«رهائن الإسلاموية»: مسلمو «أوربا» والتأثيرات الخارجية

«رهائن الإسلاموية»: مسلمو «أوربا» والتأثيرات الخارجية

في نهاية شهر أكتوبر 2020م، خرج وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين من اجتماع مغلق لمجلس الدفاع الوطني وقال للصحفيين بصراحة غير مألوفة في مثل هذه المواقف: إن الرئيس إيمانويل ماكرون قد أعطى الإذن لجهاز المخابرات بالشروع في «إجراء عمليات مكافحة التأثير التي تستهدف المسلمين» في الداخل الفرنسي، والتي تقودها دول لم يسمها. كان ذلك التصريح لافتًا وغير مسبوق، أعقبته إجراءات رسمية أمنية وقضائية استهدفت عشرات المساجد والمنظمات والأفراد، بتهم راوحت بين التطرف والدعوة إلى الكراهية والتمويل المشبوه.

لكن تصريح الوزير الفرنسي لم يكن إلا تأكيدًا للمعلومات التي دأبت وسائل الإعلام الفرنسية والنخب الأكاديمية على نشرها على مدى سنوات، حول دول وجماعات تحاول أن تسيطر على الجاليات المسلمة والفرنسيين المسلمين لتوظيفهم في برامجهم السياسية في مواجهة الدولة الفرنسية، أو في تدعيم مسارات توسعهم الفكري والميداني والمالي. بل أكدتها تقارير رسمية، أبرزها ما صدر عن لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي في يوليو 2020م عندما كشفت عن أن «مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا» من أجل ما سمّتْه صراحة «إنشاء الخلافة»، وقالت: إنهم يغذون في بعض المدن «نزعة انفصالية».

والحالة الفرنسية ليست إلا جزءًا من حالة أوربية عامة، أو بعبارة أخرى حالة نموذجية، حيث تحول مسلمو القارة العجوز إلى أشبه بالرهائن لدى تيار واسع يضم دولًا وجماعات يريد خوض معارك «التمكين» متكئًا على الإسلام، لا بوصفه عقيدة وسلوكًا، بل برنامجًا سياسيًّا.

تحاول هذه المقالة الوقوف على حقيقة عمليات التأثير الأيديولوجي والسياسي التي يتعرض لها مسلمو أوربا، ومن يقف وراءها من دول وجماعات، والأدوات والآليات المستخدمة في هذه العمليات. وكذلك السياسات الرسمية لكسر هذا التأثير وحدودها.

المؤثرون وأدواتهم

خضع مسلمو فرنسا منذ الهجرات العمالية الأولى من المستعمرات الأوربية القديمة في بداية خمسينيات القرن الماضي إلى أنواع متعددة من التأثير، سواءٌ من حيث الآليات أو الأطراف. وإلى حدود نهاية ثمانينيات القرن الماضي كانت الدول المغاربية أبرز المؤثرين في الساحة الإسلامية الأوربية، من خلال شبكات من المساجد والجمعيات التي تعبر عن فهم إسلامي خاص بهذه الدول، التي حاولت تأطير الأعداد الكبيرة من جالياتها في فرنسا، لأسباب اقتصادية وسياسية تتعلق بمنع انخراطها في الجماعات الإسلامية المعارضة، التي وجدت في دول أوربا الغربية مستقرًّا لها.

لكن منذ التسعينيات بدأت خارطة النفوذ تتحول تدريجيًّا نحو صعود فاعلين جدد على الساحة. جماعات إسلامية سياسية، على رأسها الإخوان المسلمون ودول إسلامية تريد كسب نفوذ على الساحة الأوربية. بدا واضحًا أن تأثير هذا التيار الواسع قد تعاظم بشكل غير مسبوق، فيما بدا المؤثرون القدامى يفقدون سلطتهم الأدبية والدينية على جموع واسعة من مسلمي أوربا.

وقد كان لافتًا خلال الأزمة الأخيرة التي تفجرت بين فرنسا والنمسا من جهة وتركيا من جهة أخرى، في أعقاب العمليات الإرهابية التي ضربت البلدين الأوربيين، التأثير التركي الواضح في القواعد المسلمة الأوربية في مقابل ضعف بقية الأصوات المغاربية التقليدية مثل: المغرب والجزائر وتونس، حيث حاول الرئيس التركي منذ انطلاق الأزمة أن يقدم نفسه للعالم وبخاصة قادة أوربا بوصفه «المسؤول الأول عن المسلمين في العالم»، في تماهٍ ليس غريبًا عن سياسات حزب العدالة والتنمية، مع السرديات «العثمانية الجديدة» القائمة على برنامج توسعي يحاول إدراك الحدود التاريخية للدولة العثمانية من جهة، وفرض نوع من السيادة الروحية والسياسية على العالم الإسلامي. في محاولة لإعادة إنتاج تاريخي معاكسة تمامًا لحركة التاريخ.

واليوم تحكم تركيا قبضتها على إسلام فرنسا على نحو صارم، يتحول فيه الأتراك الفرنسيون إلى أعمدة أمامية في سياسات تركيا الخارجية لتسييس الإسلام. إنه تحالف بين الدين في خدمة السياسة والسياسة في خدمة النظام.

باكرًا تفطنت تركيا إلى السديم الإسلامي المهمل في القارة الأوربية، مستغلة الظروف الاقتصادية والسياسية لعدد من الجاليات المسلمة في إذكاء نزعات الهوية الانعزالية عن مجتمعاتها. فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002م بدأت أنقرة في بناء شبكات أوربية تدين لها بالولاء، وتستغل وجود ملايين المسلمين من الأصول التركية خاصة. فعززت أذرعها الدينية من خلال الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية الذي يوازي وزارة الأوقاف، ولديه العشرات من الفروع في أغلبية الدول الأوربية؛ إذ يدير في فرنسا نحو 300 مسجد، وفي ألمانيا يسيطر على نحو 860 مسجدًا، ويضم في عضويته 800 ألف شخص، ويدفع الرواتب الشهرية لنحو 970 إمامًا في ألمانيا. وتدفع السلطات التركية رواتب أئمة هذه المساجد وتدربهم في داخل تركيا، في مقابل الهيمنة على قطاعات واسعة من الجالية، والدعاية لبرنامج حزب العدالة والتنمية، وحشد القواعد الانتخابية في الخارج.

وقد نجح الدعم التركي في إيصال أحمد أوغراس، رئيس فرع الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية في فرنسا إلى رئاسة «مجلس الديانة الإسلامية» أعلى هيئة تمثل المسلمين في فرنسا في عام 2017م، وقد كان ذلك الحدث لافتًا جدًّا، لجهة السيطرة المغاربية التقليدية على قيادة المؤسسات الإسلامية في فرنسا. كما سيطر الفرع النمساوي منذ سنوات على الهيئة الدينية لمسلمي النمسا، التي تدير نحو 360 مسجدًا، ولها صلاحيات تعيين أئمة المساجد وتدريبهم وتعيين مدرسي التعليم الديني في المدارس الرسمية، بوصف الإسلام أحد الأديان الرسمية في قوانين الدولة النمساوية.

نجم الدين أربكان

وإلى جانب الاتحاد تعتمد أنقرة في مد هيمنتها على الفضاءات الإسلامية الأوربية على حركة «ميللي غوروش»، وهي الذراع الأوربية للحزب الذي أسسه نجم الدين أربكان في ستينيات القرن الماضي، ويمثل حزب أردوغان اليوم امتداده التاريخي. وهذه الحركة التي تعد النسخة التركية للإخوان المسلمين تضم داخلها نحو 100 ألف عضو ناشط في القارة الأوربية نِصْفهم في ألمانيا، التي تضم المقر الرئيس للحركة في مدينة كولونيا، كما تشرف على 300 مسجد في فرنسا، ولديها نحو 19 ألف عضو عامل.

بموازاة الشبكات التركية، لا تكف جماعة الإخوان المسلمين عن مواصلة تجذير وجودها القديم ضمن الشتات الإسلامي في القارة الأوربية، حيث شكلت أجواء القطيعة بينها وبين الأنظمة العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي دافعًا لها كي تستقر في دول أوربا الغربية مستفيدة من فرص اللجوء السياسي، ومن مناخ الحريات السياسية، وعدم تدخل الدولة في النشاط الديني لتسيطر على شبكة واسعة من المساجد والجمعيات والهيئات التمثيلية للمسلمين، والاتحادات الطلابية، والروابط المهنية، والجمعيات النسوية والخيرية، وكذلك مجموعة واسعة من المشروعات التجارية الربحية.

ويمثل اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا منذ عقود، الفرع الأوربي لجماعة الإخوان المسلمين، وقد عمد في عام 2017م إلى تغيير اسمه إلى «مسلمي أوربا» في سياق سياسة إخوانجية جديدة أعقب سقوط نظام الجماعة في مصر والتحولات الدولية التي شهدتها الجماعة في أعقاب صعود دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. لكن هذا التحول في الاسم لم يغير كثيرًا من طبيعة عمل الاتحاد، في مواصلة نهج التوسع والسيطرة على مجتمع الجاليات المسلمة في أوربا من خلال المساجد أولًا، ومن خلال المؤسسات التعليمية الدينية ثانيًا. ويضم الاتحاد تحته 27 فرعًا يمثلون الدول الأوربية، لكن ثقله الأساسي يوجد في ألمانيا وفرنسا، حيث يسيطر في فرنسا وحدها على أكثر من 300 منظمة. ويدير ما يعرف بــ«المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث» يرأسه يوسف القرضاوي المرشد الروحي للإخوان المسلمين.

وتملك جماعة الإخوان المسلمين في أوربا شبكة كبيرة من المؤسسات التعليمية تحت اسم «المعهد الأوربي للعلوم الإنسانية»، تقدم دورات تعليمية دينية وفقًا لنهج الإخوان، وتدريب أئمة المساجد، ولها فروع في فرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا. لكن اللافت في السنوات الأخيرة هو التقارب الكبير بين الشبكات التركية والشبكات الإخوانية، حيث ساهمت التحالفات الإستراتيجية بين جماعة الإخوان والنظام التركي في تنسيق العمل والمواقف والبرامج بين ممثليهم في القارة الأوربية. فقد تحول الفرع الأوربي للجماعة إلى جماعة ضغط سياسي واجتماعي في الداخل الأوربي لخدمة السياسات التركية والمواقف التركية، وقد بدا ذلك واضحًا خلال الأزمات الأخيرة التي اندلعت بين الاتحاد الأوربي وتركيا في ملفات كثيرة، سواء ما تعلق بالأزمة الفرنسية أو اليونانية أو القبرصية وغير ذلك.

فنحن إزاء تحالف واسع، يتحول يومًا فآخر إلى تيار متماسك، بين الشبكات التركية وشبكات الإسلام السياسي للسيطرة على الشتات الإسلامي الكبير في القارة الأوربية، واستخدامه أداةً في مواجهة الدول الأوربية الرافضة للهيمنة التركية، وكذلك لتدعيم أسس النظام في تركيا، وخدمة أجندته الخارجية، وإيجاد محاضن مالية واجتماعية للجماعة، التي تعاني مشكلات أمنية وسياسية في المنطقة العربية في سياق صراعها مع الدول. ولعل تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي لم يكن يبالغ عندما وصف هدف هذا النشاط بــ«إنشاء الخلافة»، فالعقيدة «التمكينية» لدى جماعة الإخوان المسلمين تضع فكرة «التمكين» هدفًا إستراتيجيًّا لمجمل عملها، السياسي والاجتماعي والديني، وهذه العقيدة توافقت مع أحلام الرئيس التركي بــ«السيادة الروحية والسياسية» على عموم العالم الإسلامي مدفوعة بنظرية «العثمانية الجديدة».

كسر التأثير وحدوده

لأسباب تتعلق بالنزعة «اللاتدخلية» للدولة الأوربية في النشاط الديني والتعامل مع المسلمين كورقة انتخابية، تراكمت قضايا اندماج مسلمي أوربا في مجتمعاتهم، حتى تحولت إلى معضلة، واستفاقت أوربا خلال السنوات الأخيرة على مجتمعات مسلمة منعزلة عن وسطها الاجتماعي العام، لأسباب اقتصادية ودينية وثقافية، نجحت الشبكات التركية والإخوانية في كسبها إلى صفها في مواجهة الدولة.

وقد اكتشف الأوربيون أن «مشكلة التطرّف العنيف» التي استهدفت مدنهم طوال السنوات الأخيرة كانت لها أسباب مباشرة تتعلق بالأحداث الآنية، وأخرى غير مباشرة ترتبط أساسًا بالسرديات الإسلامية التي شكلت حزامًا ناقلًا للتطرف. فقد تبين أن أعدادًا كبيرة من الشباب الأوربي المسلم، الذين هاجروا إلى سوريا والعراق للقتال في صفوف الجماعات الإرهابية، قد نهلوا قبل هجرتهم من مساجد الجمعيات الإسلامية التي تسيطر على ضواحي المدن الأوربية.

وقد بدا واضحًا أن الإرهاب الذي ضرب كثيرًا من الدول الأوربية طوال السنوات الخمس الأخيرة وقبله، مبني على انتشار الأيديولوجيا الإسلامية الإخوانية وسيطرة شبكة الجمعيات على التصور العام للشباب الأوربي من أصول مهاجرة من الأجيال الجديدة. لم يكن العنف لهؤلاء الشباب إلا الحلقة الأخيرة من تكوينهم المبني على معاداة حقيقية لثقافة المجتمع الأوربي، فهذا الشباب إذا لم يلجأ إلى الاعتزال والمعاداة الباطنية للنموذج الفرنسي، ثم رفض كل نمط المعيشة فيه، فإنه يلجأ إلى العنف ضده عندما تتوافر الظروف الملائمة؛ لأن مبررات العنف ضد الدولة ومؤسساتها مغروسة في تفكيره.

يوسف القرضاوي

بدأت الاستفاقة الأوربية بسياسات أمنية، زادت من تعقيد الوضع، واستغلتها هذه الشبكات في تعميق حدة الاستقطاب. فهذه الإجراءات ظلت تمس الجانب «الأمني» والإجرائي ولا تمسّ جوهر مضمون المشروع الفكري والثقافي للإسلام السياسي المنتشر في المساجد الأوربية، الذي جعل من ماركة «حلال» على سبيل المثال تنتصب كعلامة فارقة في التعامل اليومي في مجتمعات الهجرة المسلمة، وهذا جوهر عملية «الانعزال» أو الانفصال التي تصعب مواجهتها بمجرد إجراءات أمنية أو قضائية. لاحقًا شرعت بعض الدول في وضع برامج دينية وثقافية وتعليمية لكسر التأثير، وإعادة تشكيل «إسلام» أوربي بعيدًا من التدخل الأجنبي، سواء من الدولة أو من الجماعات السياسية.

لكسر التأثير في المساجد شرعت الدول الأوربية في وضع برامج تتعلق بتدريب أئمة المساجد داخل أوربا، ومنع استجلاب أئمة من تركيا وغيرها من الدول الإسلامية. وخلال القمة الأوربية المصغرة التي عُقدت في نوفمبر 2020م أعلن رئيس المجلس الأوربي شارل ميشال، أنه يؤيد إنشاء «معهد أوربي لتدريب الأئمة»، يدرب الأئمة وفقًا لخصوصيات المجتمعات الأوربية لمحاولة إيجاد توافق بين الإسلام والعلمانية الأوربية بمختلف درجاتها؛ الكلية والنسبية والصارمة.

لكن هذا المقترح، وإن بدا في ظاهره ثوريًّا ويمكن أن يقدم نتائج على المدى البعيد، إلا أنه لا يقدم حلًّا جذريًّا. فجماعة الإخوان المسلمين والدولة التركية قد استبقوا أي خطوات أوربية لمنع تدريب الأئمة خارج النطاق الأوربي بتأسيس بيئة تعليمية دينية واسعة في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، كسلسلة «المعهد الأوربي للعلوم الإنسانية»، و«كلية العلوم الإسلامية» التركية في مدينة ستراسبورغ على الحدود بين فرنسا وألمانيا؛ لذلك فإن التحدي الحقيقي يكمن في مضامين مناهج تدريب هؤلاء الأئمة وليس مكان التدريب في حد ذاته.

لكن المعضلة الكبرى أمام الأوربيين تبقى قضية التوافق بين الحريات والأمن في مواجهة شبكات التأثير الخارجي في المسلمين، حيث تداخلت مع الزمن المؤسسات التمثيلية لمسلمي القارة مع الشبكات التركية والإخوانية لدرجة أصبح التمييز بينهما صعبًا ومعقدًا، حتى إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يراهن في مشروعه نحو «إسلام فرنسي» على مجلس الديانة الإسلامية في أن ينجح في «القطع مع التدخلات الأجنبية»، مع أن المجلس نفسه يضم في صفوفه وضمن مجلس إدارته كلًّا من الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان المسلمين، والفرع الفرنسي للاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهي المفارقة التي أشار إليها عدد من الأقلام البحثية الفرنسية المهتمة بدراسة الإسلام.

ويبدو جليًّا أن الأوربيين أنفسهم لم يجدوا بعد الوصفة المثالية لإصلاح أخطاء تراكمت لأكثر من ثلاثة عقود، في علاقة مسلمي القارة وطرائق اندماجهم في مجتمعاتهم بعيدًا من تلاعب شبكات التأثير الخارجي، فبقيت أغلبية الحلول تدور حول المقاربة الأمنية الظرفية من دون أن تنفذ إلى جوهر المسألة، بوصفها إشكالية ثقافية وليست ملفًّا أمنيًّا، تسهم الحملات الانتخابية والاستقطابات الظرفية بين اليمين واليسار في تحريكه حينًا وإخفائه أحيانًا أخرى. في المقابل بقيت النخب المسلمة المستقلة في أوربا عاجزة عن المساهمة في تأطير هذه الجاليات لأسباب ذاتية تتعلق بها، وعزوفها عن المشاركة في الشأن العام، ولأسباب موضوعية تتعلق بفقدانها الدعم والأدوات للقيام بذلك في مواجهة شبكات ممولة بشكل جيد، وتحظى بدعم سياسي كبير، في الداخل من خلال النخب الأوربية اليسارية، وفي الخارج من خلال عدد من الأنظمة التي تستثمر فيها.

بيد أن أي محاولة للإصلاح لا تأخذ في الحسبان أن الحلول المسقطة من الحكومات لا يمكن أن تنجح، بل يمكن أن تزيد من تعميق الأزمة، هي محاولة فاشلة لا محالة. ولعل دروس التجربة التاريخية الفرنسية منذ محاولات منتصف التسعينيات خير شاهد وبرهان على ذلك.