إجازة ابن أسد الأميوطي لتلميذه الحريري

إجازة ابن أسد الأميوطي لتلميذه الحريري

الإجازة العلمية إحدى دعائم التقاليد الراسخة في الحضارة الإسلامية، يمنحها العالمُ تلميذَه ليرويَ عنه، أو أن يأخذها الطالب من علماء بلده أو أن يسافر ليلتقي العلماء ويأخذ الإجازة منهم، وتكون الإجازة في علوم مثل: القرآن الكريم أو الحديث أو في غيرهما من العلوم المختلفة، وفي الأغلب تكون الإجازة بخط الشيخ المُجِيز.

بينما نجد هذه الإجازة مستقلة في كراسٍ، أو بشكل منفصل، نجدها مكتوبة على ظهر كتاب من تأليف المجيز، أو من تأليف غيره. وهي أنواع، فقد تكون إجازة سماع أو قراءة أو مناولة، ولها تفاصيل وتقاليد لا يتسع المجال لذكرها (١). ومن هذه الإجازات: الإجازة التي بين أيدينا، وهي إجازة في علوم عدة، من أحد علماء القرن التاسع وهو العلامة أحمد بن أسد الأميوطي لتلميذه عبدالرحمن الحريري. والإجازة تقع ضمن المجموع رقم 12/22 بمجموعة مدرسة الحجيات، ضمن مكتبة الأوقاف بالموصل(٢) وترتيبها رقم (8). فرأيت نسخ هذه الإجازة، وكتابة ترجمة للمجيز والمُجاز، والتعليق بما يناسب، ونسأل الله التوفيق والسداد.

ترجمة المجيز:
الإمام العلامة أحمد بن أسد الأميوطي (808 – 872 هـ)

هو أحمد بن أسد بن عبدالواحد بن أحمد الشهاب أبو العباس بن أسد الدين أبي القوة الأميوطي الأصل السكندري المولد القاهري الشافعي المقرئ ويعرف بابن أسد. ولد بالإسكندرية وانتقل منها صحبة أبويه إلى القاهرة، وحفظ القرآن والعمدة والشاطبيتين والدماثة في القراءات الثلاثة للجعبري والطيبة لابن الجزري، وأخذ الفقه والعلوم عن شيوخ ذاك العصر وهلم جرًّا. ارتحل مع ابن الجزري للحج فتلا عليه بعضًا، وكذا سمع على غير واحد من شيوخ بلده والقادمين إليها، وتكسب في أول أمره بتعليم الأطفال ونبغ من عنده جماعة، وكذا تكسب بالشهادة، وبرع في الشروط، وولي تدريس القراءات بالبرقوقية، وبالمؤيدية، وبالسابقية، وقراءة الحديث بالقلعة.

كل ذلك مع صرف الهمة في العلم والمداومة على المطالعة والمقابلة ونحوهما حتى تقدم في الفنون، وقد أقرأ الطلبة في الفقه والأصلين والعربية والصرف وغيرها، وقُصِدَ في القراءات وصار المشار إليه فيها. نظم رحمه الله «رسالة ابن المجدي في الميقات» في أرجوزة سماها «غنية الطالب في العمل بالكواكب»، وشرع في شرح على الشاطبية، وفي ذيل على تاريخ العيني، ونظم في التاريخ أرجوزة سماها «المترف من الأشرف إلى الأشرف»، واعتنى بكثير من كتبه فحشّاها وقيّد مُشْكِلَها. مات في يوم الإثنين لعشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثمان مئة، بين الحرمين وهم سائرون في وادي الصفراء، ودُفِنَ بالحديدة(٣).

ترجمة المجاز:
عبدالرحمن بن عبدالغني الحريري (854 -… )

هو عبدالرحمن بن عبدالغني بن محمد بن عبدالرحمن القاهري الحريري العقاد والده الحنبلي، ويعرف بابن العقاد. ولد بالخراطين قريبًا من الأزهر، وحفظ القرآن الكريم، وعمدة الأحكام، والأربعين النووية، وألفية الحديث والنحو والمحرر، وجمع الجوامع، والتلخيص، وقواعد ابن هشام وألفيته. قرأ القرآن الكريم، وتلا للسبع إفرادًا وجمعًا على الأميوطي، لكن إلى آخر سورة الأنبياء، وكان معه حين تُوفي بالحديدة. كان له تميز وفهم، وتكسب بالشهادة وراج أمره فيها، لحذقه وسرعة كتابته وإنهائه الأمور، خصوصًا مع إقبال القاضي عليه، وصار لذلك كله محسودًا(٤).

نص الإجازة: بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه، أحمدُ الله الذي رفع للعلماء أهل القرآن قدرًا لا يُنال، وجعلهم بما أُوتُوهُ من العلم محط الرِّحال، وسلَك بهم منصبَ السيادة في أقومِ مِنهاجٍ وأكملِ حال؛ فكانوا قدوةً للأنام في الأقوالِ والأفعال، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمَّدٍ المخصوصِ بعموم الإرسال، وعلى آله وصحبه خيرِ صحبٍ وآل، صلاةً وسلامًا دائمين بالغُدوِّ والآصال.

وبَعْدُ؛ فقد قرأ عليَّ العبدُ الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العالم الأنور عبدالرحمن تقي الدين ابن العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الصالح أبي الخير تاج الدين عبدالغني بن محمد الحريري والده المشهور بالعقَّاد الحنبلي، ذو القريحة الذكيَّة، والهمة العليَّة، والحافظة السَّنِيَّة، أمتعه الله بحياةِ والدِه، وأمتع والدَهُ بكمال محامده، وجمع شملهما ما ائتلف الفَرْقَدان على طول المدى، ووهب لهما ما اختلف الجديدان فرحًا مجَدَّدًا، القرآنَ العظيم جلَّ مُنزله، من أوله وإلى آخر سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بالقراءات السبع، بما تضمنه وحواه كتاب «التيسير» للداني، و«الشاطبية» للشاطبي، و«العنوان»(٥)، وبما وافق ذلك من الكتب المبسوطات والمختصرات، وقرأ عليَّ سورة الكوثر(٦)، وسمع من قراءتي سورةَ الصف من أولها إلى آخرها(٧).

وقرأ عليَّ من أول «جمع الجوامع» للعلامة قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهاب بن العلامة قاضي القضاة تقي الدين علي السُّبكي الشافعي في الأصول، وشَرْحه لشيخنا العلامة جلال الدين محمد المحلي الشافعي تغمده الله تعالى في رحمته إلى أثناء باب النهي. وسمع عليّ «ألفية ابن مالك» وشَرْحها للعلامة بدر الدين ابن أم قاسم(٨) إلى باب الحكاية، قراءةَ بحثٍ وإفادة واستفادة. وسمع عليَّ من القرآن العظيم جزءًا صالحًا بالقراءات العشر: السبع المشهور[ة]، وقراءة أبي جعفر المدني، ويعقوب البصري الحضرمي، وخلف البزار الكوفي في اختيار من طريق شيخنا العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن الجزري الشافعي تغمده الله تعالى في رحمته.

وقد أجزتُ له -وله الفضل- قراءةَ ما قرأه وما سمعه منِّي وعليَّ وما بقي عليه من ذلك والإقراء به حيث حلَّ وأين كان ولمن شاء بذلك وبما شاء منه، وما يجوز لي وعني روايته، وأسانيدي في ذلك مذكور[ة] في كتاب شيخنا العلامة شمس الدين محمد بن الجزري «النشر في القراءات العشر»، فمن أراد الوقوف على ذلك فعليه بالكتاب المذكور، والحمد لله وحده.

وكان انتهاء هذه القراءة المباركة بالمدرسة الزينية(٩) بظاهر القاهرة المعزية، في يوم السبت الأنور تاسع شهر رمضان المعظم قدره وحرمته، سنة اثنتين وسبعين وثمانمئة، والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل.

قاله وكتبه فقير رحمة ربه الغني الصمد أحمد بن أسد بن عبدالواحد بن أحمد الأميوطي المقرئ الشافعي. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين.


الهوامش:

١) انظر على سبيل المثال:

• إجازات السماع في المخطوطات القديمة، د/صلاح الدين المنجد، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج١، ع٢، ١٣٧٥هـ/١٩٥٥م، ص ص ٢٣٢-٢٥١.

• إجازات السماع في المخطوطات العربية: النوع ودراسة الحالة، تيلمان زايدنشتيكر، نقله للعربية وقدم له: أحمد عبدالباسط، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج64، ج1، ص 200.

٢) فهرس مخطوطات مكتبة الأوقاف العامة بالموصل ج3 ص11، وفي مقدمة الفهرس نبذة عن مدرسة الحجيات.

٣) بتصرف من الضوء اللامع ج1 ص228-231.

٤) بتصرف من الضوء اللامع ج4 ص85-86.

٥) العنوان في القراءات السبع لأبي طاهر إسماعيل بن خلف بن سعيد المقرئ الأنصاري السرقسطي (المتوفى: 455هـ).

٦) أي الحديث المسلسل بقراءة سورة الكوثر.

٧) أي الحديث المسلسل بقراءة سورة الصف.

٨) الحسن بن قاسم بن عبدالله المرادي المصري، أبو محمد، بدر الدين، المعروف بابن أم قاسم: مفسر أديب، مولده بمصر وشهرته وإقامته بالمغرب. توفي سنة (749هـ) بسرياقوس (بمصر). الأعلام (2/211).

٩) لم تتوافر لدي معلومات عن هذه المدرسة.