حين كانت الحياة لا تتطلَّب منا أكثر من وجود أمهاتنا

حين كانت الحياة لا تتطلَّب منا أكثر من وجود أمهاتنا

كانت حياتنا صغيرة

وطيبةَ القلب

لم تكن تتجوَّل هكذا في الأنحاء بحثًا عنا

بوجهٍ غاضب

وفي يدها هراوة

* * *

كنا أطفالًا صغارًا

نستيقظ مع بزوغ الفجر

ونخرج إلى الحياة مبتسمين

لنملأها بالأجنحة والزقزقة

والفرح

مثل كل عصافير قريتنا

* * *

وكنا نعود إلى بيوتنا مع غروب الشمس

بدون إخفاقات تستحق الذكر

ولا جراح من ذلك النوع

الذي يترك ندوبًا على الروح

أكثر مما يترك على الجسد.

* * *

كنا نغرق في نوم عميق

بمجرد أن تمتد أيدي أمهاتنا إلى الفوانيس

لتطفئها

* * *

ولم نكن أصلًا بحاجة لضوء الفوانيس

لكي نتصالح مع الظلام

وننام بسلام

فقد كان لدينا على الدوام

ذلك الضوء الخافت والجميل

الذي كان ينبعث طوال الوقت

من قلوب أمهاتنا

* * *

كان النوم صديقنا

لأن اليقظة كانت صديقتنا أكثر

* * *

كنا ننام ببساطة

وكأن المسألة لا تتطلّب منا

أكثر من وجود الجفون

* * *

وكنا نستيقظ ببساطة أكبر

وكأن الحياة لا تتطلّب منا

أكثر من وجود أمهاتنا

* * *

كانت حياتنا هادئة وخافتة

وكأنها تحدثُ في السرِّ

* * *

كانت حياتنا جميلةً ورحيمة

وكأنها تحدثُ في قلوب أمهاتنا

بدلًا عن العالم.

في عيادة طبيب الأحوال

في عيادة طبيب الأحوال

أسناننا مُسوَّسة

وكلماتنا مُسوَّسةٌ أكثر

لدرجة أنه لم يعد من اللائق

أنْ يبتسم أحدنا في وجه الآخر

أو يسأله عن حاله.

لا تبتسموا في وجهي رجاءً!

فكل ابتسامةٍ تقدمونها لي

تتطلّب مني الرد بمثلها

والابتسام باتَ أمرًا مؤلمًا جدًّا

هذه الأيام:

كلما هممتُ بابتسامة

انفتح مكانها جرحٌ في وجهي.

تظنونه ابتسامة!

لكن الجرح العميق

غالبًا ما يحدث

على شكل ابتسامة.

اتركوا فمي وشأنه!

هذا الجرح القديم

والمتجدد والمؤلم جدًّا

مثل أيامي

اتركوه في حاله!

ولا تسألوني عن حالي رجاءً!

فحالي مثل بقية الأحوال

ينخره السوس يومًا بعد يوم:

لا المهدئات عادت تنفع

ولا الحشو عاد يجدي!

لهذا، سأذهب غدًا

إلى عيادة طبيب الأحوال

وأطلب منه أن يخلعه من جذوره

وأمضي ما تبقى من حياتي

بدون حال

ماذا في ذلك؟

يمكنني أن أعيش حياتي

بدون أي حالٍ على الإطلاق

وإذا صادفتُ متطفلًا ودودًا

وسألني:

كيف حالك؟

سأصرخ في وجهه بغضب:

وما أدراني أنا يا أخي؟!

إذا كنتَ مهتمًّا بحالي لهذه الدرجة،

يمكنك أن تبحث عنه

وعندما تجده،

ابتسم في وجهه

واسأله هو!

(حتى هو لن يجيبك)

وقد يصرخ في وجهك أكثر مني:

وما أدراني أنا يا غبي؟!