نعيم «البيست سيلر» وجحيمه، الكتب الأكثر رواجًا.. ظاهرة فعلية أم تضليل بهدف التسويق؟

نعيم «البيست سيلر» وجحيمه، الكتب الأكثر رواجًا.. ظاهرة فعلية أم تضليل بهدف التسويق؟

لوقت طويل ظلت أعمال فاروق جويدة ونزار قباني وأنيس منصور ومصطفى محمود وغيرهم تتصدر الأعمال المعروضة في المكتبات ولدى بائعي الجرائد، لكن ما يباع أعداده محدودة. أما الثقافة العربية مع ظهور ثورة الاتصالات الحديثة فقد دخلت مضمار الأكثر مبيعًا، فصرنا نجد أعمالًا تنفد طبعتها الخامسة سريعًا، ونرى كُتابًا توزع أعمالهم ما لم توزعه أعمال عميد الأدب العربي أو صاحب نوبل في الأدب، في حين يصبح كُتاب آخرون قادمون من حقول مثل موسيقا الراب نجومًا في الأدب، مثلما حدث مع الشاب زاب ثروت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2015م في حفلة توقيع روايته «حبيبتي»، فقد أتى جمهوره ومحبوه من الشباب إلى أرض المعارض كي يوقع لهم على نسخ بخطه، فأصبح نجم الأدب الأول في مصر لذلك العام، على الرغم من أن عمله يفتقد أبسط قواعد اللغة وبناء الجملة ورصد المشهد، لكنه الأكثر توزيعًا وتفاعلًا مع الجمهور.

ولأن هذه الظاهرة متعددة الملامح والجوانب، وتتخطى سلبياتها، مثلما يرى بعض المتخصصين، إيجابياتها، تطرح «الفيصل» هذه الظاهرة التي أصبحت تعرف بـ«البيست سيلر» للنقاش مع عدد من المهتمين.

صلاح السروي

في البداية، يؤكد رئيس قسم اللغة العربية بجامعة حلوان الناقد الدكتور صلاح السروي أن ما يعرف بأدب «البيست سيلر» أمر واقع وليس خيالًا، وأن هذه النوع من الكتابة «يقوم على أن يقدم الكاتب نوعًا أو وعيًا أدبيًّا يستهوي فئة معينة من الجمهور، ومن ثم فهو أدب مصنوع أو مصطنع حسب مقاسات الطلب، لذلك نجده يضرب في مجالات بعينها كالسخرية أو الميتافيزيقا والأساطير أو الحب الرومانسي… إلخ، ونموذجه الأبرز هو هاري بوتر في الغرب وروايات أحمد مراد لدينا». ويرى السروي أن «البيست سيلر» نوع من الأدب «لا يحمل مغامرة جمالية أو إبداعية من أي نوع، إنما يتحرك في المناطق المعبدة الجاهزة مثل الروايات البوليسية أو الجاسوسية أو الجنسية، وهذا النوع من الكتابة يشبه سينما الشباك والأغاني الباحثة عن النجاح الجماهيري بصرف النظر عن القيمة الفنية، وعلى كل فهو أدب لا يصمد أمام أي نقد أدبي محايد أو رصين».

موت الناقد

في حين يذهب الشاعر محمد سليمان إلى أن ظاهرة «البيست سيلر» في السنوات الأخيرة «لم تعد حقيقية، وعلينا أن نراجع في ذلك كتاب «موت الناقد» الصادر عن المركز القومي للترجمة، الذي يذهب فيه مؤلفه إلى أنه في حال تحدث إعلامي واحد في برنامجه عن كتاب ما فإن هذا الكتاب يتصدر قائمة الأكثر مبيعًا، ومن ثم فنحن نعيش في عصر الشاشة، هذا العصر الذي يروج لأي سلعة ويقدمها إلى الجمهور على أنها الأفضل، ومن ثم يتم توزيعها على مستويات واسعة وعديدة».

ويضيف صاحب ديوان «سليمان الملك» قائلًا: «علينا أن نتذكر أن كاتبًا بحجم نجيب محفوظ كانت أعماله تطبع في عدد محدود من النسخ، وهو كاتب أجمع الكل على أنه كبير ومؤسس حقيقي لفن الرواية في العالم العربي، وأنه ظل عاكفًا على إنتاج الروائع المهمة والشهيرة على مدار خمسين عامًا من العمل الثقافي الإبداعي، أما اليوم فإننا نجد أعمالًا لكُتاب لم نسمع بهم من قبل، توزع أرقامًا لم يحلم بها نجيب محفوظ نفسه، وعلى افتراض أنها أعمال مهمة فإن هناك أعمالًا أكثر أهمية منها عشرات المرات ولا توزع سوى نسخ محدودة، ومن ثم فالأمر يتعلق بمسألة الترويج والإعلام، سواء من خلال الصحف والمواقع وما بها من تقارير صحافية أو من خلال القنوات التلفزيونية، هذا سر الأكثر مبيعًا والأكثر توزيعًا وغيرهما من الأسماء التي لا علاقة لها بالأدب الحقيقي ولا إنتاجه الفاعل».

سعيد نوح

أما الكاتب سعيد نوح فيعد «البيست سيلر» نوعًا من الوهم، موضحًا أنه على مدار السنوات الماضية «ظهرت بعض الحقائق فيما يخص هذه الظاهرة، من بينها ما جاء في كتاب «فوديكا» للكاتب أشرف عبدالشافي، الذي رصد فيه العديد من الأعمال الروائية التي طبعها الناشرون في طبعات محدود، كل طبعة منها لا تزيد عن مئة أو مئتي نسخة، مسابقين الزمن للإعلان عن نفاد الطبعة، وبلغ الأمر ببعض الكتاب والناشرين أن أعلنوا عن صدور الطبعة الرابعة أو الخامسة من أعمال لم تصدر بعد».

حسن داود والأسواني و«ميرامار»

وأكد صاحب رواية «كلما رأيت بنتًا حلوة أقول يا سعاد» على أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، ضاربًا المثل في ذلك بنجيب محفوظ، «فقد كان محاطًا بعشرات الكتاب الأكثر شهرة منه، لكنهم جميعًا ذهبوا ولم يبق سواه؛ لأنه كان صاحب كتابة حقيقية وجادة، أما الكتابة التي بلا أخلاق ولا معرفة فلا تبقى؛ لأنها لا تقدم ظلًّا لبني آدم واحد على الأرض، لا تقدم رؤية ولا شخوصًا ولا رائحة لمكان. الكاتب اللبناني حسن داود قال في تصريح له: إن الكاتب المصري علاء الأسواني سرق روايته الشهيرة «عمارة يعقوبيان» من فكرة روايته «بناية ماتيلدا»، والحقيقة أن الأسواني وداود أخذا فكرة روايتيهما من رواية نجيب «ميرامار»، فكلاهما مدان بالاعتذار له، وهو ما يؤكد أن الكتابة الخالدة تنتصر وتعيش وتبقى لتنفع الناس، على نقيض «عمارة يعقوبيان» التي لم يعد أحد يتذكرها بعد موت النائب البرلماني العتيد كمال الشاذلي، أو الفولي حسبما أطلق عليه الأسواني في روايته».

أحمد أبو خنيجر

ويذهب نوح إلى أنه كان أحد الذين أسهموا في ظهور أحمد مراد، فقد كان من أصدقاء محمد هاشم، صاحب دار ميريت، وعرض عليه هاشم نص روايته الأولى «فيرتيجو»، ويومها قرأها نوح معلنًا لهاشم أنها رواية سينمائية، «ورأى آخرون أنها تقدم تجلِّيًا جديدًا للإنسان في العصر الحديث، وتوقعنا جميعًا أن تكون روايته الثانية «الفيل الأزرق» على المستوى نفسه، لكنها جاءت على نقيض ذلك، وجاء عملاه «1919» و«أرض الإله» ليؤكدا «أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض بالفعل»؛ إلا أن ظاهرة «البيست سيلر» تبدو في عمومها جيدة للكاتب أحمد أبو خنيجر، مستدركًا: في حال وجود شروط منضبطة لها ولمعاملاتها بالمنطق التجاري الذي يحدد بوضوح عدد النسخ التى بيعت من أي كتاب، من دون اختلاق لظاهرة وهمية من ناشرين مزورين، وبخاصة أنه ليس لدينا إحصاءات جادة وحقيقية حول الموضوع». وأضاف أبو خنيجر أن كتابات البيست سيلر «تضعنا في حرج واضح؛ إذ إنها من ناحية تعنى برواج الأدب وازدياد المقروئية، ومن ناحية أخرى تعنى بالتعامل مع الكتابة الإبداعية والفنية بوصفها سلعة، وهو ما يتنافى مع طبيعة الإبداع وخصائصه النوعية المفارقة بدرجة ما لمعارف المجتمع»، مشيرًا إلى أن الغرض الذي تركز عليه ظاهرة «البيست سيلر» هو التسلية، «وهي الجانب الأضعف في طبيعة الإبداع، لكن هذه الظاهرة في عمومها جعلت عددًا كبيرًا من غير المهتمين بالثقافة والإبداع يقبلون على قراءة الأدب واقتناء كتبه، وهذا يعود بالنفع على الثقافة ورفع الوعي العام في مجتمع مصاب بضعف الثقافة ومحدودية القراءة، لكن لا بد من ضبط آليات عمل وقياس هذه الظاهرة، بحيث تصبح ممثلة حقيقة لما يعلنونه من رواج، ولا يعني تصدُّر كتاب ما قائمة «البيست سيلر» أنه الأفضل أدبيًّا أو فكريًّا».

موضوعات تشغل بال الناس

أكثر الكتب مبيعًا وأوسعها توزيعًا قد تكون الكتب المثيرة لشهية القراء في مادة تناولها وطريقة عرضها أو لمؤلفين معروفين بأسمائهم المشهورة الناجحة التي سبق الاستمتاع بإنتاجها. هكذا وضع الناقد المصري الكبير إبراهيم فتحي مواصفات كتابات «البيست سيلر» من وجهة نظره، قائلًا: «هذه الكتابات نادرًا ما تكون لمؤلفين جدد يشقون طرقًا جديدة في الإبداع إلى درجة أن يلفتوا الأنظار إليهم بشدة. بل على النقيض قد تكون لمؤلف صاحب اتجاه سياسي أو فكري أو ديني شعبي يلقى دائمًا إعلانًا واسعًا، أو كتبًا تتناول الموضوعات التي تشغل بال الناس أيامها أو المشاكل التي يهتم بها القراء. ولكن اتساع التوزيع ليس دليلًا على الامتياز، فقد لقيت بعض الكتب التي حوت خرافات منتشرة أو أفكارًا رائجة شديدة التخلف أو أحداثًا لا يصدقها العقل تنشر الجهل وتروجه، انتشارًا وتوزيعًا واسعًا».

محمد رشاد

من جانبه أقر رئيس اتحاد الناشرين العرب الناشر محمد رشاد بأن بعض دور النشر تغالط القارئ والرأي العام، وتكتب أرقام طبعات وهمية على الكتاب، «فالطبعة لديها لا تزيد عن مئة أو مئتي نسخة، مما يحدث نوعًا من تزييف الوعي لصالح كتابها». وأضاف رشاد أن ظاهرة البيست سيلر «حديثة على بلداننا العربية، فعمرها لا يزيد عن سنوات بسيطة، لكنها انتشرت وأصبحت الشغل الشاغل لدى العديد من المكتبات والناشرين». ويلفت إلى أنها ظاهرة جيدة، «مفيدة للناشر وصناعة الكتاب ورواجه، مثلما هي مفيدة للكاتب

نفسه؛ إذ إنها تشعره بالثقة في عمله، وأن كتاباته لها مردود وجمهور، لكن رغم كل ما قيل ويقال عن ظاهرة «البيست سيلر» في العالم العربي فإن عدد النسخ المطبوعة والموزعة لا يتناسب بحال من الأحوال مع تعداد سكان العالم العربي، ومن ثم فهذه الظاهرة لم تنشط بعد بشكل كافٍ، وإن كان ثمة كتب حققت مبيعات مهمة، لكن مثل هذه النوعية من الكتب قليلة، وأغلبها أعمال روائية وليست أعمالًا فكرية».

مؤلف يحصل على ما يشبه المرتب الشهري من عوائد كتبه… وناشر يؤكد أن «الأكثر مبيعًا» هراء

حقق بعض الكتاب السعوديين أرقامًا عالية في المبيعات، وطبعات كتب بعضهم تخطت الطبعة العاشرة، وبدأ عدد منهم يتحدث عن أنه يقبض مبالغ جيدة من عوائد كتبه، إلا أن هذه الكتب التي تشهد رواجًا لا تلقى اهتمامًا من النقاد، فما الذي يحدث؟ الكاتب السعودي محمد الرطيان أحد أبرز الكتاب الذين حققت كتبهم أرقامًا عالية في المبيعات، وهو يصدر كتبه عن دار مدارك. الرطيان يقول لـ«الفيصل»: «بكل بساطة أنا أتلقى ثمنًا لا بأس به من كتبي، إنه يشبه المرتب الشهري، وللأمانة فإن هذا الثمن مبني على أرقام تقوم دار النشر التي أتعامل معها بعرضه عليّ طمعًا في الشفافية، أضيف إلى ذلك أنهم يتواصلون معي بشكل متكرر؛ لإخباري عن التفاصيل المتعلقة بكتبي، خصوصًا تلك التي تتعلق بالتفاصيل المادية أو الطبعات الجديدة التي سيقومون بطباعتها؛ نظرًا لنفاد ما سبقها».

محمد السيف

ويتطرق الرطيان إلى الاهتمام النقدي، فيضيف قائلًا: «رغم رواج كتبي إلا أنه يؤلمني أن أخبرك عن تجربة شخصية مررت بها؛ فأثناء فوز روايتي «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان» بجائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية السعودية في دورتها الأولى وعلى الرغم من أن اللجنة المحكمة تكونت من أسماء لها ثقلها النقدي مثل: لمياء باعشن، ومعجب الزهراني، ومحمد الشنطي، وإلياس فركوح، ومحمد العباس، ويوسف المحيميد، فإن ما تمت كتابته لا يتساوى مع انتشارها». على الرغم من تأكيد الرطيان على مسألة الشفافية والتقارير المالية التي تقوم دار النشر بتقديمها إليه، فإنه يبقى حالة خاصة ولا تشمل الجميع، فالكاتب فارس الروضان أوضح لـ«الفيصل» قائلًا: «لا شك أن دور النشر قد ساهمت بشكل كبير في وصول كتبي إلى الناس. ولكن السياسة التي تعتمدها هي: الربح أولًا وثانيًا وعاشرًا! ولأجل هذا هي تتبنى في معظم الأوقات كثيرًا من الأسماء التي لا تحمل من المزايا سوى أنها تمتلك متابعين كثر في قنوات التواصل الاجتماعي؛ ليكونوا لهم مصدرًا للإعلان والتسويق لكتاب لا يحمل أية علامات فكرية أو إبداعية! ورغم أن «بعض» الدور تعمل على تضليل القارئ من خلال تهويل الكِتاب، بوضع أرقام غير حقيقية للطبعات بهدف التسويق وتحقيق المبيعات؛ إلا أن هذا لا يلغي وجود دور نشر تحترم مهنة النشر، وتقدم مؤلفات مهمة أضافت للقارئ الكريم وللمكتبة العربية الشيء الكثير، وأرقام الطبعات لديها أرقام حقيقية ولكنها بلا عوائد مالية على المؤلف فمن خلال تجاربي الشخصية وتجارب الزملاء الكتاب مع دور النشر، فإن أكثر ما يؤسف أنها تفتقد للشفافية في إعلان الأرقام الحقيقية لعدد النسخ في الطبعة الواحدة، كما أن العقود التي تبرم بين الكاتب والدار لا تمنح الكاتب إلا نسبة ضئيلة جدًّا من صافي الأرباح السنوية للكتاب! ورغم هذا الإجحاف فإن هذا هو أفضل الخيارات لكاتب يريد منصة نشر لتقديم كتابه؛ إذ إن غالبية الدور تطلب من الكاتب أن يدفع قيمة طباعة كتابه مقابل أن يتبنوه تحت اسمهم وحصولهم على النسبة الأكثر للمبيعات».

أما الناشر محمد السيف (دار جداول للنشر والتوزيع) فأكد لـ«الفيصل»: أن كل ما نراه من حولنا وعلى الأغلفة من عدد الطبعات مجرد هراء وتضليل وخداع، فأبرز الكتب وأكثرها انتشارًا بالكاد تصل إلى ألفي نسخة سنويًّا على مستوى المبيعات»، موضحًا أن السمة الغالبة على النشر في السعودية وفي الوطن العربي «هي الربحية والاستغلال وامتهان الكاتب أو المؤلف بجانب ضعف التوزيع والغياب التام للتخطيط الإستراتيجي الفعّال، فتسويق الكتاب العربي مقارنة بالغرب شبه معدوم؛ لأنه واقعيًّا غير موجود سواء على مستوى الناشر أو الإعلام».

إليسا تسوِّق كتابًا والعائد لا يستحق الذكر!

للمؤلف نبيل فهد المعجل الذي وصلت طبعات كتابه المعنون «بيل ونبيل» إلى الطبعة العاشرة تجربة خاصة ومخيفة في الوقت نفسه؛ إذ يذكر قائلًا: كتابي الأول قام الناشر وهو «الدار العربية للعلوم ناشرون» بعرضه في مكتبة النيل والفرات الإلكترونية التي تملكها؛ ونظرًا لتأخر وصول النسخ من بيروت إلى المكتبات السعودية والخليجية لجأ الراغبون في اقتنائه لشرائه من النيل والفرات، وارتفعت مبيعات الكتاب حتى وصل إلى أعلى الكتب مبيعًا لأسابيع عدة. أيضًا لم يترك الناشر فرصة إلا واستغلها ليسوق إنتاجه». ويمضي المعجل قائلًا: «أتذكر أن الناشر اتصل بي وأنا أتجول في معرض بيروت للكتاب عام 2007م وبعد يومين من صدور كتابي يطلب مني الحضور فورًا لركن مكتبته، وعندما وصلت وجدت المطربة إليسا بجانبه وهي تحمل بعض الكتب منها كتابي، وطلب مني الوقوف بجانبها ومعها نسخة من الكتاب وحولها العشرات من الصحافيين والمصورين وانتشرت الصور على وسائل الإعلام اللبنانية، وللأسف لم أحرص على الاحتفاظ بها، أقصد الصور وليس إليسا!»، مشيرًا إلى أن المعيار في الكتب الأكثر مبيعًا «ليس الجودة كما ذكرت ولكن معايير عدة، فكل دار نشر لها أسلوبها في طبع النسخ بعضها لأسباب مادية وأخرى لمنح أكبر عدد من الكتب المتنوعة، وهناك من يسعى لأرقام عالية تحفيزًا لمزيد من التسويق لها. والذي أعرفه أن الطبعة الواحدة لا تقل عن 500 نسخة وتصل عند بعض المؤلفين لآلاف عدة». وعن طبعات كتابه والمردود المادي منها، يقول: بالنسبة لأول طبعة لكتابي «بيل ونبيل» جرى طبع 500 نسخة وقفزت لـ 3000 نسخة في الطبعة الثانية، أما الطبعات اللاحقة حتى الطبعة الثانية عشر فلا أعرف العدد وإن كنت أظنها لا تتجاوز 2000 نسخة لكل طبعة. ومن الناحية المادية، لا ينعكس ذلك على أوضاع الكاتب؛ لأسباب أوجزها بأن المردود في غالبية الأحيان بالكاد يغطي المصاريف، ودور النشر تعودت ألّا يطالب المؤلف العربي (والخليجي خاصة) بحقوقه. 

‭ ‬محمد‭ ‬العباس‭: ‬أزمة‭ ‬القراءة‭ ‬تجعل من‭ ‬الصعب‭ ‬تصديق‭ ‬ما‭ ‬يعلن‭ ‬من‭ ‬أرقام

محمد العباس

لغرض تعدد الطبعات فهو تسويقي بالدرجة الأولى؛ فمن المستحيل تصديق هذا الكم الهائل من الأعداد في ظل وجود أزمة قرائية واضحة للجميع، وتصريحات الناشرين المتكررة عن صعوبة بيع كومات الورق الموجودة في مخازنهم، لكن في الوقت نفسه يوجد بالفعل إقبال على كتب بذاتها، وتحقق نجاحًا لافتًا في الطباعة والتوزيع، بل إن هناك دور نشر قد جرى تأسيسها لهذا الغرض. وهي دور نشر مخصصة للإنتاج الشبابي، الذي لا يرقى بحال إلى مستوى النص الأدبي، حيث تزدحم هذه الدور بكتب الخواطر العاطفية، والروايات الرومانسية الساذجة، التي تناغي أزمات المراهقين. ولهذا تلجأ هذه الدور إلى منظومة من الحيل في الطباعة الأنيقة، وطريقة العرض الباهرة، والترويج الخادع لمضمون الكتاب، بما في ذلك تقليل عدد نسخ الطبعة الواحدة وتكرار الطبعات، ليدخل الكتاب في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا وإقبالًا. لكنه ليس من ضمن الكتب الأكثر قراءة لأن الحيلة هنا مكشوفة، ولا يمكن تمريرها إلا على المؤلف ذاته الذي يستمرئ هذه اللعبة ليرفع من مستوى كتابه الخاوي. وهو ما يعني وجود جيل من القراء يمكن أن يرفع منسوب البيع والطبعات ضمن أفق ثقافي خاص به، ولا يتقاطع مع مفاهيم القارئ ومعانيه المتعالية.
الكتب الأكثر مبيعًا حقيقة، ولكن ليس بالضرورة أن تكون الأجود، تجتمع ظروف ومعايير كثيرة لتجعل من كتاب ما لأن يكون الأكثر مبيعًا. أي أنها هي بين الحقيقة والوهم، فمن الناحية العددية صحيحة ولكن ليس بالضرورة نفس الصحة من نسب القراءة. أي ليس بالضرورة أنه حظي بنسبة قراءة عالية، فربما تركه القارئ بعد الصفحة الثانية أو الثالثة. تعدد الطبعات يعتمد على المهارة التسويقية لدار النشر والمؤلف أيضًا، فمن المهم وجوده قدر الإمكان في المعارض حيث يكثر شراء الكتب التي تحمل توقيعه.

فهد اليحيا: على السينما السعودية تناول مشكلات مجتمعها  في سياق فني

فهد اليحيا: على السينما السعودية تناول مشكلات مجتمعها في سياق فني

%d9%81%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d8%a7

فهد اليحيا

ليست السينما شاشة، وأجسادًا، ولغة تتحرك في مواقع مختلفة، إنها رؤية تصيب أغوار الإنسان وقضاياه الاجتماعية والنفسية والوجودية بأكثر الطرق تأثيرًا.  إنها شغف كاد يجعل الدكتور فهد اليحيا الذي يعمل في مجال الطب النفسي بصفته استشاريًّا في المستشفى العسكري في الرياض أن يغير مسار تخصصه في أيام شبابه؛ لأنه وجد هناك عوالم مليئة بالدهشة والمتعة. يتطرق اليحيا في حواره مع «الفيصل» إلى السينما في السعودية وصعوبات صناعتها، مشيدًا بها تارةً، وناقدًا إياها تارةً أخرى. شارك اليحيا في عدد من لجان التحكيم، وسافر إلى العديد من البلاد الأوربية لمراقبة تأثير أفلام سعودية عرضت هناك. يقول اليحيا: إن شرط العمل الفني الأساس هو المتعة، إضافة إلى تناولها الظواهر الاجتماعية في سياق قوانين العمل الفني؛ كي لا تتحول إلى بروباغندا فجة أو خطاب مباشر وجاف.

● بداية، طبيب نفسي وفي الوقت نفسه مهتم بالسينما وعالم الأفلام، بل يتجاوز ذلك ويقدم دليلًا تأليفيًّا تحت عنوان «مدخل إلى الفنون السينمائية» فلماذا السينما تحديدًا هي من وقع عليها شغفك؟

– لا اختيار في الشغف! هو قدر كما يقول شوقي: «يا لائمي في هواه والهوى قدرٌ * لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلمِ». وفي الكتاب الذي أشرت إليه في سؤالك فصل بعنوان «السينما وأنا» حكيت فيه عن طفولتي في الطائف، ودخولي عالم مشاهدة الأفلام منذ نعومة أظفاري، واستمر ذلك في الرياض حيث كانت منطقة تأجير الأفلام وآلات السينما عامرة في المربع. كنت أقرأ بعض الكتابات عن الأفلام في مجلات: أسرتي والنهضة والحوادث، بيد أن معظمها كان مجرد عرض للفلم، ورؤية شخصية وليست نقدًا فعليًّا. لكن عندما ذهبت إلى القاهرة لدراسة الطب اكتشفت عالم النقد السينمائي الحقيقي على يد رواد أذكر منهم سامي السلاموني، وخيرية البشلاوي، ويوسف شريف رزق الله، ورؤوف توفيق، وسمير فريد وغيرهم. بل اكتشفت أن صناعة السينما عالم كامل، وكان انضمامي لنادي السينما نافذة للاطلاع على السينما العربية -المغاربية تحديدًا- والعالمية عمومًا.

في السنة الثانية أو الثالثة فكرت في هجر دراسة الطب والتوجه لدراسة السينما، لكن عارضني في توجهي بعض أصدقائي ممن كانوا يدرسون علوم السينما، وكانوا يحبون فيَّ هذا الشغف، ومنهم عادل عبدالمطلوب، وبسام الذوادي المخرج البحريني المعروف حاليًّا!

● في كتابك شرحت ما يتعلق بالأدوات المختصة بصناعة الأفلام، لكنك لم تتطرق إلى ما يتعلق بجانب الرؤية وهو الأهم كما يقول كثير من المخرجين العالميين؟

– كل الأفلام العظيمة تحمل رؤيةً ما؛ اجتماعية أو فنية أو أيديولوجية أو فلسفية… لكن الرؤية شيء مغروس في الذات كالموهبة، ولا يتم تدريسها أو تعليمها! الكتاب المتواضع المشار إليه موجه للمبتدئين لتقديم مبادئ الحرفة بصورة مبسطة؛ هذه حدوده!

ردود فعل الأوربيين

%d9%81%d9%8a%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%ac%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a-2

مشهد من فلم وجدة

● شاركت في لجان تحكيم، وقيّمت كثيرًا من الأفلام المحلية التي عرضت في السفارات الأجنبية، ومنها السفارة الألمانية، فما ردود أفعالهم؟

– ردود أفعال الأجانب من أوربيين وعرب أكثر احتفاء مما نتوقع، ولا ننسى أنهم تعودوا على دخول دور السينما منذ طفولتهم، لذا ذائقتهم الفنية بصورة عامة متميّزة عنا ومتقدمة. حتى الأفلام السعودية الموغلة في الرمزية التي لم تعجب عددًا كبيرًا من مشاهديها السعوديين مثل «فيما بين» (3:30 د) لمحمد السلمان لقي صدًى كبيرًا عند عرضه في السفارة الفرنسية في أثناء مهرجان السينما الأوربية الذي يُقام سنويًّا. وقد اقترحته عليهم لأن الفلم قد فاز ذلك الوقت بجائزة أحمد خضر للامتياز في صناعة الفلم العربي، وذلك ضمن مهرجان الأفلام الأوربية المستقلة بفرنسا (إبريل 2015م). بالمناسبة مهرجان الفلم الأوربي الذي تقوم به السفارات الأوربية سنويًّا يقدم 14 فلمًا تقريبًا من أنحاء أوربا. وسأعمل على أن يعرض فلم سعودي قصير قبل عرض الفلم الأوربي في مهرجان 2017م. ولكن هذه المرة لن أقوم بهذا بشكل فردي، بل سأشرك الجمعية السعودية للثقافة والفنون لتكون المشاركة تحت مظلتها، وتتحمل نصيبًا من هذا العمل المرهق.

● في ظل وجود كُتاب مقالات أصبحوا فجأة كُتّابًا للسيناريوهات الدرامية، فكيف تقيم السينما السعودية؟

– السيناريو هو الهيكل العظمي للفلم الذي ينسج فوقه اللحم والشحم، وتزرع فيه الأعصاب، وتجري في عروقه الدماء السينمائية، والأغلبية العظمى من الأفلام الشهيرة والناجحة إنما قامت على سيناريو متقن. ومعظم الناس ظنّ في وقتٍ ما من عمره أنه سيصبح شاعرًا أو قصاصًا أو روائيًّا، وربما رسامًا، الآن أضف إليها الإخراج والسيناريو، وهذا أمرٌ مشروع، وهناك من استمر، وكثيرون تغيرت وجهتهم، أو تخلوا بصورة واقعية عن أحلام بداية الشباب. أقصد من يجد عنده الرغبة في الكتابة، ويتوسم في ذاته القدرة، فيجب أن نساعده للقيام بالمحاولة، فربما نشهد مولد كاتب سيناريو بارع يصقل موهبته بالتدريب والتعليم والمران. من ناحية ثانية الريبورتاج الصحافي شبيه جدًّا بالفلم الوثائقي، إلا أن الأخير يختلف عنه في الصورة والحركة والصوت، وقدرات الفلم التعبيرية الجبارة في يد مخرج قدير. كذلك المقالة الصحافية ليست قصةً أو قصيدة، ولكنها تحمل رؤية ما لكاتبها عن قضية معينة أو موضوع يتناوله من زاويته الخاصة، وهذا أمر شبيه بالسينما؛ فالسيناريو ليس عملًا أدبيًّا، ولا يصنف ضمن القصص أو الروايات أو المسرحيات، إنه عمل فني مستقل بذاته، ولا يخلو من الجفاف!

● محليًّا ما نقدمه على الشاشة غالبًا ما يغرق في القضايا المحلية، كالطائفية، أو حقوق المرأة، أو الإرهاب؛ ألا تعتقد أن السينما أكثر عمقًا من ذلك؟

– هناك الموضوع وهناك الشكل! قد يُتناول ذات الموضوع في قصة أو رواية أو فلم. الشكل هو الأسلوب الخاص لعرض الموضوع بشروطه الفنية الخاصة! أهم شرط للفن هو المتعة، وبعدها تأتي القضايا الأخرى! فإن لم يحقق الأسلوب الفني شرط المتعة تحول إلى خطاب وعظي مباشر. أحيانًا تكون المحلية عالمية في جوهرها الإنساني إذا كانت خبرة نفسية عامة، عرضها هو ما يحدد، فالطائفية، وحقوق المرأة، والإرهاب، قضايا عالمية، وعاناها كل مجتمع في زمنٍ ما.

خطاب مباشر وجاف

%d9%81%d9%84%d9%85-%d8%ad%d8%b1%d9%85%d8%a9● هل تعتقد أنه من الممكن أن تعالج السينما في المملكة بعض الظواهر الاجتماعية والأمنية التي يتعرض لها المجتمع كالإرهاب مثلًا، وما تقويمك لبعض الأعمال التي حاولت الخوض في هذا الجانب: على سبيل المثال «سيلفي»؟

– الدراما تكون في المسرح والفلم والتمثيلية التلفزيونية. و«سيلفي» كان عملًا دراميًّا موفقًا إلى حد كبير. وسؤالك هذا يعيدنا إلى السؤال السابق وجوابه! شرط العمل الفني الأساس هو المتعة، وأحد موضوعات السينما – كما موضوعات الشعر والقصة – هو تناول المشكلات والظواهر الاجتماعية! ولكنه ليس موضوعها الوحيد. ويجب أن تكون خاضعة لشروط العمل الفني كي لا تتحول إلى بروباغندا فجة، أو خطاب مباشر وجاف.

● الفلم السعودي هل سيصل قريبًا إلى الجوائز العالمية، وما الذي ينقصه لبلوغ ذلك؟

– قبول فلم ما في المسابقة الرسمية يُعد إنجازًا بحد ذاته. فلم «وجدة» و«بركة يقابل بركة» قبلا في مسابقات دولية عدة، وفازا بجوائز. فلم «حرمة» قُبل في مهرجان برلين. وسبق أن ذكرت الفلم القصير «فيما بين»؛ الحصول على جوائز عالمية يتطلب إنتاجًا سخيًّا، ولغة سرد سينمائية متميزة، وهذا لا يتوافر إلا بوجود جهات إنتاج كريمة لا تنتظر مردودًا ماليًّا كبيرًا، مع أن هذا قد يحدث، ويتطلب دراسة وممارسة وتجريبًا، لكن عندي أمل يشبه اليقين أن فلمًا ما سيصل قريبًا إلى العالمية!

الأفلام‭ ‬السعودية‭ ‬لن‭ ‬تسود‭ ‬

يرى الدكتور فهد اليحيا أن وجود دور عرض «سيؤدي إلى التسريع في صناعة السينما، فالسينما في كثير من البلدان بدأت بصالات عرض قبل أن تظهر فيها حركة سينمائية أو صناعة وتعليم وتدريب. في مصر وهي رائدة صناعة السينما في العالم العربي كانت البدايات على يد عربٍ متمصرين أو أجانب، وعمل أبناء البلد مساعدين أو في مهام ثانوية. بالطبع هناك استثناءات في البدايات مثل محمد كريم وعزيزة أمير. لكن ليس هذا كل شيء، فمنطق التطور ليس البدء من حيث بدأ الآخرون، ولكن من حيث انتهوا».

ولفت إلى أنه من المهم أن يتواكب مع فتح دور عرض سينمائية افتتاح معاهد وكليات متخصصة، «بل تأسيس بنية تحتية ليتم تصوير عدد من الأفلام العالمية عندنا. هذا ليس حلمًا أجوف، ولكن التنوع الجغرافي الباذخ في ربوع المملكة يجعل منها مواقع تصوير عبقرية. جغرافيتنا من الساحل إلى السهل، فقمم الجبال، فالصحراء والواحات. هناك أماكن تصلح أن تكون مواقع لتصوير أفلام خيالية عن غزو الفضاء، والعيش في الكواكب الأخرى. لكن هنا ملاحظة نضعها في الحسبان: وضع أسسٍ لصناعة سينمائية ودعمها من ناحية، وإفتتاح دور عرض من ناحية أخرى لا يعني أن الأفلام السعودية ستسود، فكل الدول التي سبقتنا سواء بزمن كبير مثل شمال إفريقيا وسوريا، وبزمن متوسط مثل الكويت، أو زمن قريب مثل البحرين ودول الخليج الأخرى؛ كل هذه الدول ما زالت السيادة للأفلام الأميركية والأوربية».

وقال: إن السينما وسيلة تعبير فني «شأنها شأن المسرح والشعر والتشكيل والرواية! لها لغتها وخطاباتها السردية الخاصة وكذلك أدواتها! وميزتها أنها لا تشترط معرفة القراءة والكتابة، في غير الأفلام المترجمة؛ بل هي تخاطب المتفرج بالرؤية والسمع: عين وأذن! وكما نجد في الأدب والمسرح والتشكيل مدارس مختلفة من الواقعية والرمزية والسوريالية! نجد هذا في السينما. ومع إيماني بحق كل زهرة أن تتفتح، بل من واجبنا توفير المناخ لها والاحتفاء بها؛ إلا أني أنظر إلى أن على السينما – في العالم النامي – دورًا اجتماعيًّا. أقصد أن حصيلة الأفلام سهلة الهضم – مع توافر الشروط الفنية الراقية – والتي تنطلق من قضايا المجتمع يجب أن تكون الأكبر.  من ينظر إلى السينما على أنها مجرد ترف في تقديري قاصر الرؤية، ويجب أن ينسحب رأيه إذًا على كل الفنون».

باحثان: سقوط الاتحاد السوفييتي والربيع العربي شكّلا تحديًا للحزب الشيوعي الصيني

باحثان: سقوط الاتحاد السوفييتي والربيع العربي شكّلا تحديًا للحزب الشيوعي الصيني

قدم الدكتور ين يان الباحث في المكون السياسي والاقتصادي الصيني، موجزًا عن الأحوال العامة في جمهورية الصين الشعبية، مشيرًا إلى اتسامها بالاستقرار على الرغم مما عده قمعًا للكثير من المظاهرات الجماهيرية؛ «لأن نظام الحكم هناك يخضع لسياسة الحزب الواحد وهو الحزب الشيوعي، الذي يعقد كل خمس سنوات من خلال المؤتمر الوطني من أجل انتخاب رئيسًا جديدًا».

وتحدث الباحث ين يان في محاضرة نظمها في أكتوبر الماضي مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعنوان: «الوضع السياسي والاقتصادي في الصين خلال حكم شي جين بينغ» عن تاريخ تأسيس الحزب الشيوعي الصيني، موضحًا أن انطلاقته الأولى كانت في عام 1921م، باستخدام النضال المسلح حتى وصل إلى قمة السلطة عام 1949م.

ين يان أشار، في المحاضرة، إلى الأعداد الغفيرة التي تنتمي إلى عضوية الحزب الشيوعي؛ إذ تبلغ في الوقت الحالي نحو 60 مليونًا من الأعضاء. وقال: إن الحزب حاضر في مؤسسات الدولة المهمة والصلبة، ويتخذ من أفكار ماركس ولينين وتونغ، ونظريات شياو بينغ، المنهج الأساسي الذي يستنطق منه قراراته وتوجهاته.

وفيما يتعلق بمكانة رئيس الدولة والدور المنوط به والشروط التي يجب أن يخضع لها، أوضح المحاضر أن الرئيس ينبغي أن يكون بلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا حتى يحق له الترشح والانتخاب، وأن المجلس الوطني لنواب الشعب هو من يقوم باختياره أو عزله وإقصائه، إذا حاد عن القوانين الدستورية، إضافة إلى أن مدة عمل الرئيس هناك، أو ما يسمى بالمدة الرئاسية، يجب ألّا تتجاوز خمس سنوات، ولا يجوز أن تستمر أكثر من مدّتين متتاليتين.

وعن صلاحيات الرئيس، فإنه يصدر القوانين بعد أن يوافق عليها المجلس الوطني لنواب الشعب ولجنته الدائمة لتصبح سارية المفعول. وذكر ين يان أن للمجلس الوطني الحق في تقرير أمور كثيرة، ومنها: تعيين وعزل رئيس مجلس الدولة، ونواب الرئيس وأعضاء مجلس الدولة، والوزراء ورؤساء اللجان، ورئيس جهاز المحاسبات والأمن العام لمجلس الدولة، ومنح أوسمة الدولة وألقاب الشرف، وإصدار العفو الخاص، وإعلان الأحكام العرفية، وإعلان حالة الحرب، وإصدار أوامر التعبئة.

وفيما يتعلق بالصلاحيات الخارجية فإن الرئيس، كما يقول الباحث، يحق له أن يعتمد من يقوم بتمثيل جمهورية الصين خارجيًّا، كذلك يحق له اعتماد القرارات والمعاهدات الخارجية شريطة أن يوافق عليها المجلس.

الرجل القوي الذي يحب بوتين

ولفت المحاضر إلى أن الرئيس الصيني الحالي يُوصَف في الإعلام الغربي بـ«الرجل القوي الذي يحب بوتين كثيرًا»، موضحًا أنه أسهم كثيرًا «في تعزيز استقرار المجتمع الصيني، والتقليل من انتفاضته المزعجة؛ إذ إنه وقبل توليه الرئاسة كان هناك نحو مئة وثمانين ألف مظاهرة كُبِح جماحها، وهذا يعكس السبب الأساسي الذي جعل منظومة السلطة في الصين تنفق على الدفاع الوطني الداخلي ميزانية تتجاوز ما تنفقه على منظومة الدفاع الخارجية والمؤسسات العسكرية المتعلقة بالحروب الخارجية». واستعرض ين يان مراحل التطور المتنوعة التي مرت بها جمهورية الصين التي كان من أهمها: مرحلة العهد الجديد أو ما تسمّى بـ«عبور النهر» وهي كناية عن انفتاح الصين نحو العالم من حولها، ومرحلة ما بعد الرجل الثوري «ماو».

من ناحية أخرى، وفي المحاضرة نفسها، عرض تشن وي المدير التنفيذي في واحدة من أهم الشركات الكبرى في العالم شركة «ميمورا»، أبرز المعضلات الاقتصادية التي ستعانيها الصين «إن لم تسعَ لتقديم بعض الإصلاحات والأفكار الجديدة التي تتناسب مع المنظومة العالمية الحالية».

وقال تشن وي: «الصين وإن بدا اقتصادها مستقرًّا وجيدًا في الوقت الحالي إلا أن هذه المعجزة من المستحيل أن تستمرّ إلى الأبد من دون أن يمسها أي تغيير أو هبوط»، موضحًا أنه بعد قراءة السياق الاقتصادي للعشرين سنة الماضية «نجد أن الاستهلاك الحكومي والخاص انخفض بسبب التراكم في الناتج المحلي، لهذا قد نرى في الأشهر المقبلة أن الحكومة الصينية ستحاول أن تقوم بتنشيط الاستهلاك الحكومي، خصوصًا بعد مجيء القيادة الجديدة».

وأكّد تشن وي أن الحكومة الحالية تحاول إعادة الجودة إلى اقتصادها؛ «لأنه لم يتقدم بالسرعة التي كان يتوقعها، لذلك فإنها تفكر حاليًا في نقل التركيز إلى جانب الواردات والاستثمارات العالمية لأن الطلب ضعيف نسبيًّا، وهذا لن يتحقق إلا إذا تخلت الحكومة عن المحاولة الدائمة في أن تجعل كل المشاريع مملوكةً لها كي يتحقق التوازن، إضافة إلى أن ذلك سيجعل السوق تنافسيًّا وليس احتكاريًّا، وكي يتحقق ذلك لا بد للحكومة الصينية أن تقوم بالكثير من الإصلاحات والتشريعات الجديدة».

وتطرق المحاضر إلى أن الصين في عام 2012م تعرضت لحملة هائلة من المواطنين؛ بسبب قضايا الفساد وإخفائها الكثير من الحقائق المهمة، «وهذا يوضح التحدي الذي واجه الحاكم الحالي، ويواجه الحاكم المقبل، ويتمحور حول إعادة الثقة أو ما تسمى حاليًا بحملة «ضرب النور»، وهي حملة شعبية أقصت نحو ستمائة مسؤول من مسؤولياتهم الحزبية، ما جعل الرئيس يحاول التقليص من النظام البيروقراطي المركزي، وإعادة الثقة بين المجتمع والدولة». وأكد تشن وي أن الدروس التاريخية كسقوط الاتحاد السوفييتي قديمًا والربيع العربي حديثًا شكلت تهديدًا ملموسًا أمام صناع القرار وأمام الحزب؛ كي لا يقع في الموت القريب.

خالد اليحيا: «المملكة الموازية» مبادرة تتوسل الفن في تحقيق هدفها

خالد اليحيا: «المملكة الموازية» مبادرة تتوسل الفن في تحقيق هدفها

يعد مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي واحدًا من أضخم مبادرات التنمية الاجتماعية التي أطلقتها أرامكو السعودية، وبُدِئ في تشييد المركز في شهر مايو من عام 2008م، عندما وضع الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حجر الأساس. ويهدف المركز إلى دعم جهود المملكة في التنمية الاجتماعية والثقافية، مركزًا بشكل خاص على الصفة الإبداعية في المجالات المعرفية. يقع المركز في منطقة الظهران، على بُعد خطوات من «بئر الخير» حيث اكتُشف النفط في المملكة للمرة الأولى. ولهذا الموقع دلالته الرمزية؛ إذ يسعى المركز إلى تطوير مصدر أكبر للثروة يتمثل في الطاقات الخلَّاقة الكامنة في المجتمع والأجيال الصاعدة والمقبلة. بدأ المركز بإطلاق فعالياته الثقافية والفنية والفكرية الموجهة للشباب، وستستمر هذه الأنشطة إلى حين الافتتاح الفعلي للمركز.

بدأت أولى مبادرات المركز في أميركا وتحديدًا في ولاية تكساس أكبر الولايات الأميركية من ناحية المساحة؛ فهناك تجول الأميركيون في متحف ستيشن، إذ أقيمت في يونيو الماضي فعاليات معرض المملكة الموازية، بالتعاون مع أستديو غارم. وقال الدكتور خالد سليمان اليحيا الذي يرأس البرامج التعليمية في مركز الملك عبدالعزيز المسؤول عن فعاليات المملكة الموازنة: إن رؤية المعرض الرئيسة هي بناء جسور التواصل بين المجتمعات؛ «فالشباب السعودي قد يساء فهمه؛ لأنه لم تتح له الفرصة لعرض الملكات الإبداعية التي يمتلكها، فنحن نرى أنفسنا نافذة لهؤلاء الشباب، وهذه المبادرة اختارت العمل الإبداعي تحديدًا لتعريف العالم على السعودية والشباب السعودي؛ فالفن والإبداع يصل إلى العموم وليس إلى النخبة، ويخاطب الجمهور العريض. والمبادرة تحتمل القراءة وليس الحتمية التي كرست مفاهيم خاطئة عنا، إذ إنها قابلة للنقد والحوار، وإعادة اكتشاف ذواتنا من خلال القراءات المتعددة».

معرض-04_opt

غارم وقصب السبق

وفيما يتعلق باختيار أستوديو غارم للفنان عبدالناصر غارم تحديدًا في الانطلاقة الأولى لهذه المبادرة؛ أوضح اليحيا أن المسألة متعلقة بالجاهزية فقط؛ «إذ حقق غارم قصب السبق في العمل الفني، وله أعمال اقتنتها كبار المتاحف العالمية، كما هو معروف في مدينة لوس أنجلس وغيرها من الولايات الأميركية، إضافة إلى أنه غالبًا ما يلجأ في أعماله إلى أنماط هندسية معقدة يستقيها من الثقافة العربية، ويمزجها برسائل غامضة تدور حول الطريقة التي يجري من خلالها استغلال الدين والسلطة في التأثير في الناس. وهو يعمل على تقديم الفكرة بطريقة تجعلها تبدو جميلة، حتى إن كانت الرسالة التي يوصلها صعبة نوعًا ما».

اليحيا أكد أيضًا أن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي أتاح من خلال المعرض للشباب أن يتواصلوا مع العالم، بعرض لوحاتهم الفنية التي تناقش قضايا تتصل بالتحديات التي تواجه العالم المعاصر ومكوناته البشرية، مهما كان العرق أو الجنس أو الديانة التي ينتمي إليها، كما هي الحال في معرض «المملكة الموازية»، مشيرًا إلى انتقال المعرض إلى سان فرانسيسكو، تحت عنوان (جيل. generation)، لمجموعة من الفنانين والفنانات السعوديات، ويبلغ عددهم تقريبًا أحد عشر، «علمًا بأنه سيكون أكبر حجمًا، وسيحتوي بمساحته الشاسعة على لوحات فنية متعددة التأويلات والمدارس الفنية، إضافة إلى منحوتات ومجسمات «كابيتال دوم» بـارتفاع اثني عشر مترًا، التي تمتلك قبة تبدو سقفًا للكونغرس، ومن الداخل تحمل طابعًا خالصًا للبناء الإسلامي ذي الهوية الخلابة جدًّا».

معرض-03_opt

علامة فارقة

وعن التأثير أو الانطباع الذي تركه المعرض في الزوار وعكسته الصحافة الأجنبية، قال الدكتور خالد اليحيا: إن المعرض كان بمنزلة العلامة الفارقة والنوعية، مقارنة بالمبادرات الثقافية التي قامت بها المؤسسات السعودية الأخرى؛ «فالصحف في مدينة هيوستن قد غطت الخبر في شكل موسع، وصنفه الكتّاب هناك واحدًا من أفضل خمسة معارض في الشهر السادس من هذا العام».

ويضيف أن السبب في هذا النجاح أن المبادرات الأخرى «ربما كان لديها هاجس قوي في التعريف بنا بشكل أساسيّ، لكن ليس في تقديم فنوننا، وترك الجميع في أن يفهمها بالطريقة التي يود، وفق القانون الفني الذي ينص دائمًا على أن الفن هو القيمة الأسمى بين كل القيم الأخرى!».

معرض-02_opt

وعن الحرص على تقديم هذه الفعاليات في أميركا من دون غيرها، أشار اليحيا إلى أن الفعاليات «ليست موجهة تحديدًا إلى أميركا من دون غيرها من الدول والثقافات، إنما هي موجهة إلى العالم أجمع. ففي المستقبل ستكون هناك زيارات عدة لدول أوربية».

وأكد الدكتور خالد سليمان اليحيا أن الطموحات لن تقف عند هذا الحد، «بل هناك فعاليات أخرى متنوعة، بجانب الاعتزام في الشهور القريبة على إقامة معرض آخر في سان فرانسيسكو ونيويورك، إضافة إلى سلسلة من عشرة معارض ستقام تباعًا في أميركا بولاياتها المتعددة، خلال الأشهر التسعة المقبلة».