الحظر والخطر في مجتمع الصورة وصورة المجتمع

الحظر والخطر في مجتمع الصورة وصورة المجتمع

مفهوم الحدود من القضايا الأكثر جدلية في السينما، وفي الفن عمومًا. وعلى الرغم من أهمية هذه الظاهرة، لم يتناوله النقد إلا بحدود ضيقة؛ فغالبًا ما نسمع أن تلك الصورة قد تجاوزت الحدود، أو أن ذاك الفِلْم قد انتهك الأعراف الدينية أو الاجتماعية، من دون الاقتراب من مضمون الحدود وإشكاليات التجاوز. إننا نتعايش مع الحدود، سواء قبِلنا بها أم رفضناها، تَطَبعنا عليها وأصبحت جزءًا من حياتنا وطقوسنا أم أمسكنا عنها مُتخذين موقفًا ممانعًا لها.

نعني بالحدود تلك الضوابطَ والقوانين الاجتماعية والدينية والأخلاقية، والسياسية التي تُشكل في مجملها مجموعَ القواعد التي تحكم العلاقاتِ بين الفرد والمجتمع وبين الأفرادِ أنفُسِهِم. وهي حواجزُ وهميةٌ، متحركة بسبب عامل الزمن، فتكون في أغلب الأحيان شفاهية، مُتداولة كعرف وتقاليد، بمعنى لا تدخل ضمن لوائح الدولة وقوانينها؛ إذ تَقع في اللاوَعْي الجمعي للبشر، بحسبِ عالِمِ النفسِ السويسري كارل يونغ، فهي تعيش بداخلِهم، وتُوجهُ حياتَهم وتصرفاتِهم، من دونِ الشعورِ بوجودها، إلا في أوقاتِ الأزماتِ، حيث تطفو على السطحِ وتُثير التساؤلات والإشكالات. ونقصد بالأزمات هنا، التحولات الكبرى في الاقتصاد والسياسة والحروب والصراعات الدينية والعرقية… وغيرها.

التحرش بالخطوط الحمراء

يطفو موضوع الحدود على السطح ويصبح حالة جدلية عندما تحدث عملية تجاوز-اختراق، أي ولوج مناطق محظورة ومُحرمة اجتماعيًّا. والتجاوز هنا، بمعنى الإفراط، والغلو، والخرق، والتمرد، والعصيان، وهو في الفن ما يَصدم وما يَتعدى إلى مناطقَ غير مُكتشفة، ومُحاطة بأسلاك شائكة وممنوعة دينيًّا واجتماعيًّا وعرفيًّا. تُثار بين الفينة والأخرى نقاشات اجتماعية عنيفة وصراعات تكاد تكون دموية أحيانًا، وذلك عندما تجري عملية «تحرش» بالحدود من موقعها الديني، كما في حادثة نشر الرسوم الكاريكاتيرية التي صورت النبي محمدًا، في صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية، في عام 2015م، أو تلك التي عرضها أستاذ التاريخ صامويل باتي وفقدَ حياته بسببها، ذبحًا، على يد شاب شيشاني في أكتوبر، عام (2020م). عُدّت تلك الرسوم صورًا مسيئة للنبي (محمد)، زادت من ترسيخ خطاب الكراهية والعنصرية؛ لأنها تجاوزت حدود الصورة وشكلت اعتداءً على قيم ومفاهيم دينية متأصلة في مشاعر أغلب المسلمين. هذا النوع من الحدود هو الأخطر والأصعب ويحدث من وقت لآخر لأن عملية التجاوز موجودة في نظام إنتاج الصورة نفسه.

يتحدث كتاب «الصورة والتجاوز في القرون الوسطى»(١)، عن حدود تأسيسية، بمعنى أنها متجذرة يصعب اختراقها وهي محاطة بخطوط حُمر بشكلٍ حقيقي. ولهذا يعني اختراقُها، اعتداءً وتهديدًا لقيم راسخة. لكن، أليست هذه الحدود هي الهدف الأسمى لصناع الأفلام ومنتجي الفن بشكل عام، يستعملونها تارة كسلاح وطورًا كغاية جمالية؟

في السينما هناك عملية عبور- اختراق دائمة لتخوم النظرةِ التقليديةِ للفن ولكل ما يُمكِن عَدُّه مقدسًا أو مُحرمًا أو ممنوعًا، كما سعى السينماتوغراف منذ بداياته إلى الدخول إلى المناطق المحظورة، التي أثارت شغف محبي فن الصور المتحركة. عدّت الطبقات المثقفة «فن الفرجة» مُتعة سوقية يومذاك، وعدت روادها، من العامة والغوغاء الذين لا عمل لهم غير النظر في الـ«كينو توسكوب» وهي صناديق الفرجة، لمشاهدةِ طبيعةِ أي شيءٍ مُتحرك، مقابل بضعة قروش، وذلك لرؤية كيف تتحرك الصور. لكن سرعان ما تغيرت النظرة تجاه هذا الوليد التقني الجديد واستحوذَ السينماتوغراف على مكانة خاصة في قلوب كل الفئات والطبقات الاجتماعية. ولفهم علاقة البشر بمفهوم الحدود الذي يتبدل مع مرور الزمن، سيتوجب علينا أن نُلقي نظرة سريعة على خريطة تطور الذوق العام وعوالم السينما نفسها.

فَهمَ صناعُ الأفلام والمنتجون الأوائل هوسَ الجمهور وولعهم بالصورة المتحركة، فصنعوا أفلامًا أثارت فضول مُحبي السينماتوغراف، حيث سرعان ما انتقل شَغف الجمهور إلى ولعٍ بالصورة الصادمة، فأبدعوا أفلامَ المغامرات والرحلات الخطِرة والمأساوية، أو المعارك الحربية وعمليات مطاردة الخارجين على القانون، وأفلام العصابات والموضوعات الحسية، وكلها أفلامٌ دَغدغتْ عواطفَ المتفرجين وشغفهم بالإثارة. لكن لم تمرّ هذه الأفلام من دون مشكلات كانت تُثار من حين إلى آخر. ففي حادثة حصلت في أثناء عرض فِلْم «القبلة» في عام (1896م)، اعترض صحافِي أميركي، هيربرت إس. ستون، على مشهد قبل فيه البطل عشيقته؛ إذ استفزَّ هذا الشريط الجانبَ الأخلاقي لدى الصحافِي، الذي اعتبر القبلة خادشةً للحياء، وتُسيءُ إلى الذوق العام(٢)، وهو ما جَعلهُ يتصل بالشرطة لإيقاف العرض. طبعًا نستطيع تخيلَ هذا «التجاوز»، من دونِ عَناء، الذي لم يكن بمستوى فهمنا للحَياء اليوم، بسبب تحرك الحدود إلى مواقع أكثر تقدمًا، وتغير ذوق الجمهور في استقبال الصورة.

ولو نظرنا من جانب آخر، إلى القوانين التي حكمت السينما والإنتاج في أميركا في بدايات السينماتوغراف، لوجدنا أن شروط الرقابة الأميركية المفروضة، على أفلام حقبة أواسط الثلاثينيات حتى الستينيات من القرن الماضي قد منعت في وثيقةٍ رسميةٍ ظهورَ المنطقة المحرمة في أعلى الفخذ وحرمت إقامة علاقة جنسية ما بين أصحاب البشرة السمراء والبيضاء. كما جاء في الوثيقة نفسِها: «لو وُجِد رجلٌ وامرأةٌ على فراش، فلا بد من ملامسةِ قدمِ واحدٍ منهما، الأرضَ على الأقل».

وهكذا كان هدف الرقابة، منذ البدايات، قائِمًا على مسألة رسم الحدود المسموح للشاشة البيضاء تناولها، فلا يجب بأي شكلٍ من الأشكالِ عبور الحدود المعنية اجتماعيًّا، أو حتى الاقتراب منها. نعم، إنها حدودٌ مسورةٌ بأسلاكٍ شائكة، ويُمكِن أن تكون قاتلة.

حدود التطرف في السينما

ولئن كانت السينما كشكلٍ فني راقٍ، لا يُمكِنها التوقف عند حدودٍ معينة. فقد سعت باستمرار إلى التحرش بالتخوم وزحزحتها. وهنا يأتي نوع أفلام «الحالات القصوى» أي الـ «إكستريم». يستعين هذا النوع من السينما بأدوات فتاكة كالعنف المفرط والجنس المُباح والقضايا الفضائحية، والتحرش بالمُثل والمفاهيم العامة مثل العائلة، والدين، والدولة، كما في الأفلام السريالية كشكل فنيّ (معنيّ بالتجاوز) ليوجه نار أسلحته باتجاه الحدود في محاولات لاستئصالِها أو على أقل احتمال دفعها إلى أماكن أبعد. وتُعَدّ هذه الأعمالُ المعنيةُ بالـ«إكستريم»، نماذجَ مُشاكسة ورافضة، تسعى إلى تقديمِ عالمنا على نحوٍ مغايِرٍ، وهكذا، تتجاوز المحظوراتِ.

في حديثه عن فِلْم «كلب أندلسي» (1929م) ذكر لويس بونويل أنه اتفق مع سلفادور دالي على «عدم قبول أية فكرة يمكن أن يكون هناك مجال لتفسيرها بشكل عقلاني أو سيكولوجي أو ثقافي، وعلى فتح كل الأبواب على اللاعقلانية». ويُعَدّ «كلب أندلسي» من أكثر الأفلام السوريالية شهرة، برموزه وقوة سخريته من البرجوازية والقيم الفكرية البالية، وهو ما حدا بمخرجه (بونويل) للاختباء، والتخفي خوفًا، واضطراره إلى حمل مسدس كلما غادر المنزل. ومهما قيلَ وكُتب عن هذا الفِلْم الطليعي، من نقد مدحًا أو عدم قبول من كثير ممن شاهدوه وقتئذ، لكنه قد غيّر وعينا.

عملت السوريالية بوصفها حركة لا عقلانية، على تحطيم الرقابة والممنوعات وتدمير القيم والمفاهيم البرجوازية، فشنّت حربًا لا هوادة فيها ضد المركزية والدولة والعائلة والكنيسة والمجتمع البرجوازي. وكذلك فعلت التعبيرية في محاولتها الربط بين المرئي واللامرئي، والدادائية، في إهمالها للشكل حيث لا ممثلين ولا مقابَلات، والتحرر من أية عناصرَ بصرية تقليدية. وهكذا فإن هذه الحركات اشتركت في توكيدها التطرفَ وتحقيق الصدمة بهدف اجتثاث القيم الرجعية لمؤسسات أثبتت إفلاسها(٣).

بعد نحو خمسة وثلاثين عامًا أنجزَ الإسباني فرناندو آرابال، فِلْمًا لا يقل تهكمًا وتعديًا على البرجوازية والكنيسة، وهو «يحيا الموت» (1971م). قصة الفِلْم تقع أحداثها بعد الحرب الأهلية الإسبانية، أيام الجنرال فرانكو حيث يحاول الصبي المراهق «فاندو» أن يعرف سر اختفاء والده، الذي سرعان ما يكتشف أن أمه المتدينة هي نفسها من وشى به لدى شرطة فرانكو بسبب انتمائه للحزب الشيوعي الإسباني. القصة ممكن أن تكون عادية، كواحدة من مئات القصص الحزينة زمن فرانكو، لكن قوة الفِلْم جاءت من تعرضه للدين والعلاقات الاجتماعية المتجذرة في المجتمع الإسباني، وفي طريقة المُعالجة الفنية. فالمَشاهِد صادمة حد الغثيان، والعنف مبالغ فيه، رغم أنه مبرر، (كأن يأكل الجلاد عيني الضحية بعد اقتلاعها من محجريها)، و«التابوهات» كثيرة كالمَشاهِد التي تسخر من الكنيسة وموضوعات الجنس والقسوة والعلاقات الاجتماعية المحافظة. كلُّ تلك القيم كسرها صانع الفِلْم عبر علاقة شاذة ومحرمة بين الطفل وأمه(٤).

على الرغم من رفض كثيرين للفِلْم وَعدِّهم إياه مبالغًا بعنفه وبمشاهده المُقززة، لكنه يبقى صرخة إدانة ضد نظام فرانكو وقمعه لمعارضيه، وتآمر الكنيسة مع النظام الفاشي، رغم تجاوز الفِلْم لحدود استقبالنا للصورة وأسلوب فهمنا التقليدي للدين والمجتمع. وعلى هذا المنوال نذكر أسماء بعض المخرجين الذين صنعوا أعمالًا مماثلة ومُشاكسة تحرشوا بالحدود رغبة في دكها والاعتداء عليها؛ منهم بازوليني، ولويس بونويل، وآندي وارهول، وأليخاندو خدروفسكي، وروجيه ديودارو، وغودار (في تجاوزه على تقاليد الصورة نفسها)، وكوبريك، وغوسبار نوي… وغيرهم.

دافعت حركات اليسار في الغرب، في سبعينيات القرن المُنصرِم عن مبدأ الانفتاح على فن حر، يُلغي المَسافة ما بينه والحياة، فن لا تقف أمامه أية نهايات أو ضوابط. فالتهبت الشاشة بالمحظورات، وشاع العنف والجنس، واختلط البذيء بالجيد إلى درجة ضاعت فيها بوصلة النقد واختلف النقاد في تقويم الأفلام. ومن أهم أفلام هذه المرحلة: دوسان ماكافييف (يوغسلافيا)، وأفلام جماعة نيوزريل اليسارية الأميركية، وباكورة أفلام راينر فرنر فاسبندر (ألمانيا)، وجلوبير روشا (البرازيل)، وستانلي كوبريك، وغودار (فرنسا)… وغيرهم.

إن التغييرَ صفةٌ ملازمةٌ للحدود، ولا سيما في أوقات التحولات الكبرى كالحروب والثورات والصراعات الطائفية والعِرقية، وكذلك في الأزمات الاقتصادية والسياسية. فالزمنُ الذي نعيشُ فيه، مشحونٌ بالتوتر وغيرُ مستقِرّ، وبخاصة مع صعود حركات اليمين المتطرف في الغرب، والتطرف الديني في الشرق، وفشل برامج أحزاب اليسار، وتراجُع حضوره في أغلب دول أوربا، وهو ما عكسَ ازدهار الحالات القصوى في الفن وانجذاب المُشاهدين إلى الأفلام الجديدة، التي تبالغ في تمثيلاتها للعنف والجنس والبشاعة وتطرف الصورة بكل أشكالها، حيث، في العبور، يحقق الفرد جزءًا من ذاته، عندما تحدث عملية الخرق لكل ما هو طقسي وشائع.

التجاوز والصورة الصادمة

سلطة الصورة في السينما مُطلقة، مهما كان جنس الفِلْم، وهي الجسر الذي تمرّ من خلاله الأفكار الناضجة، سواء أكان روائيًّا أم وثائقيًّا، تاريخيًّا أم تعليميًّا، ريبورتاجًا أم تحقيقًا صحافيًّا، واحدًا من أفلام الكارتون أم فِلْمًا عِلميًّا. ولهذا ارتبطت دائمًا عملية التجاوز بالصورة. إن فهمنا للحدود يمر عبر الصورة(٥). فالصورة أكثر الأشياء استهلاكًا اليوم والكاميرات أكثر عددًا من البشر. والصورة في زمننا، حاضرة من خلال شاشات العرض الحديثة بكل أشكالها ومقاساتها. أكانت واقعية، غريبة، صادمة، غير مألوف، جديدة، أم صورة إعلانية أم كونية، فنية، كاريكاتيرية أم بلاغية، أم بروتيوسية (أي تقمصية)، أيقونية، رمزية، تُلقي بثقلها (بحسب مارتين جولي) على كواهلنا بحيث تنامى تهديدها لمسارات حياتنا.

مع تطور مسار الفن نحو الـ«إكستريم»، اكتسبت أزمة الحدود مواقع جديدة، ووقفت في أحيان كثيرة في وجه كل ما هو رجعي وتقليدي. لكن لا يمكن لهذه الأزمة إلا أن تكون عابرة لأنه إما أن النظام القديم يقاوم فيعود كل شيء إلى مكانه أو تنتقل الحدود إلى مواقع أخرى، وبهذا يُخلَق نظام جديد. وهكذا كلما أُزيحَت حدودُ المقبول اجتماعيًّا، انبثقت حدودٌ جديدة، تُصبح حينئذٍ، هدفًا للنقدِ والتجاوز من جديد، في متواليةِ غياب– حضور. وهكذا تدورُ عجلةُ خلقِ الحدود وتجاوزها إلى ما لا نهاية.

كما أن مسألة الحدود تتحول، بحُكم التجربةِ الإنسانيةِ من «الخارق- المبالغ فيه» إلى «العام- الاعتيادِي» وتتغير، كما رأينا، من زَمنٍ إلى آخرَ ومن ثقافة إلى أخرى، ومن جغرافيا إلى أخرى. وعليه سيدفعنا هذا الاستنتاج، إلى طرح مجموعة من الأسئلة المهمة: لماذا يكسر تقادمُ الزمنِ حدةَ الـ«إكستريم» ويُخفف من وطأتِه؟ هل يعود ذلك إلى أسباب سوسيولوجية، أو إلى حركية التطور التاريخي للمجتمعات البشرية؟ هل يجب التعامل مع هذا التحول من «الخارق» إلى «العام»، بوصفه موضوعًا فلسفيًّا، أم مجرد قضية ثقافية عامة، قد يجمع الاثنين معًا في بنيته؟ تقودنا هذه الأسئلة، إلى أهمية النظر إلى موضوع «الخارق» أو «تجاوز الحدود»، من منظارٍ سوسيولوجي؛ إذ يضعنا هذا التحليل، أمام فهم أفضل للعلاقة بين الفن والمجتمع.

الهدم والممنوع

يجب ملاحظة أن هناك عملية هدم مستمر في زمننا المعاصر، وهي غير مسبوقة، تتخطى المألوف، فثمة نوعٌ من الهدم، تأسيسي، يمتلك ترتيباتِه الخاصة؛ هدم مشروط بعملية البناء، وهو هدم داخلي من أجل مزيد من المعرفة، وهذا الجانب الإيجابي في حركية الفن وديمومته. لكن، الهدم الذي نراقبه اليوم على أغلب شاشات العرض، هو هدم خارجي، معنيّ بالشكل فحسب بعيدًا من المضمون، وفي تضخيمه للصورة المَرَضية: وجوه بشعة، وقَتلة، وسفاحون، ومرضى نفسيون، وقوادون، مع إفراط في المَشاهد السادية التي تستبيح الجسد وتُهينه، وتعتدي على تقاليد شعوب لأهداف عنصرية وتدميرية. وقد تجلى هذا النوع من الهدم في السينما الروائية، وبدرجةٍ أقل في سينما الواقع، حيث يُنظر إلى التغييرات الحاصلة اليوم في السينما، كتغييرات راديكالية بحاجةٍ إلى دراسة نقدية، لرصد التحولات العظيمة في المناطق المحظورة.

وختامًا، نود التأكيد أن هذا النوع من القضايا لا يمكن البتّ فيه من دون التطرق إلى دور الممنوعات في حضارتنا، فليس كل ممنوع عُرضة للنقد والتعدي، وكل عملية تجاوز أو خرق للحدود والأعراف وحرية البشر لا يمكن أن يأخذ شرعيته من دون قوانين وممنوعات، وهذا شرط أساسي لممارسة حريتنا. بالضبط كما أكد جاك دريدا أن: «لا بد من وجود الممنوعات، فلا تقوم حضارة بدونها. ولا يمكن أن نقف على أقدامنا إلا بنضالنا ضد العنف».


هوامش:

(1) Gil Bartholeyns،P. O. Dittmar & V. Jolivet،Image et transgression au Moyen Age،Presses Universitaires de Frqnce; 2008.

(٢) توم ديوى ماثيوز: «تحت مقص الرقيب»، المركز القومي للترجمة– مصر 2014م.

(٣) فوغل: «السينما التدميرية»، منشورات وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما– دمشق 1995م.

(٤) المصدر السابق.

(٥) مارتين جولي: «مدخل إلى تحليل الصورة»، منشورات وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما- دمشق 2014م.