الجَوَّابون

الجَوَّابون

العابرون، بخفة فرح عابر، يزعجون طين المدينة بكعوبهم العالية، إلا أن الرياح الملولة سرعان ما تقلب صفحته بحثًا عن سيرة الحفاة القدامى، رواد الهوامش، شاربي كأسهم بالدين لآخر الشهر أو العمر، المؤجلون أكثر من فواتيرهم، من أصواتهم طلاء رتاج السماء، والمحرجون من عجز السينما عن فهم انزياح ظلال الأشجار إلى جذوعهم، من تمدد الزمن بين أكتافهم حتى ضاعت التنهيدات في صدورهم، المحاولون حقًّا نثر سيرتهم الرماد سمادًا للأرض، فكتبتهم الأشجار، المتصالحون مع الرياح بلا دليل، أو نظام ملاحة، المتفهمون غريزة السفن قبل الوصول، من انحسر الدرب عن خطواتهم حتى بدت سوأة التيه، المصغون للفراغ؛ أغنيتهم الوحيدة، تشربوا المسافات حتى فاضت الدروب من أقدامهم، ها جواربهم شاهدة على نفسها، حين يرفونها تمتد طرقًا جديدة، وحين ينقعونها في الماء تأبى إلا أن تطفو ممسوسة بعدوى الجسور التي عبروها، جوَّابو الآفاق الممتحنون بالذكريات المزمنة، والرفاق المعلقة صورهم في غرف كانت قديمًا دكاكين لبيع التوابل، كم ليالٍ أقاموا في فنادق العراء بسماواتها المرصعة بالنجوم، ليس هناك ما يربكهم ليعيدوه إذا غادروا إلى الأبد وهم يسمعون قلقلة المفاتيح في جيوبهم، وليسوا بحاجة أن يقولوا لموظف الاستقبال بإنجليزية بمخارج حروف عربية: بليز شيك آوت، أنضم إليهم في ساعة متأخرة من الليل وحينما لا أجدهم أهرع باحثًا عنهم في القواميس والأفلام الوثائقية، لكنني أعرفهم، يكرهون مفردة زوم؛ لأنها وشاية على موائد السوشَل ميديا، هم تهمتي ولغتي المطرودة من مجامع اللغات الرصينة، هم أناي الوشيكة على التلاشي، واحدي الكثيرون على لغتي، وفي الصباح أصطف معهم نلتقف الخبز كما يلتقف الجنود أسلحتهم، إلا أننا لا نعيده في المساء إلا قصائد وقهقهات في الزقاق الواسع، ملابسهم كملابس أبطال أفلام الكرتون لا يغيرونها حتى الحلقة الأخيرة، لم تسعفهم خفتهم لأن يكونوا قوارب أو أجنحة، المشاؤون في الظلم لصق الحوائط، وليسوا هم اللصوص.

٩/٩/٢٠٢٢م