من كتاب المنسيات

من كتاب المنسيات

لا تغفل

وإذا نسيتَ

سيذكرك الطريقُ

وخطاك التسعون المنسيةُ

نحو حجارة الباب الذي ينساك

يذكرك الرمادُ قبيل تنفس الوردة

ويحترق انتشاءً بالحياة

حين تموت

تذكرك البيوتُ الفاقداتُ نساءها

وتنفس الليل الذي دَلَّ الهواء عليك

إذا نسيتَ

انتبهْ

تذكَّرْ وانتظرْ.

يأتي إليك طريقك المنسي

يذكرك

انتظرْ.

تسعون، ليست جَمّةً.

تسعى خطاكَ

ووردة النيران سوف تموت

كالفينيق

سوف يذكرك الرمادُ

والجمر من تحت الرماد

سينتشي مثل الحياة

إذا نسيتَ

إذا خطوتَ إلى سرير الأرض

تذكَّرْ وانتظرْ.

فجأةً

سَكتَ الغيمُ عني

بعدما كان يهمي على ريشةِ الشعر

تكلَّمَ في سرِّه ناهرًا رغبتي في القميص الشفيف

الذي يفضح الفاكهة

في منحنيات الجسد

غيمةٌ،

تشفُّ عن الختم والفاتحة

فكرتُ

حتى تسنى لشمس الظهيرة أن تسأل الشمع

أو تستعير اللغة الراجحة

غارقٌ في الطريق إلى الغرب

والشعرُ يسكنُ في غيمةٍ خاسرة

في اللغات الحميمة

مثل الذي يرسم أخطاءه في الصباح

ويخسر عند الظهيرة

ويكسب في أمسية رابحة.

بيننا أيها الغيم

صمتُ اللجوء نحو الإشارة

نحو البحيرات

نحو الذين استراحوا على الرمل

انتظارًا لما يشبه سُكّرةً مالحة.

علينا

يأتي زمانٌ علينا،

علينا،

فيكسر في روحنا رمحَه

مستجيرًا من النار بالنار

والنار، كالوقت، تأتي علينا

ويستوحش فينا الأليفُ

نستأنس النابَ

يأتي إلينا من الغاب

من عتمات المعابد

مما تيمم به السابقون

من الرمل والرمز

يأتي ويذهب

ينتابنا ما يسبق الموت

إلا قليلًا

وما يلحق الموت

إلا قليلًا

كتابٌ يعاقبنا على سهونا.

يحاسبنا

مثلما يشربُ الماءُ رملًا

كتابٌ يكافحنا

بما يستقيم مع الميتين

فيأتي علينا زمانٌ

يشبه الموت فيه

كما يشبه النوم أحلامَه

بالرمح في روحنا

يكسر فينا حياة ستشبه أيامنا.

الشاعر

يدخل قصيدته بالخطوة العسكرية

يُؤدي التحية

يُرخي لجامَ الحصان

ويتركه

يَجُوسُ السهولَ بحرّية الريح

يكتب سطرًا

ويستأنس الشعر حقلًا من «الخَبب» المستريح

مثل خيلٍ سيترك حربًا

ويجري إلى معركةٍ في القتال الجريح.

في الخطوة العسكرية

ستأتي البقية في النص

يأتي الحصانُ الترِيكُ

لجنَّة إسطبله

حيث يسوس الخيولَ

كمانٌ كسيرُ الجناح

وتَخضلُّ قلنسوةُ البيرق الفضّ

لفرط القتال

غير أن المقاتل لا يُحسن الفَرَّ

قتلى كثيرون أدّوا التحية

ثم ماتوا

إثر خطوته العسكرية

محمود أسرع من وقته

محمود يرتاح في موته

لا يأمنُ العسكرَ

ولا يستجيب لقنفذة المقعد الوطنيّ

لا يشغله القتلُ عن الشكل

بين يديه وأقلامُه المالحة

لغةٌ صالحة

لتحويل «آب» إلى مأتم الشعراء

لئلا يباهون بالنَّعي

محمود ماتَ

وتسعون محمودًا ماتوا

غير أن القصيدة باقية

والعصافير باقية

والخيول ستبقى

لتأتي الهوينا

«خبب» على مهلها

ليستْ على عجلٍ

ستأتي

مثل «المهلهل»

تغزل الشعر في جعلكات القميص

ويهذي حتى تصير القصيدة

مقعده في جهنم.

محمود نارٌ له

ونارٌ عليه

جمرته الوطنية

عصيّة.

تذكرته يومَ (افتكره الله)

حين باغتني الصديق المغربي المهاجر:

(محمود مات)

فمن ينقذ الموت منا؟

كما الأمس والبارحة

نجوتُ من المذبحة

خطأٌ في المسافة

بين انتحار الفراشة والأسف الموسميّ

المؤجل،

فشلُ الموت في قصةٍ ناجحة.

تأرجحتُ

بين احتمالات موتي بالفرح المرّ،

بين الصلاة المقامة في بهو خوفي والأضرحة،

خطأ الطير في المشرحة.

لم أمتْ،

جاءت الضباعُ،

انحنيتُ قليلًا على زهرة الأرض

أمحو غبارًا،

فمرَّ الحديدُ على كتفي خائفًا،

جمرةُ الحب فوقي

وعندلةُ الطير تعلنُ عن ثلجها

بالرؤى الراعفة.

جثثٌ خائفة

تحرسُ لي خطواتي،

وتحمي نجاتي من الموت،

أنجو،

نجاةً تؤخر زحفَ الغياب إلى الناس

تسمو بما يستحيل انتقامًا

وتفتك بالغافلين

الذين يؤدون طقس الجنازة

ختمٌ كفيفٌ،

وترتيلةٌ تشبه الفاتحة.

مسَّنِي الرعدُ

وانتابني شغفُ الوشكين على البرق

نزْفٌ يصوّر لي النوحَ والنائحة.

سينقذني مستحيلُ النجاة من الموت،

هل كنتُ مستقبل الأمس والبارحة.

أيها المطمئن

يَصحُّ لكَ ليلُ القلق

فالهدوءُ الذي يوقظُ الفِتن

يستثيرُ الخروجَ في العتمة،

يفقد النائمُ حكمتَه،

ويستعيدُ الساهرون ذكرياتهم عن المدينة

وهي تحبس القرى

فلا يعودُ النبيذُ يكفي

وليس في ممراتِ الغيم

قنديلٌ يؤنسُ قصفَ الحانة

قلقٌ يحرس القرى بفهارسَ منسية

والخيالاتُ تسبق الخطى

وإذا صَحَّ لك ليلٌ ماجنٌ

لن تصدَّ الثعالبَ الصهباء

وهي تتبع خيط الشواء

لئلا يثقَ الساهرون

في حكاية اللحم النيء مع الثعالب

فالحيوان لا يصدق حكاياتنا عنه.

النهاية

بلا معنى،

انتهينا في يدٍ وزجاجتين

وطائر تاه البريدُ به.

رسائلُ أخوةٍ يتكاسرون على الطوابع

كي تضيع رسائل الأسرى

مكدّسةً أمام الماء

عطشى،

وشبه يدٍ مضمَّخةٍ بعطر الغائبين

رسائلُ أخوةٍ يبكون في لغةٍ

بلا معنى انتهينا،

أو نسينا الشمس

والريح التي انكسرتْ على أسوارنا

تاهتْ سُدًى

أحلى رسائلنا سُدًى ضاعتْ

بلا معنى

تحاجزنا على أجسادنا

وبكى لنا شجرٌ

وضاعَ الزيزفون بنا

فصرنا بعضَ أخطاءٍ ملفَّقةٍ

وكدنا أن نموت،

وربما متنا.

بدأتُ أو انتهيت

١

منذ أن سكنتُ،

لم أعد أعرف الوجهة والمكان،

منذ الذين آمنوا،

جدّفتُ أو كفرتُ،

أو نأيتْ.

منذ كنتُ قد بدأتُ،

وانتهيتْ.

٢

صارَ للشمس صولجان،

تريد أن تكرز للزمان.

الشمس في أرجوحة الوقت ضبابٌ غامرٌ

والليل صولجان.

صارَ لها من ذهبٍ اسمٌ وكهرمان،

وكيف كانْ،

الشمس لا تعرف بيتَ أختها

ولا يعود الظل ميزان المدى

وليس للأخطاء طيلسان.

٣

زرقتُه مثلُه

مثل عينين مرسومتين على الماء

مثل السماء

تمثّلته،

مثله.

٤

قل لهم

أنهم أول الحالمين بتفاحةٍ

واستعنْ

بانتهاء القصبْ   

وابعثْ بريدًا من الأبيض المُشتهى

خلفهمْ

علّهمْ

يكتبون لنا الحب في شهوة

مثلهم كالعجب.

٥

طابَ له أن يسافر،

طابَ له

أن يؤلف ما يستدل به

فله ما يدلُّ عليه

وما ينتهي في التآويل مثل الغياب

له أن يُصابَ

بجنة حلمٍ تطير إليه

كأنَّ الضباب

يُضلل أخباره في الكتاب.

٦

السيدات الرشيقات

انتظرنَ بريد الماء طويلًا

فخرجنَ من دورِهنّ

معصوفاتٍ بالفقد وحاسراتٍ من الخضرة

حتى أصابهنَّ الثكلُ والرسائل اليابسة

فوضعنَ أعجازهن المغدورة على قارعة العطش

ينتابهنَّ النحيبُ في القتلى.

٧

لكم الماءُ الذي يحتكمُ

كي ينال الصمت أو يحتدمُ

لكم في دفتر الأخبار وردٌ ودمُ

وتفاصيلُ كلامٍ

ولسانٌ وفمُ

لكمُ أن تستردُّوا عسلًا في الوهم

مخلوطًا، كان العلقمُ.

٢٠٢١-٢٠٢٢