الأعياد اليهودية تتحول مناسبة للاعتداء على الفلسطينيين وتراثهم الحضاري إسرائيل: تسييس الأعياد الدينية واستبدال الكراهية بالفرح

الأعياد اليهودية تتحول مناسبة للاعتداء على الفلسطينيين وتراثهم الحضاري

إسرائيل: تسييس الأعياد الدينية واستبدال الكراهية بالفرح

تخصص الأمم والشعوب والدول أيامًا وأعيادًا للاحتفال وتعميم الفرح وقيم السلام والتسامح والصفح والغفران بما يعزز وحدة المجتمعات ونبذ العنف والكراهية. وثمة نوعان للأعياد والمناسبات؛ الأول يتمثل في الأعياد الدينية التي دعت إليها الشرائع والكتب السماوية. وتُحدِّد مواقيت الأعياد المدنية والمناسبات والأيام الوطنية أو العالمية الدولُ والحكومات وجهات أو منظمات دولية. ثمة حزمة تناقضات وتداخلات بين الأعياد الدينية والمناسبات المدنية في الحالة الإسرائيلية. وتقوم هذه الدراسة برصد نماذج من الأعياد الدينية وتحليلها للكشف عن آليات تسخير الأعياد الدينية لصالح السياسة والبروباغاندا الصهيونية بما يجعل تسميتها أعيادًا تسمية تفتقد إلى المصداقية.

الأعياد الدينية والمدنية

تقابل كلمة «أعياد» في العبرية كلمة «حَجِّيم» (مفردها «حَج»)، ويقابلها أيضًا «موعيد» أو «يوم طوف». وتُستخدَم كلمة حجيم للإشارة إلى عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد المظال التي تُدعى (أعياد الحج). أما كلمة «موعيد» (وجمعها: موعاديم)، فتشير إلى الأعياد السابقة. وكلمة «موعاديم» أكثر اتساعًا في معناها من كلمة «حجيم»؛ لأنها تشمل الدلالة على كل الأعياد.

وتنقسم الأعياد اليهودية قسمين: الأعياد التي جاء ذكرها في التوراة، أي التي نزلت قبل التهجير، وتلك التي أُضيفت بعد العودة من بابل. ومن بين أهم أعياد القسم الأوَّل: يوم السبت، وأعياد الحج الثلاثة، وعيد الفصح، وعيد الأسابيع، وعيد المظال، وعيد الثامن الختامي، ثم أيام التكفير وهي رأس السنة اليهودية (روش هشَّاناه)، ويوم الغفران (يوم كيبور)، وأخيرًا عيد القمر الجديد (روش حودش). أما مجموعة الأعياد التي أضيفت بعد نزول التوراة، فهي: عيد النصيب (بوريم)، وعيد التدشين (حانوخه)، وعيد لاج بعومير، والخامس عشر من آف، وعيد رأس السنة للأشجار.

وتُعَدُّ الأيام الأولى والأخيرة في أعياد الفصح والمظال والأسابيع ورأس السنة ويوم الغفران أعيادًا أساسية يُمنَع فيها العمل إلا إعداد الطعام. أما الأيام التي تقع بين اليومين الأوَّل والأخير، فيُباح فيها القيام بالأعمال الضرورية. ولا يُحرَّم العمـل في الأعيـاد الأخرى؛ مثل: النصيب والتدشين. وتشمل روزنامة الأعياد والمناسبات ما يلي: عيد الاستقلال؛ يوم التاسع من آب؛ يوم ذكرى الذين سقطوا في حروب ومعارك إسرائيل وضحايا «الإرهاب»؛ ذكرى ضحايا المحرقة و«البطولة»؛ يوم «أورشليم» القدس وذكرى اغتيال رئيس الوزراء يتسحاق رابين.

والأعياد الدينية اليهودية ليست ثابتة زمنيًّا على مدار السنة لكونها تسير وفق التقويم العبري. لكن الثابت أن كل عيد يقع في موسم أو فصل سنوي ما، وما يتغير هو التاريخ اليومي فقط. وكما ذكرنا ورد ذكر الأعياد الدينية اليهودية وتفاصيل طقوسها في التوراة والتلمود وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة).

وهناك تلمودان: التلمود الفلسطيني: والتلمود البابلي. وكلا التلمودين مُكوَّن من المشناه والجماراه. والمشناه في كل منهما واحد لا اختلاف بينهما، أما الجماراه فاثنتان. ويتكون التلمود من عنصرين؛ فهناك العنصر الشرعي والقانوني (هالاخي)، وهناك العنصر القصصي والروائي والأسطوري (أجادي) بما يشمله من الأقوال المأثورة (والأخبار والخرافات والشطحات والخيال) إلى جانب السحر والتراث الشعبي.

وتبلغ أقسام المشناه ستة، وتُسمَّى «سداريم»، وتنقسم السداريم بدورها أسفارًا تُسمَّى «ماسيختوت» التي تنقسم بدورها فصولًا تسمَّى «براقيم». ويؤلف السدر الثاني: سدر موعيد القسم الثاني من التلمود البابلي، ويتوزع على اثني عشر سفرًا تضمها أربعة مجلدات ضخمة. أما تسمية «موعيد» بمعنى «الموعد» أو «الموسم المقدَّس»، فهي مأخوذة على الأرجح من سفر اللاويين (23/2). والمسائل الأساسية التي تتناولها أسفار هذا القسم تتعلق بالسبت والأعياد وأيام الصوم وغير ذلك من المواسم والمناسبات الدينية، إضافة إلى الطقوس والشعائر والفرائض والقرابين، وقواعد تنظيم التقويم العبراني.

وعلى سبيل المثال، يُعرف سفر يوما (اليوم) باسم سفر «يوم الغفران»؛ لأنه يتناول أنظمة هذا العيد وفرائضه داخل الهيكل، كما يَبسُط قوانين الصوم وأحكامه ويصف الاحتفالات والطقوس التي كان يترأسها الكاهن الأعظم في ذلك اليوم. ويُعرف سفر بيصة (بيضة العيد) باسم «العيد» أو «يوم طوف»؛ إذ يرسم الحدود التي تتحكم في إعداد الأطعمة أثناء الأعياد. كما يسرد مختلف أنواع الأعمال التي يُحظَر إتيانها أو يُسمَح بها خلال أيام العيد. ويُعرف سفر موعيد قاطان (العيد الصغير) باسم «مشكين»، نسبة إلى الكلمات الأولى في السفر. ويتناول أحكام العمل أثناء الأيام الفاصلة بين أوائل عيد الفصح وأواخره وبين عيد المظال. كما يتحدث عن الفرائض المتعلقة بالحزن والحداد.

في المقابل، لم يَرِد ذكر مناسبات مدنية أو تاريخية في التوراة. بل تشكلت في الأوساط اليهودية في العالم من خلال تفاسير علماء الدين اليهودي وفتاواهم. كما أن الأعياد والمناسبات الزمنية تأسس معظمها بعد عام 1948م؛ منها يوم الاستقلال وهو غير ثابت رغم أنه أعلن في 15 أيار 1948م، وسبب ذلك هو تبني قيادة إسرائيل للتاريخ العبري لتحديده، من منطلق ربط حاضر «الشعب الإسرائيلي» مع ماضيه البعيد جدًّا.

ويضم الاحتفال بأي عيد يهودي ثلاثة عناصر: أولًا- المرح الذي يأخذ شكل المأدبات الاحتفالية (سوى يوم الغفران) والامتناع عن العمل في الأعياد المهمة. ثانيًا- الأدعية والابتهالات التي تضاف إلى الصلاة (عاميدا). ثالثًا- طقوس احتفالية خاصة؛ مثل: أكل خبز الفطير في عيد الفصح، وإيقاد الشموع في عيد التدشين، وزرع الأشجار في عيد رأس السنة للأشجار. أمّا كيفية إقامة الشعائر الدينية في الأعياد ومدى التمسك بها، فيمكن تقسيم اليهود في إسرائيل وخارجها إلى فئتين: فهناك اليهود الأرثوذكس، وهم الفئة الأكثر محافظة وتمسكًا بتقاليد الأعياد. وتُولِي الدولةُ الصهيونية هؤلاء اهتمامًا خاصًّا، فهي تزيد مثلًا برامج نشرات الأنباء في الإذاعة والتلفزيون مساء السبت حتى يتسنى لهم سماع ما فاتهم طيلة اليوم؛ لأن استعمال الكهرباء من المحرمات في ذلك اليوم المقدَّس. أما الفئة الثانية، فهم اليهود العلمانيون في إسرائيل وخارجها.

التقويم التوراتي

حـدَّد حاخــامات اليهود تاريخ بدء الخليقة على أساس التواريخ التـــوراتية بســنة 3760 قبـل الميــلاد. ويمكن التوصل إلى الســنة اليهـودية، بإضـافة التــاريخ الافتراضــي لخلق الكون إلى التاريخ الميلادي. وبحسب هذا التقويم، يوافق عام 2019 الميلادي سنة 5779 اليهودية (وهو مجموع 3760 + 2019).

ويعدّ التقويم العبري «اليهودي» من أعقد التقاويم في العالم حيث إن السنة فيه شمسية وشهوره قمرية؛ لذلك فهم يضيفون 7 شهور في كل 19 سنة للتوفيق بين كون السنة شمسية والأشهر قمرية، فقد عرف اليهود بطريقة ما أن للقمر دورة تتم كل 19 سنة حيث إن مولده يعود كما كان في أول الدورة، كما أنهم توصلوا إلى أنه في هذه المدة يمرُّ 235 هلالًا قمريًّا. ولحل مشكلة التوفيق بين دورة الشمس (السنة الشمسية) ودورة القمر (الشهر القمري) لجؤوا إلى الكبس، فقاموا بتوزيع تلكم الشهور السبعة على 19 سنة في كل دورة على النحو الآتي: 3، 6، 8، 11، 14، 17، 19، حيث إن كل سنة من السنين المذكورة آنفًا تكون كبيسة؛ أي تحتوي على 13 شهرًا بدلًا من 12 شهرًا، والشهر الكبيس يكون بين شهري آذار ونيسان.

وجدير بالذكر أن السنة العبرية ستة أنواع هي: 1. بسيطة معتدلة وطولها 354 يومًا. 2. بسيطة زائدة وطولها 355 يومًا. 3. بسيطة ناقصة وطولها 353 يومًا. 4. كبيسة معتدلة وطولها 384 يومًا. 5. كبيسة زائدة وطولها 385 يومًا. 6. كبيسة ناقصة وطولها 383 يومًا. ولمعرفة السنة البسيطة من السنة الكبيسة تقسم السنة على 19، فإن كانت النتيجة أحد الأرقام السابقة الذكر (19،17،14،11،8،6،3) فالسنة كبيسة ذات 13 شهرًا، وإلا فهي بسيطة ذات 12 شهرًا، ولا يجوز أن تبدأ السنة عندهم بيوم الجمعة أو الأحد.

وتبدأ شهور السنة لدى اليهود بشهر نيسان أوَّل شهور التقويم المدني، وليس تشري؛ أي أن رأس السنة يقع في سابع شهورها، وتتعاقب الشهور على النحو الآتي: نيسان- أيار- سيفان- تموز- آف- أيلول– تشري وهو الشهر السابع في التقويم الديني اليهودي وأوَّل شهر في التقويم المدني، ويتكون من 30 يومًا. ويوافق هذا الشهر سبتمبر- أكتوبر، وأوَّل أيامه عيد رأس السنة اليهودية (روش هشَّاناه)؛ لذا فإن هذا اليوم هو أيضًا يوم الحساب، حيث يحاسِب الإلهُ العالمَ بأسره. ويقع صوم جداليا في الثالث من هذا الشهر (أيام التكفير العشرة) التي تبدأ في عيد رأس السنة لتصل إلى نهايتها في عيد يوم الغفران. ويقع عيد المظال بين الخامس عشر والثالث والعشرين منه، ويتضمن عيد الثامن الختامي (شميني عتسيريت) وبهجة التوراة (سِمحات توراه). وتعقب هذا الشهرَ الشهورُ الآتية: حشوان– كسليف– تيفت– شفاط وآدار.

عيد الفصح – بيساح أو الفسح

«عيد الفصح» أو «عيد الفسح» هو المصطلح المقابل العربي للكلمة العبرية «بيساح». وهو أوَّل الأعياد حسب التقويم الديني. وهو كذلك عيد الربيع. ويبدأ عيد الفصح في الخامس عشر من شهر نيسان، ويستمر سبعة أيام في إسرائيل (وعند اليهود الإصلاحيين) وثمانيةَ أيام عند اليهود المقيمين خارج فلسطين. ويُحرَّم العمل في اليومين الأول والأخير (وفي اليومين الأولين واليومين الأخيرين خارج فلسطين). وتُقام الاحتفالات طوال الأيام السبعة. أما الأيام الأربعة الوسطى فيلتزم فيها بتناول خبز الفطير من دون أن يقترن ذلك بطقوس احتفالية كبرى. وإذا أخذنا المغزى التاريخي للعيد، فإنه يُشار إليه بالأسماء الآتية: 1- «حج البيساح». و«بيساح» كلمة عبرية تعني «العبور» أو «المرور» أو «التخطي»، إشارةً إلى عبور ملك العذاب فوق منازل العبرانيين من دون المساس بهم، وإشارةً إلى عبور موسى البحر. 2- وهـو أيضـًا العـيد الـذي كـان يُضـحَّى فيه بجمل أو جدي (باشال). 3- وهو كذلك عيد خبز الفطير غير المخمر (حج هامتسوت). 4- يُحتفَل في هذا العيد بذكرى نجاة شعب يسرائيل من العبودية في مصر (زمن حيروتينو) ورحيلهم عنها.

وطقوس الاحتفال بهذا العيد كثيرة ومعقدة، نظرًا لتعدد مصادرها الدينية والدنيوية، وأحيانًا الوثنية.

وتبنَّى اليهود في مائدة عيد الفصح فكرة الكؤوس الثلاثة، وأضافوا إليها كأسًا رابعة تُشرب أثناء تلاوة القاديش؛ لذا توضع على مائدة الفصح أربعة أقداح (أربع كوسوت) من النبيذ يشربها أعضاء الأسرة، وهي ترمز إلى وعد الإله لليهود بتخليصهم وقيامه نفسه بإنقاذهم من مصر من دون وساطة. وقد تمت عملية الإنقاذ على أربع مراحل (سأخرجكم، وسأرسلكم، وسأخلصكم، وسأجعلكم شعبي المختار)، كما يُقال: إن الكؤوس الأربع رمز للشعوب الأربعة التي أذلت العبرانيين، وهم: البابليون، والفرس، واليونانيون، والرومان، ويُضاف قدح خامس يُترك من دون أن يمسه أحد؛ لأنه كأس النبي إيليا الذي سينزل من السماء قبل قدوم الماشيَّح المخلِّص. كما يضاف أحيانًا الآن قدح سادس وتصحبه صلاة شكر للإله على قيام دولة إسرائيل! وأمام مائدة الفصح، توضع أريكة يضطجع عليها رئيس العائلة، ويقص على أفراد أسرته قصة الخروج.

ويجب على كل يهودي أن يستمع إلى القصة ويخوض التجربة كما لو كانت تجربة شخصية يخوضها بنفسه. ويتبادل أعضاء الأسرة التهنئة بهذا العيد بقولهم: «نلتقي العام القادم في أورشليم»، وهي التهنئة التي حولتها الصهيونية من مفهوم ديني معنوي إلى مفهوم سياسي.

ويحتفل كثير من أعضاء الجماعات اليهودية والإسرائيليين بعيد الفصح كمناسبة قومية؛ لذا فإنهم لا يتَّبعون كثيرًا من طقوسه، وبخاصة خبز الفطير. ومن الإسرائيليين من لا يتناول خبز الفطير في هذا العيد ويتدافع إلى المخابز في الأحياء العربية لشراء الخبز المخمر، وتضاعف هذه المخابز إنتاجها في هذا الوقت نظرًا إلى أنه يُحظَر بيع مثل هذا الخبز في ذلك الوقت في المناطق اليهودية؛ لذلك أصدرت لجنة الداخلية بالكنيست قرارًا يَمنَع السكان العرب في القدس من بيع الخبز والمأكولات الأخرى التي تحتوي على خميرة أثناء أسبوع عيد الفصح. ودخل الجنود الإسرائيليون، وأجبروا المخابز على إغلاق أبوابها كما أجبروا الحوانيت على عدم بيع الخبز.

عيد رأس السنة اليهودية (روش هشاناه)

هو عيد يُحتفَل به لمدة يومين في أوَّل تشري (سبتمبر/ أكتوبر). وقد ورد في المشناه أربعة أيام أخرى بوصفها «رأس السنة»: 1- أوَّل نيسان: أول العام وهو لتحديد حكم الملوك العبرانيين، ولتحديد الأعياد (التقويم الديني)؛ لذا فإن اعتلى ملك العرش في شهر آدار، وهو آخر شهور التقويم الديني، فإن الشهر الذي يليه يشكل العام الثاني من حكمه. وعيد الفصح حسب هذا التقويم أوَّل أعياد السنة، وليس عيد رأس السنة. ويذكر التلمود أن أوَّل نيسان هو أيضًا رأس السنة لشراء القرابين بالشيقل التي تُجمَع في آدار. 2- أوَّل أيلول: هو أوَّل العام لدفع عشور الحيوانات؛ إذ كانت تُدفَع العشور عن الماشية التي تُولَد بين أوَّل أيلول وآخر آف. 3- أوَّل تشري: أوَّل العام المدني، وتتضمن أيضًا حساب حكم الملوك الأجانب، ولحساب السنة السبتية، وعام اليوبيل. ويُحرَّم الزرع والحصاد منذ أوَّل هذا الشهر. كما يُعَدُّ تشري رأس السنة من الناحية الدينية. 4- أوَّل شفاط (أو منتصف شفاط): رأس السنة للأشجار.

ومع ذلك، فإن اليهود لا يحتفلون إلا برأس السنة التي تقع أول تشري، وهي وحدها التي يُشار إليها باسم «روش هشَّاناه». ويحتفل اليهود بعيد رأس السنة في بداية السنة العبرية أي في اليوم الأول من شهر تشري. وتصل صلوات كل يوم من يومي العيد ذروتها حين ينفخ في «الشوفار» (نوع من البوق مصنوع من قرن كبش). ويُعَدُّ النفخ في قرن الكبش (الشوفار) رمزًا لكبش الفداء الذي منَّ به المولى عز وجلّ على سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام عندما امتثل لأمر ربّه، وهمَّ بذبح نجله إسحاق على جبل موريّا في أورشليم، وهو الجبل الذي أُقيم عليه فيما بعد الهيكلان المقدسان الأول والثاني. وقد حدثت أضحية إسحاق حسب العقيدة اليهودية في رأس السنة العبرية. وقد يصادف أول أيام العيد يوم السبت، وفي هذه الحالة لا ينفخ في الشوفار في ذلك اليوم على أن ينفخ فيه في ثاني يومي العيد فقط. ويُعَدُّ يوما عيد رأس السنة يومَيْ عطلة رسمية، لا تعمل فيهما المواصلات العامة في معظم أنحاء البلاد، ولا تصدر الصحف.

وليس لعيد رأس السنة ذكرى تاريخية معيَّنة، كما أنه لا يُعَدُّ أهم من الأعياد اليهودية الأخرى. ومع هذا، فقد اكتسب هذا العيد دلالة دينية وقدسية خاصة. فلقد جاء في المشناه أنه اليوم الذي بدأ فيه الإله خلْق العالم، وهو اليوم الذي تمرُّ فيه المخلوقات كقطيع الغنم أمام الإله. ومن ثم، فعلى اليهودي أن يحاسب نفسه في هذا اليوم عما ارتكبه من ذنوب. وعيد رأس السنة أوَّل أيام التكفير التي يبلغ عددها عشرة، والتي تنتهي بأقدس يوم لدى اليهود على الإطلاق، وهو يوم الغفران.

عيد يوم الغفران (يوم كيبور)

«يوم الغفران» ترجمة للاسم العبري «يوم كيبور». وكلمة «كيبور» من أصل بابلي ومعناها «يطهر». والترجمة الحرفية للعبارة العبرية هي «يوم الكفارة». ويوم الغفران هو في الواقع يوم صوم، لكنه مع هذا أضيف على أنه عيد، ولأنه يُعَدُّ أقدس أيام السنة، فإنه لذلك يُطلَق عليه «سبت الأسبات»، وهو اليوم الذي يُطهِّر فيه اليهوديُّ نفسَه من كل ذنب. وبحسب التراث الحاخامي، فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء، للمرة الثانية، ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن أن الرب غفر لهم خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي. وعيد يوم الغفران هو العيد الذي يطلب فيه الشعبُ كلُّه الغفرانَ من الإله.

ويبدأ الاحتفال بهذا اليوم قبيل غروب شمس اليوم التاسع من تشري، ويستمر إلى بعد غروب اليوم التالي، أي نحو خمس وعشرين ساعة، يصوم اليهود خلالها ليلًا ونهارًا عن تناول الطعام والشراب والجماع الجنسي وارتداء أحذية جلدية، كما تنطبق تحريمات السبت أيضًا في ذلك اليوم، وفيه لا يقومون بأي عمل آخر سوى التعبد. والصلوات التي تُقام في هذا العيد هي أكثر الصلوات اليومية لليهود وتصل إلى خمس، وهي الصلوات الثلاث اليومية مضافًا إليها الصلاة الإضافية (مُوساف) وصلاة الختام (نعيَّلاه)، ويُقرأ فيها كلها وقوفًا. وتبدأ الشعائر في المعبد مساءً بتلاوة دعاء كل النذور ويختتم الاحتفال في اليوم التالي بصلاة النعيلاه التي تعلن أن السماوات قد أغلقت أبوابها. ويهلل الجميع قائلين: «العام القادم في القدس المبنية»، ثم يُنفخ في البوق (الشوفار) بعد ذلك.

ويحتفل معظم أعضاء الجماعات اليهودية بهذا العيد، ومن بينهم اليهود العلمانيون، ولكن احتفالهم به يأخذ شكلًا علمانيًّا، فهم لا يمارسون أية شعائر؛ مثل: الصوم أو الامتناع عن الجماع الجنسي، إنما يقيمون يومًا احتفاليًّا، فيحصلون على إجازة، ويذهبون إلى المعبد حيث تقوم الجماعة بممارسات تؤكد الهوية الإثنية. ويُطلَق على حرب أكتوبر حرب يوم الغفران؛ لأن عبور القوات العربية كان في ذلك اليوم من عام 5733 حسب التقويم اليهودي. ومنذ عام 1973م أُضفِيَ على يوم الغفران جوٌّ من الحزن؛ بسبب ذكريات الحرب.

عيد المساخر/ النصيب (بوريم)

بوريم كلمة عبرية مشـتقة من كلمة «بـور» أو «فـور» البابلية ومعناها «قرعة» أي «نصيب». وكان عيد النصيب يُدعى أيضًا «يوم مسروخت» إشارة إلى «الباروكة» التي كان يرتديها الشخص في عيد النصيب في القرن الأول قبل الميـلاد. وعيد النصيب يُحتفَل به في الرابع عشر من آدار. وهو اليوم الذي أنقذت فيه إستير يهود فارس من المؤامرة التي دبرها هامان لذبحهم، ولهذا ففي اليوم الذي يسبق العيد يصوم بعض اليهود ما يُسمَّى «صوم (تعنيت) إستير»، إحياءً لذكرى الصوم الذي صامته إستير وكل اليهود في شوشانه قبل ذهابها إلى الملك تستعطفه لإلغاء قرارات هامان. وكان قد تقرَّر بالقرعة (أي بالنصيب) أن يكون يوم الذبح في الثالث عشر من آدار ـ ومن هنا التسمية.

ويحتفل اليهود بهذا العيد بأن يقرأ أحدهم سفر إستير من إحدى اللفائف الخمس ليلة العيد. ويصاحب هذا العيد الكثير من الصخب؛ إذ كان اليهود عند ذكر اسم هامان، أثناء قراءة سفر إستير، يُحدثون جلبة أو يدقون بالعصى التي في أيديهم كأنهم يضربون هامان وينكلون به. ويتوقف القارئ تمامًا عن التلاوة حتى يتلاشى الصوت، ثم يتلو مرة أخرى إلى أن يصل إلى كلمة «هامان» مرة أخرى. ويقدم اليهود في هذا العيد الهدايا إلى الأصدقاء والمحتاجين، كما أن الأسر تتبادل الطعام. ومن العادات الأخرى، تناول فطيرة خاصة يدعونها «أذن هامان».

عيد المظال (سوكوت)

هو ثالث أعياد الحج عند اليهود، إلى جانب عيد الفصح وعيد الأسابيع. وقد سُمِّي هذا العيد على مدى التاريخ بأسماء عدة؛ من بينها «عيد السلام» و«عيد البهجة». ويبدأ في الخامس عشر من شـهر تشـري (أكـتوبر)، ومدته سـبعة أيام، بعد عـيد يوم الغفران. والمناسبة التاريخية لهذا العيد هي إحياء ذكرى خيمة السعف التي آوت العبرانيين في العراء أثناء الخروج من مصر (لاويين 23/43). وكان هذا العيد في الأصل عيدًا زراعيًّا للحصاد، فكان يُحتفَل فيه بتخزين المحاصيل الزراعية الغذائية للسنة كلها؛ لذا فإنه يُسمَّى بالعبرية «حج ها آسيف»، أي «عيد الحصاد».

ويُعَدُّ اليوم الأوَّل من أيام العيد يومًا مقدَّسًا يُحرَّم فيه العمل. أما اليوم الثامن فهو عيد الثامن الختامي (شميني عتسيريت)؛ لأنه يختم الأعياد الكثيرة الواقعة في شهر تشري، ويتبعه عيد بهجة التوراة (سمحت توراه). ولكنهما يُدمجان في إسرائيل.

ويُعرف عيد المظال أيضًا بـ«عيد العرش»، ويتميز هذا العيد بأداء شعيرتين؛ أولاهما: إنشاء مظلة يُتنَاول تحتها جميع وجبات العيد، بل ثمة من ينام فيها أيضًا. وذلك تذكارًا للعروش التي عاش فيها بنو إسرائيل في تيه سيناء طوال أربعين سنة. والشعيرة الثانية هي الباقة التي يمسك بها اليهود عند صلاة الصباح، والمؤلفة من سعفة نخيل وأترنج وبعض أغصان الآس وأغصان الصفصاف. يُحتفل باليوم الأول من أيام سوكوت في إسرائيل على أنه يوم مقدس. وبعد اليوم الأول المقدس يستمر الاحتفال بعيد العرش ولكن بدرجة أقل من القدسية. وخلال أيام «وسط العيد» التي تلي اليوم الأول تُعطَّل الدراسة في المؤسسات التعليمية كما يعطَّل العمل في العديد من أماكن العمل. ويمضي العديد من الإسرائيليين أيام «وسط العيد» في المتنزهات العامة.

عيد الأسابيع (شفوعوت)

يأتي هذا العيد بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح ومن هنا جاءت تسميته. ومدة هذا العيد يومان، هما السادس والسابع من شهر سيفان (9 – 10 يونيه)، وهو بهذا يُعتبَر من أعياد الحصاد. لكن هذا العيد ليس عيدًا زراعيًّا وحسب، إنما هو أيضًا عيد له مناسبة دينية وتاريخية، وهي نزول التوراة والوصايا العشر على موسى فوق جبل سيناء، فهو إذن عيد زواج الإله بالشعب؛ لذا فهم يزينون المعابد بالزهور والنباتات ويقيمون حفل زفاف للتوراة وكأنها عروس. وتطورت طريقة الاحتفال حتى أنه (في اليوم التالي) كان أحد اليهود يرفع التوراة قبل قراءة الوصايا العشر، ثم يقرأ عقد زواج بين العريس (الرب) والعذراء (جماعة يسرائيل).

تسخير الأعياد لصالح الصهيونية

تتشكل ثقافة المجتمع الإسرائيلي وتطلعاته من ثلاثة أعياد مركزية هي: عيد الفصح العبري، وعيد البواكير، وعيد الحانوكا. وقد أدركت المؤسسات الصهيونية، ثم الإسرائيلية جيدًا مدى أهمية الأعياد في تشكيل ثقافة انتماء اليهود لـ«أرض إسرائيل» وللتراث اليهودي الديني والاجتماعي من منطلقات دينية للمتدينين وعلمانية لبقية اليهود؛ أي أن استخدام الأعياد لاحتياجات السياسة كان عملًا موفقًا من وجهة النظر الصهيونية. وفي صلب فكر وممارسة الصهيونية وإسرائيل. لذلك أُعِيدَ بناء عادات وتقاليد عيد البواكير (الأسابيع) بصيغة وحُلَّة إسرائيلية هي جزء من عملية تسييس العيد وجعله عيدًا وطنيًّا للأرض ولأورشليم (القدس) خاصة. وترى بعض التيارات والفرق اليهودية الدينية والسياسية اليمينية المتطرفة والمتشددة في هذا العيد انبعاثًا لإعادة بناء الهيكل اليهودي في بيت المقدس.

ونتيجة لعملية تسييس الأعياد الدينية في إسرائيل لم يَعُد العيد جزءًا من زمان مقدَّس أو دورة كونية يحاول الإنسان أن يربط بينه وبينها من طريق إقامة الشعائر، إنما هو تحقيق للذات الفردية. ومن ثم، فقد أصبح جزءًا من وقت الفراغ يشبه عطلة نهاية الأسبوع الهدف منه الترويح عن النفس لا كبح جماحها. وفي إطار تسييس وعلمنة الأعياد، قد تختفي بعض الأعياد، ولكنّ بعضًا آخر يمكن أن يُبعَث وتُؤكَّد أهميته؛ إذ تصبح الأعياد جزءًا من الفلكلور. كما أن كل الأعياد اليهودية ابتداءً من عيد الفصح، مرورًا بعيد الخـروج من مصر، وانتهاءً بعيـد الاسـتقلال، هي أعياد دينية قومية تتداخل فيها القيم الأخلاقية والقيم القومية، والقيم المطلقة والقيم النسبية.

ولقد أصبحت الأعياد اليهودية ذريعة لتوسيع الاستيطان، فقد أشار التقرير الأسبوعي للمكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في 27/ 4/ 2019م إلى أن الأعياد اليهودية تحوَّلت إلى مناسبة إضافية للاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأراضيهم وتراثهم الحضاري وزيادة معاناتهم. فما إن يحلّ عيد الفصح حسب التقويم العبري حتى يجد الاحتلال وقطعان مستوطنيه فرصة ينتهزونها لفرض أمر واقع جديد، عبر السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية ومحاولة تهويد كثير من الأماكن الأثرية والدينية التي تقع في قلب المدن الفلسطينية وقراها.

وشهد كثير من المدن والبلدات والقرى الفلسطينية اقتحامات من المستوطنين بحجة زيارة أماكن دينية حسب روايتهم المزعومة، وقد شارك في هذه الاقتحامات أعضاء من الكنيست، في عملية اقتحام «قبر يوسف» في نابلس، بمشاركة نحو 1400 مستوطن وسط حماية مشدَّدة من قوات الاحتلال، ومن بينهم نشطاء من حزب الليكود واتحاد الأحزاب اليمينية وعدد من قادة المستوطنين في الضفة، حيث أدوا صلوات تلمودية ودعوا إلى فرض السيادة الإسرائيلية على «قبر يوسف» وعلى الضفة الغربية، وتعهدوا بالاستمرار في بناء المستوطنات وتوسيعها.

وتعدُّ الأعياد الدينية اليهودية مناسبات تعمل في مجموعها على تعميق العداء بين اليهود والآخرين «الغوييم» أي الأغيار غير اليهود، على خلفية حفنة أساطير توراتية تتحدث عن «شعب الله المختار»، و«أرض الميعاد»، و«اضطهاد الأغيار لليهود» إلى جانب مزاعم وأسانيد وأباطيل تاريخية متعددة الأغراض تستغلها الأحزاب الصهيونية والحكومات الإسرائيلية في رسم سياساتها العدوانية ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة.


المصادر:

  • موسوعة الدكتور عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المكتبة الوقفية للكتب…، المجلد الخامس الباب السابع عشر والباب الثامن عشر. com/book.php?bid=10610
  • جوني منصور، مؤرخ ومحاضر في كليتي بيت بيرل وعبلين، الأعياد اليهودية من حرفية الكتاب إلى تسييسها، مجلة قضايا إسرائيلية، العدد 25، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار».madarcenter.org/files/424
  • الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء الفلسطينية، «وفا». http://www.wata.cc/
  • الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الأعياد اليهودية. https://mfa.gov.il/MFAAR/InformationaboutIsrael
  • موقع عرب ٤٨/ 27/04/2019 – arab48.com