نونو ريبـيلو: على الرغم من الحجاب، فكل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى

نونو ريبـيلو: على الرغم من الحجاب، فكل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى

منذ أن كان في الرابعة من عمره وهو يحاول استلهام الأشياء من حوله؛ ليرسمها ويعيد تشكيلها وفق منظوره الخاص به في تلك المرحلة المبكرة. أكمل طريقه في عالم الفن عبر دراسته الهندسة المعمارية والتصميم وممارسته التشكيل والرسم في الهواء الطلق في براغا في البرتغال، وتجول بلوحاته في العديد من المعارض في المدن الأوربية المختلفة، ليستقر أخيرًا في الرياض ويجسد بعض ملامح الهُوية السعودية في بعض أعماله، مثل: «شخصية سعودية» و«حيرة نقاب»، مصوّرًا على أوراقه البيضاء بعض معالمها، مثل: جدة التاريخية، وبرجي الفيصلية والمملكة، وقصر المصمك، وغيرها من المعالم.

التقيتُ الفنان التشكيلي البرتغالي نونو ريبيلو لأحاوره حول تجربته في تجسيد تلك الملامح، وكيفية استقلال الفنان بمدرسته الخاصة، وعن الحالة الفنية في أوربا ولا سيما في البرتغال، وعن مشاعره في أثناء رسم اللوحة، وهل أصبح الذكاء الاصطناعي مهددًا لعمل الفنان؟ إضافة إلى قضايا أخرى.

ملامح الهُوية السعودية

  كنتَ في السعودية؛ لأجل المشاركة في مهرجان (جاكس للفنون)، كيف رأيت ردود أفعال السعوديين تجاه أعمالك؟ وكيف تصف أجواء ذلك الحدث الفني؟

  يمكنني القول: إنني شعرت بالدهشة من السعوديين؛ ولا سيما من الجيل الشاب الذي حرص على مشاهدتي في أثناء العرض الحي للرسم. بكل صراحة لم أتوقع ردود الأفعال الرائعة. انتهيت بلقاء فنانين رائعين موهوبين حقًّا من الجنسين في مقتبل العمر بدؤوا خطواتهم الأولى في عالم الرسم والتشكيل. كانت لدي الفرصة لشرح أعمالي وطريقتي وأفكاري خلف كل قطعة فنية، حينها شعرت بالرضا من التعليقات التي تلقيتها منذ ذلك الحين. في أثناء الحدث رسمت لوحات في عرض حي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالموسيقا، وهو ما أستخدمه في الورش والدروس الخاصة التي أقدمها.

  رسمت العديد من اللوحات التي تعكس شيئًا من ملامح الهُوية السعودية، مثل: «حيرة نقاب»، و«شخصية سعودية»… إلخ. كيف تصف تلك التجربة؟

  الثيمة الخاصة والبارزة في لوحاتي هي التعبير عن الجسد وموقفه تجاه مجتمع ما أو بيئة معينة. أعتقد أن تصوري الذاتي لواقع الناس يدفعني لاستثماره في تكوين الشخصية وتقديمها حالةً ذهنية في فكرة معينة. على سبيل المثال، في «حيرة نقاب»، ثلاث لوحات تُظهر امرأة سعودية تتواصل عبر يديها وعينيها؛ لأن العباءة التقليدية تغطي بقية جسدها، ومع ذلك كانت العباءة عبارة عن تركيبة من الألوان والأنماط المتنوعة بلمسات مختلفة.

على الرغم من الحجاب، فأعتقد أن كل امرأة لديها قصتها وحياتها ومشاعرها التي تستحق أن تُروى. أما لوحة: «شخصية سعودية»، فكانت لمحة من ذاكرتي. عندما كنتُ في وادي الديسة في شمال المملكة، كنت مأسورًا بذلك المكان الطبيعي الخلاب وبالألوان البرتقالية الذهبية للجبال، في وسط الصخور رأيت رجلًا سعوديًّا في حالة تأمل كأنه يتنفس كل العجائب من حوله. أخذت تلك الصورة معي ووضعتُها في لوحة أكريليك لتخليد تلك اللحظة.

غاية الفن

  كيف يستقلُّ الفنان بمدرسته الخاصة؟ ما هدفك من كل الأعمال التي أبدعتها؟

  الخطوة الأولى أن تبدأ بالتعبير عن ذاتك الداخلية؛ إما بالتشكيل والرسم، أو تنظيم مجموعة من الأفكار بدون خوف من الخطأ. مع الوقت والممارسة كل فرد سيشعر بوجود العلاقة مع طريقته في التعبير. أتحدث عن نفسي، بدأت الرسم والتشكيل منذ أن كان عمري ثلاثة أعوام أو أربعة تقريبًا. لم أكن مهمومًا بالنتيجة؛ لأنها ستأتي في نهاية المطاف. عندما أعود إلى الوراء وأرى التسلسل الزمني وأثر الأفكار التي قد تؤثر وترتبط بشخص ما في هذا العالم -ولو لبضع ثوانٍ- فذلك يكفي أن يمنح هدفًا لعملي. بلا شك أن بعض الموضوعات أكثر أهمية للأثر في هذا العالم وهي ما أركِّزُ عليه أكثر: دور المرأة في المجتمع والعجائب الطبيعية التي يجب أن نحافظ عليها، إضافة إلى المشاعر الإنسانية التي تميزنا عن الحيوانات. هذا ما أريد أن أراه في أعمالي التي لن تنتهي.

  هل يمكن أن تصف مشاعرك في أثناء رسم اللوحة وبعد الانتهاء منها؟

  غالبًا شعور لحظة الرسم كاللحظة التي أكون فيها وحيدًا من دون أي تشتيت. إنه انهماك باتجاه واحد بيني وبين مساحة العمل. الموسيقا وحدها التي تروي تلك اللحظة. بسبب انغماسي التام في العمل الفني أشعر بحالة ذهنية حقيقية، بحيث لا يؤثر فيَّ أي شيء آخر؛ لكن كي أصل لتلك الحالة الذهنية يمكن أن تأخذ ساعات أو أسابيع أو أنتظر شهورًا عديدة. لا أستطيع أن أعرف، الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أنني أكون منهكًا جسديًّا، وأما نتيجة الرسم فبعض الأحيان أكون راضيًا عنها وأحيانًا لا؛ لكنني دائمًا أشعر باللحظة الصادقة مع العمل الفني.

  ما رأيك في حالة بيع الأعمال الفنية وتسويقها في أوربا والمملكة؟ هل تواجه بعض الصعوبات في بيع وتسويق أعمالك؟

  لا بد أن أعترف بأنني فنان تقليدي يهتم كثيرًا بنشر الرسالة التي تصنع الأثر والحراك. ومع ذلك أحاول أن أكون حاضرًا في مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى للوصول إلى شرائح أكبر. من المدهش أنني تواصلت مع كثيرين عبر تلك المواقع في الرياض، وكذلك في مسقط رأسي في البرتغال التي تعكس بعض أعمالي. على الرغم من أهمية التسويق الجيد، فإنني أعطي أهمية للبحث والتساؤل أكثر من الأخذ.

  من وجهة نظرك، ما تعريف الفن؟

  لا يمكن تعريف الفن كاسم؛ فهو معنى مجرد، بينما قد يراه أحدهم أنه يعني شيئًا ما في هذا الكون، ويمكن للفكرتين أن تكونا صحيحتين طالما أنهما تجتمعان وتكشفان تعقيد الذكاء لدفعنا إلى الأمام في هذه الحياة. هكذا أرى الفن: إما أن يكون الطبيعة البشرية اللامتناهية للبحث والاكتشاف، أو التعبير عن الإنجاز مع دفء الحس الإنساني والرضا والسعي المستمر الذي أتمناه.

  هل عملك الفني المعنون بـ«تساؤل» يعكس عقلك كفنان؟ ما الذي ألهمك لإبداع ذلك العمل؟

  كما أشرت آنفًا، التساؤل والسعي المستمر هما الأساس الأكثر أهمية في الفن. يمكن للفن أن يذهب لأبعد من ذلك؛ ليُبهج حواسك الجسدية. والطريقة الوحيدة للوصول لتلك الحالة هو ذلك الجديد والمجهول الذي نستفهمه من حولنا وأنا أرى بأنه يمكننا القيام بذلك التساؤل بلطف وإنسانية.

التكنولوجيا ومستقبل الفن

  هل أصبح الذكاء الاصطناعي مهددًا لعمل الفنان؟ ما الأطر والحدود الممكنة التي يمكن استخدامها بالذكاء الاصطناعي في الفن؟!

  أظن أننا جميعًا نُذهلُ بهذا التقدم التقني الهائل في عصرنا. ما أُومِنُ به هو أننا يجب أن نستغله لمصلحة الإنسان. لا أرى أي تهديد أو تعارض بين الذكاء الاصطناعي والفن، يمكن للفن أن يُوظف جميع التقنيات لصالحه ما دام أن لها مغزى وتمدنا بالثقافة والتنوير وفق مبادئ أخلاقية.

  كيف ترى حالة الفن في أوربا؛ ولا سيما في البرتغال؟

  دائمًا ما أرى الاهتمام بالنهج الكلاسيكي للفن في أوربا وهو ما أسعى إليه أكثر من غيره. حاليًّا الأسئلة الأخلاقية وانعكاس تحولات المجتمع من أهم الموضوعات الشائكة في الفن. وهذا ما نحتاج إليه جميعًا لمستقبل أكثر سلامًا وإشراقًا. كثير من الفنانين في البرتغال ينبهون للإجراءات الحاسمة التي ينبغي اتخاذها؛ لأجل تغيير العقول التي قد تمنع المجتمعات من النمو والعيش المشترك. أنا معجب بأعمال الفنانين البرتغاليين الذين أصبحوا معروفين وتميزوا بطريقة تعبيرهم في عالم الفن، مثل: جوانا فاسكونسيلوس، وخوليو بومار، وفيلس، وآخرين غيرهم ممن تركوا إرثًا غنيًّا للأمة.

  ما أعمالك الفنية في المستقبل؟

  متلهف لإنهاء فكرة (لا تزال تحت التنفيذ)، وأخطط حاليًّا لمعرض سيكون في مكان بارز بمسقط رأسي في البرتغال، سأكشف عنه قريبًا، وأريده أن يبقى في الذاكرة. كما أريد أن أحكي قصصًا عن أشخاص مجهولين ومهمشين؛ لكنهم مهمين؛ لأنهم في لحظة ما قد يلمسون حياة أي شخص.

مصادر الإلهام

  هل يمكن أن تخبرنا بقصة تقف خلف أحد أعمالك، لا يمكن أن تمحى من ذاكرتك؟

  ذات مرة قمت بحدث فني لمئتي شخص من العائلة والأقارب والأصدقاء؛ إذ رسمت مئتي قطعة قماش، وفي أثناء رسمي القطعة الفنية الواحدة كنت أفكر في اسم شخص معين من المئتين، ولم أخبر أي أحد أنني قمت بهذا الأمر حتى هذه اللحظة.

في أثناء الحدث وضعتُ جدارًا كبيرًا، وعلقت عليه كل تلك القطع القماشية مصفوفة بطريقة عشوائية. ٩٠٪؜ من الضيوف اكتشفوا القطعة الفنية القريبة إلى ذاتهم؛ إما بالألوان، أو موضوع القطعة نفسها. كان مسلِّيًا أن ترى الأشخاص -رغم عدم اهتمامهم العميق بالفن- وهم يجدون ذواتهم على كل قطعة من تلك القطع. كنت سعيدًا جدًّا لتمثيل كل واحد منهم وإبراز ذلك للعالم.

  هل هناك أفلام أو كتب معينة توصي بها للفنانين؟!

  شخصيًّا، أستلهم من الشعر الذي يقودني إلى الموسيقا. وأسعى لمختلف أنواع الفنون: النحت والموسيقا والسينما… إلخ. كتبي المفضلة التي تحكي الذات وحكايا الأشخاص المجهولين وموسيقاي المفضلة تتنوع ما بين الإلكترونية والكلاسيكية. وتوصيتي هي أن تذهب مع الأصدقاء وتستمع باهتمام لحكايا الأشخاص من حولك، وأن تستمتع بالطبيعة.