الإصلاح والتطوير

الإصلاح والتطوير

مرت المؤسسات الدينية فيما مضى بكثيرٍ من الدعوات الإصلاحية التي تهدف إلى تغيير أساليب تناولها للقضايا الدينية، وفي مقدمة ذلك إصلاح المناهج التعليمية، وتطوير الخطاب الديني الذي يُبث عبر المنابر والمساجد، وبخاصة بعد أن تفاقمت الأحداث والنتائج السلبية التي أفرزتها التنظيمات المتطرفة كتنظيم
داعش وغيره.

وبما أن الموارد البشرية هي الثروات الأكثر أهمية في كل مجتمع، أصبح التركيز على إعداد الطلاب المبدعين الهدف الرئيس للمؤسسات التعليمية في الوطن العربي، لتأهيل أجيال قادرة على مواكبة المتغيرات التقنية والتطور المعرفي، والاستفادة منها في الحفاظ على الهوية الإسلامية، وعلى مقومات الحضارة العربية من خلال تفعيل وتنفيذ خطط الإصلاح وتطوير المناهج، وتوجيه قدرات الطلاب لاستخدام أساليب التعليم المتطور لخدمة الإسلام المعتدل، ونشر تعاليمه الحقيقية التي تجعله منفتحًا على العالم، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في تطوير التعليم والعملية التعليمية، واستخدام الوسائل والمناهج التي تحث على الابتكار، والتحديث، والاستمرارية، وتوفير البيئة التعليمية المناسبة للعلاقة الإيجابية بين الطالب والمعلم في جميع مراحل التعليم.

رؤية علمية عصرية

ومن هنا؛ يمكن تحقيق الأهداف المرجوة من إصلاح الخطاب الديني، وتبني رؤية علمية عصرية تُستخدم فيها العناصر ووسائل التقنية الحديثة لنشر فكر معتدل وسلوك منضبط، والعودة إلى مقاصد الإسلام الكبرى وهي سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وأن تكون المجتمعات الإسلامية مثالًا للإبداع والابتكار والانفتاح على المجتمعات الأخرى من دون التأثر السلبي بهم، وإنما التأثير الإيجابي فيهم، وذلك عبر تحسين العملية التعليمية وتطويرها، وتوفير علاقات متوازنة بين المرسل والمتلقي سواء ضمن الدائرة التعليمية أو خارجها، والأهم من ذلك انعكاس المعتقد الديني المعتدل على السلوكيات والتصرفات لبناء علاقات سوية بين المجتمعات الإسلامية وغيرها.

ونظرًا لأهمية هذه القضية، وخطورة نتائجها على عالمنا العربي، فقد خصصنا ملف هذا العدد من مجلة «الفيصل» لمناقشة الإصلاح والتطوير الديني في المناهج، وشارك في النقاش عدد من الخبراء والمختصين والباحثين، حول دور وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى تسليط الضوء على أبرز التجارب العربية في هذا المجال.

تطور الخط العربي

تطور الخط العربي

كشف كثير من الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة، وكذلك عمليات التنقيب المستمرة في تراث الجزيرة العربية ومخزونها الثقافي، عن اهتمام العرب المبكر بالخط العربي في عصور ما قبل الإسلام، وقد نقلت إلينا هذه الكشوفات مراحل تطور اللغة والاهتمام بها من خلال النقوش الموجودة على الصخور في مناطق مختلفة من أرض المملكة، وكذلك من خلال اكتشاف الخطوط النبطية والسريانية وغيرها من الخطوط والكتابات التي عرفتها الجزيرة العربية وامتدت إلى الحضارات المجاورة في العراق والشام، وقد تناول الباحثون تلك الخطوط بالدراسة والتحليل العلمي، فكانت وسيلة لمعرفة التسلسل التاريخي، وتعاقب الحضارات، والربط بين الماضي والحاضر.

وبعد نزول القرآن الكريم باللغة العربية، وانتشار الإسلام بين الأمم والشعوب، ارتفع شأن اللغة العربية، وتزايد الاهتمام بالخط العربي، وشهد كثيرًا من مراحل التطور التي ظهرت في مخطوطات القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمؤلفات المخطوطة التي تعكس مدى اهتمام العرب والمسلمين بالخط العربي، وصولًا إلى استخدامه في أعمال الزخرفة وتزيين المساجد، وتحوله إلى جزء أصيل من تراث العمارة الإسلامية في مختلف العصور.

وفي العصر الحديث؛ تطور الاهتمام بالخط العربي من حيث الأدوات المستخدمة، وكذلك من حيث إصدار الدوريات التي تهتم بفنونه المختلفة، إضافة إلى عناية شخصيات بارزة بالخط العربي، وكذلك مؤسسات عملت على إبرازه وتطوير فنونه، ومن ذلك مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والجمعيات والملتقيات المتخصصة التي تقوم على دعم الجهود والأبحاث العلمية في مجال دراسات الخط العربي والمحافظة على تراثه، وقد أطلقت وزارة الثقافة السعودية عام 2020م مبادرة مهمة تحت عنوان «عام الخط العربي»، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز الاهتمام بلغة الضاد، وتثقيف الأجيال الجديدة من خلال نشر ثقافة الخط العربي في ظل المعطيات التقنية التي أثرت بصورة أو بأخرى في استخدامه في الحياة العامة، وبخاصة لدى النشء في مختلف المراحل الدراسية والتعليمية.

ونظرًا لأهمية هذه القضية، فقد خصصنا ملف هذا العدد من مجلة «الفيصل» لمناقشة مستقبل الخط العربي، وطرحنا الأمر على عدد من المثقفين والمختصين للتعرف إلى رؤيتهم لمستقبل الخط العربي، وأثر التطور التقني في فنونه، إضافة إلى تسليط الضوء على أبرز تجارب الخط العربي في الدول التي لا تتحدث
اللغة العربية.

مستقبل الأمن الغذائي في الوطن العربي

مستقبل الأمن الغذائي في الوطن العربي

يرتبط الأمن الغذائي ارتباطًا جذريًّا بتوفير الشروط الأمنية الأساسية التي تضمن سلامة التبادل التجاري، وتيسير عملية الإمدادات الغذائية بين دول العالم، وقد عُرف مصطلح «الأمن الغذائي» في المؤتمر العالمي للغذاء لعام 1974م بأنه «تعزيز الإمداد»، بمعنى أنه لا يتحقق الأمن الغذائي إلا حينما يتمكن جميع الأفراد في كل زمان من الحصول على الغذاء الآمن والكافي لتلبية احتياجاتهم الغذائية، غير أن هناك أزمات دولية تحدث في دول محددة، ولكنها تلقي بظلالها السلبية على مختلف دول العالم وتهدد أمنها الغذائي، وتُعد النتائج التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية أحد أهم المؤشرات الواضحة على حجم الخطر الذي يهدد الأمن الغذائي العالمي، ففي مدة زمنية وجيزة تسببت هذه الحرب في زيادة عالمية أثارت كثيرًا من المخاوف الناتجة من فرض المزيد من القيود على تصدير المواد الغذائية، إذ أشارت تقارير دولية إلى أنه «في غضون أسابيع قليلة، شهدت دول عدة قيودًا على تصدير المواد الغذائية، كما شهدت زيادة كبيرة بلغت 25%، ليصل إجمالي عددها إلى 35 دولة»، وأنه بنهاية شهر مارس 2022م، «فُرِضَ 53 تدخلًا جديدًا على صعيد السياسات، وهو ما أثّر في تجارة المواد الغذائية، وأدى إلى زيادة هائلة في أسعار القمح بلغت 30%».

كانت القيود التي فرضتها روسيا على صادرات القمح إلى بلدان خارج الاتحاد الاقتصادي للمنطقة الأوربية الآسيوية أثره الواضح في أسعار القمح في العالم، واتخذت بعض الدول نتيجة لذلك عددًا من الإجراءات التي حاولت بوساطتها تعويض احتياجاتها من القمح التي كانت تحصل عليه من روسيا أو من أوكرانيا، ومن تلك الإجراءات إصدار توجيهات وقرارات تهدف إلى الدعم المحلي للزراعة في تلك الدول التي تسعى لتعويض وارداتها من القمح أو غيره من المواد الغذائية، خصوصًا من روسيا وأوكرانيا.

وبالنظر إلى البيانات التي نشرتها منظمة الأغذية والزراعة؛ نجد أن الدول العشر الكبرى في إنتاج المحاصيل الزراعية الأولية لعام 2021م لم يكن من بينها أي دولة عربية، وكذلك الدول العشر الكبرى التي تصدّر الغذاء على مستوى العالم لم يكن من بينها أي دولة عربية، وهو ما يعكس حجم النتائج السلبية التي تلقي بظلالها على الأمن الغذائي العربي، وفي الوقت الذي يؤكد فيه كثير من التقارير الاقتصادية أن الدول العربية «تعاني فجوةً غذائيةً منذ سنوات»، تكشف تقارير أخرى أن الآثار الاقتصادية المترتبة على هذه الفجوة قد «بلغت في عام 2020م نحو 35.3 مليار دولار»، وأن الحبوب هي نقطة الضعف الكبرى لدى الدول العربية؛ لكونها «تمثّل 47.8% من إجمالي قيمة تلك الفجوة»، إذ بلغت واردات الدول العربية من الحبوب ما قيمته 20.8 مليار دولار في عام 2020م، وكان القمح على رأس القائمة بقيمة بلغت أكثر من 9 مليارات دولار.

ونظرًا لأهمية هذه القضية، وخطورة نتائجها السلبية على عالمنا العربي، فقد خصصنا ملف هذا العدد من مجلة «الفيصل» لمناقشة مستقبل الغذاء في العالم العربي، وطرحنا الأمر على عدد من المثقفين والمختصين لتعرُّف إلى رؤيتهم لمستقبل الأمن الغذائي، ودور الحرب الأوكرانية في تهديده أو ضرب استقراره، إضافة إلى تسليط الضوء على أبرز التجارب العربية في هذا المجال.

ما بعد المثلية

ما بعد المثلية

الطبيعة الإلهية هي أن الله خلق من كل زوجين اثنين (الذكر والأنثى)، وما هو غير ذلك يتعارض مع هذه الطبيعة والفطرة التي خلق الله بها الأرض ومن عليها.

ولا تزال «المثلية الجنسية» من القضايا الشائكة في المجتمعات العربية والإسلامية، فهي من السلوكيات المرفوضة ليس فقط لأسباب دينية، ولكن أيضًا لأسباب متعلقة بالأخلاقيات والأعراف والبنية الثقافية للمجتمع، إلا أن «نسبة الرفض» تتراجع بالتدريج من وقت لآخر، وبعد أن كانت الدول العربية والإسلامية تعارض تحركات الأمم المتحدة، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الرامية إلى تعزيز حقوق المثليين، أصبحت «العلاقات الجنسية المثلية قانونية في 18 بلدًا بدءًا من 2015م». وقد أظهر استطلاع عام 2007م أُجرِيَ على مسلمين بريطانيين أن 61% يعتقدون أنه يتوجب على المثلية الجنسية أن تكون غير قانونية، وأظهر استطلاع لاحق لمؤسسة غالوب عام 2009م أن لا أحد من أصل 500 مسلم بريطاني شملهم الاستطلاع يعتقد أن المثلية الجنسية «مقبولة أخلاقيًّا»، ولكن مع الوقت أصبحت الفئات المسلمة التي تعيش في أميركا وأوربا أكثر تقبلًا للمثلية الجنسية، وفي أميركا على سبيل المثال: أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث يعود لعام 2007م، أن نسبة 27% من المسلمين الأميركيين يعتقدون أنه ينبغي تقبّل المثلية الجنسية. وارتفعت نسبة المؤيدين لتقبّل المثلية في استطلاع لعام 2011م لتصل إلى 39%. وكشف استطلاع في يوليو عام 2017م أن نسبة المسلمين الأميركيين المؤيدين لتقبّل المجتمع للمثلية الجنسية تجاوزت من عارضها لتصبح 52%، مقابل نسبة المعارضين التي انخفضت لتصبح عند 33%، بل ظهرت جمعيات تحمل شعارات إسلامية تدعم حقوق المثليين، ففي عام 2011م نُظِّمَتْ مسيرة لقافلة إسلامية داعمة لحقوق المثليين في شوارع لندن.

هذا القبول التدريجي للفكرة التي كانت تواجه رفضًا قاطعًا من الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، يدفع إلى سؤال إشكالي كبير: ماذا بعد المثلية؟

لم تعد القضية متصلة فقط بالأبعاد الدينية، ولا بالمجتمعات العربية والإسلامية كما يتصور بعضهم فحسب، بل أصبحت قضية جدلية تشغل كثيرين في مختلف دول العالم، وتتطلب كثيرًا من البحث والدرس والتحليل والتأمل العلمي والفكري في ظل الارتفاع المتزايد لنسبة القبول حول العالم، ويكفي أن اليابان هي الدولة الوحيدة في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي لا تسمح بزواج المثليين حتى الآن على الأقل.

ونحن في مجلة «الفيصل» قد خصصنا ملف هذا العدد لـ«ما بعد المثلية»، وطرحنا القضية على عدد من المثقفين والمختصين؛ لاستيضاح الحقائق التي حملتها إلينا تلك الأفكار، والتعرف كذلك إلى ما يدور حولها من جدلٍ أو تشكيك.

مستقبل الأمن الغذائي في الوطن العربي

سينما الزومبي

هناك كثير من التفسيرات لمصطلح (الزومبي)، فهو قد يعني الكسالى، وقد يعنى الموتى الأحياء، كما يعني الجثث المتحركة بوسائل سحرية، وهناك أيضًا أقوال كثيرة حول أصوله الثقافية أو جذوره اللغوية، ولكن القاسم المشترك بين كل التعريفات والأقوال أنها تفضي إلى حقيقة مفادها أن (الزومبي) هو الشخص المجرد من الوعي والإرادة الذي يُحرّكة ويُوجّهه ويَستخدمه آخرون، وقد اكتسب هذا المصطلح، والشخصيات التي ينتجها مفهوم المصطلح؛ شعبية وشهرة واسعة في مختلف دول العالم، خصوصًا لدى الأطفال والمراهقين، وتعدّ ظاهرة الزومبي من ظواهر القرن العشرين، ولكنها انتشرت بصورة أكبر في القرن الحادي والعشرين، وقد بات من الواضح أن الزومبي قد تجاوز حدود النوع الفني، ولم يعد مقصورًا على السينما وحدها، فأصبح رمزًا ثقافيًّا واسع الانتشار في الفن والأدب والموسيقا والألعاب ومعطيات الثقافة الشعبية، وأصبح كما قال دولوز وغوتاري (1972م)، «الأسطورة الحديثة الوحيدة
هي أسطورة الزومبي».

يبدو أن الزومبي هو دلالة متغيرة بتأويلات لا تنتهي، فهو يمثل العديد من قصص نهاية العالم من دون تغيير في طبيعته الأساسية: معيشة الاستهلاك، والفقر، والجوع، والتدهور البيئي. ولم يعد الزومبي مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح أساسًا للتفكير النقدي والفحص الذاتي الثقافي، وقد حظي هذا الموضوع باهتمام كثير من الإصدارات الأكاديمية.

الظاهرة الثقافية للزومبي تقدم لنا أمثلة ورموزًا متقاطعة لروح إنسانية حديثة، والرموز هنا تمثل أزمة في النظرة إلى العالم لم يسبق لها مثيل في الحضارة الغربية الحديثة، وهو ما يعكس حال التعب والإعياء والعزلة الذي خلفته الحرب الباردة، وتهديدات النهاية لهذا العالم النووي.

الزومبي، وفقًا لجميع الروايات تقريبًا، هم صورة مشوهة خيالية وانعكاس ذاتيّ للإنسانية الحديثة، حيث تبدأ معظم التفسيرات لظاهرة الزومبي بهذه الفرضية، وبطريقة محورية، تقول: إن «الزومبي هم نحن»، وإن الزومبي يمثلوننا، ولكن بشكل أكثر تحديدًا، يمثلون خراب كل ما له معنى في داخلنا.

وفي ظل الآراء التي تؤكد أن مفهوم «الزومبي» الآن أصبح جزءًا من الثقافة، وأنه تحول بسبب انتشاره عبر الأعمال السينمائية إلى علامة من علامات المرحلة الراهنة، نتساءل: إلى أي درجة يمكن ملاحظة تأثيره في الفنون الأخرى كالأدب (شعر، قصة، رواية، قصص الأطفال)، وفي الفن (مسرح، دراما، موسيقا، غناء، فيديو، ترفيه)، وكذلك في التشكيل (رسم، تصوير، نحت، إبداع رقمي).

وللإجابة عن بعض هذه الأسئلة، وغيرها من الإشارات الثقافية المتصلة بقضية الزومبي، فقد خصصنا ملف هذا العدد من مجلة «الفيصل» لمناقشة القضية، وتناول أبعادها، ومدى تأثيرها في مجالات الحياة المختلفة من خلال آراء المشاركين من الباحثين والمختصين.