جون تروبي: من الخطأ الاعتقاد أنه يتوجب على الجمهور أن يحب البطل ويوافق على اختياراته أو يعارضها

جون تروبي: من الخطأ الاعتقاد أنه يتوجب على الجمهور أن يحب البطل ويوافق على اختياراته أو يعارضها

جون تروبي (مواليد 1952م) هو كاتب سيناريو أميركي ومخرج وأستاذ في كتابة السيناريو، وأحد معالجي السيناريوهات الأكثر شهرة في هوليوود، أصلح ما يقرب من ألفي نص لفائدة أكبر الأستديوهات الأميركية، على مدى العقود الثلاثة الماضية، وهو معروف أيضًا ببرنامجه التطبيقي لكتابة السيناريو (بلوكبَسْتَر) أو (ستوريلاين برو). تناول بالتحليل صنعة السرد وقوانينه في كتابه المهم: «تشريح السيناريو». ويرى أن القصة الجيدة تقوم على خط الرغبة الذي يشكل عمودها الفقري، والحبكة، وتحقق الوعي. وخلافًا للعديد من كُتاب السيناريو ينتقد تروبي نموذج (ثلاثي الأفعال) لكاتب السيناريو الشهير سيدني فيلد، ويرى أنه أداة ميكانيكية لرواية القصص، وأن معظم معلمي السيناريو يؤكدون أهميةَ التحول الداخلي للشخصيات وليس التأثير الأخلاقي. وبدلًا من ذلك صاغ تروبي مخططه الخاص المكون من 22 خطوة الذي شكّل الأساس لكتابه الأول «تشريح السيناريو: 22 خطوة لتصبح راويًا رئيسيًّا».

في هذا الحوار يجيب تروبي عن موضوعات عدة تتعلق بفن كتابة السيناريو.

● يخضع حكي قصة ما لمبادئ كونية. الحكاية الجيدة هي مسألة «تشريح»؟

نعم، يجب أن تمتلك الحكاية الجيدة خط رغبة واضحًا، خط رغبة بَطَل يسعى إلى هدف محدد، ويواجه لبلوغ هدفه سلسلة أوضاع وتقلبات، تسمى حبكة، التي تشكل العديد من الاختبارات الأخلاقية التي يجيب عنها بإتيان فعل خير أو شر، وصولًا إلى تحقق الوعي النهائي الذي يطبع تحوله الحميم، ويقدِّم للجمهور بكيفية مثالية لحظة كشف عميق.

● يبدو هذا الوصف أميركيًّا للغاية. في فرنسا مثلًا، تبدو فكرة «رغبة واضحة» وهمية تمامًا، وخيالية، وبتعبير آخر: هوليوودية.

تفضل هوليوود «الخط الواضح» للرغبة. إن الهدف المحدد جيدًا هو شرط الحكاية الشعبية. شاهدوا مثلًا «ينبغي إنقاذ الجندي ريان». لكن السينما ليست هي الحياة: التخييل عبارة عن أَسْلَبة (تنميط).

● ما الشخصية الجيدة؟

إنها تجسيد لمشكلة سيكولوجية وأخلاقية في الآن ذاته. خذ كمثال فيرتيغو لهيتشكوك. يقول العنوان كل شيء: البطل «سكوتي»، شرطي سابق يعاني الدوخةَ. إنه مشكل سيكولوجي، وفي حالته، هو أيضًا مشكل أخلاقي؛ لأن هذه الدوخة استعارة عن عدم ثقته في الآخرين. هذه هي الثيمة الحقيقية للفِلْم. في التخييل، لا تكون الشخصيات حقًّا أشخاصًا. والعالم المحيط بها ليس أيضًا «العالم»، بل «عالم تلك الشخصيات». وعالم الحكاية هو امتداد للشخصية وتعبير عنها، وهو ما سماه إليوت «لازمة موضوعية». إن كل شيء في التخييل يصنع معنى، لا شيء هناك مصادفة، كل شيء يرمز ويعبر عن المشكل الأخلاقي الذي تواجهه الشخصية المركزية. الشخصية الجيدة، هي ضعف سيكولوجي وأخلاقي، وحاجة، تتجسد بعد ذلك في رغبة، وهدف محدد، وسط عالم يرمز للمشكل نفسه، وحيث يهاجم الخصوم الضعف الكبير للبطل إلى حد القطيعة التي ينشأ عنها تحقق وعي وتغيير عميق، وسنن أخلاقي جديد- أو لا!

● هل لديك تفسير لما قد نسميه «ميلًا خاصًّا للسينما الفرنسية» إلى تقديم شخصيات تنقصها الرغبة؟

«الرغبة» أنا أسميها بالأحرى «حاجة». تلحّ السينما الفرنسية أكثر على الحاجة، والمشكل الباطني للشخصية. بسبب التشبث بالواقعية، يظهر الاستلاب والفشل أولًا. في حين تفضل السينما الأميركية الرغبة التي تستجيب لهذه الحاجة بسلسلة أفعال يفترض أنها تعمل على إشباعها. ومع ذلك فمن الخطأ الاعتقاد أن المقاربة الأميركية تلحّ على الرغبة فقط لكونها شعبية. وببساطة، فإنه من الصعب جدًّا كتابة قصة جيدة من دون خط رغبة. إن خط الرغبة، تشريحيًّا، هو العمود الفقري للقصة… إن كتابة قصة من دون خط رغبة صعب جدًّا لكنه ليس مستحيلًا. تعرض رواية «الغريب» لألبير كامو شخصية رمزية بالطريقة الفرنسية. «مورسو» محروم من الهدف ولا يفعل أي شيء، وخصمه الوحيد هو المجتمع غير المتبلور والمستلب. هذه هي ثيمة الكتاب: غياب الرغبة يحول عبثية الوضع الإنساني إلى استعارة.

● كما عند كافكا؟

ههنا يتدخل العنصر الاجتماعي. هناك ربط بين خط الرغبة وبين الثقافة: تضع الثقافة الأميركية الفرد في مركز الكل، بينما تؤكد الثقافة في فرنسا وأوربا، وضعيةَ الفرد في المجتمع. يُمَشهد كافكا النظام المضطهد، لكن البطل-الصرصور في رواية «التحول» ليس محرومًا من خط الرغبة: إنه يرغب في فهم ما يقع له. في كل قصة جيدة، تمتلك الشخصية رغبة تعبر عن طبيعتها العميقة كشخصية. تحول الحشرة هنا استلابها إلى استعارة. لكن ذلك ليس خاصًّا بأوربا وحدها. في رواية «الشمس تشرق أيضًا» يمشهد همنغواي شخصًا أميركيًّا عاجزًا يعيش في باريس ويتيه بلا هدف في القارة العجوز، بعد فظائع الحرب العالمية الأولى. غياب خط الرغبة، أو بالأحرى هذا الخط الذي لا ينشد إلا أهدافًا مؤقتة وغير أساسية، يحول جيلًا ضائعًا وعاجزًا إلى استعارة. بعد موت أعداد كبيرة، يتحقق استيفاء معدل الوفيات. لقد تم تدمير القيم الأميركية القديمة، ووحدها المتع الحسية ستعوضها: الشرب، والأكل، والإغراء، والتخدر… باريس، إنها الحرية. ولكن الإشباع الحسي لا يعيد للحياة معناها.

الهروب من الحبكة

● المتعة كفشل للرغبة، هل هذا ما يمثل باريس؟

ينبغي تجاوز هذا التعارض التبسيطي. في فِلْم «نبي»، يبدأ جاك أوديار بالمقاربة الفرنسية التي تكمن في حرمان الشخصية من الرغبة ومن كل هدف آخر غير البقاء على قيد الحياة، ويتيح بهذا الشكل للجمهور القيام بالتجريب الانفعالي لمشكل «مَلِيك» (ضعف أو حاجة)، المفخخ في سجن يخضع لنظام لا يفهمه. يترتب على ذلك شعور بالارتباك وبالخطر الكبير. لكن أوديار يمنح شخصيته بعد ذلك رغبات فاعلة؛ إذ سيسعى مليك إلى أن يصير «مَلك» هذا الكون. يبدأ مِثْل رواية «التحول» لكنه ينتهي مثل فِلْم «العراب» [كوبولا].

● إذن هو فِلْم يبدأ «فرنسيًّا» وينتهي «أميركيًّا»؟

لا يصير الفِلْم أميركيًّا، إنه يخضع لقانون نوع «قصة الجريمة» الذي يفرض خط رغبة قويًّا. فمن خلال حرمان البطل في البداية من خط رغبة واضح، يقلب أوديار النوع ويسمو عليه.

● في حكايات النوع، تحظى الحبكة بالأولوية. في فرنسا، أشعر أن هناك ارتيابًا من الحبكة. التقلبات مصطنعة، ومن ثَمّ هي مريبة.

ومع ذلك، ففي فرنسا القرن 19م، كان لديكم كثير من الحبكات ومن الرغبات الواضحة جدًّا، كانت رواية «الكونت دي مونتي كريستو» توازي «باتمان» من حيث التقلبات… عشر سنوات بعد ذلك، مع «مدام بوفاري» أطلق فلوبير حركة كبيرة ضد الحبكة، لقد كان يريد «كتابًا حول لا شيء، كتابًا من دون رابط خارجي، يتماسك بذاته بقوة أسلوبه الداخلية». قبل رواية «الغريب» بكثير، شكلت «إيما بوفاري» شخصية تفاعلية بشكل خالص، وتائهة في خيالها.

● الشخصية أم الحبكة، هل ينبغي الاختيار بينهما؟

لا، بالطبع. منذ فلوبير، يفضل الأدب «الجِدّي» الشخصية، على حساب الحبكة التي تخلى عنها وتركها للأنواع الأدبية «الشعبية». لكن شخصية من دون حبكة ليست أفضل من حبكة من دون شخصية: فالحبكة ليست شيئًا آخر غير الشخصية في شكل أفعال؛ وكلما كانت الحبكة معقدة كلما اضطرت الشخصية إلى البحث في أعماق ذاتها لإظهار حقيقتها. في «باتمان» كما في «مونتي كريستو»، لا تفعل الحبكة غير تطوير خط رغبة الشخصية.

● قال غودار: إنه، في أثناء تصوير فِلْم «منقطع الأنفاس»، اعتقد أنه يصور «الوجه ذا الندبة» (Scarface) [هوكس] لكنه صوَّر في نهاية المطاف «أَلِيس في بلاد العجائب»…

قبل أن تصل الموجة الجديدة، كان التيار «المضاد للحبكة» موجودًا، وبخاصة مع فِلْم «العام السابق في مارينباد» [ريني] ومجموع الرواية الجديدة. إن نظرية المؤلف، من حيث طبيعتها ذاتها، مضادة للحبكة. يستكشف فِلْم المؤلف العالَم البصري، لا بحسب انتظارات جمهور ما، ولكن بحسب مؤلِّف محدد. غودار، أنتونيوني، هي قبل أي شيء نظرة تتجول… وهي تمامًا عكس حكاية بحبكة قوية، حيث تتقدم خيوط كثيرة بسرعة كبيرة. وتكمن قمة البراعة في النوع. يأخذ غودار، كما يفعل أوديار ذلك حاليًّا، نوعًا أميركيًّا [قصة الجريمة] ويقوم بتحويله. إنه يلعب شخصية «بلموندو» في «منقطع الأنفاس» على الطريقة الأميركية، لكنه يُبقي على ملابسه الفرنسية. إنه يحاول العيش تبعًا لإتيقا فِلْم النوع، وتجسيد «جثة جميلة»، وذلك قمة المأساة لأنه يموت من جرائه، لكن هذه الفكرة الرومانسية المتمثلة في تجسيد جثة جميلة هي فكرة مثيرة للسخرية؛ إذ إن المرء لا يرجع بعد موته للاستفادة من ذلك. وهذا ما يجعل منه فِلْما ناجحًا. يُظهر غودار استحالة الحياة تبعًا للرموز الأخلاقية لأفلام النوع. ليست السينما هي الحياة. الأنواع عبارة عن ناقلات تمرير بأسلوب التهريب للإتيقا الرأسمالية إلى أدمغة المتفرجين، عبر الانفعال.

سؤال الوعي والأخلاق

● تحويل الأنواع الفِلْمية هو إذن قضية أخلاقية وسياسية؟

في الوقت الحالي، تقوم مسلسلات مثل «رجال ماد» أو «اختلال ضال» بالشيء نفسه، إنها تستعمل أحد الأنواع وتتجاوزه، لتكشف عن إتيقا النظام الأميركي الكامنة خلف الأنواع. يسمو مسلسل «اختلال ضال» على قصة الجريمة التي دائمًا ما أظهرت فساد الحلم الأميركي. بينما اختار مسلسل «رجال ماد»، عوضًا عن النوع البوليسي، الدراما التاريخية التي جعلت من المجتمع الرأسمالي الأميركي موضوع المسلسل. وفي الحالتين معًا، المطروح هو قضية أخلاقية حاسمة. يقدم «اختلال ضال» صورة مصغرة عن النظام، من خلال فرد واحد، والتر وايت، أستاذ الكيمياء، الذي علم أنه سيموت بسبب السرطان، ويبحث عن حل ليؤمن عائلته من العوز قبل وفاته. ولكونه كيميائيًّا ممتازًا، سيشرع في إنتاج مخدر ذي جودة عالية… تنبني كل حلقة على اختبار أخلاقي يفشل فيه بصفة عامة. يسمو هذا المسلسل على النوع؛ لأن إنسانًا عاديًّا هو من يصير مسخًا. يستحيل ربط ذلك بالغيتو الإيطالي الأميركي المعتاد.

بهذه القصة التخييلية، يكون الأميركي المتوسط هو حقًّا من يتساءل: «أي مدى يجب أن أبلغه للحصول على المال؟». يعمل مسلسل «رجال ماد»، الذي لا يبلغ قوة «اختلال ضال» الانفعالية ولكنه أكثر سحرًا منه من الناحية الفكرية، بشكل مخالف: الشخصية المركزية، دون دريبر، هو مندوب بيع متجول للحلم الأميركي: يمتهن الإشهار في نيويورك في الستينيات. أخيرًا، وكما فعل غودار، يتحدث المسلسل بوضوح عن النظام الأميركي الذي يخدع الجمهور بالإشهار… يعرف البطل أنها كذبة، لكنه يحاول أن يبيعها على الرغم من كل شيء… وأن يحياها شخصيًّا.

● في هذين المسلسلين، يتصف الأبطال باللاأخلاقية. ومع ذلك، يتعلق الناس بهم.

ذلك هو الاختلاف بين التعاطف والإحساس بالآخر. من الخطأ الاعتقاد أنه يتوجب على الجمهور أن يحب البطل ويوافق على اختياراته أو يعارضها. كل ما يفترضه الإحساس بالآخر هو فهم سبب هذا الفعل أو ذاك. ويبقى من مسؤولية المؤلف استكشاف الآثار الأخلاقية لأفعال بطله على الآخرين، وليس فقط الآثار السيكولوجية. تتصف القصص السيئة بكونها مهذبة للأخلاق…، لكن القصص الجيدة تطرح دومًا سؤالًا أخلاقيًّا. إنها مادة «تحقق الوعي» لدى البطل.

● يفترض «تحقق الوعي» بلوغ نقطة وضوح مطلق، والقدرة على تغيير ما لا يحدث في الواقع إلا نادرًا.

تقوم الثقافة الأميركية على أسطورة العالم الجديد، حيث يمتلك الفرد الحرية في إعادة ابتكار ذاته، مثلما هو الحال في «غاتسبي العظيم» أو في «رجال ماد». لا تكون القصة واقعية فحسب، بل تخضع لعملية الأَسْلَبة مثلها كمثل أي حوار. إنها تعزل لحظة «نمو» الشخصية. وعلاوة على ذلك، لا يكون تحقق الوعي إيجابيًّا بالضرورة. إذ من الممكن حكي قصة جيدة بتحقق سلبي للوعي أو بشخصية محرومة عن عمد من تحقق الوعي. لنأخذ المثال الكلاسيكي الآتي: «العراب» الذي يبدأ فيه مايكل كورليوني [ألباتشينو]، ابن شخصية مهمة في عالم الجريمة المنظمة برفض الميراث العائلي، قبل أن يصير رئيس عشيرة للانتقام لأبيه. وعوض أن يمنح السيناريو مايكل «تحقق الوعي» بتغيره السلبي، يعطيه لزوجته. إن ما يجعل الأمر أكثر قوة بالنسبة للجمهور هو كونه لا يدرك تحوله إلى كل ما كان يكرهه. في الكوميديا السوداء أو في كوميديا الأنظمة المدمرة، يكون البطل محرومًا أيضًا من تحقق الوعي، ويستمر في خداع نفسه. ولنأخذ كذلك «الأصدقاء الطيبون» لسكورسيزي، الذي يحقق فيه الشاب هنري هيل حلم طفولته والمتمثل في أن يصير عضوًا في عصابة. إنها في الآن ذاته قصة قطاع طرق وكوميديا سوداء.

وعلى خلاف فِلْم «العراب»، ليس هناك تحقق للوعي في «الأصدقاء الطيبون»، وكان بديهيًّا بدرجة كبيرة تحقق وعي إلى حد أن الجمهور هو من حدث لديه… يتعلق الأمر بإستراتيجيتين مختلفتين لكنهما فاعلتان بالقدر نفسه لإنهاء الفِلْم بطريقة اللكْمَة. كان تشيخوف أستاذًا لهذه المقاربة المختلفة. شخصياته عاجزة عن الفهم والتغير. إنها تكرر الأخطاء نفسها دائمًا. في العمق، لا يكتب تشيخوف تراجيديات، بل هو كاتب لكوميديات سوداء. ذلك أن تحقق الوعي في التراجيديا يحدث دائمًا بشكل متأخر جدًّا. في الحالتين، وبشكل سخري، تحصل الشخصية تمامًا على عكس ما كانت ترغب فيه.

التركيب البنيوي للسرد

● ناقشت رسالة دكتوراه عن «جينيالوجيا الأخلاق» لنيتشه. هل هناك أساس فلسفي لتفكيرك حول التركيب البنيوي للحكايات؟

بالطبع! إن التأثير الكبير هو الذي مارسه عليَّ التيار الفلسفي الذي يعطي الأولوية للصيرورة على الوجود: أرسطو، هيغل، نيتشه. كان أرسطو أول واحد درس البيولوجيا، ويتحدث مبحثاه الميتافيزيقي والإستاطيقي عن التحديث وعن السيرورة: ويشكل تطور الحبكة العنصر المهم في كتابه «فن الشعر». إنها ميتافيزيقا الصيرورة. الإله هو نقطة النهاية، لكن السيرورة هي العنصر الجوهري. هيغل هو فيلسوف التاريخ، والصيرورة كاكتمال، كل شيء عنده عبارة عن حركة جدلية، ويتلخص هدف الفلسفة في حكي التاريخ البشري. ومن جهته، بيَّن نيتشه كيف تخضع الأخلاق هي أيضًا لتاريخ خفي. ثم هناك الفلسفة الوجودية التي تشدد على الفعل من أجل تعريفنا، وعلى أهمية القرار الأخلاقي. أخيرًا، أشير إلى «تشريح النقد» لمؤلفه نورثروب فراي الذي يبين تطور أشكال الحكاية؛ وكتاب «شاعرية الفضاء» لباشلار الذي يقيم الربط بين دلالة قصة وبين فضاء وقائعها الفيزيائي. هنا اكتشفتُ فكرة أن بإمكان الفضاءات الفيزيائية أن تعني شيئًا محددًا، ويكون لها تأثير لا شعوري في الجمهور. وهذا يغير بشكل جذري طريقة تصور قصة وكتابتها. تدمج منهجيتي بين سيرورة أرسطو وأشكال أفلاطون؛ لأن القصص لها شكل، بل هي بالأخص أشكال. ليست الأنواع الفِلْمية هي المحددات الأساسية للحكايات الشعبية.

● إذن، هل تؤمن حقًّا بوجود قوانين كونية للسرد؟

كل حكاية هي عبارة عن أَسْلَبة وتكثيف للحظات الحياة الحاسمة. إنها تظهر سيرورة تحولٍ تقود إلى تحقق الوعي حيث يستطيع البطل في الآن ذاته أن يصير ماهيته وأن يراها– أو حيث لا يبلغ البطل هذا الكشف، ويبقى محكومًا بعدم الاكتمال. طبعًا، تنشئ كل ثقافة القصص الخاصة بها، لكن خط الرغبة، والحبكة، وتحقق الوعي،… إلخ، ليست خصوصيات أميركية. هناك تركيب بنيوي كوني للسرد، وهو ما يشكل التحكم فيه ضرورة لكل مَنْ يتطلع إلى التعبير عن الحيوان البشري في تمام عمقه وتعقيده، في المسرح والأدب والسينما. ليست القصة إذن أميركية أو أوربية…، إنها فقط قصة جيدة أو غير جيدة.


المصدر:  (Philosophie Magazine)، عدد 106.