اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للبيئة

اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للبيئة

اختارت منظمة الأمم المتحدة الخامس من يونيو من كل عام، ليكون يومًا عالميًّا للبيئة، وأصبح يوم الاحتفال بيوم البيئة العالمي، الذي يعقد سنويًّا منذ عام 1972م، منصة حيوية لتعزيز التقدم في الأبعاد البيئية لأهداف التنمية المستديمة، ولا يغفل من فطن أن عام 2020 هو عام الطموح والعمل لمعالجة الأزمة التي تواجه الطبيعة، إنها فرصة لإدماج الحلول القائمة على الطبيعة بشكل كامل في العمل المناخي العالمي، ويعد هذا العام أيضًا عامًا حاسمًا لالتزامات الدول بالحفاظ على التنوع البيولوجي واستعادته.

وإذا كانت الأمم المتحدة قد اختصت البيئة بيوم عالمي -قبل نصف قرن- فقد سبق الإسلام جميع الأمم منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام إلى المحافظة على البيئة ورعايتها من كل شيء يؤثر في جمالها ورونقها، وهذه المحافظة في مصلحة الفرد والمجتمع، وهذه ليست دعوة الإسلام فقط بل جميع الأديان السماوية، فمَن يتدبرِ الآياتِ القرآنيةَ مِن قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون) إلى قوله تعالى: (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحمًا طريًّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) من الآية 5 حتى الآية 14 من سورة النحل؛ يدركْ تمامًا أن الكون مسخر بأمر الله للإنسان، فيجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظامه الدقيق البديع الذي خلقه الله عليه.

مفهوم البيئة إسلاميًّا

كلمة «البيئة» لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة، لكن مدلولها كان مرتبطًا دائمًا بكلمة الأرض في القرآن الكريم، فقد استخدم القرآن بدلًا من كلمة البيئة مصطلح الأرض للدلالة على المحيط أو المكان الذي يعيش فيه الإنسان… ومن ثم فإنّ علماء المسلمين لم يستخدموا كلمة «البيئة» استخدامًا اصطلاحيًّا إلا منذ القرن الثالث الهجري، وربما كان ابن عبد ربه صاحب كتاب «العقد الفريد»، هو أقدم من نجد عنده المعنى الاصطلاحي للكلمة حيث يقول: «إن البيئة بمعنى الوسط الطبيعي والجغرافي والمكاني والإحيائي الذي يعيش فيه الكائن الحي بما في ذلك الإنسان».

نقطة تحول

في عام 1972م انعقد تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤتمر الرئيسي الأول حول القضايا البيئية في المدة من 5 إلى 16 يونيو في ستوكهولم (السويد)، وكان ذلك بمنزلة نقطة تحول في تطوير السياسات البيئية الدولية، وكان الهدف المنشود من المؤتمر، المعروف بمؤتمر البيئة البشرية، أو مؤتمر ستوكهولم، صياغة رؤية أساسية مشتركة حول كيفية مواجهة تحدي الحفاظ على البيئة البشرية وتعزيزها، وقد شارك الملايين من الناس على مر السنين في هذا الحدث، وهو ما ساعد على إحداث تغيير في عاداتنا الاستهلاكية وكذلك في السياسة البيئية
الوطنية والدولية.

يروّج اليوم العالمي للبيئة لموضوع جديد كل عام، ويسلط الضوء على شق معين من المواضيع المرتبطة بالبيئة، وكان موضوع عام 2019م هو «دحر تلوث الهواء». أما هذا العام فالموضوع هو «التنوع البيولوجي» الذي يعدّ أساس الحياة على الكرة الأرضية، وهو العنصر الأساس للأنظمة الإيكولوجية التي توفّر السلع والخدمات الداعمة لرفاه المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، التنوع البيولوجي الذي يسمى أحيانًا التنوع الحيوي، يهتم بالمملكتين النباتية والحيوانية المتواجدتين على الكوكب، وتقدر أعداد الأولى بنحو 70 ألف نوع من النباتات والثانية بملايين من أنواع الحيوانات.

أهداف التنوع البيولوجي

ارتكزت «اتفاقية التنوع البيولوجي» منذ تأسيسها على ثلاثة أهداف رئيسة؛ وهي السعي المنظم للحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة البيئية، والاستخدام المستديم بالحدود المعقولة لمكونات الأنظمة البيئية، والتوزيع العادل للفوائد والخدمات المرتكزة عليه. وقد يتساءل بعضٌ؛ لماذا هذا الاهتمام بالتنوع البيولوجي؟ بكل وضوح وبساطة يمكن القول: إن التوازن الكوني الذي أوجده الله سبحانه بين الكائنات الحية إلى جانب الكواكب من أبرز الآيات الربانية التي لن يستطيع أي شخص إنكارها،وحدث عدد من المشاكل في مناطق عدة من العالم عندما حاولت السلطات المختصة التخلص من أنواع من الحيوانات (طيور وحشرات) أو نباتات، كانت تسبب مشكلات لبني البشر، وجد بعد التخلص منها أن وجودها كان سببًا في التخلص من أنواع أخطر من الحيوانات أو النباتات. كما أن اختفاء أنواع من النباتات التي شكلت جزءًا مهمًّا في اكتشاف علاجات لأمراض تعرض لها الإنسان أو الحيوانات اضطر الإنسان للتعويض عن ذلك بمركبات كيميائية.

سلامة نظم البيئة

مِن المحتم أن تكون البيئة نظيفة وآمنة لتوفير مُحيط صحيّ ونَقِيّ للكائنات الحية، وهناك عدد من الأشياء التي تعمل على إعادة بناء وحماية الموارد الطبيعية المتبقية، والتنوع البيولوجي في النظم الإيكولوجية، ومن أهمها: المحافظة على البيئة بتقليل الاعتماد على مصادر النفط في إنتاج الطاقة، والاتجاه بشكل رئيس إلى مصادر الطاقة المتجدّدة النظيفة التي تمنع تلوث البيئة مثل: طاقة المياه وطاقة الرياح والطاقة الشمسية، ووضع قوانين رادعة للحدّ من التلوث الناتج عن عوادم وسائل النقل، وإلزام المصانع بوضع مصافٍ لتصفية الدخان الناتج عنها، وزيادة المساحات الخضراء وزراعة المزيد من الأشجار والنباتات؛ لأنها تُنقي الهواء وتلطف البيئة بشكل كبير، إضافة إلى الحفاظ على مصادر المياه ومنع تلوث منابعها الرئيسية أو الفرعية واستهلاك الماء بالشكل المناسب من دون إسراف.

منهج الشريعة الإسلامية في رعاية البيئة وحمايتها

تميزت الشريعة الإسلامية بمنظومة متكاملة من التوجيهات والتشريعات والمبادئ التي تهدف لحماية ورعاية البيئة بأشكالها ومكوناتها، وانفردت بتقديم منهج واقعي عملي في هذا المجال، ينطلق من الوازع الديني الداخلي، وصولًا للتشريعات التطبيقية، ووضع الآليات الرقابية والعقابية للمخالفين والمعتدين، وتحريم وتجريم كل ما من شأنه إلحاق الضرر بها أو أحد مكوناتها، واعتباره مستحقًا للعقوبة المناسبة.

وقد تمثَّلت حماية الإسلام للبيئة في كثير من الوجوه منها: عدم الإسراف في كلِّ شيء؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى استنزاف موارد الطبيعة وتبديد مقدراتها دون جدوى… ومنها تعمير الأرض وإحياؤها واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء قاحلة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق بها»، ويقول أيضًا: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار، وثمنه حرام» فقد أفاد الحديث أن ما ذكر من الماء والأعشاب، وما يوقد به النار مما كان في الملك العام فهو للجميع، لا يجوز لأحد أن يستأثر به لنفسه من دون غيره أو يحجزه عن غيره، وعليه فإن المحافظة عليها مسؤولية الجميع،
فكما كانوا في الانتفاع منه سواء، فهم في الحفاظ عليه سواء.

ويبلغ الأمر النبوي الكريم غايته في الحثّ على الزراعة وتعمير الأرض وتشجيرها عندما يقول: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألَّا يقوم حتى يغرسها فليفعل» وفي هذا بالغ الاهتمام من الإسلام بالبيئة؛ لأنَّ الأشجار تخلص البيئة من كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكاربون المضر بالصحة، كما لها دور كبير في إنتاج كمية كبيرة من الأكسجين اللازم لحياة الإنسان والحيوان، كما تقلل الأشجار أيضًا في المناطق الصناعية والمدن التي تحيط بها الجبال أو الصحارى من كمية الأتربة والمواد الملوثة الموجودة في الهواء حيث تعمل كمصفاة منقية للهواء، ومن هنا نجد أن كثيرًا من المدن في عالمنا اليوم قد لجأت إلى إنشاء ما يسمى بالحزام الأخضر حول المدن، كما أن للأشجار دورًا كبيرًا في تثبيت الرمال، ومنع زحفها، ومن ثَمَّ تؤدي إلى منع ظاهرة التصحر التي تهدّد كثيرًا من الدول.