مثقفون إماراتيون وعرب لـ«الفيصل»: «الإبداع يُخلق من رحم المعاناة».. مقولة أصبحت بالية

مثقفون إماراتيون وعرب لـ«الفيصل»: «الإبداع يُخلق من رحم المعاناة».. مقولة أصبحت بالية

حقل الكتابة عن جودة الحياة، وأثرها في بناء الإنسان، وحضورها وانعكاساتها على المجتمعات.. حقل واسع جدًّا؛ ذلك أن جودة الحياة، أو مؤشرات التنمية، لا تقاس بالمؤشر الاقتصادي المرتكز على التنمية الاقتصادية فحسب، إنما بحضور مختلف أنواع التنمية السياسية، والثقافية والاجتماعية والبيئية.

لكن قبل ذلك، يأخذنا الحديث عن جودة الحياة في الإمارات نحو الحديث، في الوقت نفسه، عن التسامح، والتعايش، والتنوير، وهي مفردات حضارية تعمل الدولة على تعزيزها في وجدان المواطن والمقيم في آن معًا، عبر مؤسساتها الثقافية والعلمية والاقتصادية وغيرها من المؤسسات الفاعلة، وينبع ذلك من اليقين الرسمي بأهمية هذه المفردات في بناء الأوطان.

ويظل السؤال حاضرًا في الأوساط المجتمعية، والثقافية، والاستثمارية، وغيرها من الأوساط، حول مدى جدية الدول في تحقيق جودة الحياة لدى الفرد والمجتمع. «الفيصل»، التقت في هذا الصدد عددًا من المثقفين الإماراتيين والعرب، في استطلاع للرأي يدور في فلك جودة الحياة وأثرها في المجتمعات، وبخاصة أنه هدف تتبناه دول الخليج، ومنها الإمارات، وعدد من الدول العربية.

عادل خزام: رؤى التنوير

الشاعر والروائي عادل خزام يرى أن الإمارات تبنّت مفاهيم حيوية لتطوير المجتمع، ومن بينها الإستراتيجية الوطنية لجودة الحياة. ويشير إلى أنه أمر يترك أثره العميق في الثقافة والمشتغلين فيها. ويقول خزام: «يكفي أن نتخيل مدنًا حديثة تتوافر فيها معارض الكتب، والمحافل السينمائية، والمعارض التشكيلية، وحفلات الموسيقا الراقية، والعروض والمهرجانات والمؤتمرات الثقافية طوال العام. ولنا أن نتخيل المثقف الذي يعيش في مدينة كهذه وهو يتأثر ويتفاعل ويندمج ويشارك في هذه المناشط ويحتكُّ مباشرةً مع أصحابها».

ويؤكد خزام: «هناك بالطبع تأثير عميق يتواشج ويتداخل في صلب العملية الثقافية. فنحنُ من جهة نؤسس للقيم المتغيرة والمفاهيم المتجددة في نظرية الجمال وفلسفة الفن وعلاقتها بالمجتمع المدني والإنسان المعاصر. ومن جهة ثانية يذهب هذا التأسيس والوعي إلى محاربة جذور التخلف من أساسها؛ لكون الثقافة الجديدة المنفتحة على مفاهيم الحوار والقبول بإبداعات الآخرين والاستماع إلى طروحاتهم الفلسفية والفكرية، هو ما يعزز بناء الجسور بين الأمم، وهو ما يخلق مجتمعًا قويًّا قادرًا على مجابهة الآخر والتفاعل معه، بدلًا من التقوقع على الذات والانكفاء للداخل الذي أفرز لنا الفكر الأحادي المتطرف والعنصري».

ويرصد عادل خزام أثر جودة الحياة في الثقافة داخل الإمارات، من خلال الانفتاح الكبير في الحياة العامة، وأفكار ورؤى التنوير الثقافي التي تَبَنَّتها المؤسسات وامتدّ أثرها للجميع، «وهي رؤى متجددة نبعت من احتكاك المثقف الإماراتي بالفنانين والأدباء العرب والعالميين، الذين يشاركون سنويًّا في المئات من الفعاليات الثقافية الدولية التي تبحث في آفاق مستقبل الثقافة في العالم، وهي بطريقة ما، لا تسمح بأفكار التطرف والعنصرية أن يكون لها حضور في هذه الحوارات». ويمضي قائلًا: «لدينا فنانون يشاركون في كبريات البيناليات والمتاحف العالمية، ومهرجانات أدبية وثقافية ومعارض كتب كلها أصبحت (دولية). والحوار الثقافي الجديد بيننا وبين دول العالم مستمر ويكبر كل عام على أسس علمية وفكرية منفتحة. هذا أفرز لدينا روحًا ثقافية تقبل بهبوب الهواء عليها من جهات الأرض الأربع، ولا تغلق نوافذها أبدًا».

وتطرق الشاعر خزام في حديثه إلى كيفية قياس جودة الحياة من نواحٍ عدة، ويذكر من بينها توافر الخدمات والأمن، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تخلق الفرص، وتعزز مستويات المعيشة، وغير ذلك. ويركز على أن القيمة الضرورية لهذا المنهج «يكمنُ في توليد الأفكار المبدعة، وابتكار الأساليب الجديدة في الفهم والاستيعاب؛ إذ يدخل الجميع في منظومة ثقافية تقودها الأفكار الجميلة، بحيث يتحول كل عنصر من عناصر المجتمع إلى كائن مبدع، والإبداع لا يتم إلا إذا توافر للشخص مخزون ثقافي نوعي، يضرب بجذوره في التاريخ والثقافة والهوية، وينطلق ليسهم مع العالم في بناء المستقبل. والمثقف، إذا ما توافرت له عناصر جودة الحياة، فإنه بالتأكيد يصبح صوت الوعي والضمير لأمته وشعبه».

عبدالإله عبدالقادر: مجلس جودة الحياة

وفي السياق نفسه، يذكر المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية العراقي عبدالإله عبدالقادر، أن ملف تعزيز جودة الحياة للمواطنين والمقيمين تَصَدَّرَ قائمة أولويات العمل الحكومي في دولة الإمارات، التي لم تُثْنِها التحديات الناجمة عن فيروس «كوفيد-19» عن المضي قدمًا نحو تحقيق هدفها المنشود بأن تكون وطن السعادة الأول عالميًّا. ويسلط عبدالقادر الضوء على ما اعتمدته حكومة الإمارات في يونيو عام 2019م من إستراتيجية وطنية لجودة الحياة 2031م، وشملت 90 مبادرة نوعية للارتقاء بالقطاعات الحيوية التي تمس حياة الناس، ولا سيما في مجالات الصحة والتعليم والعلاقات الاجتماعية وكفاءة الخدمات الحكومية، وغيرها من المجالات، لافتًا إلى أن أبرز هذه المبادرات جاء تحت اسم «مجلس جودة الحياة». ويوضّح عبدالقادر أن هذا المجلس يضم أكثر من 20 جهة حكومية اتحادية ومحلية، ويسعى إلى التنسيق المشترك بين الجهات الحكومية على المستويين الاتحادي والمحلي، ومواءمة السياسات والبرامج لدعم تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لجودة الحياة، وتفعيل التعاون بين الجهات لتحسين جودة حياة الفرد والمجتمع، وتشجيع الجهات على تبني المفهوم الشامل لجودة الحياة في تطوير خدماتها ومبادراتها ومشروعاتها. ويؤكد أن حكومة الإمارات عملت على إعداد دراسات استباقية، حول مستوى جودة الحياة في الدولة من منظور اجتماعي، ويشمل فئات المجتمع كافة.

وحول جودة الحياة وأثرها في المثقف خاصة، يعلّق الكاتب المسرحي عبدالإله عبدالقادر أن المثقف في المجتمع الإماراتي جزء فاعل ومنفعل في جودة الحياة التي تنعكس عليه من ناحية الاستقرار النفسي الذي ينظم عمل المبدع والمثقف، ويجعله يشعر بالأمان والطمأنينة بالنسبة لصحته وحياته العائلية وعمله، ويرفع من قيمة أدائه في محيطه الإبداعي، مشيرًا إلى أن الإمارات من الدول السبّاقة في منح الإقامة الذهبية لعدد كبير من الموهوبين المقيمين على أرضها؛ وهو «الأمر الذي شكّل اهتمامًا كبيرًا داخل وخارج الإمارات؛ لأن المبدع عندما تتوافر له البيئة المناسبة والحاضنة سيكون عطاؤه أكثر تأثيرًا وأفضل في قيمته المستقبلية».

ويقول: «علينا ألا ننسى المشروعات الثقافية العملاقة التي تنطلق من الإمارات، وكذلك البرامج الثقافية، والجوائز الإبداعية، والمهرجانات التي شكلت علامة فارقة في مشهد الألفية الثالثة، حتى تحولت الإمارات إلى قِبلة ثقافية عالمية لا تخلو لياليها من حدث ثقافي مهم، وكثير من تلك الأحداث الثقافية كانت محط أنظار العالم. لقد ساهمت جودة الحياة في إعطاء تلك الأحداث الثقافية قيمتها الفنية وصداها العالمي، وكان للمثقف دوره الأميز في صناعة الحدث الثقافي بوصفه فردًا في بلد تسُودُه قيم التسامح، وتسيج حدوده الطمأنينة فتتحقق المعادلة (عيش كريم- وطن آمن- حياة جيدة)».

صالحة غابش: المبدع ابن بيئته

تقول الشاعرة الإماراتية، وأمين السر العام لاتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، صالحة غابش: «معلوم أن الكاتب الأديب يتأثر بما يوفره له محيطه من معجم الموضوعات التي تلهمه للكتابة، وبما يوفره من لغة تتناغم مع خبرته من المخزون اللغوي والثقافي؛ لذلك يقال: إن الكاتب ابن بيئته، ومهما توافرت في هذه البيئة من عناصر ومشاهد، فهي تُكَوّن جزءًا من ثقافة الكاتب التي هي أكثر ما يحتاج إليه حين يواجه النص الذي يكتبه». وتتابع غابش قائلة: «ككل مشاهد الحياة، فإن لجودة الحياة محتوى تراكمت فيه خبرات بشرية فكرية وعاطفية. تجارب تشكل ثقافة مجتمع، بمعناها الذي يحمل إشارة إلى التطور الذي يعكس رحلة الحياة ومساراتها التي تنتقل من مرحلة إلى أخرى متقدمة، وتشير كذلك إلى الاستقرار في المعيشة والعلاقات البشرية والأمن والأمان وغيرها.. كل ذلك يمكن أن يكون مادة لصناعة النص الإبداعي».

وتبيّن الشاعرة صالحة غابش مدى ارتباط جودة الحياة بالنتاج الأدبي للمبدع، وتقول في هذا الصدد: «على الرغم مما عرف عن الأدب من أنه انعكاس لحالات الانتكاس العاطفي والوجداني، بل الانتكاس المعيشي الذي تتسبب فيه إشكالات اقتصادية واجتماعية كالفقر والأمية وانتشار الأوبئة والانحرافات وغيرها، فإن «قطاعات» في العالم تحظى بمستوى من جودة الحياة بما تكتنفه من معاني الاستقرار والأمان، التي يمكنها أن تغذي الكاتب بثقافة تجعله منتجًا لنص أدبي مختلف. على أن جودة الحياة في النصوص لا تعني التركيز على رفاهية العيش والمظهر، ولكن تتطلب ذكاءً من الكاتب وبحثًا جادًّا عن زوايا التشويق والخيال والإبداع في التفكير واللغة، فهو يتحدى واقعًا محاطًا بما يشبه حلولًا للمشكلات».

عبدالفتاح صبري: أجواء حافزة

يؤمن القاص المصري، مدير تحرير مجلة «الرافد»، عبدالفتاح صبري أن الأديب يحتاج إلى مناخ من الدفء الاجتماعي والحرية؛ كي يتمكن من مواصلة طريقه الإبداعي، و«إن كان الأمر نسبيًّا من مبدع إلى آخر». ويقول: إن جودة الحياة تسهم في توفير الطمأنينة اللازمة لكل فرد، أو مبدع، أو صاحب مهنة فكرية أو إبداعية، وهو ما يسهم بدوره في دفع الحراك الأدبي والفني والإبداعي، الذي يعد حافزًا للكتابة من دون ضوابط ترهق المبدع».

وتناول عبدالفتاح صبري تجربته الشخصية كمثال؛ إذ يوضح هنا: «هذه المناخات شجعتني ودفعتني لاستكمال مشروعي، وديمومة العطاء المستمر، حتى بلغت إصداراتي أكثر من أربعين إصدارًا في فنون الإبداع والأدب والدراسات النقدية». ويرى صبري أن «مناخات الحرية والطمأنينة المجتمعية، وأريحية التعاون والتعامل بين السلطة والأديب، أو السلطة ومؤسسات الثقافة والأدب، أو بين مؤسسات المجتمع عامة، له أثر إيجابي ومهم في الدفع بآليات النهوض الإبداعي والثقافي وفي حرية الكتابة».

مريم الهاشمي: حال استثنائية إثرائية

ترى الأكاديمية والناقدة الإماراتية الدكتورة مريم الهاشمي أن المجتمع الإماراتي يميزه التنوع الثقافي «بسبب تنوع جنسيات وبلدان المتشاركين هذه الرقعة الجغرافية؛ لذلك يمثل حال استثنائية إثرائية إيجابية تعود إلى توافر جودة الحياة بشتى مناحيها، وهو ما يساعد المثقف وكل شرائح المجتمع التي تتشارك جودة الحياة، في اكتشاف الجوانب الإيجابية للشخصية وتنميتها، وإثراء القيمة الوجدانية للذات المبدعة». وتشير إلى أن المجتمعات لا يمكنها أن تشيح عن أهمية جودة الحياة التي تؤثر في سمات الذات ودوافعها، ومن ثَمَّ تحديد سلوكها.

وتضيف الأستاذة في كليات التقنية العليا أن الإبداع «نمط من أنماط السلوك القادرة على التعايش مع الذات أولًا ومع الآخر ثانيًا. والتوازن الداخلي والخارجي من المطالب الأساسية للذات البشرية، وتلعب جودة الحياة دورًا كبيرًا في تحقيق هذا التوازن. ولا نقصد هنا مستوى الدخل للفرد فقط، وإنما العناصر الأخرى كالأمن واحترام القانون، والمرافق الترفيهية، والرضا الوظيفي، والعلاقات الاجتماعية. والإبداع، بشتى مجالاته الثقافية والفكرية والمعرفية والإنسانية والمهنية والسياسية، لا يرتبط بعوامل معرفية فقط، بل بأخرى لا يمكن إهمالها كالاستقلالية والدافعية التي توفرها جودة الحياة». وتؤكد الدكتورة الهاشمي أن المثقف «في حاجة إلى مساحة لممارسة حريته الفكرية والثقافية، والجودة الحياتية تمكّنه من تلك الممارسة المتزنة من دون ضغوط وتسلّط».

فيصل جواد: المعاناة والإبداع

يؤكد المدير التنفيذي لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام في الإمارات العراقي فيصل جواد، أن القول بانتعاش المثقف والمبدع في ظل جودة الحياة، ينسف المتوارث من الظن الذي تترجمه مقولات تتنوع بإنشائها، وتتفق عند تأويلاتها، والمفضية إلى أن المعاناة تصنع الإبداع وتكشف عن ماهية المبدع.

ويعلّق جواد حول العلاقة بين المعاناة والإبداع: «لا شك أن المقولة العتيقة بنشأتها، والبالية في مضمونها وكنهها، ينبذها كل المثقفين والمبدعين ممن عطلت آلة الحرمان أدواتهم، وأقصت نتاجاتهم عن دوائر الضوء، بل لَطالَما انسحب كثيرون منهم ليتبوؤوا أماكنهم في شتى المواضع التي توفر لهم ما يسد رمقهم وأسرهم، وبذا فإن الفقر والفاقة قد طوحت بكثير مما يمكن أن يثري الساحة الإبداعية، وأضاعت كثيرًا من الأسماء في زحمة البحث عن الرغيف، وهذا أمر لا يقبل بشروط غير شروط الاقتران الواقعي، فالجهاز البيولوجي للإنسان لا يحتمل الدخول في أكثر من فضاء، وإذا ما حاصر الجوع واستبدّت الحاجة بالمبدع ضاقت آفاق رؤاه، وتبدى قليل الحيلة فقير المخيلة ضعيف التدبير، باحثًا عن التدبر لصالح الأفواه المعنيّ بإدامة حَيَوَاتِ أصحابها كفعل متّسق وكينونة الحياة».

ويرى جواد أن الفرد العادي والمثقف في دول الخليج يتمتع بقدر طيب من الرفاهية، ويحيا في كنف الجودة؛ لذا فإن تلك الجغرافيا خصبة ثقافيًّا وإبداعيًّا، ولعل محاولة للتقصي الإحصائي كفيلة بأن تضعنا أمام معادلة صحيحة الأطراف دقيقة النتائج. ويخلص مدير عام قنوات الفجيرة في حديثه إلى أنه كلما انتعش الوضع المادي للمثقف، نال نصيبه من الاسترخاء وتنعّم بظلال مخياله وآفاق رؤاه، فأنتج ما يساوق دعمه وتنعمه، وانصرف لمشروعه غير مشغول البال بسواه.

إسلام أبو شكير: تنوّع ثقافي

بدوره، يرى القاص السوري إسلام أبو شكير أن الإمارات قد حققت منجزًا كبيرًا في مجال تحسين مستوى الحياة، سواء لأبنائها أو للمقيمين فيها، ويؤكد «يمكن اعتبار الإمارات نموذجًا ناجحًا للمجتمع الطموح، الذي استطاع خلال وقت قياسي أن يوجد بيئة تتوافر فيها كثير من مقومات الحياة الكريمة والآمنة». وتساءل أبو شكير عن أثر ذلك في المبدع وتجربته، ويوضح قائلًا: إن طبيعة الإبداع «ليست مرتبطة دائمًا بنمط معين من الحياة، والتجارب عبر التاريخ تشير إلى أن الإبداع حالة خاصة جدًّا في هذا المجال، فكثير من الطاقات العظيمة فرضت نفسها ضمن ظروف حياتية شديدة القسوة (فقر، مرض، حرب، قهر..)، وفي المقابل، فإن ظروف الرخاء والأمن أفرزت طاقات لا تقلّ إبداعًا. وهو ما يعني أن طبيعة الحياة، سواءٌ بوجهها السلبي أو الإيجابي، ليست شرطًا من شروط الإبداع، وأن المعوّل عليه في النهاية هو المبدع نفسه، وعمق إيمانه بطاقاته وقدراته… لكن يبقى من المبرّر السؤال عن طبيعة التجربة الإبداعية التي نَمَتْ في ظروف حياة تشبه الظرف القائم في الإمارات، من ناحية الجودة وتوافر عناصر الاستقرار والكفاية المادية، ونفاذ قوة القانون وما إلى ذلك؛ أي عمّا إذا كانت لها خصوصية معينة، تجعلها مختلفة نوعيًّا عن تجربة نمت في ظروف مغايرة».

ويرى القاص السوري أن الأمر يحتاج إلى دراسة خاصة «تتقصى الآثار التي تركتها طبيعة الحياة في الإمارات في نتاج المبدع، سواء من ناحية مضامين هذا النتاج والقضايا التي تشغله، أو من ناحية الأدوات التعبيرية التي يستعين بها لتجسيد تلك القضايا، ومقارنة ذلك كله بنماذج أخرى ظهرت في بيئات مختلفة». ويربط إسلام أبو شكير نجاح تجربته الإبداعية بحالة التنوع الثقافي في الإمارات: «الأمر الذي أجزم أنه طبع تجربتي بسمات ما كان لها أن تظهر في ظرف آخر. لقد وفر لي ذلك مادة شديدة الغنى استثمرتها إبداعيًّا، وطورت من خلالها تجربتي. والمؤكد لي أن هذه التجربة كانت ستخرج مختلفة على نحو كبير لو عايشت حالة مختلفة. على أنني لا أعدّ هذا الأمر امتيازًا، بل هو نتيجة وحسب، بمعنى أنني أتعامل معه بوصفه أحد التأثيرات التي تركها الظرف الذي عشته في هذا المكان في تجربتي، من دون أن يكون ذلك مقياسًا على نجاح التجربة أو فشلها».