فراشة عند فوهة المدفع

فراشة عند فوهة المدفع

يمكنك أن تقذف بعود الكبريت وسط الموج

طالما

لا الفتيل على رأس الشمعة

ولا الشمعة عند النافذة

ولا النافذة تتهيأ لكسر الظلام

ما الذي تريده الحياةُ منا

نحن العائدون من أحرّ مفازة في صحراء نينوى

نحنُ الذين تسمينا الحياة بشرًا

ماذا نفعل وسط كل هذا الخراب

ونحن نُمنى بالخوف والهزيمة والتيه والارتجال؟

لو توقفنا لبرهة عن الركض والعويل

هل سنمرّ أمام القدر بسكينة وسلام؟!

تنقذنا يدُ المشيئة

ويفزعنا ظلّ الغيب

نحنُ العزّل

المهمّشون من حسابات الجبابرة

هل سننجو إن تظاهرنا بالقسوة والموت؟

بأيدينا لا بأيدي الآخرين

سنعوّل على الشمس

لقد حظينا من الأيام بما يكفي

على أقل تقدير نجونا دون أعجوبة

حين كان الخوف ينخرُ عظامنا

والليل يختطف البراءة والسكون

بما لا يدع مجالًا للشك:

الكتابة هي الرئة التي تبقينا على قيد الحياة.

عصفوران نخشى إطلاقهما

نحن الذين نخشى أن يفرّ منا كل شيء

ماذا فعلت بنا الطفولة؟

نحنُ الشتات الذي ولد خطأ في مخيمات اللاجئين

ماذا أبقى منا النضج؟

نحن الأرقام التي تصعد وتهبط في بورصة العالم

نعي الحرب ولا نملك دونها ما يكفي من السلاح والمؤونة

ماذا فعل بنا الزمن؟

نحن المصابون بالأجهزة الذكية

الماضون في شباك العولمة

لم يكن الغباء حلًّا متاحًا

لم يكن الغضب قد ولد بعد

وكان عداد الموت أعلى صوتًا من بكاء الأطفال عند الولادة

أفكّر في المصادفات التي جمعتنا معًا في هذا الدوّي العالمي الهائل

أترانا نقدر على المواجهة؟

نختبئ خلف الظل

بينما تسقط فوق رؤوسنا الشِّباك

نتظاهر بالسذاجة

بينما تُحاك الأوجاع ضدنا.

نستتر بالصمت

بينما تعرّينا الرياح والأمطار كأشجار غابات السويد

نفكّر في ضريبة الجبن

نحن الأصدقاء الخمسة

الذين قُتل أحدنا على يد قطّاع الطرق

لم نجرؤ

نحنُ العزّل الخائفون المذعورون الحمقى

على مواجهة الموت لأجله

لقد لاحقتنا صورة دم صديقنا طوال العمر

كشبحٍ ملعونٍ لم يتقبل طريقة موته

أحدنا فقد عقله

ثانينا تناول السم

ثالثنا فضّل الهرب

وأنا تحولت إلى قاتل

ما أقسى الأيام وهي تجرّنا إلى الأقدار التي لم نخلق لها أبدًا

أكذوبة الخيار الأخير

الذي كان خيارًا وحيدًا من الأصل

نحنُ الدمى على المسرح

تحرّكنا خيوطٌ رفيعة بأيدي العصابات والقتلة المأجورين

نظنّ أننا نعيش حياتنا كما أردنا

هل تظنون – مثلنا – أنكم مجرّد جمهور؟!

نقاتل بقلوبنا

نحن الذين أريقت دماؤنا بين الجبال

كانت أكتافنا صغيرة

وحين ربتت عليها الحياة تهشمت وسقطت في الزمن

نحتمي بوجوهنا

نحن الذين تحنطت ملامحنا في سبيل البقاء

نتوقّى الخيانة بالإيمان

والخوف بالسكينة

والكوابيس بالستائر البيضاء الثقيلة

لا نريد قبورًا لنا.

سنتبرّع بما تبقّى منا

لمجاهر الأطباء والمختبرات

وللباحثين عن دمية ضائعة

وسط كومة الموت والتحلل والكساد.