، وأيضًا إبطال شِراكها.

عالم واحد مشرق

في بعض المحكيات الكبرى، يعترف بعض الرجال بأنهم لا يحبون حبًّا مطلقًا إلا بنات الجن: النساء- السمكات، النساء- الطيور، اللواتي يبحثن عن الهروب من حضور الإنسان والعودة إلى عالمهن الخفيف. لكن في النهاية يتمكّن الرجال من العيش معهن؛ لأن الحلم الكبير الذي يراود رواة ألف ليلة وليلة هو التقريب بين ممالك آدم وممالك سليمان، بين الناس والشياطين والحيوانات والنباتات، وصهرهم في عالم موحّد ومشرق. قرب مملكة سليمان يوجد عالمنا: الحياة اليومية، الحياة الدُّنيا، محبوبة في كلّ تعددها وأشكالها. كل الشخصيات تفكر في أن «الحياة هي الخير الأكثر نفاسة»، كلٌّ يؤمن بضرورة «التلذُّذ بمتعة اللحظة»؛ وهذا الحشد من النمل الصغير، الجشع، الشهواني، النشيط، الماكر، المنشغل، كم يدبُّ فوق مساحة الأرض الغريبة!

ليالي ألف ليلة وليلة طافحة بغنى المشاعر الأرضية، ومُصفّاة بغربال العقل: عطر الأزهار والبهارات، بمذاق الفواكه الطرية أو الجافّة، باللحوم وبمعامل السكر، ملفوظات في سرود دقيقة؛ الحمّام، رائحة أجساد النساء، الخشب المحروق، المسك والعنبر، إيروس، المحادثة، الموسيقا، ألعاب القمار، الخمر، النوم. ها هي مرة أخرى المنازل الكبيرة بغرفها المفروشة بالسجاد، والبُسُط، والصوف، والأقمشة المزخرفة، والأرائك الدمشقية: الحدائق المُخضَوْضِرة تقريبًا بالكامل، صورة عن عدن، حيث الماء يجري، والعصافير تغني؛ والجواري اللواتي تثرثرن، وتغنين، وتعزفن الموسيقا، وتدبرن المؤامرات، وتمارسن الحب. نحن داخل الفضاء غير الواقعي للسرد: لا نستغرب حين نرى الطبقات الاجتماعية واحدة جنب أخرى، والمهربين، صانعي الملابس، الملتحين، بائعي الجمال، الكنّاسين، أطفال الإسطبلات الذين يتحولون بين ليلة وضحاها إلى وزراء باذخين.

في مملكة آدم الجمال قيمة جوهرية: الله يتجلّى على الأرض، ربما أكثر من الإيمان بالله. عندما يمرّ رجل أو امرأة بجمال باهر في شوارع بغداد، أو البصرة أو القاهرة، فإن وجوههم تشعُّ بالضوء؛ فيفقد المارّة المعجبون الذاكرة، مثل صديقات زليخة أمام ظهور يوسف. إن كلّ ليالي ألف ليلة وليلة هي نُصب للأُنثوي الخالد: سواء كُنّ متحدرات من آدم أو سليمان، النساء حيويات، وملحّات، وعنيفات وشجاعات؛ في حين الرجال، هم تقريبًا مخنثون، «بخطوات أنيقة ومرنة، يتموّجون مثل أغصان الصفصاف أو قصب البامبو»، يستسلمون برقة وهدوء، يتنازلون بدون مقاومة لإثارة النساء الإيروسية الجارفة. يندلع الحب فجأة، مثل الصاعقة. ليس من الضروري رؤية وجه المحبوب، أحيانًا يكون انعكاسًا لوجهنا؛ الاسم يكفي، أو صورة مرسومة على ورقة. ومثلما يحدث في الروايات الإغريقية والنصوص الصوفية، يوجد فقط الحب- الشهوة، والرغبة المثيرة، وقدر العشق، ومرض المعاني، والألم الذي يرجُّ كل الأعصاب ويقود أحيانًا إلى الجنون والموت.

كثيرة هي السفن، كثيرة هي الموانئ والأسواق التي تملأ ألف ليلة وليلة. ليس أمرًا ذا أهمية أنه في الوقت الذي كان فيه النُّساخ ينسخون مخطوطنا، كان المغول في الغالب قد دمّروا شبكة التجارة العربية. لأن السفر هو الولع الحقيقي: لا يُقهر ومتاهيّ مثل السرد. كل يوم يبيع التُّجّار سلعهم، ويبيعون بضاعتهم، ويشترون السّلع المطلوبة من طرف البلدان البعيدة، ويجوبون الأمكنة والأقطار، كما لو أن تراب الأرض عبارة عن قطعة من القماش الرقيق الملتفّ حول عصا. وبقدر ما تلي الليالي النهارات والنهارات الليالي، يتابعون سيرهم. كم تأمّلوا من ممالك، كم اجتازوا من طرق تحت المناخات السبعة، كم من خطوات حسبوا، وكم من بضاعة باعوا، واشتروا، وتبادلوا.. البحر في انتظارهم: الهدوء، حين تمتدُّ الأمواج ببطء مثلما نتصفّح كتابًا؛ حيث صراخ ورعب العاصفة، حين يمتدُّ المحيط من دون نهاية إلى الأفق، حين تختفي كلّ أرض عن الأنظار.

سفر لا محدود

السفر لا محدود، من بحر إلى بحر، ومن قارة إلى قارة، ومن جزيرة إلى جزيرة، ومن ميناء إلى ميناء. التجار يعبرون بلدانًا معروفة: مصر، والعربية السعيدة، والعراق، وتركستان، والهند، والصين. بعد ذلك، ومن دون أن يتمّ إدراك نشوة الطريق، يغوصون في الجغرافية العجيبة لهذا البلد الشاسع الذي يمتدّ إلى ما وراء بلدنا، أو جنبه، أو فوقه، إلى مملكة سليمان، الأكثر شسوعًا، وتعقيدًا وكثافة سكانية مثل البلدان المتخيلة من طرف الأدب الغربي القروسطي. ها هو الجبل الأسود، وجبل الأعشاب، وجبل الزمرّد، ومدينة المرجان، ومملكة الطيور، وقصر الأحجار الكريمة؛ والجزر، الجزر التي لا تنتهي أبدًا، إما فردوسية أو مليئة بالأخطار الرهيبة، التي تتركّز فيها كل عجائب الدنيا.

ثم يقودنا السفر إلى المدن المهجورة، إرم ذات العماد، ومدينة النحاس، والمدينة البيضاء، التي كانت مسكونة قديمًا من طرف الزرادشتيين، أو المشيّدة من طرف الملوك الملحدين الذين أرادوا تقليد جنة الأرض. الأبواب الضخمة مرصّعة بالأحجار الكريمة، والقصور هي الأخرى شاسعة مثل المدن، والسُّرادقات من الذهب والفضة، والحصى من الزبرجد، والألماس والياقوت. خلف دائرة الأسوار، يهيمن الفراغ والوحشة؛ لا وجود لصوت بشري؛ البومة تنعق، والغربان تنعبُ في الطرقات والبيوت، باكية الذين هجروها. حُرّاس الأبواب، والخدم، والخفر، والجنود، والأمراء تحوّلوا إلى حجر، أو ينامون على أفرشتهم الحريرية، وجلدهم ما زال حيًّا مثل الأحياء. في السوق، الفواكه والأشياء المصنوعة من الجلد تبدو في حالة جيّدة، غير أنها تتفتّتُ وتسقط غبارًا بين الأيدي. نُصب تذكاري حزين وضخم «أين الذين حكموا البلدان، وأخضعوا الرجال وقادوا الجيوش؟ أين القياصرة بقصورهم التي لا تُحصى؟ لقد غادروا الأرض كما لو أنهم لم يوجدوا قط» يذكّرنا بأننا دخلنا مملكة الموت. الموت يهيمن على عالم علاء الدين مثلما على عالم سليمان؛ لا أحد يستطيع الهروب منه، حتى شهرزاد، التي هزمته طيلة مدة زمنية بفضل قوتها السردية المقنعة.

لكن الرحلة لا تنتهي هنا. أحدٌ ما، في الأزمنة الغابرة، يبحث عن النبي محمد: بلا جدوى، ما دام محمد لم يولد بعد، ولا يمكن هزم الزمن. شخص آخر يبحث عن امرأة مجهولة، امرأة- طائر أو امرأة- سمكة، تقيم في بلد عجيب ومجهول هو الآخر. وكيفما كان الدافع فإن الرحلة تستمر. يعبر كل الجزر، وكل البحار، وكل القارات، وكل الممالك؛ لأن جوهر البحث هو أن يكون لا محدودًا، أن يتجاوز جبل قاف حيث ينتهي عالمنا، والذهب إلى ما وراءه، بين الأكوان الأربعين، حيث كل واحد له لون مختلف، ولا أحد يعرف آدم أو حواء، النهار أو الليل.

الفصل مترجم عن كتاب: Pietro Citati ; La voix de Schéhérazade, éd. Fata Morgana

المتابعون السريون لشهرزاد والمهمة المزدوجة للسرد

أثناء كتابته الثانية لـ«فاوست»، أحبّ غوته أكثر من الجميع الأمكنة السرية في «ألف ليلة وليلة»: القبور، والآبار، والأدراج التي تغوص في اللانهائي، والكهوف المسكونة، والغرف المحجوبة، والقصور الواقعة تحت الأرض حيث تحكم أميرات الجن. هنا، في الأعماق حيث تعيش أيضًا الأمهات، وتحرس العجائب والكنوز. المتابعون السريون لشهرزاد يرددون على مسامعنا أن مهمة السارد مزدوجة. من جهة، هو يعرف جيدًا أن النزول إلى الكهوف المأهولة بالعجائب هي مهمة صعبة جدًّا: لا طرق، لا مرشد، لا سيد. لا شيء أكثر خطورة من محاولة البحث عن معرفة الأسرار: هناك قانون يمنع ذلك، ولا يمكن خرقه إلا بالتضحية بحياته. لكن من جانب آخر، لا يستطيع إلا ركوب هذا الخطر. وبكل حيلته وقوته، ينبغي أن ينزل إلى القبور، والآبار، والكهوف، والقصور تحت الأرض؛ ليمتحن الألغاز، ويخرجهم إلى الضوء ويحكيها لجمهوره، بهذه الكلمة السعيدة والغامضة التي تخبئها وتكشفها في آن. ربما لن يعاقبه القانون؛ لأنه في جزء من كيانه، الناجي من الموت، لم يعد ينتمي إلى الجنس البشري.

لا أحد يقول لنا كيفية الالتحاق بالقلب السرّي للأرض. كثيرون هم الحكماء في «ألف ليلة وليلة»، يوجدون حتى بين العتّالين، والحلّاقين والجواري: محترمون من طرف الجمهور وأغنياء بهذا العلم الكوني الذي يُؤخذ من الكتب. هؤلاء يرغبون تلقين السارد أن الحكمة توجد مختبئة بداخلها: لكن السارد لا ينتمي لنمطهم. فهو لا يستمع إلى الأحاديث المبالغ في إنسانيتها. وبالرغم من كونه يملك كل الكتب، وبكونه قرأها واطلع عليها بأمل أن يستوعبها، فإنه فهم أن الحكمة لا توجد بين الأوراق. أين البحث عنها إذن؟ في حكاية شهيرة جدًّا، لم ينل حسيب كريم الدين الحكمة إلا عندما ضحّت ملكة الأفاعي بنفسها من أجله، فكان موتها بالنُّسغ الموجود في جسدها هو هديتها له. في هذه اللحظة، أصبح قلب حسيب هو «موطن الحكمة». ليس حسيب شيئًا آخر سوى الوجه الآخر للسارد الخفي في «ألف ليلة وليلة». وله أيضًا تكشف ملكة الأفاعي، صديقة سليمان، أسرار الطبيعة الحية، والأرض العجيبة، والحيوانات الموجودة في السماء والأرض، هذه هي الحكمة التي لا تنطوي عليها كتب الإنسان. غير أن ملكة الأفاعي ليست في حاجة إلى التضحية من أجله؛ فكلما بدأ حكاية ما يقدّم السارد نفسه تضحية معينة، أو يريد التضحية من أجلنا، في اللحظة التي يلي فيها الفجر الليل، وعجائبيته هي تحديدًا ذلك النسغ الذي يحوّل قلبنا إلى «مقرّ للحكمة».

بيترو-تشيتاتي—ناقد-وباحث-إيطالي

ترجمة:-محمود-عبدالغني—شاعر- وكاتب-مغربي

الكاريبي ديريك والكوت.. شاعر الشتات والتشظي – محمود عبدالغني

الكاريبي ديريك والكوت.. شاعر الشتات والتشظي – محمود عبدالغني

«سأغني عن ذلك الرجل  لأن قصصه تسرُّنا».
  د. والكوت من قصيدة «عودة عوليس»

_2-كتاب-ديريك-والكوتولد الشاعر والمسرحي ديريك والكوت سنة 1930م، وتوفي يوم الجمعة 17 مارس 2017م، بجزيرة سانت لوسي، المستعمرة البريطانية التي نالت استقلالها سنة 1979م. ظل طوال سنوات يقضي وقته بين ترينيداد وبوسطن حيث كان يدرّس الأدب الإنجليزي في جامعة بوسطن. فاز بعدّة جوائز أهمها: «الميدالية الملكية الذهبية للشعر» سنة 1988م، وجائزة «و.هـ. سميث الأدبية سنة 1990م عن ملحمته «أوميروس، هوميروس»، ثم جائزة نوبل للأدب سنة 1992م. ورث الشيء الكثير من والده ووالدته التي بدأت حياتها مُدرّسة ثم مديرة مدرسة. يقول عن تأثره الحتمي بهما: «توفي والدي وأنا في السنة الأولى من عمري. كان يرسم ويكتب الشعر. ظلّت والدتي دومًا تعدّه نموذجًا. منذ شبابي قرّرت أن أحمل مشعله. هكذا اعتمدت على نفسي في التعلُّم، عن طريق القراءة وتقليد الشعراء الكبار. في تلك المرحلة، لم تكن هنا دور للنشر أو متاحف. كنّا نتعلّم كل شيء من الكتب والمدرسة». ولأنه كان يمتلك موهبة الحفظ السريع والتعلّم الحصيف من الآخرين، فإن الشاب ديريك نهل كثيرًا من مكتبة والدته والمكتبات الموجودة في محيطه، حيث صادف الشعراء الكبار: شكسبير، وتي سي إليوت، وإزرا باوند. وفي سنّه الرابعة عشر نشر أولى قصائده في إحدى الصحف المحلية. وقد كانت تلك القصيدة بداية أولى لعمل شعري ضخم كان بمنزلة «أرخبيل شعري» حسب تعبير صديقه الشاعر جوزيف برودسكي ( 1940- 1996م).

الفقرة أعلاه، المقتطفة من حوار طويل كان قد أجراه معه «ملحق الكتب» بجريدة لوموند الفرنسية، تختصر جميع النزعات الإنسانية والأدبية التي ظلّ والكوت متشبّثًا بها. فالرسم، الذي أمسك مشعله من والده، هو ما جعله يمارس بإتقان فنّ الألوان، ويُصدر كتابًا جميلًا رفقة الرسام «بيتر دواغ». وتقليد الشعراء الكبار منذ سِنِي شبابه الأولى عبّر عنه بهذه الجملة وهو في السبعين من عمره: «الخوف من التقليد يُخيف الشُّعراء الصِّغار وحدهم».

وظائف طقسية

_3-كتاب-ديريك-والكوتأعطى والكوت الشعرَ وظائفَ طقسية، بمعنى أننا حين نتوجه إلى كتاب إبداعي، أو إلى مجموعة أشعار نحبُّها، «فإنّنا نذهب هادئين، بصمت، وباحترام قد ينقلب إلى وجع من المؤكَّد أنه سيُعيد تأكيد القناعات. لا وجود لشعر يسبّبُ الضّرر للرّوح الإنسانية، وإلا فإنّه ليس بالشعر»، وبذلك فقد ظلّ والكوت يدعو جميع المجتمعات إلى المشاركة في تلك التجربة الطقسية. ويحثُّ الشعراء على أن يوجّهوا اعتراضهم ضدّ الظُّلم وفقدان الحس الإنساني. وقد استعمل في محاضرة نوبل التي حملت عنوان: «الأنتيل: شظايا ذاكرة ملحمية» مفاهيم واستعارات تعبّر عن الشّتات الإفريقي والآسيوي، الذي شبهه بملحمة «رامايانا» الهندوسية. والشتات طالع من وجوده كمواطن يعيش في جزر تشكّل جغرافيًّا وثقافيًّا ودينيًّا رمزًا للشّتات والتشظي؛ فهو شاعر ناطق بالإنجليزية، تربّى في حضن أقلّية بروتستانتية، في جزيرة ذات أغلبية كاثوليكية لها ثقافة فرانكفونية. لكن هذا التشظّي المركَّب يُنتج ما عبّر عنه في خطاب نوبل بهذه الاستعارة الرائعة: حين تنكسر مزهرية ويُعاد جمع أجزائها تُصبح محاطة بحبّ أكبر من الحب الأول حين كانت سليمة. والصّمغ الذي يُعيد جمع القطع والشّظايا يعيد ترسيخ الشكل الأوّلي. وهذا الحب هو ما يوحّد الشظايا الإفريقية والآسيوية.

يُعدّ ديريك والكوت من الشعراء الكبار القلائل الذين نقلوا المكان شعريًّا وخلّدوه ذاكرةً متشظيةً. ممّا دفع العديد من دارسيه، نستشهد هنا بدراسة للناقدة الأنتيلية دومينيك أوريليا، إلى عدّ شعرية والكوت مرتبطةً شديد الارتباط بمفهومي المكان والذاكرة. المكان، إذًا مرتبطٌ عضويًّا بالتاريخ. فحسب والكوت المكان يصنع الذاكرة، والمكان يقرأ الذاكرة ويقولها بمختلف اللغات التي يتحدثها الناس المقيمون فيه. المكان لغة وثقافة.

شعر والكوت إقامة جديدة في تلك الأمكنة، ويُطلق تسميات جديدة على عالم أراده أن يكون آدميًّا. ورغم ذلك فإن والكوت ظلَّ منفلتًا من التصنيفات الثنائية الضيقة التي تستند على مقولة التّهجين، وذلك أمر طبيعي بالنسبة لكاتب أصدر أكثر من عشرين مجموعة شعرية (لم يُتَرجم منها إلى العربية إلا مجموعة من القصائد كان الفضل فيها لصبحي حديدي وغريب إسكندر)، والعديد من الدراسات، وعشرات المسرحيات (تُرجم منها إلى اللغة العربية «عودة عوليس» بقلم الشاعر السوري ممدوح عدوان). وبذلك وطّد انتماؤه إلى جيل من كُتّاب جزر الكاريبي الأنغلوفونية الذين خلقوا في أوطانهم أدبًا خصوصيًّا منذ خمسينيات القرن الماضي، قبل أن يُرغموا على المنفى (جورج لامّينغ، وف.س. نايبول، وصامويل سيلفون) احتجاجًا على العيش في مجتمعات شغلتها كثيرًا فكرة إيجاد مكانة في العالم، جاهلة تمامًا أن كُتّابها وأدباءها قادرون على إيجاد ذلك المكان داخل جغرافية العالم.

جمهورية اسمها الشعر

كتاب-ديريك-والكوتهذا الارتباط الوثيق بأدب الأنتيل، تجسّد بقوّة في محاضرة نوبل، حين ذكّر والكوت بأنّ الشاعر سان جون بيرس كان أول أنتيلي يحصل على جائزة نوبل، هنا مقتطف مما قاله والكوت: «لقد وُلد بيرس في غواديلوب وكتب بالفرنسية، لكنه لم يجد ما هو أشدّ طراوة ووضوحًا من الإحساس من تلك القصائد التي كتبها في طفولته…ومن صوت الصفحات وأشجار النخيل التي تتمايل مثل صعود رائحة القهوة على الأدراج». إن والكوت يحتفل بعبقرية شاعر كاريبي، رغم أن بيرس كان يمثّل، بالنسبة لبعضٍ، رمزًا لاحتلال الجزر من طرف المستعمر الأبيض الناطق بالفرنسية. لكن والكوت يستطرد وعيًا منه بهذه المفارقة: «لكنها مفارقة هذه الجمهورية التي اسمها الشعر؛ إذ لا أكاد أُبصر أوراق الملفوف أو جريد النخيل وهي تتمايل عند الفجر، إلا وأخال أنها تتلو شعر بيرس».

هذا الحوار النادر مع الطبيعة، ظل مصدر ثنائيات كثيرة عند والكوت المسكون بسؤال الأصل والهوية والجذور والتلاشي. فكلما رأى غابة تحركها الرياح، أو ساحلًا تصطدم به الأمواج؛ ناح باكيًا القبائل المندثرة. متأمِّلًا ضبابية الأثر الذي خلّفته وراءها، وأصبح محدّدًا بالاختفاء الأبدي، فيستخلص الشاعر: «مرّة أخرى ليس هناك أحدٌ هُنا». البكاء هو ما يبقى من كل ما ضاع وتلاشى من المكان ولم تستطع إنقاذه إلا الذاكرة، يقول في حوار من مسرحيته «عودة عوليس»:

السكلوب: عيناي تغيمان حين أضحك. يجب أن تعلّمني كيف أبكي.

عوليس: حسن. أولًا يجب أن تفقد أشياء تحبّها.