كلما سقطت فكرة نبتَتْ شجرة وجناحان

كلما سقطت فكرة نبتَتْ شجرة وجناحان

لماذا يموت الرسّام في لوحته؟

متى يبدأ النهار وأين تنتهي الأشجار؟ لماذا تبكي عندما يأتي الغروب؟ دموعُكَ أم زخّاتُ مطر في أول الشتاء؟ قل لي: هل أنت من لوّن الغابة؟ لماذا صبغت البحر بالأحمر والشمس بالأخضر والثلج بألوان قوس قزح؟ قل لي من فضلك: لماذا غرست التفاحة في الصحن، والصحن في الغيمة، والغيمة في الكأس، والكأس فوق الشمسية؟ هل ما زال الفيلسوف في عطلة؟ أيها الرسام الأعمى. دعها تمطر، وضع أحلامك في القبعة. ستخرج الأرانب وتضيء الطريق، النجوم مكدّسةٌ في رأسك. ستجري طويلًا قبل أن تنزل السماء وتمشي معك. ستبكي كثيرًا قبل أن يرجع الجبل إلى مكانه. العواصم مُبَلَّلَةٌ. أفْكاركَ لزِجة، تنفلت من يديك، تدبُّ مثل حلازين مزركشة على الرصيف. كلما سقطت فكرة نبتَتْ شجرة وجناحان.

ستطير إلى حياتك القديمة. سَيَسْخَرُ منك عمود الكهرباء. ستُلقي السلام على الغرباء. وترسم وجوهًا غامضة على الحائط. سيراك أحبابُك ويذرفون الدموع. في الظل أيادٍ تُصَفِّقُ وفي الشمس رَجُلٌ يغني: «عودوا أنّى كنتم، غرباء كما أنتم»… جنب النهر قبورٌ وبَحّةُ ناي. أين الراعي؟ صَدْرُكَ مُخضَّب بالدم، وقلبك وردة جورية. عُضّ الليلَ أيها التائه بين الأحياء. عُضَّ الرصيف. اغْرِزْ حنينك في الضوء، لعل النجوم ترقّ لحزنك، لعلّ الطين يمسح خطاياك. اجْرَحِ المسافة وتكاثرْ مثل حبات رمْلٍ على الشاطئ. الخارجون من الحديقة أخذوا معهم الأشجار. سرقوا الروائح وابتسامات الزوار. الغابة مُزيَّفَة والعصافير من زجاج. لا تقلق. سوف نُرَمِّمُ الذكريات التي تتكسَّر. الحقيقة تُمْطِر في آخر الليل. الضباب مُتردِّدٌ على مدخل الطفولة. لا تقلق. لست أوَّل بابٍ تُغْلقه الريح. لست آخر رسام يموت في اللوحة. لا تقلق. سيعود الجبل إلى مكانه. ستغني الفصول للفصول. ستجفّ العواصم. وستصعد السماء إلى السماء.

طبيعةٌ مَيِّتَة

فَتِّشْ بين الأغراض أيها الندم. لن تعثر إلا على ليل يبكي وقمر يئنُّ وعاصفة تتألم. فَتِّشْ جيدًا في الخزانة… لقتيلات وسط الملابس حبيباتي، وجرائمي مبعثرةٌ وراء الباب: أنا من ذبح الوردة الجورية، أنا من شنق الأغاني وأطفأ الشمس بسطل ماء. السكين خبأته في بيت شعر قديم، وجلست أُدَخِّنُ سيجارًا في الشرفة كي أنسى أنني بلا رأس. ذبحت كثيرًا من الكلمات في الطريق إلى عينيكِ، وحين لمحتُ الدم يقطرُ، ارتعشت مثل طفل يرى البحر أول مرة. هَجَمَتْ عليّ الحوريات وفاضتِ المدينة بالشهيق والأغاني. أخاف أن أبقى مُعَلَّقًا في طبيعةٍ ميِّتَةٍ على الجدار. سأهرع إلى الغابة بلا ملابس كي أستعيد براءتي. الثلج يسقط في الغرفة والحزن ينام وحيدًا خلف الباب. أيها الندم فَتِّشْ… مَنْ قَتَلَني؟

السيمفونية الحمراء

«دو… ري… مي… فا… صول… لا… سي… دو»… مزاجي معكّر. حَبَّاتُ البَرَدِ تتراقص. الريح تُحَوِّمُ حول البيت مثلَ لِصٍّ. يؤلمني الواقفون بلا أقدام. السماء المثقوبة من كثرة الاستعمال. الصَّدَفَةُ الناقصة في قميص الليل الأبيض. النجمة المشنوقة على حبل الغسيل. النائمون بكامل نسيانهم. سَرْنَمَةُ الغيوم. المستيقظون بلا رؤوس. المَيِّتون على عَجَلٍ. الخريف الذي تأخر في الزحام. الضحكة التي خبَّأها الأطفال في نومهم. تُؤْلِمُني الدجاجة المسجونة في ساعة الحائط. الزرع المُشَتَّتِ في الغرفة. العقاربُ التي تدور في الاتجاه المعاكس. المذبوحون الذين يفتشون عن رؤوسهم في كِيس القمامة. الوردة التي غَرَسْناها على قبر بيتهوفن كي يتوقف المطر. يُؤْلِمُني الدَّمُ الذي يسيل من الكمنجة. «دو… ري… مي… فا… صول… لا… سي… دو…».


صدر للشاعر ثلاثة دواوين شعرية: « الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبيرغ»، وزارة الثقافة المغربية 2001م، و«نَظّارات بيكيت»، اتحاد كتاب المغرب 2006م، و«ملاك يَتَعلَّمُ الطيران»، منشورات الفاصلة 2019م. تُرجمت قصائده إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والفارسية.