هل يمكن لأفلام الزومبي أن تقدم رسالة أخلاقية؟!

هل يمكن لأفلام الزومبي أن تقدم رسالة أخلاقية؟!

لديَّ رأي حول أفلام الزومبي وعن الطريقة التي يسلكها صانعو الأفلام لتعليمنا دروسًا أخلاقية. وقبل أن أدلي برأيي هذا أعترف بأن أفلام الزومبي ليست بتلك الخطورة. أرجو ألا تسيئوا فهمي، الزومبي (الموتى الذين عادوا إلى الحياة) مرعبون فعلًا. إن فكرة جثة – بخاصة جثة صديق عزيز أو قريب- تُبعث وتجول في الأرجاء وتقتات على أجساد الأحياء، لهي فكرة مخيفة للغاية. إنها فكرة تبلبل كل ما نعرفه عن الموت النهائي الذي به تنتهي اللعبة. ولذلك من الصعب التفكير في شيء أكثر زعزعة للنفس من مقابلة زومبي. إذا ما قابلتُ ميتًا يسير نحوي بنية التهامي فالأرجح أني سأصرخ، وسأنهار باكيًا مثل طفل صغير. لكن إن تمالكت نفسي، في أثناء مواجهتي للزومبي قبل أن تسنح له فرصة التهامي، فإن فرص نجاتي سترتفع. ما إن نتغلب على الخوف حتى يصبح الزومبي خصمًا ضعيفًا. من المؤكد أن للزومبي مزايا عدة: لا يحتاجون للنوم، أو الراحة، أو حتى التنفس. والميزة الأكثر خبثًا أن عضَّتهم مُعدية. ما إن تتعرض للعض حتى تصبح في غضون ساعات من بين الموتى السائرين.

مع ذلك، فإن نقاط ضعف الزومبي تفوق بكثير نقاط قوتهم. فهم بطيئو الحركة، ولا يستعملون أدواتًا معقدة ما عدا الهراوات أو الأحجار. إن قوتهم لا تختلف عن قوة أي شخص عادي، ولذلك يمكن قتلهم بضربة على الرأس بواسطة هراوة أو مسدس أو فأس، كما أنهم سريعو الاشتعال ولذلك يخافون النار. من هنا فإن احتمالات تغلبي على الزومبي كبيرة للغاية. يمكنني محاربته والنجاة منه باستعمال شعلة وإضرام النار فيه أو سوقه بعيدًا، أما إذا كان لدي مسدس فسيصبح الزومبي جثة ميتة مرة أخرى. ويمكن لشخص جيد التسليح مواجهة عدد من الزومبي بسهولة، كما يمكن لوحدة عسكرية أو لفريق التدخل السريع التعامل مع جيش من الزومبي. فالزومبي لا يستعمل تكتيكات عسكرية متقدمة أكثر من «دعونا نتحرك بتثاقل نحو البشر بأذرعنا الممدودة».

أفلام الزومبي البلهاء

أغلب أفلام الزومبي اليوم تصور الموتى الذين عادوا إلى الحياة بالطريقة الموضحة آنفًا. لكن لم يكن الحال على هذا النحو دائمًا. ظهرت مخلوقات الزومبي في عدد قليل نسبيًّا من الأفلام قبل أواخر الستينيات، عادة في سياق سحر الفودو. الزومبي في هذا السياق هم أناس سُحروا من قبل الأطباء السحرة الهايتيين (نسبة إلى هايتي) ويمكن مشاهدتهم وهم يحصدون قصب السكر بينما يحدقون إلى الأمام بأعين ميتة. في تلك الأفلام شكل الزومبي جانبًا من جو الخلفية، إلى جانب المنازل القديمة المخيفة وخيوط العنكبوت والخفافيش وبوريس كارلوف (المعروف في أفلام الرعب بخاصة شخصية فرانكشتاين)، لكن الزومبي لم يكونوا الخصوم الرئيسين.

ثم حل عام 1968م بفِلم «ليلة الموتى الأحياء» لجورج روميرو. أعاد هذا الفِلم كتابة دور الزومبي بالكامل، محولًا إياهم من أناس بائسين، أسرَتهم تعاويذ الفودو، إلى جثث متوحشة تأكل لحوم البشر، وبُعثت بواسطة طاقة إشعاعية أو شيء من هذا القبيل. استُكملت قصة الفِلم خمس مرات حتى يومنا، إضافة إلى تقليده بأعداد لا تحصى من الأفلام. الأغلبية العظمى من أفلام الزومبي الجديدة تصور الموتى الأحياء، بشكل أو بآخر، بالطريقة نفسها التي ابتكرها روميرو: بطيئة الحركة، تخاف من النار، منيعة ضد الإصابات، باستثناء الدماغ. وقد أصبحت خصائص ومواصفات الزومبي هذه معروفة بـ«قواعد روميرو». وهذه نقطة تثير سؤالًا حاسمًا: إذا لم تكن قواعد روميرو بشأن الزومبي شديدة الخطورة -مخيفة نعم، لكنها ليست خطيرة- فكيف لمخرج أن يصنع منها فِلم رعب واحدًا، ناهيك عن عشرات الأفلام؟! كيف يمكن لمجموعة من الموتى العابثين أن يشكلوا تهديدًا حقيقيًّا لأي شخص؟!

حتى اليوم، حدّد صناع أفلام الزومبي ثلاث طرق فقط تجعل الزومبي خطرين: الخيار الأول هو أن تضع مجموعة من الناس في موقف يحد بشدة من مواردهم وتنظيمهم. فِلم «ليلة الموتى الأحياء» لعب بهذه الورقة كما سيُلعَب بها لاحقًا بشكل دائم. تدور قصة الفِلم حول سبعة أشخاص فروا إلى مزرعة في ريف ولاية بنسلفانيا مع بداية استيقاظ الموتى الذين يفوقونهم عددًا، كما أنهم مقطوعون عن العالم الخارجي، ولا يعرف بعضهم بعضًا، كما لا يعرفون شيئًا عن الزومبي، والأهم من ذلك أن شخصياتهم تختلف اختلافًا جذريًّا. لب الصراع في الفِلم هو صدام بين الشخصين الأكثر صراحة في منزل المزرعة: بِن وهاري، وهما يحاولان اكتشاف طريقة للبقاء على قيد الحياة. وبطبيعة الحال يجدون صعوبة كبيرة في العمل معًا، ومن ثَمّ لا تسير الأمور على ما يرام.

الخيار الثاني هو العبث بقواعد روميرو مما يجعل الزومبي تهديدًا أكثر مصداقية. فِلم «بعد 28 يومًا» (2002م)، يسوي الخلافات بهذه الطريقة. الزومبي في هذا الفِلم يتحركون بسرعة ويهاجمون بشراسة، والأهم من ذلك أن العدوى تحدث في ثوانٍ معدودات من التعرض لدم الزومبي. خلافًا لزومبي روميرو، يمكن للمرء أن يصدق أن أمواتًا أحياء من هذا النوع قادرون على اجتياح المجتمعات البشرية.

الخيار الثالث هو أن تصنع فِلمًا أبله. الفِلم الأبله، وفقًا للناقد السينمائي روجر إيبرت، هو فِلم لا تنجح حبكته إلا إذا كانت جميع شخصيات القصة بُلْه. (استعمل إيبرت مصطلح «حبكة بلهاء» لكن المصطلح «سينما بلهاء» شائع حاليًّا). للأسف، معظم أفلام الزومبي بعد روميرو تندرج ضمن هذه الفئة. المثال الأبرز هو الفِلم الغبي المخدر للعقل «الشر المقيم» (2002م). في هذا الفِلم، فريق من مرتزقة «مدربون تدريبًا عاليًا» يواجهون حشدًا من الزومبي. وما إن يدركون أنهم يقاتلون الزومبي حتى يكونوا قد استنفدوا ذخيرتهم تقريبًا، دون أن يقلصوا من حشد الزومبي؛ لأنهم كانوا يصوبون نيرانهم على صدور الزومبي مرارًا وتكرارًا، بالرغم من أن الطلقات على الصدر فشلت بوضوح في إصابتهم. أهدر هؤلاء العباقرة مئات الطلقات بطريقة غير فعالة من دون محاولة إطلاق النار ولو مرة واحدة على الرأس.

من المؤسف أن أفلام الزومبي التي صنعها جورج روميرو نفسه قد انجرفت إلى منطقة السينما البلهاء. خذ مثلًا «يوم الموتى» (1985م)، وهو الحلقة الثالثة من سلسلة روميرو. تدور أحداث الفِلم في قاعدة عسكرية في فلوريدا، حيث يحاول حفنة من الجنود والعلماء الصمود بيأس في مواجهة الزومبي الذين اجتاحوا الولايات المتحدة. وفي ذروة الفِلم يخترق حشد من الزومبي القاعدة، بينما يتصرف الجنود بحماقة تامة وهم يركضون كالدجاج ويُذبحون نتيجة لذلك؛ رغم أنهم مدججون بالسلاح ولديهم الكثير من الذخيرة ولا يستطيعون مواجهة أكثر من مئة زومبي. مع ذلك لا يزال كل جندي قادرًا على قتل عدد من الزومبي، وهو ما يعني أن الجنود كان بإمكانهم النجاة بسهولة لو أنهم أظهروا القليل من الذكاء. وإذا كان هذا صحيحًا بالنسبة لحفنة من الناجين اليائسين الذين يتفوق عليهم الزومبي في العدد، فإنه ينطبق أيضًا على الوحدات العسكرية التي كانت تعمل بكامل طاقتها وكانت بالتأكيد تفوق عدد الزومبي عندما بدأ هؤلاء في الظهور. بكلمات أخرى، إن نهاية العالم على يد الزومبي يمكنها أن تنجح فقط في عالم من البلهاء تمامًا.

نقص التواصل سبب الدمار

الغريب تمامًا، كما يتضح، أن هذه هي وجهة نظر روميرو. لا يشتهر روميرو بأفلام الزومبي فقط، وإنما أيضًا بتناوله للقضايا الاجتماعية والأخلاقية. على سبيل المثال، ثاني أفلامه عن الزومبي «فجر الموتى» (1978م)، يصور الزومبي وهم يتجولون بطيش في مركز تسوق! ما من حاجة لتفسير الرمزية، على ما أعتقد.

أحد الموضوعات الرئيسة التي تدور طوال أفلامه عن الأموات الأحياء هي عجز الناس عن العمل معًا لحل المشكلات الخطيرة. على سبيل المثال، وصف روميرو فِلمه «يوم الموتى» (المفضل لديه على ما يبدو) بأنه «تراجيديا عن كيف أن نقص التواصل الإنساني يتسبب في الفوضى والدمار حتى في هذه الشريحة الصغيرة من المجتمع». قد يبدو أن لروميرو وجهة نظر. لا يمكن لأي عاقل أن يفشل في الشعور بالاكتئاب بسبب قدرة الجنس البشري على تجاهل مشكلات مثل تغير المناخ، وهي مشكلات خطيرة بما يكفي لتهديد الحضارة البشرية. مع ذلك، أعتقد أنه إذا سار الاحتباس الحراري بتثاقل إلى باب منزلك وحاول التهامك فمن المرجح أن تتوقف عن تجاهله بسرعة كبيرة.

بوصفنا جنسًا بشريًّا، قد نكون غير عقلانيين في تجاهل تغير المناخ، لكننا غير عقلانيين بطرق قابلة للفهم. التغير في المناخ لا يحدث دفعة واحدة، إن الخطر الذي يشكله يزحف علينا بمعدل بطيء وتدريجي وعلى نحو غير ملحوظ. يتطلب الأمر معرفة علمية لفهم النماذج المستخدمة في التنبؤ بتأثيراته، وهناك مصالح جمة لكسب المال من خلال تشجيع العطالة والافتقار إلى العمل؛ ومن السهل تشجيع العطالة وسط الناس الذين لديهم بالفعل الكثير من الأشياء التي تشغل أذهانهم.

مع ذلك لن تنطبق أي من هذه النقاط إذا ما نهضت الجثث وبدأت بقتل الناس. ستتضح المشكلة على الفور وستكون تأثيراتها دراماتيكية وواضحة. لا أحد سيقف ليجني فائدة من خلال تجاهلها. والإجراءات اللازمة للتعامل مع المشكلة بسيطة للغاية. «أطلق النار على رأس الزومبي قبل أن يقتلك» هي رسالة سهلة الفهم أكثر من «لا تقد سيارة دفع رباعي وإلا فإنها ستسهم قليلًا بما لا يقاس مما يؤدي إلى مزيد من سوء الأحوال الجوية خلال سنوات». إن الفشل في الانضمام إلى معركة الكفاح ضد تغير المناخ هو أمر بشري وإنساني للغاية. أما الفشل في الانضمام لمكافحة كارثة الزومبي فهو مجرد غباء.

هذه هي النقطة التي أريد أن أثيرها حول أفلام الزومبي، أو أي فِلم رعب يحمل رسالة عن الوضع البشري. تنقل هذه الأفلام رسالة من خلال سرد قصة، وعلى الرغم من امتلاكها لعناصر خارقة للطبيعة، فإنه يمكن التعرف إليها مثل المواقف الحقيقية. ومن خلال وضع القصة في سياق غير واقعي يخلق الراوي مسافة حرجة بين الجمهور وتلك المواقف. فإن سارت الأمور على ما يرام فإن القصة ستجعل الناس يرون شيئًا عن الطريقة التي تتصرف بها الشخصيات (على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي قصر النظر إلى نتائج مأساوية)، ومن ثم سيلحظون أن الناس الحقيقيين يتصرفون بالطريقة نفسها. في الواقع، إن أفلام الرعب التي تتضمن رسالة تعمل مثل مرآة المرح (المقعرة والمحدبة): قد تشوه الصورة أو تحرفها، لكن إذا ما نظر المشاهدون من كثب فسيتعرفون إلى أنفسهم فيها.

وعلى الرغم من أن المرآة يمكنها أن تُحرف الصورة أو تشوهها، فإنها لا تستطيع تزييفها كليًّا. فإن أُريد للقصة أن تقدم رسالة، ينبغي على الظروف التي تواجه شخصيات القصة أن تشبه تلك التي يواجهها أناس حقيقيون. فإن لم تكن كذلك فليس أمام الراوي سوى خيارين: يمكنه أن يجعل الشخصيات تتصرف بطريقة منطقية؛ لها معنى ومغزى ضمن السياق، لكن هذا لا يشبه التصرف الحقيقي الذي يرغب في تقديم وجهة نظر بشأنه. أو يمكنه أن يجعل الشخصيات تتصرف بطريقة توضح وجهة نظره، على سبيل المثال، من خلال تصرف الناس كالبُلْه، أي بشكل غير منطقي، ولن يكون لهذا معنى في القصة. في كلتا الحالتين فإن قدرة القصة على تقديم رسالة أخلاقية ستُعاق. وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان في أفلام الزومبي. يواجه البشر تهديدات وجودية حقيقية، مثل تغير المناخ. لكن الزومبي لا يشكلون مثل هذا التهديد، إلا في ظروف خاصة للغاية. ولذلك إما أن يُتغلَّب على تهديد الزومبي -وفي هذه الحالة تضيع الرسالة الكبيرة (تغير المناخ هو جوزة أصعب بكثير من أن تُكسر)- أو أن لا يُتغلَّب على الزومبي بسبب التصرف الغبي للشخصيات. والنتيجة: لا يلقي أي من الخيارين كثيرًا من الضوء على الوضع البشري والحالة الإنسانية.

إن المغزى من قصتي هو أنه من الصعب جدًّا سرد قصة تحمل رسالة أخلاقية، وبخاصة قصة تتضمن زومبي. قد تكون هناك دروس يمكن تعلمها من الأموات الأحياء، لكن ينبغي لهذه الدروس أن تلائم طبيعة الزومبي البطيئة والمتثاقلة والغبية، وإلا فإن النتيجة ستكون ببساطة فِلمًا بطيئًا وثقيلًا وغبيًّا.


المصدر: موقع الفلسفة الآن:

https://philosophynow.org/issues/96/Zombie_Movie_Morals_I