أشرف بزناني: المصورون السرياليون يعدون أنفسهم فلاسفة وليسوا منتجين آليين للصور

أشرف بزناني: المصورون السرياليون يعدون أنفسهم فلاسفة وليسوا منتجين آليين للصور

يرى المصور المغربي والعالمي أشرف بزناني، الذي تُوّج بالعديد من الجوائز العالمية الرفيعة، أن اهتمامه انصب أكثر على التصوير المفاهيمي ذي التعبير السريالي والغرائبي الخارج عن المألوف، بعد عمله طويلا في التصوير الفوتوغرافي لكل ما هو مألوف وكلاسيكي كتصوير الطبيعة والتصوير المقرب.

يحدثنا أشرف بزناني في هذا الحوار لـ«الفيصل» عن مفهوم التصوير السريالي، وعن دور التقنية الرقمية في بلورته، والبُعد الفلسفي الكامن وراء كل صورة، ولماذا تأخر هذا النوع من الفن أو غاب طويلا عن عالمنا العربي، على الرغم من نشأته في باريس في عشرينيات القرن العشرين. كما يُطلعنا على معوقات انتشاره في العالم العربي وعن المنغصات التي تعوق التذوق العربي لكل ما هو غريب وحديث ومختلف، وعن الأمل في ذيوعه بعد تخصيص جوائز عربية سخية، أبرزها جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير، وجائزة ناشيونال جيوغرافيك في أبو ظبي.

إلى نص الحوار:

  هل يمكن أن تعطي للقراء فكرة شاملة وموسعة عن التصوير الضوئي السريالي ومفهوم الغرائبية فيه وقيمة هذا الفن في العالم؟

  التصوير السريالي أكثر أنواع التصوير الفوتوغرافي إبهارًا وتفردًا، وعلى الرغم من اختلافه التام عن الأنواع الأخرى، فإنه يظل أميز الأنواع أجمع. إن التصوير السريالي غالبًا ما يتم استخدامه لتصوير فكرة يُمعن المصور في تفاصيلها مستخدمًا مشاعره وعواطفه الفياضة ليضفي للصور ما يعبر عن تلك المشاعر عن طريق التعديل على الصور أو تشويهها، أو هو كل صور غريبة أو خارجة عن العادة والمألوف. بدأت الحركة السريالية سنة 1924م من فرنسا على يد الشاعر أندريه بروتون معتمدًا في ذلك على كلمة سريالية التي نحتها مواطنه غيوم أبولينير سنة 1917م. وسرعان ما انتشرت في أوربا وحول العالم. وضمت كتّابًا وشعراء ورسامين كسالفادور دالي ورينيه ماغريت وبابلو بيكاسو.

احتلت الصورة السريالية مكانة محترمة ضمن أنشطة الحركة مع الفنانين مان راي وموريس تابار اللذين استخدما تقنيات التعرض المزدوج والطباعة المركبة والمونتاج والتشمس بشكل صارخ في أعمالهم الفوتوغرافية، وهو ما جعلها تجمع بين الحقيقة ونقيضها. وشكلت الصورة شكلًا من أشكال الفن السريالي؛ لأن الكاميرا تلتقط صورًا غريبة وغير واقعية بمحض المصادفة في كثير من الأحيان. ومع التطور التقني وظهور آلات التصوير الرقمية وبرامج التعديل على الحاسوب صار من السهل التلاعب بالصور والتفنن في تركيبها بالاعتماد على التجهيزات المبتكرة والمعدة مسبقًا. وهنا يمكن الحديث عن الفوتوغرافيا السريالية المعاصرة كتيار متجدد مواكب للتقنية الرقمية التي تمده بكل الوسائل المساعدة على الابتكار والإبداع.

المصورون السرياليون يرون أنفسهم مفكرين وفلاسفة، وليسوا منتجين آليين للصور باستخدام ميكانيزمات الكاميرا التي تقتصر على كبسة زر، مبرزين أن السريالي هو صاحب رسالة يرغب في إيصالها عن طريق الصورة، بحيث يعمل وفق خطة لتنفيذ كل عمل بالطريقة التي تعطي الرسالة قوة ووضوحًا لعين المتلقي، صور ذكية ومثيرة للفكر وللخيال، ويمكن إنتاجها أو ابتكارها بواسطة الحاسوب باستخدام برامج خاصة للتعديل على الصورة والتغيير فيها. فقبل كل عمل يستحضر مفهومًا معينًا بعد بحث معمق، ويحضر لالتقاط الصورة التي تناسب هذا المفهوم، وهنا يعمل الخيال على تطوير الفكرة التي يمكن تنفيذها بمساعدة برامج التعديل والدمج على الحاسوب. كما أن لكل صورة رسالة مرتبطة بها تؤثر في الفكر بشكل مباشر، بلغة بصرية فريدة تعكس المعرفة الرصينة بعمق الفكرة المراد نقلها من خيال ولا وعي الفنان إلى واقع المتلقي.

بدايات غير مشجعة

  شاركت بأعمالك التصويرية في عدد كبير من المعارض العربية والعالمية وظهرت أعمالك على أغلفة عدد من المنابر الواسعة الانتشار في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا واليابان. كيف يتلقى المهتم بالتصوير الضوئي أعمالك. وما أبرز المعارض التي شاركت فيها؟

  لم تكن البدايات مشجعة كثيرًا على خوض هذه التجربة الطويلة والممتعة، فلم تكن أعمالي الفنية تلقى اهتمامًا كبيرًا لدى الجمهور؛ لأنه اعتاد على مشاهدة الصور التي يسهل قراءتها واستهلاكها سريعًا مثل صور الطبيعة والبورتريهات، وككل منتوج جديد أو متجدد كان لزامًا العمل على الترويج له بصيغ مختلفة لجلب المهتمين والمتخصصين إليه. الذوق يختلف حسب المتابع، فما أراه جميلًا لا يراه غيري كذلك بالضرورة، لكن في كثير من الأحيان، الغرابة في الصورة الفوتوغرافية تجعلها مميزة وجميلة ويجمع الكل على ذلك بالنظر لتفردها، وهذا ما حدث معي.

الآن تلقى هذه الأعمال البعيدة من الواقعية نجاحًا كبيرًا في أوربا وأميركا بين مقتني التحف الفنية، الذين لا يترددون في طلب نسخ أصلية من هذه الإنتاجات السريالية، التي تكلفني الوقت الطويل والبحث المستمر في خزائن الأحلام والفانتازيا بمخيالي من أجل الحصول على تركيبة مبتكرة، تخدع المشاهد من النظرة الأولى، وتشده إليها لمدة طويلة وهو يحاول فك شفراتها المعقدة أحيانًا والمستحيلة أحيانًا أخرى. فجُلّ أعمالي لا تحمل إلا عنوانًا لها من كلمة أو اثنتين من دون تفسير معمق وواضح لمحتواها، وهذا يجعلها عصية على التفسير ومفتوحة على كل التأويلات حسب المرجعية الفكرية للمتلقي، الذي أفرض عليه السباحة طويلًا في عمق كل لوحة وتوظيف كل ما أمكنه من خبرات، واستثمار مكتسباته لحل طلاسمها، من دون أن أقدم له مفاتيح هذا الحل.

من هنا يمكن الجزم بأن التصوير الرقمي يستفيد من التقنية من أجل توليد عمل فني مبتكر وجديد ويحمل صفات جمالية راقية. فمهما اختلفت الوسائل والتسميات والتوجهات الفنية، يبقى المبدع، رسامًا أو مصورًا يستخدم الأدوات المتاحة ليعبر بها عن نفسه وروحه المتجددة.

أما الشق الثاني من السؤال، فأبرز المعارض التي شاركت فيها هي: معرض مؤسسة see me بمتحف اللوفر بباريس (2015م)، ومعرضي الفردي «عالمي الصغير» بمراكش (2015م)، وصالون الصورة الإفريقية بأبيدجان، ساحل العاج (2016م)، ومعرضي الفردي «داخل أحلامي» برواق مؤسسة محمد السادس بالرباط، ومعرض السريالية الدولية الآن بالبرتغال (2016م)، ومعرض نوردارت بألمانيا (2017م)، ومهرجان الصورة الإفريقية بنيويورك (2018م)، ومتحف الفن الحديث بسانتياغو بالشيلي، وغيرها الكثير… كل هذه المعارض ساهمت في رفع القيمة الجمالية لأعمالي الفنية لدى المهتمين حول العالم، وفي شد انتباههم للسريالية العربية التي صارت تقارع الرواد الأوربيين والأميركان على وجه الخصوص.

صور بلا حدود

  معروف عن الفنان أشرف بزناني أنه «صيّاد ماهر» للجوائز العالمية؛ حدثنا عن أهم الجوائز التي فزت بها، وما المعايير التي تُقيّم بها الأعمال الفائزة؟

  الجوائز المختلفة التي حصلت عليها في المناسبات العديدة شكلت لي حافزًا كبيرًا لمزيد من العطاء والاستمرار في تجديد تجربتي الفنية من أجل الرقي بها إلى مستويات أعلى وأكثر تفردًا، كما شجعتني على الالتزام بالمذهب السريالي فيها لتعزيز مكانتي ضمن لائحة الرواد في هذا الصنف من التصوير، ومن أهم هذه التتويجات المرتبة الأولى في مسابقة نظمتها مؤسسة «بي تو زون» السويسرية المتخصصة في الأنشطة الرقمية، ووسام الاستحقاق في المهرجان الدولي للصورة بسيدني بأستراليا، ودرع الفن العالمي اليوم بألمانيا، وفضية مسابقة مئة مصور عربي، وفضية مسابقة باريس للتصوير الضوئي، ودرع يوليوس قيصر الذي تمنحه الأكاديمية الدولية للفن بإيطاليا.

كل هذه المسابقات لها عوامل مشتركة هي الجدية في التنظيم والالتزام بدعم الناشئين والترويج لأعمالهم لمنحهم ما يستحقون من شهرة. أما المعايير فتختلفُ من مسابقة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر إلا أنها تشترك في اختيار الأعمال الفائزة بالنظر للرسائل الهادفة التي تحملها في طياتها وما يميزها من غيرها من لمسات خاصة وأحاسيس وإبداعات كل فنان، إضافة إلى الجوانب التقنية التي تحدد في ميثاق المشاركة والتي تفرض جودة ووضوح الصور وصيغ محددة مسبقًا وجب احترامها. وتتكون لجان التحكيم عادة من دكاترة وفنانين متخصصين في مجال التصوير الفوتوغرافي، لهم إنجازات بارزة على المستوى العالمي، ويكون تصنيفهم للأعمال المتوجة نهائيًّا وغير قابل للطعن، بحيث يتم تبرير أسباب تتويج الفائزين مما لا يدع مجالًا للتشكيك في مصداقية هذه النتائج.

  هل ترى أننا، في الوطن العربي، يمكن أن نصل بالصورة الفوتوغرافية الفنية إلى المكانة التي لدى الغرب وخصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية واليابان وألمانيا؟

  الصورة في المغرب حتى في بقية دول العالم العربي لم تستطع أن تجد لها مكانًا محترمًا مثل ما تلقاه من اهتمام في الغرب. فالصورة في أوربا أتت بعد تراكم طويل لعدد من الفنون البصرية مثل: النحت والرسم والمسرح والسينما، وأتت الصورة في المغرب ولم تجد إلا تجارب غير مكتملة لبعض الفنون البصرية، وهو ما حدَّ من نسبة الإبداع وتطور التصوير الفوتوغرافي محليًّا. من وجهة نظري الشخصية توجد معوقات كثيرة تحول دون الوصول بالصورة الفنية إلى ما وصلت إليه لدى الغرب؛ لأن هذا المجال الفني ليس مفتوحًا للعامة، ويبقى مقتصرًا على فئة معينة دون غيرها، استطاعت بفضل مبادراتها وأبحاثها الشخصية أن تطور مستواها معرفيًّا وتقنيًّا، وتؤسس لمشروعات تصويرية ومذاهب مختلفة، وتترك بصماتها تاريخيًّا، وتعبد الطريق للأجيال الصاعدة، على الرغم من محدودية ذلك.

ما يعيشه العالم العربي الآن من عدم استقرار أمني يؤثر سلبًا في كل مناحي الحياة بما فيها التذوق الفني للأعمال الفوتوغرافية، إلا أن التجارب الفردية الناجحة المعزولة بدورها تحتاج للدعم وللتشجيع الغائبين تمامًا إذا ما سألتني شخصيًّا عن ذلك. فعوض اقتراض فوتوغرافيين من أوربا ومنحهم دعمًا غير محدود، كان حريًّا تخصيص هذا الدعم لشباب البلد وتمكينهم من وسائله خدمة لهذا الفن المتجدد، عوض تجاهلهم وسحب الثقة منهم، فهذا يفقدهم مواهبهم التي تندثر مع مرور الزمن.

  هل يوجد من يشجع المواهب ويرعاهم؟

  لا أعتقد ذلك، فالبرامج الحكومية لا تعير أي اهتمام للتصوير الفوتوغرافي في دور الثقافة، ولا في البرامج التعليمية في المدارس، نكاد لا نسمع طوال العام عن أي مسابقة حكومية للتصوير الفني، في حين نجد هيئات كثيرة تابعة لوزارات الثقافة في دول أوربية تكتشف وترعى المواهب لسنوات طويلة وتقدم لهم فرص ظهور واسعة، بل تصنع منهم نجومًا؛ لأن همها هو إثراء المشهد الثقافي والفني واستثمار مواهب الشباب للرقي ببلدانهم، فهي تعرف كيف تحافظ على تقدمها وسط الأمم. ومن منظور آخر للأسرة دور فعال في اكتشاف مواهب أطفالها وتعبيد الطريق لهم بصقلها، وحَفْزهم على الجد حتى يصيروا مبدعين ومتميزين في مجالاتهم، فإن غابت أدوار الأسرة ومؤسسات المجتمع والحكومة سنفقد البوصلة. وفي مقابل ذلك نجد أن الصورة الصحفية حاضرة بقوة في المشهد الثقافي محليًّا وعربيًّا، وراكم ممتهنوها تجارب رائدة ومتميزة؛ لأنها لا تحتاج اليوم أكثر من كاميرا هاتف ذكي تضعه في جيبك لتوثيق اللحظة.

جوائز ترعى التصوير

  حدثنا عن أهم الجوائز العربية والعالمية لرعاية التصوير الضوئي، وما رأيك في مسابقات التصوير الضوئي في الإمارات وفي العالم؟ كيف نصل بجوائز التصوير الضوئي في العالم العربي إلى ما وصلت إليه بعض الدول التي لها تاريخ في هذا المجال؟

  نكاد نجمع على كون جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الأفضل عربيًّا، من حيث التنظيم وعلو مستواه، ومن ناحية القيمة المالية للجوائز التي تعدّ الأعلى عالميًّا، فالمسابقة نجحت لأعوام منذ تأسيسها سنة 2011م في نشر ثقافة التصوير الفوتوغرافي في الإمارات وخارجها، واستطاعت أن تجذب إليها أنظار كل الشغوفين بالتصوير، فهي تواكب بدقة كل التطورات والمستجدات في صناعة التصوير العالمية. هناك أسباب عدة تشجع على المشاركة في جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الفوتوغرافي المعروفة اختصارًا (HIPA)؛ فلا يقتصر الأمر على نيل جائزة مالية سخية للغاية، وهو ما يكفي لتمويل المشروعات المستقبلية للمصور المخضرم حتى من هم في بداية مشوارهم من الناشئة، ولكنها تدعم أيضًا المجال على مستوى العالم وسوق التصوير الفوتوغرافي الناشئ داخل الإمارات.

أما المسابقة الأخرى فهي «لحظات» ناشيونال جيوغرافيك في أبو ظبي التي أراها شخصيًّا من أكثر المسابقات شعبية في منطقة الشرق الأوسط؛ لاعتمادها فلسفة الصورة الواحدة حسب شعار كل سنة. كما يمكن ذكر مسابقة سوني للتصوير الفوتوغرافي التي تعدّ واحدة من أعرق المسابقات التي تدعم الفنانين الهواة والمحترفين وتروج لهم بالشكل اللائق. أما بقية المسابقات في الدول العربية الأخرى فأغلبيتها لا تزال في حاجة إلى تطوير رؤيتها وأدواتها، وعليها أن تستعين بذوي الخبرات في مجالهم وتستفيد من تجربة الإمارات الرائدة، مستغلّة آلاف المواهب الطموحة من أبناء الشعب الذين ينتظرون الاهتمام الذي يستحقونه.