منال العويبيل: كتابة السيناريو كانت تحدّيًا مغريًا لانتقالي من مقعد المُشاهِد المنتقِد إلى الكاتب المساهم في موجة التغيير

منال العويبيل: كتابة السيناريو كانت تحدّيًا مغريًا لانتقالي

من مقعد المُشاهِد المنتقِد إلى الكاتب المساهم في موجة التغيير

منال العويبيل سيناريست ورسامة وشاعرة، لم تبدأ نشر أعمالها إلا بعدما آمنت بأن التجارب أنضجتها، ومنحتها الفرصة كي تتقاطع مع ما تكتبه عوضًا عن التوازي معه. تؤمن العويبيل بأن الأفلام تعيد تشكيل وعينا وقد تغيره كلما تعمقت في واقعيتها، وأن الفنون تحمل سبلًا للعلاج والاستشفاء. برزت مشاركاتها ضمن لجان المسابقات ومنها المشاركة في تقييم مسابقة «أقرأ» لعامين، وكذلك في لجنة مسابقة الأفلام السعودية. في المجال الفني أنجزت عددًا كبيرًا من اللوحات الرقمية إلى جانب تصميم أغلفة الكتب، وقد أثمرت رحلتها مع الفن التشكيلي عن مشروع خاص يحمل اسم (Manalines Art)، وعلى الرغم من كل ما أنجزته فهي لا تزال ترى أنها تتعلم وتطور مهاراتها كي تصنع اسمًا لافتًا ومجدًا مأمولًا بتأنٍّ وتريث. «الفيصل» التقت الكاتبة والفنانة منال العويبيل وحاورتها حول تجاربها المتنوعة وموضوعات أخرى.

أدوار متكاملة

  سيناريست ورسّامة وشاعرة، كيف تتنقلين بين هذه الأدوار المختلفة وتشكلين نتاجك بحسب متطلبات كل منها واختلافه عن الآخر؟

  لطالما ظنَّ المراقب من الخارج أنها أدوار متوازية تصيبني بالتشتت وإهمال جانب لحساب آخر، لكنها بالنسبة لي -وأنا أنظر لها من داخلي- متكاملة، بدأت بشغف الرسم عبر تقليد اللوحات المعلّقة في البيت، والرسومات التصويرية في قصص المكتبة الخضراء، ومحاكاة كاريكاتيرات الهليل والوهيبي في الصحف. تلك المحاولات المتكررة التي تنهي صفحات كراسة الصف في أقل من أسبوع، معرّضةً نفسي للتوبيخ المتكرر من أمي والمعلمة.

منذ وقتٍ مبكر تعلّمتُ الانتقال السلس من حصة التربية الفنية إلى حصة التعبير، وهو الأمر الذي أمارسه بنفَسٍ أطول بين الرسم وأطوار الكتابة بأشكالها كافة. من جانبٍ آخر عانيت لمدة طويلة من التأنيب والنصائح المستمرة حول ضرورة التركيز على مجالٍ واحد، لكني انتصارًا لنفسي تمسكت بهم جميعًا. أما عن كيفية التنقل؛ فأنا أتركها بحسب خيارات فائض الوقت وميل المزاج والاشتغال على مشروعٍ معين، مع الحرص على تفعيل المجالات الثلاثة لمساندة بعضها بالحس البصري أو الوصفي.

  أضفتِ إلى عالم الكتابة رؤية تخصك؛ إذ رسمتِ في نصوصك مشهدًا بصريًّا تتشابك فيه الأسئلة فجاء إصدارك الأول «العلاج بالكتابة.. الحياة باعتبارها مصحًّا جماعيًّا»، كيف تمكنتِ من إعادة تشكيل الواقع بشعرية يقظة؟

  في عام ٢٠٠٧م، أعددت مسودة لديواني الأول، كانت حصيلة تجربتي العشرينية في كتابة الشعر وقصيدة التفعيلة وبعض الومضات المرتكزة على قصيدة النثر، لكني ظللت أؤجل النشر مرة بعد أخرى شعورًا بالانفصال عما هو مكتوب. لقد أحببت ما كتبت حينها، لكنه لم يمسني كحالة نيرفانا أو أنه احتاج لاختراق صدري خروجًا للقارئ. وبالتالي ألغيت المشروع واخترت التمهل، وصولًا إلى ٢٠١٧م حيث آمنت أن التجارب أنضجتني، ومنحتني الفرصة أن أتقاطع مع ما أكتب عوضًا عن التوازي معه، كنت حينها قد أكملت سبعة أعوام من تعلم واحتراف صنعة السيناريو، التي ساهمت في اتساع المشهدية لديّ كأداة للكتابة الشعرية.

  إذا كانت الكتابة سبيلًا للعلاج المعرفي حيث خلصتكِ من القلق الاكتئابي، فما أثر القراءة في ذلك؟

  حينما كان يطبق عليّ القلق أذكّر نفسي بأمر وحيد: على أحدنا أن يغلب الآخر، فقررت استغلاله، معنى أن تقلق هو أن تدخل إلى أفكار رأسك كما لو كنت تسير في حقل ألغام، ولكنّ مواجهتها سبيل حقيقي لتفكيك اللغم. وفي حالتي تحديدًا تحولت الأفكار إلى نصوص شعرية، كما أني كتبتها صراحةً في مقدمة ديواني «العلاج بالكتابة.. الحياة باعتبارها مصحًا جماعيَّا» أني أكتب لأنجو.

موجة التغيير

  ما المؤثرات التي أسهمت في تكوين توجهاتك الأدبية والسينمائية؟

  فضولي نحو تفاصيل الحياة يأتي في مقدمتها. مرّ بنا جميعًا ذلك الطفل الفضولي الذي لا تنتهي أسئلته، أنا مرّ بي مثلكم لكنه تلبّسني واستمر يلح عليّ لمشاهدة المزيد من الأفلام، والاستماع إلى موسيقيين جدد، وقراءة كتب أكثر. كل ذلك كي أكتب وأرسم أكثر وأجود. أضيف إلى ذلك كليشيه لا غنى عنه وهي «القراءة النوعية»، التي قد يظن بعضٌ أنها قابلة للإزاحة عبر مشاهدة وثائقي جيد، أو زيارة معرض فني، لكنها أقرب إلى ممارسة الرياضة، إذا ما انقطعت عنها ستجد أنّ لياقتك الذهنية ترهلت. أمر أخير سيبدو ادعاءً للتواضع، لكني سأغامر وسأقولها: لم ولن أرى نفسي يومًا أني قد وصلت، بل سأظل في خضم الرحلة للأبد، وهو الأمر الذي هذّب اشتغالاتي بشكلٍ وازنني في مجالات الحياة كافة.

  عملتِ مع قنوات تلفزيونية رئيسةً لورش كتابة سيناريو لمسلسلات وبرامج مختلفة منذ ٢٠١٠م، كيف تمكنت هذه الورش من تحسين مستوى الإنتاج التلفزيوني والارتقاء به؟

ثامر الصيخان

  بدأ هذا التوجه بفكرة طموحة من المخرج ثامر الصيخان لضمّ كتّاب وكاتبات محليين لخلق حراك درامي يعبّر عن الواقع المحلي، ووجدت دعمها من قناة «mbc» لتطوير الإنتاج التلفزيوني الذي كان حينها معتمدًا على أصوات محلية محدودة، أو يلجأ إلى الاستعانة بكتّاب من خارج البيئة. لقد كان تحديًا مغريًا لي للانتقال من مقعد المشاهد المنتقد إلى الكاتب المساهم في موجة التغيير. قبلت التحدي وتدرجت في التدرب والتطور وصولًا إلى ترؤس ورش الكتابة. أرى أنها موجة نجحت في أهدافها، وساهمت في اكتشاف أسماء أضافت وارتقت بما يقدَّم.

إنَّ الكتابة التشاركية أحد الأشكال الإبداعية الموجودة في مختلف المجالات، سواء على مستوى الأبحاث أو الأدب والترجمة، وتعزَّزَ حضورها عبر تكريس مفهوم غرف الكتابة الموجودة في القنوات والأستوديوهات الأميركية والأوربية، ويتم عبرها ابتكار الفكرة أو تطويرها، وتأليف القصة وتقسيمها إلى مشاهد ومنعطفات درامية، ورسم الشخصيات، وصولًا إلى كتابة العمل وتحريره لتقديمه إلى فريق الإنتاج.

  هناك من يقول: إن غياب النص الجيد هو سبب ضعف بعض الأعمال الدرامية السعودية. كونك كاتبة نص كيف تنظرين إلى وجهة النظر تلك؟

  ما إنْ تخرج مسودة السيناريو الأخيرة من الكاتب حتى يتحول عمله إلى شراكة يتحمّل مسؤوليتها جميع الأطراف ذات العلاقة كفريق فني وإنتاجي. ولو اخترت الموافقة على المقولة المذكورة: ماذا عن النصوص التي يتفق موثوقون على جودتها، ثم تخرج بصورة صادمة! لا أنكر وجود نصوص ضعيفة في أعمالنا المحلية لكنها ليست السبب الوحيد للضعف. نحتاج عوضًا عن تبادل الاتهامات إلى شراكة احترافية مع جميع أطراف العمل، تنقّح وتجوّد وتسعى إلى الخيار الأفضل لكل مشروع كتابةً وإنتاجًا وإخراجًا ونقدًا.

تجارب متعددة

  أيهما أكثر متعة للمؤلف؛ الكتابة لقارئ سيقرأ كتابًا، أم الكتابة لمشاهد سيرى فِلْمًا؟

  بحسب الغاية التي يصبو إليها المؤلف. جرت العادة على أن كل مؤلف يبيّت لنصه نية خاصة يبني عليها العمل. فلا يمكن له أن يكتب رواية لغرض تحويلها إلى فِلْم من دون أن يُخلص ابتداءً للسرد وقارئه، ومن ثم في مرحلة لاحقة تُدرس إمكانيات التحول إلى فِلْم. لكننا إذا تحدثنا على مستوى المتعة المحضة فلكلٍّ خيار متعته الخاصة.

  تخصصتِ أكاديميًّا في مجال الفنون بجامعة الملك سعود، وأنجزتِ عددًا من اللوحات في التجريد والفن الرقمي إلى جانب تصميم أغلفة الكتب، وقد أثمرت رحلتك عن مشروع خاص للفنون البصرية يحمل اسم (Manalines Art). ماذا أضاف إلى تجاربك السابقة؟ وما الذي يميزه؟

  أدين لدراستي الجامعية بالكثير، فقد طوّرت فني وذائقتي وملكات البحث الفني والنقد والفلسفة، كانت رحلة تعمق في الفن والذات والتجويد الفني بشكل فردي وجماعي مع الزميلات، ما زلت أشعر بأثرها. ومع ذلك، بعد دخولي سوق العمل بعد الجامعة، في مجالات بعيدة نسبيًّا، توقفت لمدة عن ممارسة الفن واكتفيت بالتذوق، وبعد مدة غلبتني رغبة عاصفة في العودة فكان خياري الرسم الرقمي، وشاركت في عدد من المعارض المحلية والإقليمية، وكانت الأصداء غامرة ومذكّرة لي بعدم التوقف.

  بمَ يختلف الفن الرقمي عن غيره من الفنون التقليدية تلقّيًا وإبداعًا؟

  الفن الرقمي لا يختلف عن أي فن آخر سوى في استخدام التقنية في العملية الإبداعية. ونشأ منذ عام 1960م، وليس كما يظن بعضٌ أنه فن حديث. لكنه سمي بتسميات مغايرة، كفنّ الوسائط المتعددة، ويمر بجميع المراحل الإبداعية التي يمر بها غيره من حيث ابتكار المفهوم وتطويره وتنفيذه، ثم عرضه على الجمهور، وتكمن أكبر إشكالياته مع المتلقي في التمسك بالطرق التقليدية للتعامل مع الفن.

  من خلال مشاركاتك في الصناعة الفنية كيف تقيمين علاقتك بالمشهد الدرامي وكيف تنظرين إلى تجربتك فيه؟

  ما زلت رغم مرور ما يزيد على عشر سنوات من دخولي مجال كتابة السيناريو أجد نفسي أتعلم وأطور مهاراتي وأصنع اسمًا ومجدًا مأمولًا بتريث. وفي رأيي، في الوقت نفسه الذي ننمو فيه كأسماء إبداعية نعايش سوقًا ناشئًا يتطوّر ويطوّرنا معه. كما أني مؤمنة أن المتلقي المحلي أحد أذكى المتلقين حول العالم، لضخامة حجم وتنوّع استهلاكاته الفنية، والثورة التقنية عبر منصات البث ودخول الاستثمار الإقليمي والعالمي للسوق السعودي كفيل بتحسين المنتَج المرئي.

  غالبًا ما يتبادر إلى الذهن السؤال: من المالك الحقيقي للعمل الفني؛ الذي يكتبه أم الذي يخرجه؟

  هي شراكة متكاملة وكلٌّ حسب دوره، فللكاتب حق الابتكار وكتابة وتطوير النص، وللمخرج حق رؤيته الفنية، وتتوسع الدائرة بدخول المنتج والطاقم الفني.

السينما والتغيير

  هل يمكن الاستشفاء بالأفلام وتطبيب الروح بما تقصُّه؟

  الفِلْم كائن حي، ينقلنا في رحلة تأمل ويقظة عبر الدراما وأحيانًا تَخَفُّف عبر الكوميديا. نشعر -عبر الأعمال الجيدة تحديدًا- بكل المشاعر الغامرة التي قد تجعلنا نغير رأيًا، أو نكتشف عالَمًا. الفنون في رأيي ليست مجرد ترفيه، وفي مرحلة سابقة تقاطعت مع عدد من البحوث الخاصة بالاستشفاء عن طريق مشاهدة الأفلام، وتشير المصادر إلى أنه ظهر لأول مرة في عام 1990م على يد الباحث إل بيرج كروس، الذي يتضمن برنامج مشاهدات ممنهجة للأفلام، يوجهها المختص النفسي لأغراض علاجية، تضمن تأمّل الحالة للفِلْم، ومناقشته مع المعالج، حيث تثير مجموعة العناصر الموضوعية، كالقصة والموسيقا والحوارات والإضاءة والصور، مشاعر عميقة لدى المشاهدين، وتوفر منظورًا جديدًا للأحداث الخارجية تساعد في خطة العلاج، فإن كنت لا أراه كفيلًا بالعلاج النفسي بشكل مستقل، فإني أُومِنُ بمساندته له.

  مشاركتك في فِلْم «بلوغ» عبر قصة «المرخ الأخير» تُعَدّ أحد أشكال توثيق قصص النساء في أدوارهن المختلفة، إلى أي درجة يمكن للأفلام أن تتخذ وسيلة لتشكيل الوعي وتغييره؟

هند الفهاد

حينما تواصلت معي مخرجة العمل هند الفهاد لخلق قصة نسائية محلية كجزء من فِلْم أنثولوجي حضرت في رأسي مباشرة جدتي هيا، المشخصة بمرض الزهايمر. أردت إرسال تحية خاصة لها عبر رحلة نسياناتها الحالية، في وقت كانت هند تتأمل منذ مدة عوالم المعالجات الشعبيات اللاتي يطلقن عليهن «الممرخات» وطقوس العلاج، فكانت القصة، وطورت ما يصل إلى ثلاث عشرة نسخة من النص وسعدت بتحديه ظروف حجر كورونا وظهوره إلى النور بدعم من مهرجان البحر الأحمر عام 2021م. أرى أن الأفلام تعيد تشكيل وعينا وقد تغيره كلما تعمقت في صدقها وحضرت بصوتها الحقيقي.

  كتبتِ بعض الأفلام الروائية مثل فِلْم «نفق طوارئ» الذي حصد جائزة لجنة التحكيم في مهرجان الأفلام السعودية بجمعية الثقافة والفنون في الدمام، فإلى أي مدى تنجح الجوائز والتكريمات في دعم العمل المتميز والكاتب المبدع وتشجعه على إنجاز أعمال أخرى؟

  في أحيان كثيرة تأتي الجوائز والتكريمات الخاصة بالنص السينمائي غير المنفذ لتكون أداة تحويله من ورق إلى لحم ودم، لكنها في أحيان أخرى لا تقوم بذلك. وهذا ما حصل معي في نص «نفق طوارئ» الذي نال التكريم لكن تَحَفَّظَ عدد من الجهات على تنفيذه؛ بسبب حساسيته الاجتماعية كما قيل.

● كيف تنظرين إلى إقبال السعوديات على مجال السينما ممثلات كن أم مخرجات؟

  الإقبال مثير للحماسة والترقب لخروج أصوات فنية محلية أصيلة تعبر عن قصصنا وعوالمنا بشكل حقيقي ومغاير، والتوسع في دخول السوق يعني ارتفاع سقف المنافسة التي ستخلق جودة فارقة وقريبة.

الفنانة زهرة الغامدي: الفن تجاوز حدود البرواز الذي كان يسيطر على التفكير باستمرار

الفنانة زهرة الغامدي: الفن تجاوز حدود البرواز الذي كان يسيطر على التفكير باستمرار

يقف المتلقي لأعمالها الفنية مندهشًا، وهو يتأملها محاولًا أن يصل إلى فكرة كل عمل ومضمونه. الفنانة الدكتورة زهرة الغامدي حصلت على شهادة البكالوريوس في الفنون الإسلامية من جامعة الملك عبدالعزيز، ودرجة الماجستير في الحرف المعاصرة من جامعة كوفنتري في إنجلترا، كما حصلت على شهادة الدكتوراه في التصميم والفنون البصرية من الجامعة نفسها، وتعمل حاليًّا عضو هيئة تدريس في قسم الرسم والفنون في كلية التصاميم والفنون بجامعة جدة. تحدثت زهرة الغامدي لـ«الفيصل» حول تجربتها وحول متغيرات الفن المعاصر وخصوصية جمهوره، وعلاقته بالمكان والزمن وتسمياته الطريفة.

رؤى وأساليب

تعتمد الغامدي على التصاميم في تعابيرها الفنية، فهي تركز على الأسلوب التجميعي التركيبي وفن الأرض، ومن خلال فنّها استطاعت أن تربط بين الهوية الثقافية الوطنية وبين تلك المفاهيم إنسانيًّا وعالميًّا. حول هذا الجانب تقول: «كل أعمالي الفنية بلا استثناء تعبّر عن هويتي الثقافية، ولكن الاختلاف هنا يكمن في كيفية نقل هذه الهوية برؤية مختلفة ومعاصرة، بحيث أستطيع أن أجمع بين الماضي والمعاصر برؤية مستقبلية؛ لذا فإن أغلب المفاهيم التي أتحدث عنها من خلال أعمالي تلامس واقع الإنسانية».

أسماء وعناوين

  سألنا الفنانة الدكتورة زهرة الغامدي حول عناوين وتسميات أعمالها غير المألوفة، فهي في الأغلب ذات مفاهيم سردية حكائية أحيانًا، مثل «الأفطورة الجارية» و«القرية الهامدة».. فهل تحرص الغامدي في تسميات أعمالها الفنية على أن تكون بمعانيها أقرب إلى وعي المتلقي غير العربي؟

  عن ذلك قالت الغامدي: «ليس كذلك تمامًا، فأنا عندما أفكر في تسمية العمل، فإنني أفكر في كيفية جعله يبدو حقيقيًّا وواقعيًّا، بحيث يمكن إيصال رسالتي بدلًا من شرحه؛ لذلك فأنا أسمي عملي باللغة العربية قبل الإنجليزية؛ إذ أفكر في أن من سينظر إلى عملي، إنسان، فأركز على إثارة التساؤلات في داخله». وبخصوص عملها الإبداعي الذي يحمل عنوان «القرية الهامدة»، ذكرت: «هذا العمل يعبر عن قرية تحولت إلى مقبرة عندما هجرها سكانها، ويُعَدّ هذا العمل من الأعمال غير الدائمة، بمعنى أنه بعد عرضه فإنه يُزال، ولا يمكن الاحتفاظ به إلا عن طريق تصويره، وكانت الصدمة أن هناك أثرًا إيجابيًّا ودهشة عند كثير من الحضور، سواء من الفنانين أو المحبين للفن تجاه هذا العمل الفني».

وقالت أيضًا: «من هنا بدأت أُومنُ بأن للفن المؤقت تأثيرًا كبيرًا على متلقيه، وعلى الرغم من عدم استمراريته، فإني بذلت أقصى جهدي من أجل المحافظة على استمرارية عرضه، رغم بعض الصعوبات التي واجهتها في المعارض؛ لأن أعمالي في بداية عرضها لم تكن ذات مردود مادي، إلا أن إيماني بأن الرسائل التي أوجهها من خلال أعمالي، سوف يكون لها وقع مؤثر على المدى البعيد، وهو ما أدى إلى ديمومتها، لأن أعمالي ليست صورًا طبق الأصل من الواقع، وإنما تعبّر عن أحاسيس ومشاعر موازية أصيلة، مستمدة من ثقافتي وبيئتي، وتعبر عن حقيقة ورؤية معاصرة».

عزلة للتأمل

من أجل أن يتحقق التنويع في التغذية البصرية والجمالية، فلا بد من مواصلة البحث والاطلاع، إضافة إلى التأمل والتفكر والعزلة في المكان الفني الشخصي، هذا ما تؤمن به الدكتورة زهرة الغامدي. أما عن نتيجة ذلك المناخ الصوفي نوعًا ما، بالنسبة لها وأثره في عملها، فترى أن كل عمل نقوم به يتأكد لها بعد ذلك أن الأجواء التي كانت تحيط بالعمل هي الأساس في نجاحه، «فجلوسي مع العمل بمفردنا، والتحدث مع نفسي في أثناء بنائه، وسماع الموسيقا التي تتغير مع تقدمي في إنجاز العمل، كل ذلك يسهم في إظهار متغيرات العمل وأنا أشتغل عليه خطوة بخطوة، ولقد وجدت كثيرًا من الجمهور ومتذوقي الفنون يدركون تحولات الشعور عند رؤية أعمالي الفنية».

ولادة مكان

من بين أعمال الدكتورة الغامدي المهمة، عمل بعنوان «ولادة مكان»، بأسلوبه التركيبي الموثق لتراث مدينة الدرعية، الذي صنعته الغامدي ليكون ضمن أعمال النسخة الأولى في بينالي الدرعية للفن المعاصر.

عن هذا العمل المميز الذي يتعايش فيه كل من المكان والزمان، قالت: «يرتكز ولادة مكان (2021م) على التراث العريق لمدينة الدرعية، التي تقع على الضواحي الشمالية الغربية لمدينة الرياض. أنجزت هذا العمل بتكليف من مؤسسة بينالي الدرعية، عبّرت عن حنيني للمعالم التراثية وللمدينة كلها، تلك التي بدأت تزحف إليها الأحياء الجديدة بمعالمها العُمرانية المغايرة، لقد استوحيت فكرة هذا العمل من التبايُن الواضح بين الأشكال الطبيعية والصناعية في المنطقة، وترجمتها إلى سمات فنية تجسِّد التراث الآخذ في التراجُع، وخلال تجهيزي للعمل، قضيت بعض الوقت في التجوُّل بين المنازل الطينية المهجورة في الدرعية، متأمِّلةً في مفارقاتها التاريخية وخَوائها المُوحِش، إضافةً إلى تشبعي بإحساس الاضمحلال ثم الانبعاث إلى الحياة من جديد. تذكِّرني التشكيلات الطينية في هذا العمل الفني بالتطوّر العمراني السريع الذي تزامن مع تطوّر المدن، وتحديدًا جهود المملكة لإحياء الفنون المعمارية المُصاحِبة للنهضة التي تشهدها البلاد».

جرأة فنية

في بعض الأحيان يتحتم على الفنان أن يصنع عملًا فنيًّا شجاعًا وجريئًا، بحيث يعبر عن رأيه وموقفه، ترى الغامدي أن «هذا يحدث عندما يكون رأي الفنان نابعًا من تجربة حقيقية عاشها».

وحول المدى الذي يمكن للفن أن يعكس شخصية فنانه، وبخاصة في ظل ما نلحظه من تشابه ونمطية في كثير من الأعمال الفنية السابقة، تلفت الغامدي إلى أن: «التشابه وارد في كل أنواع الفن ومجالاته، سواء في الماضي أو الحاضر، ويحتاج التميز والتفرد أن يشق الفنان طريقًا خاصًّا به، ويحتاج كذلك إلى صبر ومحاولات وتجارب مستمرة، ليجد الفنان نفسه في النهاية ويكتشف ذاته وأساليبه». وفي عملها «الذاكرة المتجسدة»، الذي عرضته الغامدي، تقول: «لقد اتكأت على فهم الأشياء، والإيمان بأن لكل شيء روحًا وأحاسيس، سواء كان من الجمادات أو الكائنات الحية، وعليّ أن أعبر عنها، وعن شعوري نحوها».

ثورة فنية

لا شك أن السعودية تعيش الآن ثورة فنية، وبخاصة في ظل الاهتمام القوي والعميق المتمثل في وزارة الثقافة، ومؤسسة «مسك»، ومركز إثراء، وأيضًا المؤسسات التجارية المتمثلة في المعارض. ترى الغامدي أنه «من بين أبرز المؤسسات التي تعمل على الارتقاء بالفن وتعزيز دوره؛ المجلس الفني السعودي، الذي بدأ من عام ٢٠١٤م حتى عامنا هذا، حيث يقيم حدثًا فنيًّا كل عام في شهر فبراير، يحضره ما لا يقل عن ٢٠٠ زائر من خارج المملكة، ويشارك فيه مجموعة من الفنانين السعوديين ومن دول الخليج والوطن العربي، هو بحق يمثل نقطة التقاء تجمع الفن في السعودية مع العرب والعالم، وكان للمجلس أيضًا أثر عظيم فيَّ كفنانة، فمن خلاله استطعت أن أعرض أعمالي في دول الخليج، وكذلك في عدد من المعارض الدولية. لقد أصبح هناك حراك قوي ومشاركات بين المعارض داخل المملكة وخارجها، وصار هناك تعاون بين الفنانين، كما أصبح هناك جدولة لنشر الأعمال وإقامة المعارض، وتعاون مشترك بين المؤسسات الفنية والمسؤولين القائمين على الفن. أذكر في هذا الصدد، على سبيل المثال وليس الحصر، آرت جميل والسركال أفنيو وآرت دبي، فمن خلال هذه المعارض وغيرها استطاع الفنان السعودي أن ينتقل إلى العالمية».

تجربة الفن مع الأطفال

عن تجربتها الفنية مع الأطفال والمراهقين، وكيفية مخاطبتها لمشاعرهم وخيالهم كي تجذبهم نحو عالم الإبداع والفن التشكيلي في سبيل إيجاد ثقافة فنية متطورة، صرحت الغامدي بأن تجربتها مع الأطفال تقوم على مشاركتهم في استلهام الأفكار واختيار الخامات ومزجها، وأضافت: «في المعارض الفنية خلال العرض يكون هناك زوار من فئة الأطفال والمراهقين، وعادةً ما يوجهون أسئلة كثيرة إلى الفنان، وعلى الفنان أن يكون صبورًا لأبعد الحدود في تلقي الأسئلة، وشرح العمل الفني بطريقة سهلة وواضحة حتى يمكن للطفل أن يستوعب العمل الفني بخياله وتفكيره، أما أجمل شيء عند الانتهاء من الحوار معهم، هو حين أسمعهم يقولون: إذا كبرنا.. سنكون مثلك».

وحول ضرورة الاهتمام بفنون الرسم لدى تلك الفئة، من أين يُفتَرض بنا أن نبدأ؟ هل ما زالت المدارس هي الحاضنة الأولى أم إن هناك حواضن متعددة لتحقيق هذا الغرض؟ توضح الغامدي: «قد يكون مجالي بعيدًا قليلًا من الرسم للأطفال أو إقامة معارض مخصصة لهم بشكل خاص، ولكن من خلال تدريسي لطلاب الجامعة فإنني أعتقد أنه من الأفضل أن نبدأ من المدارس؛ لأننا وجدنا أن المعارض التي تُقَام للطالبات في الكلية مفيدة للغاية لهن، وتنقلهن إلى مرحلة متقدمة من الإبداع والنبوغ الفني، كما أنها تؤهلهن للعرض خارج أسوار الجامعة».

وحول اقتناء العمل الفني بحيث يكون له موقعه المناسب في البيت، لفتت الغامدي إلى أن «هذا ليس صعبًا، وإنما الصعوبة تكمن في فهم الأمر ثقافيًّا. هناك أسئلة كثيرة لا بد من إجابتها: كيف يمكنني أن أقتنى العمل الفني؟ ولماذا أقتنيه؟ وما الهدف من اقتنائه؟ وما نوع العمل المُقتَنَى؟ قد تكون الإجابة على هذه الأسئلة صعبة؛ لذا يبدو الاقتناء صعبًا».