سلفادور دالي: منحني الجنرال فرانكو أعلى وسام يمكن أن يُمنح لفنان حي

سلفادور دالي: منحني الجنرال فرانكو أعلى وسام يمكن أن يُمنح لفنان حي

هذا الحوار هو الأول من مجموعة حوارات مع الرسام الإسباني السوريالي الشهير سلفادور دالي، أجراها معه صديقه الشاعر والروائي والناقد الفرنسي آلان بوسكيه، وضمها في كتاب نشره عام 1966م بعنوان: «حوارات مع دالي». تتغير الموضوعات في هذا الحوار بسرعة من السياسة إلى الرسم، فرنسا وأميركا وروسيا،… إلخ، وموقفه من المشهد الفني الفرنسي، وبيكاسو ومعاصريه من الرسامين. نلحظ في الحوار طريقة دالي الفريدة في الإجابات الغريبة والصادمة، أو المستفزة بشكل مضحك أحيانًا. ونلحظ أيضًا كيف يحاول بوسكيه أن يأخذ منه إجابات أكثر جدية ووضوحًا، فلا يستطيع تفادي الفخاخ التي ينصبها له دالي والمراوغة بسهولة. هذه الترجمة عن الترجمة الإنجليزية التي قام بها خواكيم نيوجروشل وصدرت عام 1969م في الولايات المتحدة.

شقة فاخرة في فندق موريس في شارع ريفولي فوق [حديقة] التويلري. سلفادور دالي، يرتدي بدلة زرقاء داكنة بخطوط عريضة، شاربه لامع، ولا يزيد طول جزأيه على بوصة ونصف. الأثاث من النوع المحايد والمريح الموجود في الفنادق العالمية الفخمة. قناع نحاسي على رف المدفأة يحمل ملامح آخر ملوك إسبانيا: يبدو ألفونس الثالث عشر شابًّا بشكل مدهش؛ أسفل النماذج، تواريخ زيارتهم للفندق. في مكان آخر، الهيكل العظمي لطائر أبو ملعقة مع رسم واقعي لدالي بالقرب من المرآة. هيكل عظمي للأفعى الجرسيّة على الجانب الآخر من المرآة نفسها. تتناثر على الأثاث قطعٌ من مادة بلاستيكيّة تعكس الأشكال المتراكبة التي تصدرها الآلات الإلكترونية، أشكالًا تنتج خدعًا بصرية غير عادية: هكذا يكون لدى المرء انطباع بالوقوف أمام مرآة عميقة للغاية ذات دوائر بعيدة وأشكال بيضاوية. علاوة على ذلك، هناك أشكال شبيهة بالبيض معروضة في المقدمة، ويبدو للوهلة الأولى أنها في منتصف الغرفة تقريبًا، بينما في كلتا الحالتين لدينا بالفعل مستويات سطحية. يوقّع دالي على المنقوشات التي سلمها إليه بيتر مور، شاب في الثلاثينيات، ولقبه الدقيق «المُلحق العسكري». من وقت لآخر، يأتي أصلوت [قط بري يشبه النمور] ساحر ورائع يرتدي كمامة وهو يتجول آتيًا من الغرفة المجاورة، وهو ما يجعل المتسللين يرتعدون. يدخل المرء إلى منزل دالي وكأنه يشتبك مع طاحونة هوائية في [دون كيخوته] سرفانتس. قبل المقابلة، يفضِّل دالي إجراء بعض المحادثات شبه العامة، على أمل أن تزوِّده الهَبهَبة بمادة للانفجارات اللفظية. يضيف أنه يتوقع قدوم «علماء ذرة، فيزيائيون، باليرينات، وبعض المجسّات عالية الجودة».

دالي المقدس

  دالي، نعرف بعضنا لثلاث وعشرين سنة. أنت إرهاب مُقدس، وحشٌ مقدسٌ*. أنتَ على الأرجح وحشٌ. ومع ذلك تدعو نفسك «دالي المقدس».

  أطلق عليَّ هذا اللقب أحد أعظم كتّاب إسبانيا المعاصرة. قال: إن دالي تجب مقارنته بريموند لول**، وأضاف أني [إعادة] تجسد لول. وهو معروف بـ Doctor Illuminatus [الدكتور المستنير] وعالِم كبير الملائكة. لكن نظرًا لأن الكُنية الأخيرة معقدة جدًّا، فقد استقروا أخيرًا على مناداتي بـ «القدسي».

  من فعل؟

  الداليون.

  من هم؟

  الأشخاص الذين يلصقون بي، ظاهريًّا لأنني أستطيع تزويجهم من أمراء، أو أجعلهم يحصلون على دور البطولة في فِلْم، أو ببساطة التقاط صورتي معهم. إنهم متسلقون. ما يسميه الفرنسيون وصوليين.

  وصوليون يستغلون هالتك؟ كيف توافق بتلك السهولة على أن يهبك الآخرون تلك القدسية؟ ترغب أنت نفسك أن تكون وصوليًّا، أليس كذلك؟

  وصولي له ثأر.

  ماذا عن طفيلياتك؟

  أنا بخيل على نحو فظيع، وأستفيد منهم أكثر مما يستفيدون هم. يعطون ويعطون، وأربح كثيرًا، بحيث يكون الرضا متبادلًا.

  اسمح لي أن أكون صريحًا تمامًا معك يا سلفادور، وأخبرك بما تمثله لبعض المثقفين في جيلي. أما أنا فأرى أنك الرجل الذي اخترع البارانويا النقدية في وقت كانت فيه السريالية تنزلق نحو الأكاديمية. لقد اخترعت الاستحَالة [Metamorphosis]: الاستحالة الإيروتيكية لشيء يتحول تدريجيًّا إلى شيء آخر، ولشخص إلى شخص آخر.

  استمر.

  ثم جاء سقوط دالي (فيما يتعلق بنا). خلال الحرب، مثلًا، اتُّهِمتَ بأن لديك ميولًا فرانكوية [نسبة إلى الدكتاتور فرانثيسكو فرانكو]. أعتقد أنه من الضروري أن أخبرك. لاحقًا، بعد الحرب مباشرة، كان لديك عدد كبير من الأعداء في باريس. اليوم، نشهد عودة إلى معظم السورياليين، وبخاصة [إيف] تانغوي وأنت. ينتقل الشباب من الرسم الإيمائي إلى نظام جديد. يعود الشباب في سن العشرين أو الثانية والعشرين إليك بمشاعر أكثر ودية، وأحيانًا في رعبٍ أيضًا.

أوغست كونت

  أنت على حق؛ لكن في أحدث اندلاعات الطليعة، اقترب الرسامون مني أيديولوجيًّا، في حين لم تعد جبال وتفاح بول سيزان تثير اهتمامهم. حتى خلال الحقبة السريالية، شعرت أن الرسام العظيم هو [إرنست] ميسونييه وليس سيزان… لطالما أعجبت بما كتبه أوغست كونت عندما أسَّس دينه الوضعي. لقد شعر أنه لا يمكننا بناء العالم من دون مصرفيين. لقد قررتُ أنا نفسي أنه من أجل سُلطتي الشخصية والمطلقة، فإن الشيء الأساسي هو امتلاك كثير من المال. وأنا أتمسك بهذا المال لأنني ربما سأضطر إلى إنفاقه: لقد منحني الجنرال فرانكو أعلى وسام يمكن أن يُمنح لفنان حي: صليب إيزابيلا الكاثوليكية.

  وقبلته دون تحفظات؟

  كنت لأخذ اثنين منهم.

دالي غير المنتمي

  تحب أخطاءك؟

  في حالتي، ليسوا أخطاء. دعنا نوضح مواقفنا السياسية [الجمع هنا للتفخيم]. لقد كنت دائمًا ضد أي نوع من الانتماء. أنت تعلم جيدًا أنني السوريالي الوحيد الذي رفض الانتماء إلى أي منظمة على الإطلاق. لم أكن قط ستالينيًّا أو مخلبًا لأي منظمة. حاول أعضاء بارزون من الفالانجا [المعسكر الراديكالي الوطني] إثارة اهتمامي؛ لكنني لم أنضم قط.

  ألم يكن النظام الإسباني عملًا متحديًا، وألم يحرجك بشدة؟

  على العكس! كانت أقل مكاسبها هي المتاعب التي أحدثتها لي. فقط الأشخاص الذين لديهم عقلية الخادم يلزمون أنفسهم [سياسيًّا]. أفضل أن أكون رجلًا نبيلًا، ولذا لا يمكنني أن أطلب أي شيء أكثر من أن أكون مُغطى بكل أنواع الميداليات.

  بما في ذلك أجهزة ثنائية الرقم لجنرال فاز في حرب أهلية ضد بعض المثقفين الإسبان مثل صديقك فيديريكو غارسيا لوركا…. أليس هذا فعل خيانة تجاه لوركا؟

  معذرةً، لكن يجب أن أوضّح لك صفة خلقية خاصة بي. بصفتي الابن البرجوازي لمحامٍ في [مدينة] فيغيراس، بدأت حياتي بخيانة مذهلة للطبقة التي آتي منها، البرجوازية؛ ومنذ ذلك الحين، كنت دائمًا أروّج لفضائل الأرستقراطية والنظام الملكي. أنا ملكي بالمعنى المطلق للكلمة. في الوقت نفسه أنا أناركي؛ الأناركيّة والملكية قطبان منفصلان ومع ذلك فهما اثنان من النوع نفسه؛ لأنّ كليهما يهدف إلى السلطة المطلقة. قبلتُ صليب إيزابيلا الكاثوليكية من يدي فرانكو، وذلك ببساطة لأن روسيا السوفييتية لم تمنحني قط جائزة لينين. كنت سأقبلها. كنت سأوافق حتى على وسام شرف من ماو تسي تونغ.

  هل مجدك ينقصه ماو تسي تونغ؟

  على الأخص ماو تسي تونغ.

  هل تدرس بعض كتاباته؟

  في الوقت الحالي أتأمل في إحدى قصائده التي ستسمح بإدخال رقصة جديدة لشباب اليوم. أهم شيء الآن هو هذا الجيل الصاعد، وأسلوب جديد… انظر فقط إلى مودموزيل أوندا على الأريكة هناك، إنها تمثِّل الجيل الأصغر. آمل أنه بحلول نهاية الأسبوع ستُعَلَّق على السقف حيث ستؤدي التواءات استعراضية فائقة خلال رقصة جديدة مصحوبة بقصائد ماو تسي تونغ.

  هل ننتهي من حوارنا السياسي بالكامل؟

  حسنًا.

  إنك تشعر براحة تامة في دور الخائن. ما هدفك؟

  على الطرف النقيض من هدف بيكاسو. أما دالي، فالسياسة له مثل كل شيء آخر، يجب أن تُحَل من خلال صورة معويّة [نسبة إلى الأمعاء]. إذا نظرت إلى أعين الناس المنتمين لليسار، وبخاصة أقصى اليسار، ستلاحظ نوعًا من التمويه الأبيض على الحواف، ما يسمى عُماص. الأشخاص المنتمون إلى اليمين، والملكيون، والرجال القاسون مثل فيليب الثاني، يقفون مستقيمِينَ بدلًا من التحرك زاحفين وليس لديهم أي علامة فيزيائيّة تدل على التعاطف البشري -وهي خصلة غير مجدية تمامًا. لدى الاشتراكيين الراديكاليين، والشيوعيين، وكل الجناح اليساري، إفراز مستمر يتشكل في العين وينبع من حبهم للإنسانية. أوه، كم يحبون الإنسانية! يعزفون على أوتارها ويسكنون إليها باستمرار. أنا أحترمهم لأنه في بلاط الملك يجب أن يكون هناك كثير من أتباع سارتر. ويفضل إلقاء قنبلة على الملك من حين لآخر حَفْزًا له.

دالي الأميركي

  بافتراض أنك يميني ومؤيد للنظام الملكي، أراه تناقضًا منك أن تقضي نصف عام في [دولة] ديمقراطية مثل الولايات المتحدة، سواء كانت فاشلة أم لا. كنت أعرفك هناك في البداية، وما زلت في العنوان نفسه، فندق فخم على زاوية شارع فيفث أفينو وشارع فيفتي فيفث.

  أخلاقي الاستثنائية لا تُخطئ. أنا أعيش دائمًا حيث يوجد أكبر قدر من المال.

  لكن هل هذا سبب كافٍ للعيش في أميركا؟ لقد انتهى بك المطاف هناك مصادفة؛ أليس كذلك؟

  كان ذلك قبل خمسة وثلاثين عامًا. أنا أعيش هناك الآن لأنني دائمًا في وسط شلال من الشيكات البنكية الذي يستمر في التدفق مثل الإسهال. إضافة إلى ذلك، فإن أميركا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحقق تقدمًا هائلًا في تقنية العلوم السيبرانية [علم التحكم الآلي] بالجوار. وفي هذه اللحظة خاصة في نيويورك، يعمل الناس على خلودي الدنيوي. يقوم متخصصو السبات [التجميد الجسدي] بإعداد أسطوانات مُعقّدة لإطالة متوسط عمري المتوقع بشكل كبير. أنا مجرد إنسان.

  إلى أي مدى أنت منخرط حقًّا في الحياة في نيويورك؟

  أرى عددًا كبيرًا من المصرفيين، وداليين متحمسين.

  هل سبق لك أن رسمتَ أي لوحات بالعمولة هناك؟

  قط.

فيديريكو غارثيا لوركا

  لكنك فعلت في الماضي؟

  ربما.

  هل تفخر بأنك فعلت؟

  على الإطلاق.

  أنت تعترف بأن تلك اللوحات أدنى من الأخريات.

  كل ما يهمني هو الأموال التي أحصل عليها مقابلهم.

  حسنًا، إذن لماذا يوافق «الدالي القدسي» على وضع اسمه على أشياء أقل من قدسيته؟ لديَّ لوحة معينة في ذهني، واحدة لا أهتم شخصيًّا بها: «العشاء الأخير» في المعرض الوطني في واشنطن العاصمة.

  وفقًا للإحصاءات، فهذه اللوحة التي لا تهتم بها شخصيًّا هي الأكثر مبيعًا بين جميع اللوحات الحديثة. هناك بطاقات مستنسخة منها أكثر من أي لوحة لدافنشي أو رافاييل. نجحت إستراتيجيتي: في مرحلة معينة قررت أن أرسم لوحات تكون أكثر شهرة من أي شيء آخر في العالم. كان أدائي رائعًا. أود أن أذهب إلى حد القول: إن هذه اللوحة أفضل ألف مرة من جميع أعمال بيكاسو مجتمعة. تلك اللوحة الواحدة!

  هل تشعر حقًّا أن تجاوز بيكاسو هو تمييز؟

  بالكاد، بالكاد. أنا أعدّ نفسي رسامًا متوسط الموهبة جدًّا. لطالما أكَّدت أنني رسام متوسط الموهبة جدًّا. أنا ببساطة أعتقد أنني رسام أفضل من معاصري. إذا شئت، هم أسوأ بكثير مني.

  دعنا نرجع للسياسة… سياستك بشأن الشيكات الأميركية لا ترضيني تمامًا.

  هناك شيئان: الشيك، والتقنية التي تؤدي إلى السبات.

  كيف تكون عندما تجد نفسك وجهًا لوجه مع دالي في لحظة عُزلة؟

  اسمح لي أن أنتهز فرصة مما تقوله وأقوم ببعض الدعاية لكِتاب آخر. لقد كلفني ألبين ميشيل للتو بإنجاز كتاب بعنوان: رسالة من سلفادور دالي إلى سلفادور دالي. لن يكون هناك أي آلان بوسكيه ليحتكرني؛ سيكون الكتاب أكثر حميمية، وسأقول ما يجب أن أقوله لدالي نفسه.

دالي والعالم الحديث

  ماذا تمثل لك فرنسا الجمهورية الخامسة؟ هل تبدو قابلة للتطبيق؟ هل تعدّ موسكو مثالًا على الحكمة والحصافة والمرونة الكاملة؟ هل تثير الصين إعجابك بوصفها دولة خطيرة ومثيرة؟ هل أميركا مجرد مشروع تجاري ينجح من دون أيديولوجية؟ أنا أطرح كل هذه الأسئلة مجمّعة. ما وضعك في عالم العصر الحديث؟

  لقد عبرتُ عن رأيي في اجتماع سري في جامعة العلوم التطبيقية أمام الطلاب، الذين كانوا يرتدون القفازات البيضاء والزي الرسمي. في هذه المرحلة من عالمنا، يصبح دالي ستالينيًّا أكثر فأكثر. ويصادف أن يكون هذا رد فعل تلقائي من جانبي؛ بمجرد أن يُهان أحدهم ويُداس عليه، أقيمه مرة أخرى. ستالين هو شغفي الحالي، وأعدّه أهم شخصية في عصرنا. ستالين وربما ماو تسي تونغ.

  هل يمكنك شرح ذلك؟

  صاغ ستالين الجيش الأحمر والقوة العسكرية في روسيا. إنه حدَّاد. لطالما شكَّل الحدادون الأخويات والطوائف. في اللحظة التي يصل فيها حداد من هذا النوع إلى السلطة، يصنع رموزًا ذكورية وأنثوية: المطرقة والمنجل كرموز لأيديولوجية. هذا ما فعله [الإله] فولكان في اليونان القديمة. كان فولكان هو من صاغ درع أخيل بينما كانت زوجته أفروديت يغويها أبولو.

  ماذا يكون ستالين في هذا الطوفان من التفسيرات المتشابكة؟

  كان يعتقد أنه يصيغ درع الاشتراكية والشيوعية، الأيديولوجيات التي لم تعد موجودة. زودنا ستالين بأفضل سلاح للدفاع عن الملكيات الأوربية التي ستُستعاد في غضون أربع سنوات أو خمس سنوات. سيفعل ما اعتقد القيصر فيلهلم الثاني أنه يفعله ضد ما أسماه الخطر الأصفر. أنا شخصيًّا مُغرم للغاية بالخطر الأصفر. ستكون الوتد في الحرب، وأنا أحب الحروب.

  إذن أنت تعتقد أنه سيكون هناك نوع من توحيد العرق الأبيض بأكمله؟

  بطبيعة الحال. عانى كارل ماركس نوعًا من الأوهام نفسها التي عاناها لو كوربوزييه المسكين، الذي ملأني موته مؤخرًا بفرح عظيم. كلاهما كان معماري. كان لو كوربوزييه مخلوقًا مثيرًا للشفقة يعمل في الخرسانة المسلحة. ستهبط البشرية قريبًا على سطح القمر، وتخيل فقط: ادَّعى ذلك المهرج أننا سنأخذ معنا هناك أكياسًا من الخرسانة المسلحة. يستحق ثقله وثقل الخرسانة كل منهما الآخر. بفضل أجهزة IBM، ستختفي الطبقات الاجتماعية. نحن نتقدم بشكل أكثر بطولية إلى صراع الأعراق.

  ما زلت لم تخبرني برأيك في فرنسا الحالية. إلى أي مدى تجد الجمهورية الخامسة متعفنة، متعفنة قليلًا، مفرطة الثقافة… إلخ. مهما تقل، لا تكن لطيفًا على نحو زائد!

  لا أجد الحكومة فاسدة بما فيه الكفاية. أنا أحب النظام الفاسد للغاية بحيث يكون جاهزًا لإعادة تأسيس نظام ملكي تقليدي. يجب أن تكون فرنسا أكثر تعفنًا، أكثر تعفنًا بكثير!

  أنت ترى فرنسا مقبولة إذن؟

  إدارة الجنرال ديغول هي نظام انتقالي في طريقه إلى الملكية. ستُستعاد الملكية أولًا في إسبانيا، في اليوم الذي يقرر فيه الجنرال فرانكو.

  يقرر أو يموت؟

  يقرر. أنت تعرف أنه من الصعب جدًّا الموت.

  أنت تتهرب من أسئلتي حول فرنسا. لقد عشت هنا قبل الحرب. هل يبدو لك أي شيء مختلفًا أو أقل حرية؟ فرنسا أصبحت دولة من الدرجة الثانية. كيف تجد فنها، حياتها الفكرية؟ ألم يُفقَد شيء جوهري؟

  لا شك في ذلك: الطليعة لم تعد موجودة في باريس، الآن هي في نيويورك. من بين جميع الرسامين الجدد الذين يعملون في فن البوب أو الفن البصري، فإن الأبعد والأكثر غرابة هم في نيويورك. قبل بضعة أشهر، ذهبت إلى المعرض السنوي في صالون دي ماي في باريس، ولم أجد فنانًا بصريًّا واحدًا. في تلك اللحظة نفسها في نيويورك، كان هناك عشرة عروض من الفن البصري، ومتحف الفن الحديث مليء به.

  ومع ذلك كله، نشأت الفكرة في باريس. بعد كل شيء، يعيش [فيكتور] فاسارلي هنا.

  كانت مقاربة النيويوركيين تجاه المشكلة بارانويّة وعبثية تمامًا. هنا، كما تعلم، أيًّا كان ما يمكن أن يفعله المرء، فهو دائمًا تحت سيطرة ذكاء السيد [رينيه] ديكارت. كل شيء يذبُل مِن فورِه ويُغطى بالغبار. ما تحتاجه فرنسا حقًّا هو ركلة جيدة في المؤخرة من أميركا. من الواضح أنني أتحدث عن الفن والرسم.


* التعبير مأخوذ من عنوان مسرحية لجان كوكتو، ويقال للممثل العظيم.

** ريموند لول أو لولي، مؤلف كاتالاني، هو أول متصوف كبير في شبه الجزيرة الإيبيرية. منحه الفرنسيسكان لقب الدكتور المستنير Doctor Illuminatus.