أربع رسائل غير معروفة لفيكتور هوغو

أربع رسائل غير معروفة لفيكتور هوغو

بينما أنا أُجري أبحاثي عن الفيلسوف فولتير إذ وقعتُ بطريق المصادفة على أربع رسائل للأديب فيكتور هوغو.

الرسالة الأولى: مؤرَّخة في 23 يوليو 1822م، وموجَّهة إلى ماري- جوزيف تريبيشِّه، خال فيكتور هوغو الذي يعمل موظّفَ أرشيف في إقليم لوار السفلي، بمدينة نانت(1). وكان ابنه أدولف آنذاك طالبًا في كلية الحقوق بباريس، ويتشارك شقة صغيرة مع فيكتور في شارع دراغون (30). وكان على أدولف التقدُّم للامتحانات(2) بتاريخ 23 يوليو، في الساعة العاشرة، ليغادر بعدها إلى مدينة نانت حيث سيقضي العطلة الصيفية. ويأسف فيكتور على رحيل صديقه، لكنّ الوداع سيكون أقلّ إيلامًا من وداع شهر يوليو عام 1821م، بُعيد وفاة والدة فيكتور. ويَظهر فيكتور فخورًا جدًّا بإصدار خاله الجديد: كتيّب تاريخي عن آن دوقة بريطانيا، ملكة فرنسا، الذي صدر في ربيع عام 1822م، لدى ناشر من مدينة نانت يُدعى: ميلينِه مالاسيس، ويُفترَض أن تصدر الطبعة الثانية منه لدى الناشر بيليسيه في باريس، نهاية هذا العام. ويُذيِّل هوغو الرسالة بذكر مراسِل آخر، وهو شخص من عائلة بوتيّه، قد يكون السياسي المنحدر من مدينة نانت: شارل فرانسوا دو بوتيّه (1760- 1845م)، الذي تربطه علاقة مع خاله. ويذكُر فيكتور أيضًا أخاه الأكبر جوزيف- آبل هوغو، الذي يُضنيه العمل.

اشترى هذه الرسالة الأمير وليام ألكسندر كارل هِندريك فريدريك، أميرُ أورانج (1851- 1884م)، الذي يهوى جمع المكاتيب المخطوطة بيد أصحابها؛ وذلك من مجموعة بيع شارافاي، في شهر مايو 1884م(3). وحُفظ مع الرسالة وصف موجز (رقم 101 في فهرس المجموعة).

الرسالة الثانية: تؤرَّخ في 20 نوفمبر 1829م، وتُوجَّه إلى «السيد هـ. ل. فيفيز، الذي يعمل كاتبًا أولًا في الغرفة العامة للحسابات المالية» في مدينة لاهاي(4)، وهو مترجم رواية: اليوم الأخير في حياة محكوم عليه بالإعدام، إلى اللغة الهولندية. ولا يُذكَر اسمه في الترجمة إلا وفق أحرفه الأولى:

De laatste dag van eenen ter dood veroordeelden, uit het Fransch door H. L. F., ’s-Gravenhage, G. Vervloet, 1829(5).

أُعلن عن هذا الكتاب الصغير، وهو أول أعمال هوغو المترجمة إلى اللغة الهولندية(6)، في صحيفة (Dagblad van ’s-Gravenhage) بتاريخ 29 يونيو 1829م. ويشير الإعلان إلى النجاح الكبير للكتاب في باريس (ثلاث طبعات في شهر واحد [فبراير])، وإلى أهمية الموضوع. وتحدثت إحدى الصحف الهولندية الأدبية الرئيسة  (Vaderlandsche letteroefeningen)(7) في ربيع عام 1830م عن: «رسم لافت للعواطف الإنسانية والأسى واليأس»؛ أي بالمختصر عن: «تحفة فنية»، وقد أثارت ترجمتها الإعجاب. ويأمل الناقد أنْ «يسهم هذا الكتاب الصغير، الذي يمكنه التحوّل إلى مرافعة بليغة عن هذه الأمنية الورعة، في إبدال عقوبة الإعدام الشنيعة في بلادنا؛ إذ تقطع نهائيًّا طريق التوبة وتبدو بهذا مناهضةً للعناية الإلهية؛ وذلك عبر مبادئ ألطف وأقرب إلى الدين المسيحي». ولا يَظهر هذا الاعتراف لدى هوغو إلا في توطئة الطبعة الخامسة (1832م): «ليس اليوم الأخير في حياة محكوم عليه بالإعدام سوى مرافعة، مباشرة أو غير مباشرة، على نحو ما نريد، لإلغاء
عقوبة الإعدام»(8).

الرسالة الثالثة: كلمةٌ قصيرةٌ موجَّهة إلى الزميل والصديق الكاتب كزافيه مارميه (1808- 1892م). وهي مخطوطة على ورقِ رسائل: هيئة الدراما في جمعية الكتّاب الدراميين، التي انتسب إليها هوغو منذ عام 1831م(9). وحُفظت بين مجموعة الرسائل الموجَّهة إلى الشاعر الهولندي: جاكوب فان لينيب (1802- 1868م) الذي التقاه مارميه عام 1840م في أثناء رحلته إلى هولندا. وقد سجَّل في كتابه رسائل عن هولندا: «السيد ج. فان لينيب هو مِن أكثر الكتّاب المعاصرين خصوبةً وتذوقًا في هولندا. […] ونرى أنه سعى في هذه الكتابات المتنوعة إلى وهب هولندا ما وهبه والتر سكوت -بكثير من التألق- لأسكتلندا؛ وإنْ بقي دون النموذج الأصلي، فلم تنقصه جدارةُ شقِّ سبيل جديد في أدب بلاده، وبراعةُ إعادة إنعاش أسماء مبجَّلة، ووقائع شاعرية، وممارسات مؤثرة؛ كانت حتى وقت قريب غير معروفة كثيرًا أو مجهولة»(10).

ذراعان رائعتان ووجه يهودي

قام فان لينيب في شهر مايو 1841م بزيارة صديقه، الذي أتاح له التواصل مع فيكتور هوغو (وعرَّفه -أيضًا- في عام 1843م على هانس كريستيان أندرسون)(11). والتقى فان لينيب بتاريخ 23 مايو هوغو في منزله، بساحة فوج في باريس: «وجدتُ الشاعر الرومانسي جالسًا في حجرة كبيرة يُعلَّق على جدرانها السجاد، وفيها مصباح واحد وولداه إلى جانبه على الأريكة. وتجلس زوجته في مقعد كبير، وهي سيدة بهية، لها ذراعان رائعتان ووجه يهودي، وتجلس إلى جانبها ابنتاها، كل واحدة في مقعد، وهما غافيتان أكثر من صاحيتَين. كان مشهدًا ذا تأثير كبير وجدير بريشة الرسام رامبرانت. بيد أن الرجل أعجبني، وبقيت معه حتى الساعة العاشرة»(12). وقدَّم مارميه -على الأرجح- رسالة هوغو هديةً إلى فان لينيب(13).

الرسالة الرابعة: غير مؤرَّخة، وموجَّهة إلى الكونت أناتول نيكولايفيتش ديميدوف (1813- 1870م)، وهو رحّال علمي. وقد عُدَّ زمنًا طويلًا عشيق جوليت دروِّه قبيل أن تصبح عشيقة هوغو عام 1833(14). ويتشكّره فيكتور هوغو على إرسال أحد كتبه له، مقرونًا برسومات الفنان التشكيلي أندريه ديران (1807- 1867م). وربما تكون رسومات ألبوم: رحلة جمالية وآثارية إلى روسيا جَرت عام 1839م (باريس، دار جيهو أخوان، 1842م)، أو: جزيرة ألبا (باريس، شركة ديساك، 1862م)، أو: إقليم توسكانا (باريس، شركة ديساك، 1863م).

الرسالة 1

خالي العزيز،

في الوقت الذي تبتهج فيه، نعاني نحن الأسى. ستعود وتلْقى قريبًا ابنك أدولف، ونحن سنفقده. وستُحصي ببهجة كل يوم من الأيام التي تُقرِّبه إليك، ونُحصي كل يوم من تلك الأيام بمشقة؛ لأنه سيُبعدنا عنه. بيد أنه، يا خالي العزيز، سيجد في منزل أبيه، مع عودته بعد طول غياب، السكينة التامة والسعادة الكريمة، وستُضيف عودته، المرتقبة بشوق كبير، كثيرًا من البهجة إليها.

إنَّ رحيل أدولف هذا يُعيد إلى ذاكرتنا بأسى شديد مغادرته العام الفائت؛ إذ تركنا وحيدين في حِدادنا. وقد مرَّت الآن سنة على هذا البؤس الشديد؛ لتُخفِّف من مرارته الأولى، ولكنّ سنينَ أخرى ستمرّ، ولن تستطيع إزالته. وا أسفاه! هل سنكون جديرين بأن نلقى في السماء الأشخاص الذين أحببناهم، إنْ فقدنا ذكراهم على الأرض؟

اعذرني، خالي الرائع، على جميع أفكاري الحزينة التي تأتيني محتشدةً حين أفكر أن ذاك أيضًا سيتركني في الغد، وهو الذي كان لي بمَعزَّة باقي إخوتي، هذا الأدولف، رفيق سكني، وبيتُ سرِّ أتراحي وأفراحي كلها.

لا يمكننا اللحاق به إلى نانت هذا العام، فلا يزال إخوتي بعيدين من الاستقلالية بأنفسهم، وأنا أقرب إليها منهم؛ وهذا ما سيحدِّثك به أدولف، مما يمنعني من المجيء معه إلى نانت، للتمتع بسعادة رؤيتكم ومعانقتكم جميعًا! لكنّ هذه السعادة ستأتي، مثلها كمثل أنواع أخرى من السعادة.

لنتحدَّث قليلًا عنك، يا خالي العزيز. فأنا سأقوم -إن أمكن- بالإعلان في صُحفنا عن طبعتك الثانية. تقول: إنك ستسلّمني كتيّبك في حلّة أفضل، وهذا يبدو لي صعبًا، لكنه غير مستحيل، على الأقل عليك. فقد حصد هذا العمل الرائع جميع الأصوات، وأنا فخور به
أكثر منك.

وداعًا، يا خالي الطيب الغالي. أرسل آيات الصداقة لابنة خالنا، وأبناء خالنا؛ الأقارب الأعزاء الذين تأخرنا عن رؤيتهم. قبِّل أدولف عوضًا عنا، كما سنقبّله عوضًا عنك.

ابن اختكَ المخلص

مع احترامي

فيكتور في 23 يوليو، الساعة 11 مساءً.

خطَّ لي السيد بوتيّه رسالةً في منتهى اللطافة، منعتني إلى الآن انشغالاتي المتزايدة من الردّ عليها. أرجو أن تعبّر عن كامل أسفي لهذا السيد الذي عوّدني على سعة صدره.

آبل، التائه في العمل، سيراسلك بلا انقطاع. غير أن رسائلي هي كرسائله.

العنوان: إلى السيد

السيد تريبيشِّه

مدينة نانت

[لاهاي، الأرشيف الملكي، G16-A264].

الرسالة 2

باريس، 20 ت2 1829م

حين كتبتُ «اليوم الأخير في حياة محكوم عليه بالإعدام» كان لدي، يا سيدي، هدف مزدوج: إثارة فظاعة عقوبة الإعدام في الطبقات العليا التي تطبّقها، وإثارة الخيفة في طبقات الجهلة والمساكين، التي تحرِّضها وتخضع لها. وبهذه الطريقة، أوصِل بقدْر ما يمكن أن يكون في داخلي عن إلغاء العقوبة، وبانتظار ذلك، تخفيف أسباب تطبيقها؛ وكل ما يمكنه الإسهام في توسيع الشعور الذي وددتُ إنتاجه، وفي تنميته ونشره، وقد نقصتني الموهبة وحدها لبلوغه؛ وكل ما يُشيع بين الناس ذهنية كتابي ويُعيد إنتاجها، وينزع إلى الهدف المزدوج الذي وجِد من أجله؛ وكل ما يمكنه جمع الأذهان على هذه القناعة؛ لن أقول إنَّ هذا يغويني (لأن لغة التبجُّح الأدبي البائسة ليس لها مكان ههنا)، ولكنه يمسّ أعماقي. وأتطلَّع إلى هذه القضية على نحو عمل ينبغي أن يشارك فيه كل شخص يعي أنه ما من شيء في استطاعته مناهضة الطبيعة من دون مناهضة المجتمع.

وعقوبة الإعدام تُضاهي تلك الأشياء الوحشية التي تخدش الإنسانية من جميع جوانبها. وإنَّ تدميرها ذو أهمية. ونحن إذ ننتظر أن يودي بها حسام المشرِّع بلا رجعة، ينبغي لنا -نحن الكتّاب- قتلها معنويًّا، ورجمها؛ فيجب أن يرميها كل واحد منا بحجارته؛ لذا أشكرك من أعماق قلبي على كتابك، متأسفًا فقط ألا يكون كتابي أفضل منه.

أشكرك أيضًا، ولكن هذا لأمر يخصني، على رسالتك الكريمة المُثنيَة، راجيًا منك الإيمان بقدراتي إيمانًا كاملًا.

خادمك المتواضع والمطيع جدًّا

ف. هوغو

العنوان: السيد

هـ. ل. فيفيز

كاتب أول في الغرفة العامة للحسابات المالية

لاهاي (هولندا).

ختم بالشمع الأحمر

[لاهاي، الأرشيف الوطني، 2.21.037.05، هورا سيكاما، 85، f. 21 – 22].

الرسالة 3

هيئة باريس، في …..184

الدراما

شارع فيفين، 15

سيدي

أرسل لك كلمة في عُجالة، يا زميلي العزيز. يتطلَّب عرضٌ تجريبي وجودي غدًا، فلا أستطيع التغيُّب عنه. إذا أردت، أتشرَّف بانتظارك يوم الأحد من الساعة الثامنة إلى التاسعة مساءً.

ألف اعتذار، وألف ودٍّ وثناء

فيكتور هوغو

الأربعاء 19

العنوان: السيد ك. مارميه

35، شارع أُديون

ختم: مكتب مون دي روا [مستطيل؛ أحمر]؛ ثلاثة أختام بريدية: رقم- جمع الرسائل الساعة 8 مساءً [أحمر]؛ باريس، 15، غير مقروء [أزرق]، غير مقروء [أسود].

ختم بالشمع الأحمر

[أمستردام، أرشيف المدينة، رقم الوصول 238، عائلة فان لينيب، 270].

الرسالة 4

سيدي

عرفتُ العمل الجميل الذي أبدعتَه، وعرفتُ -إن صحَّ التعبير- وجدانه. وأثمِّن عاليًا أن يعود إليك وإلى السيد ديران الذي لبَّت موهبته الجميلة بنحو ممتاز نوازعكَ، فلم يقُل لك شيئًا إلا كان شعوري الحقيقي.

تفضلوا، يا سيدي، بتقبُّل بالغ شكري وكامل تقديري.

فيكتور هوغو

العنوان: السيد الكونت أ. ديميدوف

[لاهاي، الأرشيف الملكي، G16-A230].


هوامش:

1. فيكتور هيغو، مراسلات عائلية ومكاتيب حميمة، إصدارات جان غودون وآخرون، 1 (1802- 1828م)، باريس، دار نشر لافون، 1988م.

2. انظر: مراسلات عائلية، 1، ص415، من أدولف إلى والده، 14 يوليو 1822م.

3. اتصالات السيدة شارلوت أيمايل، أمينة الأرشيف الملكي.

4. هيرنيكيس ليدوفيكيس فيفيز (ينحدر من مدينة أوترخت)، 33 عامًا، العنوان: برينسينجراتشت 48، متزوج، وله خمسة أطفال (لاهاي، أرشيف البلدية، سجلات الأحوال المدنية، 1830م).

5. أمستردام، المكتبة الجامعية (UBM 712 F 12).

6. انظر: Nederlandse bibliografie (قائمة المراجع الهولندية) 1801- 1832م، إصدارات ل. ج. سالمينك، مدينة هاوتن، دار نشر: بون ستافلو فان لوغوم، 1993م، 3، ص891.

7. صحيفة (Vaderlandsche letteroefeningen)، 1830م، 1، ص271-277.

8. فيكتور هيغو، اليوم الأخير في حياة محكوم عليه بالإعدام، كلود غو، دار نشر بيير غرويكس، سلسلة (Petits Classiques Larousse)، 2004م، ص49.

9. آلان ديكو، فيكتور هيغو، باريس، دار ليبريري أكاديميك بِرّا، 1984م، ص568.

10. كزافيه مارميه، رسائل عن هولندة، باريس، دار هـ.–ل. ديلوا، 1841م، ص228-229.

11. جاكي وولزكلاجر، هانس كريستيان أندرسون: حياة قاصٍّ، شيكاغو، منشورات جامعة شيكاغو، 2002م، ص214.

12. م. ف. فان لينيب، حياة السيد جاكوب فان لينيب، أمستردام، الناشر: ب.ن. فان كامبِن وابنه، 1909م، 1، ص276 (رسالة باللغة الهولندية من فان لينيب إلى زوجته).

13. الرسالة غير مذكورة في الرسائل الأربع عشرة، المُرسلة من مارميه إلى فان لينيب، المؤرخة من عام 1840م إلى عام 1860م، التي توجد في المجموعة نفسها (أمستردام، أرشيف المدينة، رقم الوصول 238، عائلة فان لينيب، 270).

14. جيرارد بوشان وروبير سابوران، جوليت دروِّه أو الشاعرة بالغربة، [باريس]، دار فايارد، [2003م] (طبعة جديدة)، ص86-89.