علم الاجتماع العربي.. هل يقف عاجزًا أمام التحولات؟

علم الاجتماع العربي.. هل يقف عاجزًا أمام التحولات؟

يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو في كتابه «الرمز والسلطة» عن ترجمة لعبدالسلام بنعبد العالي: «يشعر علماء الاجتماع خصوصًا إذا كانوا يعتنقون فلسفة متعالية في التاريخ بأن الجميع ينيطهم بمهمة، ومهمتهم أن يعطوا المعاني، ويجدوا الأسباب والعلل، ويحدثوا النظام، ويعينوا المرامي والغايات، لهذا فهُمْ أبعد ما يكونون عن إدراك شقاء الناس الذين لا يحظون بأي امتياز اجتماعي، سواء أكان ذلك الشقاء الخنوع المأساوي للعجزة الذين يهجرون ويتركون بيد الموت في المستشفيات والمأوى، أو كان الخضوع الصامت للعاطلين أو العنف البائس لأولئك المراهقين الذين يبحثون في العمل الإجرامي عن وسيلة لبلوغ شكل معترف به من أشكال الوجود الاجتماعي».

قفز إلى ذهني هذا النص وأنا أقرأ هذا الخبر: «عون حرس تونسي يقتل زوجته في شهر رمضان المعظم برصاص مسدسه». ليست بالجريمة الجديدة أو الصادمة في مجتمع يغرق، منذ سنوات، في جرائم وممارسات للعنف وغيرها من الظواهر الاجتماعية الغريبة. وفي المقابل لا يتعدى معالجة هذه الظواهر الالتجاء إلى بعض الحلول التقليدية السطحية كندوات مناهضة العنف ومعارك وسجالات وتنظيرات من دون الالتجاء إلى العلوم الإنسانية ومنها العلوم الاجتماعية.

أسوق هنا تجربتي وأنا بصدد إعداد هذه المادة. لقد حاولت الاتصال بأكثر من عالم اجتماع وباحث، ولمجرد أن تضعه أمام ضرورة مساءلة مجال اختصاصه يرفض المشاركة. إذا كان العالم العربي يتوفر على هذا النموذج من علماء الاجتماع الذين يزعجهم ويربكهم الشك والتفكير (أسس أي معرفة جديدة)، كيف يمكن التقدم فكريًّا والخروج من الزوايا المظلمة؟

في كتابه «نظريات إلى علم الاجتماع» (الصادر ضمن سلسلة معرفة)، ينتقد الدكتور عبدالباسط عبدالمعطي الدراسات العربية قائلًا: «يسهل عليك عندما تقرأ دراسة أو بحثًا أجنبيًّا تحديد هويته النظرية (…) ولكنك عندما تقرأ دراسة عربية تلف فكرك الدهشة، ويساورك الشك في معرفة كاتبها لأبجديات البحث السوسيولوجي ودور النظرية فيه بصفة عامة. وعلى الرغم من هذه الملاحظة فإن العدد الأكبر من المشتغلين بعلم الاجتماع في الوطن العربي ينتمون بحثًا وتأليفًا إلى الاتجاهات المحافظة سواء كانت وظيفية أو إمبريقية تجزيئية».

في إطار دراسة للمرصد العربي للعلوم الاجتماعية حول واقع العلوم الاجتماعية في العالم العربي، والصادرة سنة 2015م، أكد أستاذ علم الاجتماع محمد بامية: «أن بعض التحديات التي يواجهها علماء الاجتماع تتضمن التفكك المؤسساتي، وعدم تشجيع الأنشطة البحثية، والقيود السياسية المفروضة على ذلك، وضعف المجتمع الفكري الأكاديمي العربي، والجمود البيروقراطي للجامعات العربية». فظلت البحوث التي أعدها الطلبة أشبه بديكورات تجمل بها واجهة المؤسسة الاجتماعية، وظل عالم الاجتماع يمارس إبداعاته وثوراته الفكرية في الحرم الجامعي، مشدودًا إلى الإنتاج المدرسي، وليس إلى البحث عن حلول عملية للظواهر الاجتماعية والمشكلات.

في كتابه «الرمز والسلطة» يقول بيير بورديو: «تتمثل السوسيولوجيا كما أفهمها في تحويل مشكلات ميتافيزيقية إلى مشكلات قابلة لأن تعالج معالجة علمية، وبالتالي سياسية». ويذهب إلى أكثر من ذلك: «إن عالم الاجتماع لن يعود ذلك الحكم المنزّه والمتفرج المتعالي القادر وحده على أن يعين أين تكمن الحقيقة (…) إلا أنه ذلك الذي يسعى لأن يكشف حقيقة الصراعات التي تدور».

إن هذا التقديم للسوسيولوجيا في المجتمعات العربية ينتهي بنا إلى طرح الأسئلة الآتية: كيف يمكن لعلم الاجتماع ألا يكون مجرد تنظير يجرّ خلفه نظريات باتت مسقطة على الواقع الاجتماعي العربي، وأثبتت فشلها في تفسير الواقع وتخليصه عمليًّا من مشكلاته؟ كيف يمكن ضخ منهج علمي ونظريات جديدة نحو مجتمع معاصر؟ هل عالم الاجتماع مشدود إلى النظريات، أم هو المشدود إلى ضرورة إيجاد حلول لمشكلات عصره؟ هل فضح الربيع العربي خلل الدراسات الاجتماعية في علاقتها بالمستجدات العربية؟

حاولنا الإجابة عن هذه الأسئلة مع مجموعة من الباحثين والمفكرين العرب، مما كانت لهم الجرأة على مساءلة علم الاجتماع والتفكير معًا في سوسيولوجيا السوسيولوجيا.


التصوّرات‭ ‬الأيديولوجيّة‭ ‬بعيدة من‭ ‬المقاربات‭ ‬العلميّة

فتحي‭ ‬التريكي ‬مفكر‭ ‬تونسي

ليس ثمة شك في أن العالم العربي يعجّ بالمختصين الأكفاء في علم الاجتماع وعلم السكان وسائر الاختصاصات الدقيقة المجاورة. كما لا نشك لحظة في أن الباحث العربي في هذه الميادين مشدود في الآن نفسه إلى بلورة النظرية الاجتماعية، وإلى العمل الميداني. إذن أين يكمن الإشكال؟ كيف يمكن له أن يتعرف بدقة إلى هيكلة مجتمعه ووظائفه وتطلّعاته ومصيره؟

في نظري، لا بد من الانتباه إلى العلاقة الوثيقة بين عمل الاجتماعيين والتوجهات السياسية والقرارات الميدانية في بلد معين. ففي البلدان الغربية مثلًا، نجد تقريبًا في كل المدن الكبرى مراكز بحث في العلوم الاجتماعية تُشَخِّص الواقع الاجتماعي بالفعل والممارسة. هناك ضخ لأموال كبيرة لا بد منها للقيام بهذه المهمة. بينما في عالمنا العربي ومن دون استثناء، مراكز بحث في الاجتماع تُعَدّ على الأصابع ومن دون اعتمادات مالية معتبرة. فكيف يمكن لعالم المجتمع أن يقوم بمهامه؟ والحقيقة أن الحكومات الغربية التي تعتمد النظام الديمقراطي لا تحتقر شعوبها وتريد معرفة تطلعاتها فتعتمد على علم الاجتماع التطبيقي من أجل ذلك، بينما في عالمنا العربي تعدّ الحكومات غير الديمقراطية شعوبها رعية. فهي التي تتحكم في مصايرها وطموحاتها. وإذا احتاجت إلى معرفة شيء ما تلجأ إلى مراكز مختصة خارجية، وبخاصة التي تقوم بتشغيل اجتماعيين محليين. هكذا يجد عالم المجتمع في العالم العربي مهمشًا ليصبح أستاذًا.

نعم، فضحت الثورات العربية خلل الدراسات الاجتماعية العربية من دون أدنى شك، ولكنها فضحت أكثر الشرخ الكبير بين الدكتاتوريات الحاكمة وطموحات شعوبها. ولو عدنا إلى أدبيات علماء الاجتماع العرب لوجدنا أنهم نبّهوا إلى هذا الشرخ ومنهم من أشار إلى نتائجه الوخيمة. والحقيقة أن الحكم الكلّياني الذي يعتمد الفكر الواحد والأوحد يتوجه إلى شعبه أيديولوجيًّا ولا يهمه معرفة تنوعه. والإشكال بقي هو نفسه بعد الثورات العربية لأن الأحزاب الحاكمة تتعامل بعقلية الاستبداد نفسها حتى إن تظاهرت بالديمقراطية، فلا تريد معرفة شعبها لأنّ لها أفكارًا مسبقة عنه، فتنظر إليه بمرآة دينية أحيانًا وبمرآة الفقر أحيانًا أخرى، وفي كل الأحوال بتصورات أيديولوجية بعيدة كل البعد من المقاربات العلمية. ما فضحته الثورات والانتفاضات العربية هو أن حكامنا من قبل ومن بعد لا يؤمنون بشعوبهم. فكيف يمكن للدراسات الاجتماعية أن تتطور في عالم الاستبداد؟


التنبؤ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية

يونس‭ ‬الوكيلي ‬باحث‭ ‬مغربي

لماذا الباحث الاجتماعي أو عالم الاجتماع العربي لا يزال مشدودًا إلى النظريات والكتب، أكثر من قراءة تفاعلات الواقع العربي؟ يمكن الاجابة عن السؤال في ثلاث نقاط:

أولًا- لا بد أن نعلم أن العلوم الاجتماعية تعرضت في كل بلدان العالم العربي للحصار بعد استقلال معظم البلاد العربية؛ لذلك لم توجد مؤسسات تكوّن الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية ونظرياتها. إذن المسألة سياسية مؤسساتية في جانب أول.

ثانيًا- بناءً على المعطى الأول، لم يكن أمام القلة القليلة التي اهتمت بالعلوم الاجتماعية سوى التوجه إلى الكتب النظرية وقراءتها وفهمها، ما دام أن الأبحاث الميدانية متعذرة وغير ممكنة.

بمعنى لم يكن في الغالب حوار بين النظرية الاجتماعية والممارسة الميدانية. وهناك أشير إلى أن التراخيص مثلًا للأبحاث الميدانية كان الحصول عليها شبه مستحيل، ناهيك عن تمويل هذه الأبحاث، فذلك دُونَه خَرْطُ القَتَادِ. وفي هذه النقطة سجّل أكثر من باحث غربي أنهم كانوا يجدون سهولة في الحصول على التراخيص أكثر من الباحثين المحليين، مثال ذلك جون واتربوري، وديل أيكلمان، وكليفورد جيرتز… إلخ.

ثالثًا- على الرغم من انتعاش سوق العلوم الاجتماعية منذ الألفية الثالثة في معظم البلدان العربية وتدفق تمويلات معقولة من الدول ومؤسسات دولية، فإن الإنتاج لم يستطع تحقيق تراكم كافٍ لفهم تحولات بلدان العالم العربي، القاعدة هنا معروفة: لا بد من تراكم كمي لكي يحدث الإنتاج النوعي، ورغم هذا التحليل المقتضب، فإني أؤكد أن النظرية ضرورية ومهمة في العلوم الاجتماعية والانشغال بها أساسي لفهم الواقع وتحولاته، ولا يمكن فهم هذا الأخير بمجرد معطيات وصفية فحسب، بل لا بد من الاشتباك مع النظريات المطعمة بالملاحظة الميدانية من أجل تحقيق القيمة المضافة في العلوم الاجتماعية بطابعها الكوني.

لماذا يرى بعض أن أحداث الربيع العربي فضحت الخلل في الدراسات الاجتماعية للواقع العربي؟ العلوم الاجتماعية ليس من مهامها التنبؤ، ولذلك دراسات عديدة أنجزت كانت تشير إلى أزمة الدولة في العالم العربي. واستطاعت العلوم الاجتماعية توصيف الحالة بشكل كبير وشخصت انسدادات الوضع على الصُّعُد التعليمية والاقتصادية والثقافية… إلخ، لكن هل لا بد أن تتنبأ بحدوث ما سُمّي الربيع العربي في الزمان والمكان والتداعيات؟ لا أظن هذا من مهام العلوم الاجتماعية. الدراسات التي أنجزت بعضها نوعيّ، وأنجز في العالم العربي أو من طرف باحثين في جامعات غربية، وهي خرجت من رحم التراكم الكمي.


نقد‭ ‬إنتِلِجنسيا‭ ‬الانبهار‭ ‬بالغرب

هدى‭ ‬زكريا ‬باحثة‭ ‬مصرية

أظن أن مرحلة الارتباط بالنظريات الغربية كانت في حقبة الخمسينيات والستينيات، بسبب الأساتذة الذين خرجوا إلى البعثات إلى أوربا، وبالتحديد إلى باريس مهد دوركايم الذي أكد انتماء علم الاجتماع إلى مجال العلوم وليس للفلسفات. لكن المرحلة اللاحقة شهدت حرصًا على التوجه إلى المجتمعات العربية، وإن كانت الأرضية النظرية نابعة من الرؤى الغربية.

في السبعينيات والثمانينيات انتبه السوسيولوجيون العرب إلى أنهم لم يجيبوا عن الأسئلة المُلحّة لمجتمعاتهم لارتباطهم بمواقف الأساتذة التقليديين. ولا ننسى أن الثقافة السائدة لدى صناع القرار كانت تستهين بالعلوم الاجتماعية وهم يندفعون إلى معالجة الهموم الاقتصادية الناجمة عن علاقات التبعية الجديدة، التي طورت أدواتها للتعامل مع بلادنا بمنطق مختلف.

وأذكر أن همي الوطني كان يوجهني إلى اختيار موضوعات البحث فقدمت دراسات في «الدور السياسي والاجتماعي للأغنية الوطنية». وكانت هموم الواقع الاجتماعي العربي دفعتني إلى «تحليل مضمون الرسائل الصوتية التي كان المصري المهاجر إلى الخليج يرسلها لذويه»، وفي كتاب «هموم الباحثين الشبان» الذي حرره أحمد عبدالله في عام 1994م تعليق مهم لريموند بيكر يتحدث فيه عن دراستي المذكورة.

لقد تنبأت بأحداث يناير في العديد من الحوارات الصحفية والتليفزيونية قبيل تلك الأحداث في برنامج منى الشاذلي «العاشرة مساءً» في 22 يناير 2011م، وكذلك في حوارات صحفية، وإذا طالعت الكتابات السوسيولوجية الحوارية في المؤتمرات التي سبقت الأحداث، ففي كتابات الدكتور أحمد زايد، العميد السابق لكلية الآداب، يمكن التنبؤ بالأحداث. وهنا لا بد من الإشارة بقوة إلى تجاهل صناع القرار آنذاك أهمية علماء الاجتماع في تقديم المشورة والرأي؛ إذ يظن كثير من السياسيين والاقتصاديين أن عمل السوسيولوجي حل المشكلات التي يمارسها الأخصائي الاجتماعي أو النفسي بصورة فردية، وقد نبهت إلى أن الصورة التقليدية لباحثي الاجتماع تفقد المجتمعات وصناع القرار القدرة على التشخيص المبكر للباثولوجيا الاجتماعية.


علم‭ ‬الاجتماع‭ ‬العربي‭ ‬مغيب عن‭ ‬الواقع

أحمد‭ ‬موسى‭ ‬بدوي ‬باحث‭ ‬مصري

لا شك أن علم الاجتماع يواجه مشكلات عميقة على مستوى إنتاج العلم واكتسابه. فعلى مستوى الجامعات توجد أزمة حقيقية في تدريس فروع علم الاجتماع، وسببها أن الطالب يكون مغيبًا عن الواقع الاجتماعي والأساتذة غير قادرين على ربط المناهج والمادة التدريسية بالواقع ومشكلاته ومعوقاته.

وفي هذا السياق تصبح المادة النظرية والكتب المدرسية أعلى قيمة وأكثر انتشارًا من البحوث التطبيقية. ويمكن تفسير هذه الحالة الشائعة في معظم الجامعات العربية من خلال متغيرين: الأول أن اختيار أطقم التدريس في معظم الجامعات لا تتحكم فيه معايير الجدارة والكفاءة للمترشحين للعمل في هذه الجامعات. وتتحكم فيه متغيرات تقليدية أو فاسدة. الأمر الثاني أن النظم السياسية والثقافية في معظم الأقطار العربية لا تسمح، في كثير من الأحيان، بالتطرق إلى موضوعات بحث من شأنها أن تؤثر في استقرار الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية. وهناك بصفة عامة قلق كبير وخوف من أن تؤدي نتائج العلم الاجتماعي إلى مطالبات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، فجرت العادة على الاقتراب الشكلي وليس الجوهري من بعض المشكلات ذات الحساسية (الدينية، أو العرقية، أو السياسية،… إلخ).

ومن الجدير بالذكر أن مراكز الدراسات المستقبلية في العالم أجمع، تضع في مركز فرق العمل متعدد التخصصات، عالم الاجتماع. وفي السياق العربي يكون التركيز على علماء الاقتصاد والعلوم السياسية في مراكز الدراسات المستقبلية.

مما سبق يمكن فهم وإجابة السؤال: لماذا لم يتنبأ علم الاجتماع بالربيع العربي؟ لأنه علم من البداية كان مغيبًا عن الواقع، وعندما تحدث مقاربة لمشكلة اجتماعية ما، فإنها تكون مقاربة سطحية لا تَمُتّ لعمق الظواهر الاجتماعية، ومن ثم فإن قدرة هذه البحوث على فهم الظواهر والتنبؤ بسلوكها مستقبلًا تكون قدرة محدودة وضعيفة.

الخلاصة: علم الاجتماع يحتاج إلى حرية سياسية وثقافية واجتماعية كبيرة من أجل وضع كل الظواهر الاجتماعية على طاولة البحث من دون استثناء. وإلا فإن مفاجآت التحولات والتغيرات العاصفة يمكن أن تحدث في أي وقت، وتكبد المجتمعات خسائر هائلة.

ويحتاج ثانيًا إلى تطوير شامل في منظومة تدريس علم الاجتماع لاختيار كوادر مؤهلة وفق معيار الكفاءة والجدارة. ويحتاج ثالثًا إلى وضع تخصص علم الاجتماع في قلب الأطقم التي تتشكل منها مراكز البحوث والدراسات المستقبلية. وهذه المراكز التي تقدم لصناع القرار المشورة والتوصية للتعامل مع الحاضر والمستقبل القريب والمتوسط والبعيد.


الوثائق‭ ‬غير‭ ‬متاحة‭ ‬للباحثين

مهدي‭ ‬مبروك ‬مدير‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬تونس

أعتقد أن العلوم الإنسانية والاجتماعية مرت في العقود الأخيرة بتطور مهم؛ إذ بدأت تدرس في الجامعات العربية بشكل نظري تقريبًا منذ الستينيات مع موجة الاستقلال الوطني، وأُدرِجَ العديد من العلوم الاجتماعية في الجامعات، وأُسّست مراكز عدة في كثير من البلدان التي تهتم بالبحوث الاجتماعية؛ أذكر منها السيراس مركز الدراسات الاجتماعية بتونس، ومركز الأهرام للدراسات الاجتماعية ومراكز أخرى، واستطاعت أن تنتدب نخبًا قدمت من فرنسا وبريطانيا ودول أخرى، وهو الجيل الأول من الذين أسسوا العلوم الاجتماعية في البلدان العربية من بينها تونس، ولبنان، والجزائر، والمغرب، والكويت، والسعودية، وعدد من العلماء، هؤلاء كلهم خريجو الجامعات الأوربية، واستطاعوا من خلال الجمع بين التدريس النظري والأشغال التطبيقية، معرفة الواقع.

في أثناء تدريس النظريات يجب تدريب الطلبة بين الحين والآخر على المراوحة بين الإنتاج النظري والتيارات العلمية في المجتمعات الغربية وواقع نظيراتها العربية، حتى لا تظل المعرفة استرجاع أو استرداد لنظريات غربية، والآن بدأنا نتخلص تدريجيًّا من الركون إلى استعراض المتون النظرية، من تيارات ومدارس علمية، إلى دراسة الواقع، مثل عشرات الدراسات عن قضية الثأر في مصر، وجرائم الشرف في الأردن، والحركات الاجتماعية في المغرب، والتطرف والإرهاب، والهجرة غير الشرعية في ليبيا، ومسألة الطائفية في لبنان، وكل هذه القضايا تحظى باهتمام يعتمد على المناهج الكيفية بمعنى تحليل الظاهرة أو استعمال الملحوظات أو المحادثة وتحليل الخطاب. ونجد مراوحة تنشط بأكثر فاعلية بين النظري والتحليلي التدقيقي المعنيّ بالظواهر الاجتماعية والتحولات التي تمرّ بها المجتمعات العربية. وهناك طريقة علمية وهي الببليوغرافيا الوطنية أي جملة الكتب التي صدرت في آخر سنة، في تونس ومصر والسعودية وغيرها من الدول، ومما ينشر سنويًّا نجد كثيرًا من الكتب التي تناولت قضايا اجتماعية محورية.

هنا يبرز السؤال: هل ما تنتجه النخب في الجامعة يجري ترويجه بشكل جيد؟ لما مررت بتجربتي كوزير ثقافة تونسي وزرت العديد من الدول العربية لاحظت أن هذا المشكل نشترك فيه مع عديد من الدول العربية؛ مصر والعراق والجزائر وغيرها، الكتاب العلمي لا يجد حظه من الترويج وهناك نوع من المنافسة بين دور النشر. الأمر الثاني قلة الإقبال على الكتاب العلمي ومعدل القراءة للعربي ضعيفة، والأمر الثالث أن السياسات العمومية وأصحاب القرارات لا يعتمدون ما ينتج في الجامعات، ليس فقط في العلوم الاجتماعية، بل حتى في علوم الطبيعة.

هناك حلقة مفقودة في مخابر البحث بين المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي وأصحاب المشروعات والقرار السياسي، هذه الحلقة علينا أن نتجاوزها وننشط أكثر ما يمكن من الروابط والاتصالات من خلال أيام دراسية مفتوحة من خلال شراكات. والأمر الأخير أن ميزانية البحث العلمي لا تتجاوز بأقصى الحالات 2% حسب دراسات اليونسكو، في تونس نحن أقل من 1%، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون دافعًا إلى تطوير البحوث. شركات كبرى تخصص ميزانيات للبحث العلمي فقط، سامسونغ تخصص ما يفوق دولًا عدة في البحث العلمي، في العديد من الدول العربية الإنتاج العلمي لا يحظى بالميزانيات وبالموارد البشرية، وميزانيات الدولة لا تشجع الحد الأدنى من البحث العلمي. أمام هذا يجد الباحث نفسه أمام خيارين؛ الشراكة أو ما نسميه هجرة الكفاءات.

عالم الاجتماع حاليًّا لم يعد بالملامح الكلاسيكية بين أروقة الجامعة وجدران المدارج فحسب، هناك ثلاثة أصناف: المدرس، والمدرس الباحث الناشر، وعالم الاجتماع الخبير الذي ينتج دراسات تطلبها منه السلطات الوطنية. وحركة العلم متأخرة نسبيًّا عن الواقع، يحدث هذا تقريبًا في العلوم الاجتماعية لكن الفجوة الزمنية بين تحولات الواقع وتحولات العلم تكون أوسع، لأسباب عدة منها الوثائق؛ إذ إن هناك عائقًا قانونيًّا تشريعيًّا يجعل الوثائق غير متاحة للباحثين.

نحن في الجامعات العربية مطالبين بأن ننحت حقلًا اصطلاحيًّا ومفاهيميًّا يستجيب لخصوصيات المجتمعات العربية، ففي كثير من الأحيان تتحدث هذه الإسقاطات عن بورجوازية وإقطاع، والحال أن المجتمع العربي لم يجد هذه الظواهر التي نشأت في بيئة غربية، ومن ثم علينا أن نجتهد في إيجاد حقل قادر على فهم وتفسر مجتمعاتنا.

أحداث الربيع العربي فاجأت الجميع، ليس النخب الفكرية فقط إنما النخب السياسية، ما كان أحد يعتقد أن المجتمع العربي أو بعضه سيقوم بانتفاضات عنيفة. هناك العديد من الدراسات لم تتنبأ بشكل دقيق لكن توقعت أن الأمر لن يستمر بسبب الاحتقان الناتج عن البطالة وتفكك الطبقة السياسية المحيطة بالأنظمة، وثقافة الاحتجاج عند الشباب. لكن لا أصحاب القرار السياسي، بما لهم من معلومات سياسية دقيقة، ولا الولايات الأميركية ولا فرنسا والدول العظمى توقعوا أن تحدث الانتفاضات. علماء الاجتماع والتاريخ والأنثروبولوجيا والاقتصاد لم يكن لديهم حس استشرافي يتوقع اندلاعها، لكن في كل الحالات هذا درس نستخلصه لتطوير ما نسميه بالسياسات الاستشرافية التي تستبق التحولات الجيوسياسية للمنطقة، وترسم سيناريوهات دقيقة قدر الإمكان، استنادًا إلى ما نسميه الذكاء الاصطناعي الذي يقدم سيناريوهات قابلة للتحقق، وهذه العلوم تتطور الآن في أوربا وفي الولايات المتحدة الأميركية.


سوسيولوجيا‭ ‬نظرية‭ ‬دون‭ ‬تطبيق

سالم‭ ‬لبيض ‬باحث‭ ‬تونسي

يعيش علم الاجتماع في الأوساط الجامعية. إن الطبيعة التكوينية للطلبة في أقسام علم الاجتماع تستدعي ضرورة التمكن من نظريات علم الاجتماع على غرار الخلدونية في الوطن العربي، والماركسية والدوركايمية والفيبرية في الغرب، وعلى غرار البراديغمات الجديدة مثل البنيوية والوظيفية، وما يطرحه علماء الاجتماع الجدد مثل بيير بورديو، ونظريات ما بعد الحداثة التي كتب فيها آلان توران وغيره كثر في السوسيولوجيا الأنغلو أميركية، ومن هذه الزاوية يطفو التكوين النظري على حساب
العمل الميداني.

هذا لا يعني غياب الدراسات الميدانية السوسيولوجية العربية، فالمراكز المختصة مثل مركز دراسات الوحدة العربية، ومركز دراسات السياسات العربية، ومركز الأنثروبولوجيا بوهران بالجزائر، أو مركز البحوث الاقتصادية بتونس، وكثير من الوحدات الأخرى تنشر أعمالًا جليلة لعلماء اجتماع عرب؛ منهم من درس بجامعات غربية، ومنهم من يدرس بجامعات عربية، وتتناول البحوث القضايا العربية، من السياسة وتعقيداتها إلى القضايا الاجتماعية المتعلقة بالقضاء والإجرام، والقضايا الاجتماعية المتعلقة بالهجرة والفقر والبطالة، وكذلك القضايا الثقافية. أيضًا القبيلة والطائفة والإثنيات حظيت بدراسات كثيرة.

والإشكال لا يتعلق بضعف الدراسات إنما بمن يستفيد من هذه الأعمال التي تزخر بها المكتبة العربية، فهل لا تعتمد من أصحاب القرار في برامج التخطيط وتحديث المجتمع وحمايته، فمثلًا الدراسات المتعلقة بعلم الاجتماع الديني وبالظاهرة الإرهابية وخطورتها والتنظيمات المختلفة واستهدافها الدولة الوطنية لها حضور كبير في الاهتمام البحثي لسوسيولوجيا العرب، وليس لها حضور في مراكز القرار ولدى أصحاب الحكم والسلطة، ومن ثم فإنه من المبالَغ القول: إن السوسيولوجيا العربية هي نظرية بحتة.

فهذه السوسيولوجيا لا بد لها أن تتغذى وأن تعتمد براديغمات نظرية تمكنها من الفهم والتحليل؛ لأن العمل السوسيولوجي يرتكز فقط على جمع البيانات والأرقام والإحصائيات، حتى تحليل الخطاب ودراسة المضامين من دون نظريات سوسيولوجية لا معنى له ولا فائدة ولا جدوى، فما كان مثلًا أن تفهم الدولة من دون العودة إلى التصنيفية المميزة لابن خلدون، وما كان لنا أن نفهم الدين من دون العودة إلى كتاب ماكس فيبر حول الرأسمالية وروح البروتستانتية.

أما دراسة الواقع العربي وتشخيص صيرورته فلا أعتقد أن الربيع العربي فضح الدراسات المتعلقة، عندما نفتح مثلًا كتاب «المجتمع والدولة في الوطن العربي» الذي صدر من مركز دراسات الوحدة العربية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، سنجد فيه كل ما يقال عن العراق ولبنان واليمن وسوريا ومصر وليبيا والجزائر والمغرب وتونس، فيه توصيف التركيبات الإثنية، والظاهرة الطائفية، وبنية الدولة القطرية، وطبيعة الحكومات العربية والاقتصاديات الريعية، وغير ذلك من القضايا، لكن الجمهور العربي الواسع لا يقرأ للأسف، ولم يقف على هذه التكوينات وعلى ترسباتها بالمجتمع وطبيعة الدولة إلا لما جاء الربيع العربي. أعتقد أن رواد السوسيولوجيا العربية لم يدخروا جهدًا في تفكيك بنية الدولة والمجتمع العربيين والآفاق المفتوحة والتنبؤات أو الاستشراف السوسيولوجي الممكن.

لا يمكن تحديد المستقبل العربي بعد 2011م بالدقة التي انتهت إليها الأحداث، لكن يمكن القول: إن المجتمع لأسباب تتعلق بالجمود وتتعلق بضعف الدولة وتتعلق بالعجز عن التحليل، كان مقبلًا على انفجار اجتماعي وسياسي كبير، لكن هناك قضايا تتجاوز حتى الذين يدرسون السوسيولوجيا ولا تفهم إلا بعد مدة طويلة بعد أن تنشر حولها الأرشيفات الدقيقة التي تحفظها الحكومات وأجهزة الاستعلامات.

فما وقع في الوطن العربي بعد 2011م فيه جزء يتعلق بحراك مجتمعي في شكل انتفاضات وثورات بشكل عفوي، وجزء آخر يدخل في شأن الدول وإسقاط أنظمة وأحزاب واستبدال أخرى بها، وهذا لن تكشف حقيقته إلا بعد الإفراج عن الأرشيفات التي تتمتع بالسرية في الدول ذاتها، التي عرفت الأحداث أو في دول المركز الأوربي والأميركي التي تدخلت برسم اتجاه أو اتجاهات ما شهده الوطن العربي. ولعل بعض المذكرات المهمة على غرار مذكرات أوباما ورسائل وزيرة خارجيته كلينتون قد تفسر بعض الحقائق. عمومًا إن الربيع العربي في جوهره تعبير عن رغبة عميقة في التغيير والتحديث والتقدم، لكن في مستوى مآلاته قد تكون دخلت عليه بعض القوى التي لا تؤمن بكل هذه القيم، وأخرى تسعى فقط إلى تأمين مصالحها بروح جديدة وبرؤية تعتمد آليات مختلفة عما كان سائدًا من علاقات.

علم الاجتماع فيه كثير من الاختصاصات التي سطا عليها مختصون في اختصاصات علمية أخرى، فقد وقع إيجاد اختصاص يسمى في التاريخ الزمن الحاضر، مكن المؤرخين من الإفتاء في قضايا من صميم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وكذلك الأمر لاختصاصات قانونية واقتصادية وجغرافية وربما حتى حضارية، في قسم الحضارة مثلًا يقع الحديث في كل مجالات اختصاص الاجتماع، فيما الطفرة التي تحدث في علم الاجتماع تحدث لا بالتراكم لكن ببصمات بعض السوسيولوجيين المميزين، الذين يقومون بنقلة نوعية، لعل من أبرزهم ابن خلدون، وماكس فيبر الألماني، وبيير بورديو الفرنسي.


علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬العرب في‭ ‬أزمة‭ ‬حقيقية

آمال‭ ‬موسى ‬باحثة‭ ‬تونسية

المشتغلون اليوم في مجال السوسيولوجيا كثيرًا ما ينتابهم الشعور أنهم يدورون في حلقة مفرغة، أو أنهم كمن يُحدث زوبعة في فنجان، على الرغم من جدية الأبحاث وبراعة الكثيرين في التوليد السوسيولوجي لغةً وفكرةً حتى ابتكارًا للمفاهيم؛ لذلك فإني أتوقع أن النبهاء من علماء الاجتماع العرب تفطنوا إلى وجود أزمة في علم الاجتماع العربي: هناك من حمّل الواقع المركب والإيقاع الصاروخي لصيرورة الاجتماعي اليوم كل المسؤولية، وهناك من ألقى المشكلة على عاتق المناهج واتهمها بقصورها الكوني الاجتماعي الإنساني وأنّها غير صالحة للتوظيف والمقاربة إلا على المجتمعات التي انبثقت منها. لكن لم نسمع حركة شجاعة وجريئة بصوت مرتفع يعترف: نحن علماء الاجتماع العرب في أزمة حقيقية، ولا نعرف من أين نبدأ التحليل، وأين ننتهي، وأي براديغم نتبنى، وأي نظرية نضعها في غياهب تاريخ العلم ونقفل عليها بالتجاوز.

لقد عشت حالة الإبهام وما زلت، ولكن عالِم الاجتماع الفرنسي آلان توران في كتابه «براديغم جديد لفهم عالم اليوم» مكنني من رؤية الأزمة وهو يتحدث عن البديل الذي يقترحه لفهم العالم الجديد؛ تبيّن لي أن البديل المقترح خاص بعلماء الاجتماع غير العرب، وأن المجتمعات المعنية ببديله البراديغمي هي مجتمعات متقدمة تاريخيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا عن المجتمعات العربية، ومن ثم بدأت تظهر لنا أسباب أزمة علماء الاجتماع العرب.

سأوضح أكثر: في كتابه الصادر عام 2006م يودع آلان توران البراديغمات المعروفة والمعجم السوسيولوجي القائم على مفاهيم العلاقات الاجتماعية الصراعية والطبقية والدولة والسلطة والحركات الاحتجاجية الزوبعة والشعب والثوريّ ودور النقابات ووسائل الإنتاج وعالم البنى التحتية؛ ليحطّ الرحال منهجيًّا عند ما سمّاه التحليل الثقافي الذي عدَّه وحدَه اليوم ما يُمكننا من فهم العالم. مع العلم أن توران بتخليه عن تحليل المجتمع يكون قد مال بشكل واضح نحو الذات والمطالبة بالحقوق الثقافية. بمعنى آخر، إن توران دعا إلى تجاوز البراديغمات المعنية بتحليل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، التي لم تعد صالحة للسوسيولوجيا الرامية إلى الفهم والتفسير، مقدمًا في الدعوة ذاتها بديله المتمثل في تبنّي التحليل الثقافي لفهم الحركات الفردية الفئوية الاجتماعية التي أصبحت الحقوق الثقافية شرارة انبثاقها ومصدر تحقق صيرورتها بالمعنى السارتري الوجودي.

السؤال الذي يخص علماء الاجتماع العرب: هل المجتمعات العربية ينطبق عليها اقتراح آلان توران لفهم عالم اليوم؟ لا يهم إذا كنا ننتمي إلى هذا العالم أم إن العالم الذي يقصده توران يقصينا من خريطته. الأكثر أهمية حسب تقديرنا أن الاقتصار على التحليل الثقافي وإهمال غيره وإن كان يتماشى مع المجتمعات الأوربية فإنه لا ينطبق على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي هي اليوم تعيش حراكها وحركاتها الاجتماعية واحتجاجاتها الزوبعة في ظل علاقات صراعية تفعل فيها البنى التحتية فعلها، تمامًا كما تفعل ذلك الحقوق الثقافية الداخلة على خطوط الحراك بقوة وبشكل متواز ومتداخل.

المطلوب تحليل متعدد البراديغمات دفعة واحدة للمجتمعات العربية. وما تجاوزته المجتمعات الأوربية فإن مجتمعاتنا بصدد ممارسته لذلك فالحراك الحاصل اليوم هو الذي يُربك بحكم تعدد الاستقطابات، بحيث إن الحراك هو سياسي واقتصادي وحقوقي وثقافي وهي تجربة على ما يبدو فريدة من نوعها تاريخيًّا. مشكلة التغيير في مجتمعاتنا أنه محكوم بوتيرة زمنية نفسية اجتماعية كونية سريعة جدًّا، وتتناقض ووتيرة التغيير المعروفة بالبطء عادة؛ لذلك فإننا نعرف نوعًا من الصدمة السوسيولوجية.

أختم بملاحظة أن الجهد البحثي في مجال معالجة الظواهر الاجتماعية القائم في العشرية الأخيرة تطور كميًّا ونوعيًّا في متن البحوث، فما عرفه العالم العربي من حراك سياسي في تونس ومصر وليبيا وسوريا حملنا إلى أسئلة جديدة تصدى لها علماء الاجتماع وانتبهوا لها.

ما يلفت الانتباه أن متابعة الدراسات الاجتماعية في بلداننا ليست مهمة والإعلام لا يسلط عليها الضوء، ناهيك أن قراءة المجلات المُحَكّمة تكاد تكون حكرًا على المختصين، وكل هذا عَطَّلَ وُصول الدراسات لعموم الناس. ومع ذلك ما زال أمام عالم الاجتماع العربي ما يجب أن يحفر فيه وأن يشهر في وجهة ضرورة الفهم وتحديد أسباب الظواهر.